سبب التسمية

من مفاخر الزهراء u أن لها عند الله تسعة أسماء، أي ان تسميتها تختلف عن تسمية غيرها من المعصومين (عليهم السلام) –لأنها سميت من الله وهم على الأغلب تسمياتهم جاءت من غيره.

قال أبو عبد الله u لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل:فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء

سبب التسمية

روي عن جعفر بن محمد  u قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  لعلي u : هل تدري لِمَ سميت فاطمة ؟ قال : علي لِم يا رسول الله؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار).([1])

وعن إبن عباس (رض) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله سلم) (( إن إبنتي فاطمة حوراء إذ لم تحض ولم تطمث، وإنما سماها فاطمة،لأن الله ( عز وجل) فطمها ومحبيها من النار([2])

وعن أبي جعفر u قال: لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوصى الله ( عز وجل) إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمّاها فاطمة – ثم قال: إني فطمتك بالعلم  وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر u : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق).([3])

وعلق عليه العلامة المجلسي (ره) (فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى إستغنيت وفُطمت، أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم، أو جعلت فطامك من اللبن مقروناً بالعلم كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية.)

وعن الصادق u قال: في تفسير قوله تعالى ((إنا أنزلناه في ليلة القدر)) الليلة : فاطمة، القدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها.([4])

والظاهر من الأخبار أن التسمية من الله تعالى فهو الذي سماها فاطمة لا أحد سواه، وهذا يعني إنطباق لإسم على المسمى بتمام الإنطباق لأنه تعالى أعلم بالسر وأخفى.

هذه الطائفة من الأخبار تبين السبب في هذه التسمية هو:-

1.إن الله فطمها وشيعتها من النار.

2.إن الله فطمها بالعلم وعن الطمث في الميثاق([5]).

3.إنما سميت فاطمة لأن الخلق فُطموا عن معرفتها.

وفطم : فطم الولد فصله عن الرضاع – أي فرق بين الولد والرضاع والحبل : قطعه وفطمه عن العادة، قطعه عنها وناقة فاطم،وفاطمة فُطم ولدها عنها.

والظاهر أنه على الأول فإن الفطم يعطي معنى الإبتعاد و(من) تعني (عن)، فهي سلام الله عليها مبتعدة عن النار وكذلك شيعتها، ومن هم على طريقها في العبادة والسلوك، لا كل موالٍ لها فإن الموالي غير الشيعي كما ورد في الخبر،ما مضمونه نحن من شيعتكم فأجابه الإمام أنتم موالون لنا. لأن التشيع يعطي معنى التطبيق العملي الملتزم به على صورة عالية جداً قد لا تتحقق في المعظم من المحبين والمولين لأهل البيت كما هو الملاحظ من الغالب إرتكاب بعض السيئات والوقوع في المحرمات أو ترك الكثير من الواجبات ومثل هؤلاء فهم موالون لا شيعيون.

وبشكل أكثر إيضاحاً إن الموالي من كان قوله غير فعله والشيعي من كان قوله فعله، ولذا أصبح مبتعداً عن النار كما هو غير مخفي.

وإذا أدركنا أن الإبتعاد عن النار لا يحصل إلا بالعلم والطهارة عن الذنوب والمنكرات، وأن النار نوع عقوبة وطهارة للذات من ذنوبها، كان طهارة فرد موجبة لعدم

الداعي للوصول في النار، فهي مفطومة عن النار لأنها طاهرة حتى من الطمث، قد حصلت طهارتها في الميثاق، عالم أخذ العهد من الإنسان أو ما يعبر عن عالم الذر.

وهي طاهرة قبل النشأة الدنيوية كما قرأناه في الخبر و إذا كانت طاهرة  فهي طاهرة من كل ما يستلزم عدم الطهارة و منه الطمث، الذي هو نوع عقوبة بإعتبار أن الطامث لا يصح لها الإتيان بالعبادة([6]) والحال هذه وعدم الإتيان لها يعني عدم التقرب والتقرب منه تعالى ، وهل من عقوبة اوضح من عدم امكان التقرب، ولكن فاطمة سلام الله عليها قد فصلت عن الطمث المتصفة به النساء حين البلوغ.

