في قراءة سريعة لما تضمنه الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة يوم الخميس المصادف2009/6/4 وقد حاول الرئيس أن يقدم صورة جديدة للسياسة الأمريكية وكيفية تعاملها مع ملفات الساحة العالمية والشرق أوسطيه تختلف عن أسلافه من الرؤساء السابقين . وما يهمنا فيما تعرض له .. الملف الفلسطيني .. والإيراني .. حق الشعوب .. والعراق ..
القضية الفلسطينية حاول بعد أن قدم مقدمة مفادها أن التحالف الأمريكي – اليهودي – قوي ولا يقبل التغيير وبهذا قطع على نفسه طريق إدانة الكيان الصهيوني وتوصيفه بالكيان المعتدي الغاصب ، ومن هنا لم يتعرض للقصف الوحشي البربري الذي لاقاه الفلسطينيين في غزة عندما أتت الآلة العسكرية الصهيونية على تدمير كل شيء حتى أبنية الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة ، نعم عرج بشكل مخجل على حماس ولم يصفها بالمنظمة الأرهابية كما دأب سلفه بوش الأبن ، وقد حثها على الرجوع الى الصف الوطني الفلسطيني .. وقد إرتكب خطأ بعد أن جاءت حماس بطريق شرعي ديمقراطي ما أنفكت والإدارات الأمريكية تعلن إرادة نشرها في العالم ، مع تراجع في خطاب أوباما بأنه لا يمكن فرض نظام ما على شعب آخر ولو بالقوة العسكرية . ولم يتأسف للشعب الفلسطيني والحصار المضروب عليه ، ولم يشر الى ضرورة فتح المعابر ، وإجماع شعوب الأرض على إدانة الهجمة الوحشية الإرهابية اليهودية .
بل راح يطمئن اليهود ويظهر من أن حقه العيش في بلدهم كدولة ، ولم يجرؤ على تسميتها غاصبة والتف حول حقائق التاريخ ، في تمثيل مغلوط ، بأن على الفلسطينيين أن يستفيدوا من تجربة السود في أمريكا الذين حصلوا على حقوقهم ، فجعل الأصل اليهود والإستثناء الفلسطينيين – وليته مثل بالهنود الحمر في أمريكا الذين اكلتهم الخلطة الأمريكية من شعوب الأرض المختلفة ، والأمر يوحي بأنه جاهل الكيان الصهيوني في ذلك إذ مجرد الإشارة الى الهنود الحمر فأنها تحمل إدانة الى الكيان والى بلده في الأصل .
ثم أنه لم يحدد متى ينبغي تأسيس الدولة الفلسطينية التي أعلن الرئيس السابق في حملته الإنتخابية أن عام2005 المنصرم سيشهد ولادة الدولة الفلسطينية ، وها نحن في2009 ولم نشهد إلا أكاذيب وأباطيل صارت سمة للإدارات الأمريكية . كما أجمل في تحديد الموقع الجغرافي للدولة الفلسطينية وأنه على أساس حدود48 أو67 وما هو مصير اللاجئين ، والقدس .
وقد أضطر ان يبني إتزانه في معادلة لا تقبل التسوية ما بين حق الفلسطينيين في وطنهم وحق مدعى لليهود في أرض غيرهم ، حتى أن مطالبته بوقف المستوطنات يخضع للتفسيرات اليهودية من إستمرار ما هو مشيد والتوقف لما هو غير مشيد وفي كلتا الحالتين هو أكل من الأرض الفلسطينية على ما تضمنته قرارات مجلس الأمن بشأن فلسطين . وفي كلامه عن فلسطين فهو مصداق لقول الشاعر (( يطريك من طرف اللسان حلاوة …))
وإما ايران : فلم يظهر من خطابه سلامة برنامجها النووي وأنه مهيأ للأغراض السلمية وتوفير الطاقة ، وقد مزح في أثناء كلامه بضرورة أن يكون العالم خالياً من الأسلحة النووية ، فهل يستطيع تجسيدها في بلده أمريكا لتكون الدولة الرائدة في هذا الإتجاه ؟ وهل صرح بما في كيان الدولة اليهودية من ترسانة قوية بالأسلحة النووية تشكل مصدر تهديد لمعظم دول الأرض ؟ أولها دول الشرق الأوسط ، والدول العربية ، بل لم يتجرأ أن يشير ولو إشارة الى مخزونها من الأسلحة التدميرية التي الولايات المتحدة رافدها الرئيسي من ذلك .
