وجهة نظرنا
الكرم
من صفات ربنا سبحانه وتعالى (الكريم) الذي يتغرر به المذنبون وعندما ننبه احدهم عن ذنبه وضرورة تركه أجاب في الحال ((الله كريم)) فهو معوّل على كرم الله، وأن كرمه لا محدود يتجاوز به عن ذنب الفرد، والمذنب يتكل على صفة الكريم لله سبحانه وهو محق في ذلك، بشرطها وشروطها، ومن شروطها أن تتخلق بأخلاق الله ومنها الكريم فتكون كريماً كما ربك الكريم المطلق، وأما أن تكون بخيلاً وأن ترجو الكريم فهذا خداع ومكر، إذ لا مورد لكرم في نفس البخيل ليطلب الكريم، نعم يكون طلبك وجيها إذا أصبحت كريماً فإنك حينئذ تطلب ما أنت تمثله وتتخلق به وأما لو تخلقت بضده وهو البخل فلا مورد لطلبك الكريم.
والكل منا يعلم أن الإخوة أصحاب المواكب الحسينية جزاهم الله خيراً على ما يقومون به من كرم الضيافة، وحب الخدمة لزوار الإمام عليه السلام بما لا مشاهدة له في كل بقعة من بقاع الأرض، وهذا ما يجده المتوافدون من دول الأرض على الزيارة، فإنهم يشاهدون كرم لم يسبقوا به، ولا نظير له في دولهم وبلدانهم، وبهذا يسجل العراقيون وإخواننا أهل المواكب، سابقة لا نظير لها إلا عند أهل العصمة والكرم- أهل البيت عليهم السلام- وبذلك يكونون نعم الموالون والمناصرون لهم، ونقول لهم طوبى لهم وحسن مآب.
ولكن: لا تعملوا لدنيا خشية على دنياكم، حباً للسمعة والشهرة أو للشعيرة بما هي شعيرة، أي تعمل لأجلها خاصة دون أن تكرس خصلة الكرم في نفسك وتكون عندك ملكة الكرم تفعله تلقائياً بلا تكلف، في المناسبة أو في غيرها، بل نريد منك واليك أن يكون طبعك الكرم إلى درجة أن لا تكون إلا كريماً، فلا يسأل عنك لماذا تكرم لأنك كريم ولا شأن للكريم إلا الكرم، فلا معنى ليسأل الواحد لماذا فلان كريم لأنه كريم، وهذا ما نريده لك فإنك تتخلق بخلق الله الكريم، وكرمه المطلق لا يخيب ظن العبد الكريم، فاقصد بكرمك أن تكون كريماً حينما يقصدك الضيف أو الصديق أو الغريب، فكن كما أنت في مناسبة الزيارة كريماً محباً متوسلاً بالزائر، فتوسل بالضيف، وتحبب إلى كرمه وضيافته، وحينئذ ستنال الدارين، الدنيا والآخرة، ولتعلم أن إطعام المؤمن الضيف يعادل في بعض الروايات عتق ألف نسمة من ولد إسماعيل عليه السلام، فلا تقللن من عمل الضيافة والكرم واجعل نفسك موطناً للكرم والضيافة كما كان إمامك الحسين كذلك.
الزيارة العالمية
يصح لنا أن نسمي زيارة الأربعين لإمام الإنسانية الحسين عليه السلام بالزيارة العالمية التي عبرت الآفاق لتصل إلى كل أمم الأرض وشعوبها على مختلف مشاربهم وأديانهم ومعتقداتهم حيث شهدت أربعينية إمامنا الأخيرة تجمعاً عالمياً لم يشهده أي مشهد من مشاهد التاريخ الإنساني على ضخامة أحداثها وعمق تأثيراتها ولكنها لم تصل إلى قوة تأثير الحدث الحسيني وقوة تحشيده الملايين وبسرعة فائقة لم يتوقعها معظم البشر، وقد توقعناها قبل بضعة سنين، وقلنا ستتقاطر إلى الحسين عليه السلام جميع شعوب الأرض وسيأتي لزيارته مشياً على الأقدام من مختلف بلدان الأرض، وها هي التوقعات قد اصبحت حقيقة، فكان الأمريكي والإفريقي والاسترالي والأوربي والآسيوي، متواجدين في عرصة الشهادة والبطولة والتضحية كربلاء، كل ٌينبهر بما يشاهده ويتحسسه من آفاق روحية كانت حياتهم خالية منها، ومن ممارسات إنسانية، وكرم عربي منقطع النظير، ومن معاملة أخوية صافية كان الحسين قد خطط لها في معركته وطبقها على صعيدها فجمع الأشتات ووحد الألوان واللغات.