وإذا علمنا أن هذه الدرجة لا يمكن أن ينالها أي أحد إلا بتفضل من الله تعالى ) يؤتي الحكمة من يشاء ( وقد نالتها الزهراء (سلام الله عليها) أمكن أن تدرك علو مقامها وسمو مرتبتها عند الله([7]) إلى درجة لا يدركها أحد إلا إثنين كما ورد في الخبر محمد e وعلي u ((لا يعرف الله إلا أنا وأنت))فإذا عرفا الله عرفا فاطمة بطبيعة الحال.

وأما غيرهم فهم مقطوعون عن معرفتها وأنى لهم ذلك.

وهي (سلام الله عليها) مقطوعة عن الجهل بسبب العلم الذي إتصفت به في الميثاق، والطهارة اللازمة لها كذلك كانت معرفتها من قبل الآخرين أمراً غير ممكن، لأن الإنسان لا ينفك عن الجهل ولاعن عدم الطهارة ومع إتصافه بأحد النقيضين لا يمكنه أن يدرك النقيض الآخر ومن إتصف به، فإذا كان جاهلاً كيف يدرك العالم ؟ وهي عالمة كما ورد في بعض صفاتها من خلال الأخبار وإذا كان غير متطهر فكيف له أن يدرك الطاهر، فكما درجة النقاوة والطهارة كما قال تعالى ) ويطهركم تطهيرا ( التاكيد والتركيز على الطهارة لهم من قبل الله تعالى وهل يدرك الناقص الكامل.

وقوله u هنا فطموا عن معرفتها، لا يراد بالفطم الفصل بحيث نفهم منه أنهم كانوا عارفين لها ثم فصلوا عن هذه المعرفة بل المراد بالفطم هنا هو القطع فهم منقطعون عن هذه المعرفة أولاً وآخراً لكمالها ونقصانهم ومن خلال ذلك، يصبح أن العلة الأساسية في التسمية هي علمها وطهارتها اللذين كانا لها في الميثاق، ومعلولها كلا الوجهين الأول والثالث في التسمية، فهما سبب الإبتعاد عن النار

وسبب لعدم معرفة الخلق لها. فالتسمية لعلمها وطهارتها والتسمية بأن الله فطمها وشيعتها عن النار، وإن الخلق قد فطموا عن معرفتها، لازمان أو معلومان للأول، ويعبر عنه التعريف باللازم من جهة أن اللازم قد يكون أكثر وضوحاً عند السامع من الملزوم، فإقتضى البيان إطلاقه دون ملزومه خصوصاً إذا إقترن الملزوم بليلة القدر كما في الخبر الثالث المتقدم وإن ليلة القدر لا يدركها الخلق  قال تعالى: )  وما أدراك ما ليلة القدر (  فإذا لم تكن ليلة القدر مدركة، ومع تفسير الرواية بأن فاطمة هي ليلة القدر، أمكن ان نستنتج أن فاطمة غير مدركة.

وقد يقتضي المقام التعريف باللازم حيث يكون الملزوم غير مدرك فالروايات بإختلاف مضامينها ترجع لمحصل واحد وإنما إختلفت بطريقة آدائها المعنى ومعاملتها المخاطب فقد يقتضي مقامه مخاطبته باللازم لمناسبته لمستوى فهمه وقد يقتضي مخاطبته باللازم لمناسبته لمستوى فهمه وقد يقتضي مخاطبته بالملازم مع التمثيل. كما هو حال الخبر الثالث.

والفطم وإن أعطى معنى التفريق , كما يقال فطمت الولد أي فرقت بينه وبين الرضاعة من جهة إتصافه بها قبل

الفطم وإلتقائه معها – إلا أنه غير مستعمل لإتصاف الزهراء (سلام الله عليها) بأي واحد من المعاني المذكورة

أما الثاني والثالث فواضح لأن عدم معرفة الخلق لها لم تكن حاصلة ثم حصلت بل هي لم تحصل، وكذا علمها وطهارتها فهي لم تكن جاهلة أو غير متطهرة ثم حصلا لها بل من الميثاق إنها كانت كذلك

وأما المعنى الأول فقد يقال أنها مقتضية على الأقل للدخول أو الإقتراب من النار ثم إبتعدت ولذا عبرت الرواية بـ(من) بمعنى (عن) لافاده من إبتداء الغاية فهي إبتدأت من النار ثم إبتعدت عنها.