كان الأجدر بالرئيس الأمريكي من هذه الفقرة وما يتعلق بايران وفقرات أخرى تطرق لها كالتنمية أن يلقيه أمام المنتدى الإقتصادي العالمي ، أمام رؤساء الدول الرأسمالية الإحتكارية ، ولكن آثر توجيهه الى الطرف الأضعف الذي لا حول ولا قوة له في هذه القضايا .
وأما العراق : فقد كذبت الحقائق الميدانية والسياسية كلامه عندما قال بأن العراق وأمريكا شريكان ، ولم يعرف وجه شراكتهما ، وفي أي شيء ، نعم في شيء واحد هو ما تسميه الإدارة الأمريكية (الأرهاب) ولم يسميه إلا بالعنف ، ونحن نعلم أن إدارته تملك الملف الأمني وترتب العديد من الأوراق السياسية في العراق ، ولو كان صادقاً لقدم الوزير السابق للكهرباء المدان بعمليات سرقة ونهب للأموال العامة الى العراق ، وقد هربته قواته المحتلة للعراق ولأرجع آلاف الأطنان من الزئبق الذي يسرق جهاراً من العراق ، ومن العمارة بالذات ، ناهيك عن اليورانيوم وغيره من المعادن التي لا تقدر بثمن . ولإطلق الودائع المجمدة في بلده للعراق ، وساعد على أصفاء ديونه مع الكويت والتي نعتقد جازمين أنها مبالغ فيها كثيراً ، فأن صغر منطقة الكويت في وقت الحرب وعدم أتيان القوات العراقية على تدمير كل شيء ، يجعل التقديرات للخسائر لا يتجاوز الـ(15) مليار دولار واما ان تصل الى ( 70) مليار فهذا ذبح للشعب العراقي وثرواته من القفا .
وإذا حاول البعض إضافة الفوائد المترتبة على ذلك كان الجواب أنها ليست قرضاً مبرماً ليترتب عليه ذلك ، كما أن العراق مقيد بقرارات دولية لم تسمح له بالتصرف في موارده النفطية وبالتالي من قرر التعويض كان المسبب من حيلولة العراق بسداد ديونه : فكيف يحمله ما لايقدر ؟! .
ولم يساعد العراق أيضاً على ما تقوم به تركيا ، من قصف لشمال العراق ، ولم يضبط إيقاع بعض القوى المتبجحة بعلاقتها مع أمريكا في تحقيق مكاسب أقليمية على حساب الشعب العراقي ، كما لم تضغط إدارته على الكويت لترسيم الحدود ، والحد من نهب بعض ثروات العراق النفطية في المنطقة المشتركة والتي كانت هي السبب في غزو الكويت .
وأما حق الشعوب في العيش بسلام وحرية :
فأول ما تواجه الرئيس مصير الشعب الهندي أصحاب الأرض الأصليين لبلاده – أمريكا – فلم يبق لهم من أسم ولا رسم في بلد الحريات وتقرير المصير !! .
وقد أدركت الإدارة الأمريكية أن فرض الديمقراطية بالسلاح وعن طريق إحتلال الدول ، أمر مرفوض عالمياً ولا يجر على الولايات المتحدة غير مزيد من العداء ، والإستعداء ، وأنه سيستنزف طاقاتها وقدراتها وحياة أبنائها في تثبيت ما يسمونه بالنظام العالمي الجديد القائم على أساس ديمقراطي ولكن على المقياس الأمريكي لا غير .
أن خطاب الرئيس هو محاولة لتلميع صورة أمريكا أمام العالمين الأسلامي والعربي والتي ساءت كثيراً ولم تنجح محاولات التدليس والغش الأعلامي لتمرير الحقيقة على الشعوب ، وربما كان الإنتصار الذي حققته المعارضة اللبنانية في جنوبه ، والفلسطينية في غزة ، مربط لفرس الإدارة الجديدة بعد أن وجدت أن قوتها مهما تعاظمت تبقى صغيرة أمام إرادة الشعوب وحقها أن تنظم وضعها على الطريقة الملائمة لها بعيداً عن إملاءات الإدارة الأمريكية ، ووسائل التخويف والضغط الصهيونية .
وقد يكون الخطاب تطمين بصورة جديدة قد تسفر عن نفسها في المستقبل القريب بعد أن لم تنجح شعارات نشر بديمقراطية ، وحقوق الإنسان في العالم بالزي الأمريكي .