إن هذه الزيارة ستستمر في الازدياد وسيشهد العالم عما قريب مظاهرة عالمية بمعنى الكلمة، ترفع شعار قد صنع ملامحه الإمام الحسين عليه السلام.. هيهات منا الذلّة.
انه شعار صناعة الحياة والكرامة والعزة التي يفتقدها العالم اليوم وهو يرفع شعارات مزيفة للحرية والعدالة تحت عنوان الديمقراطية وأشباهها، الأمر الذي يكشف زيف ديمقراطيات العالم ويظهر حجم الظلم والطغيان وسلب الكرامة ونهب حقوق الإنسان من قبل ثلة قليلة من محتكري الأرض والشعوب.
إننا متفائلون بأن الإمام الحسين عليه السلام وبفعل الموالاة العجيبة لشعب العراق له ولأهل بيته سيصوب سهام القتل والذل على كل الطغاة والمتكبرين في الأرض، وسيرسل برسالة واضحة إلى شعوبهم بأن الحياة لا توهب مع الذل بل تُعطى وتؤخذ مع التضحية، والانتفاض ضد ممارسات الظالمين تحت أية عناوين وضعت.
إن الرسالة العالمية الأربعينية ستجعل دوائر الاستكبار العالمي تخطط في كيفية مواجهة هذه الظاهرة العالمية، وما قاموا به عبر مئات السنين قد باء بالفشل أمام الصمود الحسيني والإصرار العلوي لإبقاء شعائر أهل البيت حية فاعلة في نفوس مواليهم.
لقد جرب الاستكبار كل السبل والوسائل لإخماد نور الظاهرة العالمية وقد تيقن بالفشل وأحس بالهزيمة، وهل تزحف نحوه معلنة انه موضع الاندحار وموقع الهزيمة.
ومن هذا وذاك تعرف أن مقولة الإسلام حسيني البقاء مقولة حق، وكلمات صدق قد ترجمتها الأيام حقيقة لا غبار عليها، وتعرف أيضاً أن حرب الشعائر الحسينية هو بالحقيقة حرب الإسلام، ولكنه حيث الحساسية من إعلان الحرب على الإسلام تحارب الشعائر وتحت عنوان الإسلام، حتى من بعض المنتسبين لأتباع أهل البيت عليهم السلام.
ومن هنا تكون المحافظة على الشعائر واجبة بشكل مؤكد أفرزتها أحداث الواقع في أيامنا هذه، أنها الممارسات التي تستهدف شيئاً واحداً هو تأكيد الولاء وتحفيز النفوس على الثورة والانتفاض ضد الظلم والظالمين، إلا أنها بحاجة إلى مدة طويلة تفرغ النفوس دواخلها من رواسب الظلم والانحراف الذي ارتكبته عن علم أو جهل فأصبح ملكة يصعب تخلصها منها، ولكنها ببركة الشعائر وعالميتها ستنتفض ضدها وتعري نفسها منها وتجرد ضميرها من آثارها.
هذا هو الانتصار الحسيني حينما تغسل النفوس ذنوبها بالتوبة مواساةً للحسين.
صداقة بين الرشوة والخمس
ظهرت في حياتنا المعاصرة بعد سقوط النظام، وانفتاح حياة العراقيين على الحركة والعمل على مختلف الاصعدة، ومن الطبيعي أن تأخذ العقود الإنشائية حصتها من هذه الحركة، لاجل البناء والاعمار والنسق الجاري في مثل هذه الحالات هو أن يعلن على أهل الاختصاص من المسجلين بغرفة التجارة وبدرجات مختلفة يعلن لهم تقديم عطائاتهم ضمن المواصفات والشروط التي تضعها الجهة المنتفعة بالمشروع وهو ما يسمى (برب العمل) حيث تدرس هذه العطاءات على لجنة مختصة لاختيار العطاء المناسبة قيمة وجودة لاعتبارات فنية واقتصادية تأخذها اللجنة بعين الاعتبار، والغريب في هذا العصر هو عدم الالتزام رب العمل باختيار أقل العطاءات، وهو امر غير معروف وليس بمعقول في عمل ينبغي أن نأخذ الجانب الاقتصادي، وتوفير بعض الأموال من عمل اللجان.