 كان جواب هذا الإشكال أن له وجه لو لم يكن إرداف فإن الشيعة لها (سلام الله عليها) حيث قالت هي وشيعتها فالإبتعاد للشيعة لا لها وإلا لم تكن عالمة في الميثاق لم تكن طاهرة حتى من الطمث فيه، مع ماتقدم من أن علة الأول هو الثاني أي أن علة عدم دخول النار هو كونها (سلام الله عليها) عالمة طاهرة قبل عالم الدنيا، أي هي بعيدة أساساً عن النار لا مبتعدة عنها. وإنما إبتعدت شيعتها عنها بعدان كانوا بمقتضى خلقتهم قريبين منها. ومناسبة التشربك بينها وبين شيعتها هي البعد عن النار أما إبتداءً كما هو حاصل لها وأما بالعارض كما هو حاصل لهم.

ويشهد لذلك ما ورد عن النبي  (صلى الله عليه واله) قال: (إنما سميت فاطمة، لأن الله عز وجل فطم من أحبها من النار.

وبه يمكن أن يقال أن الحديث الأول السالف الذكر كان هكذا لأنها فطمت شيعتها من النار – بلا إضافة (هي) وبضم أصالة عدم الزيارة لينتج المطلوب.

ورب سائل يسأل إذا كانت التسمية من الله تعالى فهي ليست فاعلة الفطم ليقال لها فاطمة، فاطم بل هي من ما وقعت عليها الفطم فينبغي تسميتها مفطومة اذ لا يصح من الثلاثي فاطمة، وهو خلاف ما عليه المتشرعة وغيرهم ممن يطلق لفظة فاطمة.

وجواب هذا التساؤل هو أن فاطمة كما تقدم من البيان السابق سميت كذلك أما بإعتبار العلة أو بإعتبار المعلول حسب مقتضيات حال المخاطب وإيصال الفكرة الواضحة إليه، وإكتفاء التسمية بإعتبار المعلول إي ما يصدر منها (سلام الله عليها) لمحبيها يوم القيامة غنى في صحة التسمية بإسم الفاعل فيقال فاطمة.

في الخبر عن أبي جعفر u قال: لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم، فإن كان يوم القيامة كُتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر،فيؤمر بمحبٍ قد كثرت

ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبها، فتقول إلهي وسيدي سميتني فاطمة، وفطمت من تولاني وتولى ذريتي من النار من النار، ووعدك حق، وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله تعالى (عز وجل) صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة، وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحبك ذريتك ومن تولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي إلى النار هذا لتشفعي فيع فأشفعك فتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي، وأهل الموقف موقفك مني ومكانك عندي، فمن قرأت في عينيه مؤمناً أو محباً فخذي بيده وأدخليه الجنة)([8]).

والخبر واضح أنها فاعلة الفطم لمحبييها وشيعتها وإن كان بفضل الله تعالى عليها، ونسبة الفعل إذا صدر منه (العبد) واضحة في الإستعمال القرآني كثيراً ما ينسبه إلى خلقه ومن هنا كانت تسميتها بإسم الفاعل صحيحة.

كما يمكن أن يقال بأن فعلها هو فعل الله لاشيء آخر، فإذا كان الفعل هو لها ولله تعالى بل عينه كانت تسميتها فاطمة بإعتبار صدور الفعل منها مع كونه من الله في عين الوقت، فهو علة فاعله وهي علة قابلة لصدور هذا الفعل

منها، فصحت التسمية على أنه لا يمنع من تسميتها مفطومة أي (فاطَمة) بفتح الطاء ولكنه غير متعارف بين الموالين والمحبين لها(سلام الله عليها).



 


[1]– بحار الأنوار ج43 ص15. نقله عن كتاب تسبيح الزهراء (حسن فيوضات )

[2]– ذخائر العقبى ص26

[3]– إصول الكافي ج1 ص382

[4]– الفطرة من بحار مناقب النبي و العترة ص162 قال الصادق u تدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي ، قال: فطمت من الشر . ثم قال لولا أمير المؤمنين u تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض أدم فمن دونه …الخصال ج2 ص 414 – باب43 ص10.   

[5]– عن أبي جعفر u قال: إن بنات الأنبياء (صلوات الله عليهم) لا يطمثن . إنما الطمث عقوبة ، وأول من طمثت سارة بحار 43 ص 16

[6]– وقد نُقل عن الحسن البصري أنه قال : ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة عليها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها ب43 ص76 

[7]– عن أسماء بنت عميس قالت: قال e وقد كنت شهدت فاطمة وقد ولدت بعض أولادها ، فلم أر دماً لها فقال : إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية 

[8]– دستور الصدر –ص219