تزييف الحقيقة

التحرك المحموم الذي قامت به القوات البريطانيةاثراعتقال اثنين من الإرهابيين المنتسبين إلى القوات البريطانية العاملة في العراق وطريقة معالجتها للحدث بطريقة وصفها البعض بالبربرية وهو وصف في محله ، إذ لم تراع الثوابت القانونية والأعراف السياسية فأطلقت لنفسها العنان في معالجة الأزمة وفك أسر المعتقلين من قبل جهاز الشرطة والاستخبارات – بدون مراعاة لجانب القوة التنفيذية العراقية – ومؤسسات الدولة التي تقف خلفها ، واعتدائها الواضح على مقرها وإطلاقها النار عشوائياً واستخدامها للدبابات في تدمير المبنى وبعض المعدات التابعة لمقر مركز الشرطة المداهم من قبلها ثم محاولة رمي التهمة باختطاف الشخصين على جيش المهدي ، والضغط على وسائل الإعلام للتستر على الخبر ، وتغيير أحداثه ووقائعه إلى مجرد مهمة استطلاعية للشخصين – والمعتقد أنهما يهوديان – مهمة استطلاعية بملابس عربية وعبوات ناسفة ومتفجرات وأسلحة خفيفة  وقناصات وغيرها. مهمة ٌاستطلاعية أسفرت عن مقتل شرطي وجرح آخرين ، جراء إطلاق النار من الشخصين باتجاه التجمعات للمواطنين والشرطة .

واغرب ما في الأمر هو التحرك السريع للحكومة العراقية لتهدئة الوضع والحيلولة دون انفجار الوضع بعد أن اخذ الحس الوطني عند الناس في الانبعاث من جديد واليقظة عن من يقف وراء العمليات الإرهابية ومن يخطط لها ، ومن هو المستفيد منها ، ولماذا لا يريد الاحتلال استقرار الوضع في العراق وظل يراهن على اشتعال حرب طائفية واقتتال داخلي حتى أضحت هذه المقولة الهاجس الذي يقض مضاجع العراقيين فيما لو فكرت القوات المحتلة بالرحيل ، وان الأجهزة الأمنية غير مهيئة للقيام بمهمة ضبط الأمن في العراق وكلها خدع قد نبهنا عنها في أكثر من مناسبة وكانت قراءتنا للأحداث صحيحة ومنطبقة على الواقع – بفضل الله وحمده – ولم تأت بتأثيرها على الناس لشدة الحملة الإعلامية المخادعة والمضللة التي تعكس وجهاً آخر يُخدع به الناس ويضلل به الرأي العام ويزيّف به الحدث .

هذا التحرك الذي بدأه وزير الداخلية بطلبه من أحد أعضاء مجلس المحافظة بإطلاق سراح الشخصين وأردفه  بإرسال احد وكلاء الوزارة إلى البصرة ، وقدوم مستشار الأمن القومي وتستمر القائمة لتصل إلى سفر الدكتور جعفري إلى لندن لعقد مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع البريطاني ، وهو أمر لم يعهد في الأعراف الدبلوماسية أجراء المؤتمرات الصحفية إلا من قبل النظراء والمتساوين في السلم الوظيفي السلطوي الاستثناء في العراق حصراً وربما فلسطين كذلك .

والغريب في أمر التحرك الحكومي انه لم ينصف أبناء البصرة ومن أُسيء لهم من قبل الإرهابيين البريطانيين وإنما دفعت اللائمة على الأجهزة الأمنية وأنها مخترقة كما يقول السيد المستشار ، وان أزمة سياسية غير موجودة بين العراق وبريطانيا كما أعلن الجعفري و ……

وأما المساكين ممن انتفضوا لحقهم ووطنيتهم وقدموا من دمائهم للدفاع عن الشرف والوطن فلا ذكر لحالهم ومراعي لحرماتهم أو مدافع عن حقوقهم مع أنهم ممن جاء بالحكومة ووضعها على رأس السلطة بعد خوضهم الانتخابات بصلابة وشجاعة ظناً منهم أنهم سيتخلصون من الاحتلال المقيت فكان حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار .

  أن إطلاق كلمات التحية والتقدير للذين وقفوا بصلابة ضد العنجهية البريطانية وكشفوا بإرادتهم الصلبة زيف الاحتلال ومـكره وخبثه وسوء صنيعه وإرهابية فعله ، هم اكبر من هذه الكلمات واعز شرفاً وأعلى مكاناً .

سيكون لهؤلاء نقطة الانطلاق لمسيرة جديد ة لا تتماشى مع النغمة الاحتلالية ومشروعها المزعوم تطبيقه في الـعراق تحـت شعارات وعناويـن خداعة ، لم يجنِ منها العراق بأبنائه وثرواتـه إلا الدمار والقـتل والنهب والسيطرة على مفاصله الأساسية ومحاوره الرئيسية ليديروها بالاتجاه الذي يخدم مصالحهم بلا أدنى مراعاة لمشاعر الناس ومصالح البلد ، وقد مرت ما يقارب الثلاث سنين والأوضاع تزداد سوءً حتى آن أوان الصحوة ليعود الشعب أصيلاً ويكون منيعاً على الطغاة والغزاة .

وها هو يسطر ملحمة جديدة في تاريخه الذي نرجو أن يبدأه من هذه الحادثة وان يستعيد عافيته ووعيه الذي افتقده من بريق الإعلام وأكاذيب التصريحات . عاد ليعلم أن في تراثه وماضيه بل وفي دينه واعراضه مقولة لا يمكن أن تكذب نفسها ) إن حبل الكذب قصير ( ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) سورة الحجرات ( .