والأغرب من ذلك، بما لم تسمع به إذن ولم تره عين أن تقوم بعض الجهات المسيطرة على قبول العطاءات، وهي من جهات متنفذة سياسية، بمشاركة من يرسوا عليه العطاء ومشارطته على أن يكون قد خمس أمواله عند الجهة الكذائية، ولضمان صدقه تطالبه بوصولات ايصال أموال الخمس، ومن تلك الجهة خاصة دون سواها، أو قد يتوسع الأمر بحسب انتماء المسؤول تقليداً.
وقد نسأل كيف يكون اعطاء الخمس رشوة؟ وهو سؤال وجيه، أنه يكون رشوة لأنه المقصود واقعاً دون عنوانه وهو الخمس الذي يتعين فيه قصد القربة، ومن الواضح إن المقاول غالباً لا يهمه العنوان وقصده بقدر ما يهمه الحصول على العطاء ورسو المقاولة عليه، فهو يعطيه وليسمه الآخرون خمساً.
نعم لو فككنا بين الأمرين فهو خمس مدفوع للجهة الدينية، وهو رشوة مقدمة للجهة الحكومية، أرادت بها التزلف والتقرب الى بعض العناوين الدينية المهمة والمؤثرة في دائرة القرار الحكومي، والتي يطلب استرضاؤها والتجنب عن غضبها.
أنه تدخل في الشأن الديني، لا يقره نفس السياسي الذي يرفع شعار فصل الدين عن السياسة وها هو يتقوى بأسم الدين لرفع من سقفه القبولي عند الناس.
ونحن لا نعلم بالضبط إن اعطاء الخمس بعد رسو العطاء على المقاول، مقطوع سلفاً أو أنه سيقدم بعد ذلك؟ وهل يصل الى الجهة الدينية، أو يأخذه المسؤول، وبدعوى ايصاله الى محله المطلوب؟
أنه تزويج بين الفريضة الدينية، والرشوة العرفية كي يتلبس أحدهما بعنوان الأخرى استدراجاً لصيد الأموال، حباً لدفعها إذا تلبست الرشوة بعنوان جيد ومقبول دينياً واجتماعياً وهو الخمس.
طبنا الشرعي
إن ما يقدمه هذا الطب، إن لم يكن نافعاً فهو غير ضار أكيداً الا اذا استخدم بعكس ما نقول، او باضافة بعض الاطعمة اليه التي تفقده خاصيته، وترفع تاثيره او تحوله الى الضد، كما سمعت فيما سبق عن اكل الجبن، وأنه داء في النهار ودواء في الليل، والجبن هو الجبن، الا ان استعماله المعكوس عرفياً عندنا هو ما يخالف قول الشريعة في حقه.. وعلى كل فاليك بعض ما سنقول:
مسألة (1): اذا اردت ان تدفع البُله والضعف عن ولدك فعليك بشرب السويق وامر اهلك بشربه، فإنه ينبت اللحم ويشد العظم ولا يولد الا الولد القوي ولا تنسى على ما تقدم السلق والتين.
مسألة (2): لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يعدي، وأن الطفل يشبه المرضعة في الحمق والرعونة، ولا تسترضعوا الزانية او بنتها.. ولا تقلوا من الرضاع عن الواحد والعشرين شهراً فإنه جور على الصبي.
مسألة (3): تجنب الاقتراب من النساء في اول الليل بعد العشاء مباشرة، فإنه يولد ضعف البصر والدماغ للولد، والقولون واللقوة (الشرجي) والنقرس والتقطير والفتق.
مسألة (4): لا تحبس المني عند نزول الشهوة ولا تُطل المكث على النساء فإنك بذلك تأمن الحصاة وعسر البول.
مسألة (5): كما في بعض الاعراف الريفية من ختان النساء لا وجه شرعي له وانما السُنّة في ختان الذكر.
