You are currently viewing مقال  انكسر القلم

مقال انكسر القلم

انكسر القلم


مقالة بقلم المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله) كتبها بعد استشهاد السيد الشهيد محمد صادق الصدر قدست روحة الشريفة .


انقطع القلم عن سيل الكتابة الجارف والنبع الرائق لا لأنه انكسر كما عبر صاحب الكفاية (قدس سره) لأن قلمنا لن ينكسر بعون الله ولكن اليد التي بعثت فيه روح الحركة والتدوين قد نالتها يد الغدر والحقد والبغضاء على الإنسانية والدين فأخمدت حركتها بعد عطاء بلغ عشرات السن…ين طبعت فيه على صفحات الورق أفكارا خالدة وعلوما جامعة وأساليب متنوعة مبتكرة ألقت ظلالها على قلوب وعقول الناس على مختلف مستوياتهم وأذواقهم وثقافتهم، إنه يخاطب الكبير والصغير والمرأة وكل منهم يعي ما يسمع ويرشد بما يقرأ ويأنس بما يتذوق وكان المتكلم هو نفسه وعقله وروحه لأنه ينفذ إلى كل ملكات النفس روحا وعقلا وقلبا وحسا لا يعرف هذا ينبغي وذاك لا ينبغي ولكل سؤال جواب ولكل شبهة حل ولكل لغز فك والقديم بال والجديد مبتكر. مطر غزير على البلاد والعباد أخضرت به أرواح الناس بعد يبسها وانفتحت به عقول العباد بعد غلقها وانشرحت نفوس البلاد بعد حزنها ويأسها فكان لغتهم التي يتحدثون بها وعقولهم التي يفكرون بها ونفوسهم التي يتحابون بها. كان (قدس سره) وسيلته الإخلاص وتعبيره الحب ومنهجه الحق وثقته الإله دون العباد وسجيته التقوى وشعاره الإسلام ومنارة ولاية أمير المؤمنين (ع). كان وحيد دهره وفريد أمره غريب زمانه وأعوانه وأنصاره لا تغره كثرة الأنصار ولا يوحشه تكالب الأعداء ولا تطريه الكلمة. رسم خطا لنفسه وطريقا إلى ربه حمله ثقيل وهمته أثقل ومسؤوليته كبيرة وتجارته أكبر وآثاره أثمر وأياديه وفيرة وعطاياه جزيلة زق العلم منذ نعومة أظفاره وحاز من العلوم ما رفعه عن أقرانه. عبر زمانه وفاق نظرائه وكلل خطاه بنهاية مشرقة وخاتمة رائعة حتى بكته الغرباء قبل الأقرباء والأعداء قبل الأصدقاء.
نفسه طويل بطول ما بعث في الحياة من أمل ورسم في التاريخ من أثر. قلب يستوعب الأعداء والفسقة والفجرة قبل الأصدقاء. رحيما بناسه كريما بإخوانه، سباقا لقضاء حوائجهم لا يرد سائلا ولا يكسر خاطرا ولا يعبأ بالكوارث ولا تحركه العواصف كالطود الشامخ. حارت فيه قلوب المؤمنين وتعجبت لأفعاله عقول الآخرين. لا يستقر على حال ولا يرسو على قرار بعيد الخطى كثير الرؤى. وسعت ثقافته طبقات الناس طرا. هفت إليه قلوب غير مسلمة وأرعدت إليه قلوب قاسية مسلمة. لله دره وعلى الله أجره ولا عزاء إليه ولا وحشة لديه بل الوحشة لنا والتعزية إلينا إذ كان فينا فلم نفهمه وبادر إلينا فلم نجبه وتطاولت عليه ألسن الناس وتهجمت عليه شرذمة يدعون أنهم أهل دين وتقوى فغظ صابرا وعلى الله محتسبا وإليه مشتاقا. كان يردد كثيرا في درسه الشريف عبارته المشهورة (إذا بقيت الحياة ولكنها لن تبقى بالأبدان بل هي معنوية خالدة مادامت في النفوس رحمة وتقوى وخير وصلاح تقيم الفكر والقلم والدين والخلق). لقد جمع من الصفات ما لم يجمعه جمع وحاز من الخيرات ما لم تحزه مجموعة حتى استوت نفسه على الجود لا مثيل له في عصره ولا بديل له في أمره وعلى الله تؤول الأمور وعليه التوكل في شدتها والدهور، وإنا لله وإنا إليه راجعون. في الثالث من ذي القعدة من عام ألف وأربعمائة وتسعة عشر للهجرة ليلاً ما بين السابعة والثامنة دج الظلام وانكسر الناقوس وخسف القمر وابتلعت العقارب الأثر وا ضيعتاه بعدك يا صقر بل يا من حفر في النفوس أعمق الأثر ولا حول ولا قوة إلا بمن دار الدهر ولا يزال ولم يزل عزيز مقتدر. هذا قليل يا بحر كتبه أحد أبناءك البررة.

المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)