الزهراء

الإسم الذي إشتهرت به الزهراء (سلام الله عليها) هو الزهراء.

قيل أنها اذا قامت في محرابها زهر نورها لإهل السماء كما تزهر الكوكب لأهل الأرض([1]).

وإن حضرت للإستهلال أول الشهر، لايُرى نور الهلال لغلبة نور وجهها على ضيائه، وإذا إرتفعت ظهر نوره([2]).

وعن الرضا u قال: كانت فاطمة (عليها السلام) إذا طلع هلال شهر رمضان يغلب نورها الهلال، فإذا غابت عنه ظهر([3]).

روى المفضل بن عمر، قال : قلت لأبي عبد الله u كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام)، فقال: إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلّن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن إمرآة تدخل عليها فإستوحشت خديجة  وكان جزعها وغمها حذراً عليه (صلى الله عليه واله وسلم) فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها في بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فدخل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها : يا خديجة من تحدثين؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني، قال : ياخديجة هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد إنقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة على ذلك على ذلمك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجتي محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

فإغتمت خديجة (رضي الله عنها) لذلك فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهم لما رأتهن، فقالت  إحداهن لا تحزني ياخديجة فأرسلنا ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه أسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما يلي النساء من النساء، فجلست واحدة على يمينها وأخرى يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها ٍ، فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور ودخل عشرٌ من الحور العين كال واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة وفي الإبريق ماء الكوثر.

فتناولتها المرآة التي كانت بين يديها فغلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاويين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة ( عليها السلام) بالشهادتين وقالت: اشهد ان لا إله إلا الله.و أن أبي محمد رسول الله سيد الانبياء وإن علي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن بإسمها وأقبلن يضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك وقالت النسوة: خذيها ياخديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها وفي نسلها فتناولتها

فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها قدر عليها فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر وفي الشهر كما ينمي الصبي بالسنة([4]).

وقوله u أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق من شرق الأرض ولاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

وتعريف النور إشارة إلى نورها المشتق من نور العظمة لله سبحانه –فعن الصادق  u قال (سميت الزهراء،لأن نورها إشتق من نور عظمة الله سبحانه، ولما أشرق نورها غشى أبصار الملائكة فخروا إلى الله سجداً، وقالوا : إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟ فأوحى إليهم هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، وأُخرجته من صلب نبي من أنبيائي أُفضله على جميع الأنبياء، وأُخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري ويهدون إلى حقي أجعلهم خلفائي في أرضي بعد إنقضاء وحيي([5]).

وإذا كان من نور الله كان إشراقه على الأرض شرقها وغربها ودخوله بيوتات مكة أمراً غير مستغرب، بل متعين، يستضيء به كل البشر برهم و فاجرهم،  مؤمنهم  وكافرهم، مهديهم و ضالهم قال تعالى ) مثل نوره كمشكاة فيها مصباح (  وقد فسرت المشكاة بفاطمة (عليها السلام) على ما في الكافي بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني عن الصادق u وفيه أن المشكاة فاطمة (عليها السلام)، والمصباح الحسن  u  والزجاجة الحسين  u ([6]).

ولكن لا يوفق إلى هذا النور كل أحد بل خصوص المؤمنين )ويهدي الله لنوره من يشاء  ( النور(35) ويشمل هذا النور (ذات فاطمة) روحاً وبدناً، فكانت رحمة بوجودها المادي كما هي رحمة بوجودها المعنوي، ويتمثل الوجود المادي لها(سلام الله عليها) ببدنها الطاهر وجسدها الذي غُيب في جوف الليل في مكان لا يعلمه إلا المعصوم (علي إبن أبي طالب) u وبعض خلص أصحابه، وحيث لا يستحق المجتمع آنذاك هذه الرحمة فإقتضت الحكمة الإلهية تعمية الأمر عن العامة وتعمد المعصوم إخفاء قبرها وعدم الإدلال عليها وكذا سار المعصومون من بعده(عليهم السلام) على نهج جدهم أمير المؤمنين.

وعدم الإشارة إليه أو التدليل عليه، لأن التبرك عنده والزيارة إليه (القبر) موجبة لدخول الجنة بغير حساب كإطروحة ذكرها سيدنا الأستاذ (قده). وحيث لايستحق العامة ذلك الفضل وتلك الهداية، ومقتضى الحكمة الإلهية أن يأخذ كل واحد أستحقاقه من الحساب، كان إخفاءه هو ما فعله المعصوم  u .

وهذه خصيصة لفاطمة (سلام الله عليها) (إمتازت بها عن بقية المعصومين(عليهم السلام). فكان الإخفاء عقوبة إستحقتها البشرية لظلمها لفاطمة أو قبولها بظلمها من قبل القوم إسلافهم أو عدم الدفاع عنها مع العلم بظلمهم لها.

ومن خلال ما تقدم يمكن أن يقال أنها سميت الزهراء لانها تزهر على قلوب الناس بالرحمة العامة الرافعة للحساب والدخول بالجنة بغيره، وأية رحمة هذه التي إمتازت بها فاطمة (سلام الله عليها) فتملأ قلوبهم بهجة وسروراً؟

كما يمكن أن يقال أنها سميت الزهراء لأن المؤمنين يتقون ويتعيززون بها سواء في الدنيا أم في الآخرة مأخوذ من زهرت بك أي قويت بك وأعتززت، أما في الدنيا فكيف لا يعتز من بوالي ويحب فاطمة وهي بضعة الرسول وروحه التي بين جنبيه كما ورد عنه (صلى الله عليه واله وسلم) وكيف لا يعتز من ينتسب إليها من ذريتها والأعراف الإسلامية عامة والعراقية خاصة على تقدير السيد وإحترامه وتقديمه واضح وماذلك إلا لقوته وتعززه بالإنتساب إليها التي هي أصل الإنتساب للرسول كما ورد عنه (صلى الله عليه واله وسلم) …. ألا نسلي من فاطمة.

وأما في الأخيرة فواضح فهي الشفيعة المشفعة كما قرأنا فيما سبق،(لتشفعي فيه فأشفعك). ومن يعتقد بشفاعة فاطمة الزهراء كيف لا يتقوى بها ويتعزز. روي عن الصادق u أنه قال (أن جبرائيل قال لرسول الله  (صلى الله عليه واله وسلم) إن فاطمة (عليها السلام) مسماة في السماء بمنصورة وذلك قوله تعالى ((ينصر الله)) (الروم ،5)يعني فاطمة (عليها السلام) لمحبيها يوم القيامة .

كما يمكن أن يقال أنها سميت (زهراء) من الزهرة وهو ما يطلق عليها بالعامية، وهي سرعان ما تزول بعد ظهورها، والزهراء قد زالت عن الحياة الدنيا وهي صغيرة نسبياً مقارنة بعمر الإنسان الطبيعي.



 


[1]– علل الشرائع ص71

[2]– بحار الأنوار ج10 ص17

[3]– نفس المصدر ج42 ص56

[4]– أمالي الصدوق ص475 –البحار- عن منتهى الأمال ص4

[5]– المختصر ص133 – الحسن بن سليمان الحلي عن كتاب تسبيح الزهراء

[6]– نقلاً عن الميزان ج18 ص142