مسألة (6): للمرأة التي لا ينقطع عنها دم الحيض ان تسقى سويق العدس فإنها تعافى من الدم، ولمن ارادت ان يعود لها الدم بعد الانقطاع فعليها خضب رأسها بالحناء فإن الحيض سيعود اليها.
مسألة (7): لا تجامع زوجتك الا من شبق، ولا تواقعها قبل المداعبة فإنه من الجفاء، واغمر ثدييها فإنها تشتهي مثل الذي تشتهيه منها وظهر ذلك في عينها، وتجنب المعاجلة حتى تقضي حاجتها.
مسألة (8): جامع زوجتك ليلة الاثنين فإنه ان قضي بينكما ولد يكون حافظاً للقرآن راضياً بما قسم الله عزوجل.
وإن جامعت ليلة الثلاثاء فإن الولد ان قضي بينكما يرزق الشهادة بعد شهادة ان لا اله الا الله وأن محمد رسول الله، ولا يعذبه الله مع المشركين ويكون طيب النكهة والفم رحيم القلب سخي اليد، طاهر اللسان من الغيبة والكذب والبهتان.
وإن جامعت ليلة الخميس فيقضي بينكما ولد، فإنه يكون حاكماً من الحكام او عالماً من العلماء، وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس من كبد السماء فيقضي بينكما ولد فإن الشيطان لا يقربه حتى يشيب ويكون قيماً ويرزقه الله السلامة في الدين والدنيا.
وإن جامعتها ليلة الجمعة، وكان بينكما ولد فإنه يكون خطيباً قوالاً مفوّهاً، وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر فيقضي بينكما الولد فإنه يكون معروفاً مشهوراً عالماً، وإن جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة فإنه يرجى ان يكون الولد من الابدال ان شاء الله تعالى.
مسألة (9): يستحب للرجل ان ياتي اهله اول ليلة من رمضان لقوله تعالى ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ [البقرة : 187])) والرفث المجامعة.
مسألة (10): يستحسن حين الجماع ان يقول الرجل (بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) ثم قدر بينكما ولد لم يضره الشيطان ابدأ.
والذين يشكون عدم الولد.. نضيف هنا
مسألة (11): من اراد ان تحبل امرأته فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل بينهما الركوع والسجود ثم يقول: اللهم اني اسألك بما سألك به زكريا، يا رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين، اللهم هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء، اللهم باسمك استحللتها وفي امانتك اخذتها فإن قضيت في رحمها ولداً فاجعله غلاماً مباركاً زكياً ولا تجعل للشيطان فيه شِركاً ولا نصيباً.
قادة تحت الرماد
يستعمل مصطلح القادة كثيراً في الأخبار السياسية فيقال لتصريح ما، انه احد قادة الحزب الكذائي، أو التيار الفلاني أو الطائفة الكذائية وهكذا، إلا بعض التوصيفات لا يستحقها الموصوف، وكيف يستحق صفة القائد وهو يخاف من إلقاء السلام على بعض الشخصيات المهمة والمعروفة لمجرد انه سيتهم بالانتماء إليها، ويوصف بأنه منها، وهذا الأمر لا يقبله من هو منتسباً إليه فعلاً ومن إعطاء حق الوصف بأنه من قيادي كذا.
وللسائل الحق في أن يسأل: هل يستحق من يوصف بالقيادي هذا اللقب؟ وهو يخاف من إلقاء التحية أو ردها او يتهرب، متخفياً خوف أن يواجه شخصاً مهماً فيسلم عليه أو يرد عليه السلام، فإن ذلك في عرف مثل هؤلاء القادة منكسة، وخيانة لخطهم الذي ينتمون إليه! بربك هل هذا خلق العراقيين أو خلق المصلحين أو خلق القياديين، ناهيك عن كون الشخص المتخوَّف منه فوق التوصيف بالخروج عن الملة، هو صاحب فضل عليهم دراسة، وحماية، وصيانة، ورعاية، يشهد كل واحد منهم بفضله عليهم وراء شهادة التاريخ والواقع، بل مسؤوليهم شهدوا في موارد متعددة بفضله وعلو كعبه.
اذكر شاهدين، وكل شاهد كان المتخوف منه سائراً إلى كربلاء على قدميه في الزيارة الأربعينية، ففي العام السابق كان احد الموصوفين بالعناوين جالساً على كرسي لموكب في الطريق وما أن رأى صاحب الفضل عليه حتى نكس رأسه ولم يتحرك ليبادره بالسلام أو ليرحب به على الأقل امتثالاً لأجواء الزيارة وخدمة المواكب المقدمة للزوار، واسمه الشيخ سعد ……. .
والحادثة الأخرى هذا العام، حينما دخل المتخوف منه احد المواكب ولم يلتفت إلى أن اخبره بعض من كان معه بأن المدعو الشيخ ……. الفرطوسي، قد قام مستعجلاً ومتلثماً خوفاً أن يراه وخرج مسرعاً دون أن يلاحظه المتخوف منه.
هذه هي قيادات آخر الزمان، ومنها تعرف كم ان هذا الشعب الطيب بسيط وتستغل بساطته لتمرير كل هذه العناوين عليه.
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [الإسراء : 71]
وتلك الأيام نداولها بين الناس
الأيام تتداول بين الناس بمعنى من كان رئيساً قد يصبح مرؤوساً ومن كان مطلوباً قد يصبح طالباً، ومن كان فقيراً قد يصبح غنياً.. وهذا، فلا مجال لبقاء الحال على ما هو عليه، وقد وجدنا هذا القانون أو السُنّة الإلهية جارية على الكل بلا استثناء ولا تخضع القاعدة فيما تابعنا من أحداث تاريخية ووقائع حياتية وأخبار قصصية لمبدأ الفضيلة والرذيلة كما كان يتصور البعض، وبذلك يندفع إشكال عدم اتساق الأمور لجملة من أولياء الله من الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام، فإن في إبعادهم عبرة لغيرهم وزيادة لمقاماتهم وعظيم أجرهم عند الله، وترجمة لخصلة الصبر، وتكريساً لفضيلة الرضا في نفوسهم بما قدر الله وقضاه.
إلا أن الأنبياء والأولياء ما كانت لتأتينّهم الأمور وتتسق لهم الأحوال إلا بعد طول معاناة ومواجهة شرسة مع أعداء الله والدين، من طواغيت عصرهم وملائهم، ولم نجد ما يعكس القاعدة إلا في ادم عليه السلام فيما كان في الجنة فاخرج منها.
وقد ذكرنا في مقال سابق كيف دالت الأيام وأصبح الحاكم محكوماً، والمحكوم حاكماً في اظهر مظهر له في جلال طلباني رئيس جمهورية العراق الآن، المحكوم سابقاً من قبل صدام المحكوم الآن من قبل جلال، ومثاله الحالي قضية الهاشمي فقد أخذت أكثر مما تستحق وانسحبت إلى ميادين أخرجتها عن إطارها القانوني، ونحن في بلد القانون على الفرض وسيادة القضاء واستقلاله، والمهم في محل كلامنا هو محكوماً بعد أن كان حاكماً وهكذا، وقد تتسع دائرة التداول للأيام على الأمم والشعوب بل وعلى الطوائف، فمن احتلال بريطانيا لأمريكا إلى تابعية الأخيرة للأولى، ومن كون الحكم على طول تاريخ العراق الحديث الذي ابتدأ من عام 1940م إلى ما قبل سقوط صدام يتصف (بالصبغة السنية) وهذا واقع- وأنا لست من الطائفيين- وقد رفضنا الطائفية بكل صورها وأشكالها وحرمنا التحدث بأنفاسها.
إلا إننا الآن بصدد الحديث عن مضمون الآية الكريمة- مصداقاً- وفي ظل ذلك النظام كان المتشردين أكثرهم من الشيعة والمطلوبين للقضاء أو السلطات منهم وأعداد المعدومين تشهد بذلك لكل منصف، وانزواءهم من مواقع السلطة والمواقع المهمة في دوائر الدولة، بل والجيش خير شاهد، وكان من هو في السلطة الآن مطلوباً للنظام ومعظمهم من الشيعة، وقد انقلبت الأمور وصارت السلطة لهم، ومواقع الدولة لديهم، وأصبح الهاشمي مطلوب للسلطة وطريدها، وهو يتخفى في الشمال تحت عنوان الضيافة، ضارباً المضيّف القضاء العراقي والسلطة المركزية عرض الحائط في تحدي صارخ لاستقلال الإقليم وعدم اعتباره لقرارات المركز وكأن الإقليم هو جزء من كونفدرالية متعددة الدول لا فيدرالية متعددة الأقاليم وهذا ما كنا نخشاه ونتخوف منه، وها هي مخاوفنا يصدقها الواقع وتحكيها الأحداث، ولكن لا تحبون الناصحين.
وقد سألني بعض الإخوة عن مساوئ الفيدرالية حينما ظهرت وسائل الإعلام تلوح بها ويتشدق بها بعض المسؤولين، وقد أقرّت في الدستور، قلت في حينها أن المجرم في إقليم قد يهرب إلى إقليم آخر لا يجرمه فيما ارتكب، وهذا بالضبط ما حصل في قضية الهاشمي، فهل نطلب أثراً بعد عين.
(وجوب قطع يد السارق)
ذكر أبن شهر آشوب في مناقبه، عن صحيح الدار قطني أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بقطع لص فقال اللص: يا رسول الله قدمته في الإسلام وتأمره بالقطع، فقال: لو كانت ابنتي فاطمة، فسمعت فاطمة عليها السلام فحزنت، فنزل جبرئيل بقوله ((لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر : 65]))، فحزن رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء : 22])).
فتعجب النبي صلى الله عليه وآله من ذلك، فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك، فهذه الآيات لموافقتها لترضى.. (المناقب 3/324).
قدم بمعنى تقدم، كما في القاموس ونهاية ابن الأثير، يقال قدم بالفتح يقدم قدماً، أي: تقدم.
فقوله (قدمته) أي: سبقت المأمور المدلول عليه بأمر الرسول في الإسلام (وتأمره بالقطع) أي: بقطعي، ولعله ظن ان من قدم غيره في دخول الإسلام لا يجوز له قطعه، لشرافته بكونه أقدم منه إسلاماً، وهي ليست مانعاً عن اقامة الحد بدليل قوله ((لو كانت ابنتي فاطمة وهي اعلى شرافة من كل احد لأمرت بقطعها)) لعدم جواز تعطيل حدود الله، وعدم منع الشرافة من قطع القادم بعد الاستحقاق بالجريمة، فخبر (كان) مع جواب (لو) محذوفان يدل عليهما الكلام السابق.
فرعى في هذا الكلام جانبي تعظيم الله برعاية حدوده وإجرائها ولو على اقرب الناس إليه، وتعظيم ابنته فاطمة عليها السلام واحترامها، حيث لم يضف اللصوصية إليها إلا بطريق الفرض والتقدير، ومع ذلك لم يصرح به وبما يستتبعه من القطع لفظاً، بل أجمل القول فيه ولم يبينه.
فسمعت فاطمة عليها السلام هذا القول بواسطة أو بدونها، فحزنت لأن التمثيل بها غير وارد وليس بمقبول اشتراكها مع غيرها حتى على مستوى الفرض.
وقوله ((لئن أشركت)) أي: بعد ذلك فاطمة عليها السلام بغيرها في إمكان صدور اللصوصية فيها ولو بالفرض ((ليحبطن عملك)) وهذا على سبيل الفرض والتقدير، والمحالات قد تفرض لغرض، وهو هنا استرضاء فاطمة عليه السلام وتسليتها.
فحزن رسول الله صلى الله عليه وآله لدلالة هذا الكلام على جواز اشراكه لها مع غيرها، مع عدم علمه بسبب نزوله، وإنما أجمل الأمر حتى صار سبباً لحزنه ليكون ذلك مصداقاً لقول امير المؤمنين ((كما تدين تدان)).
ومن العجب انه تعالى لم يكتف بهذا القدر، بل بالغ فيه، فأكد جلالة قدر فاطمة عليها السلام وتأديب نبيه صلى الله عليه وآله بإنزال قوله ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) مريداً به لازم معناه، حيث جعل إشراكها بغيرها في إمكان اللصوصية بمنزلة إشراك غيره تعالى به في الإلوهية.
فتعجب النبي صلى الله عليه وآله من ذلك، لأن هذا الكلام إنما يناسب أن يخاطب به المشرك، وهو صلى الله عليه وآله كان موحداً مع عدم علمه بالسبب وأنها سمعت قوله فحزنت وتلك الآيات نزلت لتسليتها وتطييب نفسها.
فاخبره جبرئيل بذلك، فقال: إنها كانت حزنت من قولك فنزلت هذه الآيات لموافقتها لترضى.
والغرض المسوق له الكلام إظهار عصمتها وجلالة قدرها عليها السلام عند الله جل قدره، ولذلك ذكره محمد بن شهر آشوب السروي من سواد المازندران في كتاب المناقب.
الشيخ حسين الزيادي
أخطاء أدائية
يرفع الموالون لأهل البيت عليهم السلام في مناسبات متعددة واخصها مناسبات الإمام الحسين عليه السلام وبالأخص منها في الزيارة الأربعينية شعار (ابد والله ما ننسى حسيناً)، وهذا التعبير خاطئ من جهة أن مثل الإمام الحسين عليه السلام لم ينسى ولن ينسى لأنه صنع التاريخ الإنساني بثورته، وأن النسيان فعل غير إرادي وعكسه وهو عدم النسيان كذلك، وإذا كان فعلاً غير إرادي فلا معنى ليرفعه الموالون ويؤكدونه، إذ لا قيمة للعمل غير الإرادي بل القيمة كل القيمة للعمل الإرادي، وهو ما يقع تحت اختيار الإنسان، ويعبر به عن إرادته وتوجهه، ومن هنا فالصحيح أن يقال (ابد والله ما نترك حسيناً) لنؤكد للآخرين أن إرادتنا ثابتة من عدم تركه مهما كانت الظروف وقد كنا في زمن الطاغية غير تاركي له، ولن نتركه مهما كلف الأمر، وبهذا يكون الشعار ذا مدلول تربوي عالي، وهو ما يراد منه.
استفتاءات
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة … وبركاته…
ورد من بعض أصحاب المواكب الحسينية بأن هناك بعض الممارسات التي يبذلوها المتبرعين حين التبرع بالمال أو أي شيء آخر بشرط أن يكون مقابل هذا البذل إبراز بعض الصور أو بعض الشعارات التي ترتبط بحزب أو عالم ديني.
فما هو رأي الشارع المقدس في هذا العمل؟
وفقكم الله لكل خير
السيد حسين المرياني
بسم ا… الر.. الر..:
إعطاء الهدية بعنوان التبرع ينبغي أن تقع لأجل إحياء وإعمار الفكر الحسيني والنهضة الثورية التي غيرت وجه التاريخ الإسلامي من حيث أصبح الإسلام ونهضة الحسين عليه السلام (وجهان لأمر واحد)، ومن هنا فالإعطاء لأجل عناوين أخرى غير صحيح وعلى الآخذ عدم الالتزام بالشرط أو رفض أخذها فإن مقصودها غير مقصوده وهو الإحياء الشعائري لإمامنا الحسين، من دون اتخاذها أداة للإعلام للعناوين.
قاسم الطائي
8 صفر1433هـ
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
أزهقت أرواح الكثير من أبناء مدينة الناصرية أثناء المسير إلى أبي عبد ا… الحسين عليه السلام اثر عمل إرهابي لئيم، والذي أثار إعجاب الناس أن قام احد أبناء القوات المسلحة الملازم نزهان صالح الجبوري من أهالي كركوك باحتضان الإرهابي مما أدى إلى قطع رأسه وجسده أشلاءً.
– هل بهذه التضحية والعمل البطولي يستحق الثواب من ا… تعالى واجر الشهادة؟
– ما هي نصيحتكم لأفراد الأجهزة الأمنية؟
الشيخ محمد السعداوي
بسم ا… الر
هذا عمل جبار وعظيم لا يقوم به الا الأشداء والشجعان الذين يتسامون بأعمالهم فوق كل الاعتبارات والتوصيفات وهو بهذا العمل المشرف وهو يدافع عن شرف الزائرين وقدسية الزيارة التي رسم ملامحها الإمام الحسين عليه السلام تضحية وفداء، قد استحق لقب الشهيد الذي لا يعلم بر له فوق بر الشهادة.