نشرة النهج العدد 173
05/09/2022
النهج ... نشر نصف شهرية تصدر عن المكتب الاعلامي لسماحة للمرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله ) النجف الاشرف

          يا وزارة التربية

مرت وزارة التربية العراقية منذ سقوط النظام الصدامي والى الآن بمتاهات عديدة ترتكز على أمرين هما المنشآت المدرسية، والواقع يخبرنا أن عدد المدارس للمراحل الثلاثة لا تتناسب والزيادة الحاصلة في الطلاب، حتى باتت المدارس القديمة تستوعب أو تحمَّل ثلاثة اضعاف ما حُدِدت لها وكل ذلك على حساب الطالب وتهيئة الاجواء المناسبة لاستيعاب المادة الدراسية أو التقاطها بشكل صحيح، ناهيك عن مستوى التدريس المنخفض كما يخبرنا واقع حاجة الابوين الى تدريس ابنائهم وتفهيم الدروس لهم مما يثقل الوالدين بوظائف أخرى كان المفروض أنها قد أنجزت من قبل وزارة التربية وكادرها التدريسي الذي قد يتعمد أحياناً في عدم إيصال المادة لمرحلة استيعاب الطالب ليدفعه أو يضطره لأخذ الدروس الخصوصية، وإرهاق الأبوين بمصاريف إضافية قد لا تسدها دخولهم الشهرية، وقد قنّنا في فقه المدرسين ذلك وقلنا أن أي تقصير في وظيفة المدرس أو المعلم، لأجل الضغط على الطالب أخذ الدرس الخصوصي محرم شرعاً إلا إذا استنفذ الاستاذ قدرته وإمكانياته التدريسية بلا تقصير ولم يستوعب مع ذلك الطالب الدرس فأنه حينئذٍ له أن يعطيه درساً خصوصياً لأفهامه المادة ولسنا بحاجة الى سرد الكثير من التقصيرات في هذا الجانب، فأن واقع حال المدارس والطلبة يغني عن التفاصيل الأخرى.

والمرتكز الآخر: هو المناهج الدراسية والتي لم تصل الى الطلبة لحد هذه اللحظة مع بدء العام الدراسي قبل شهر تقريباً وهذه مسؤولية الوزارة، والمنحصرة بالوزير وخططه في قيادة وزارته، وللأسف فأنها لا تسمن ولا تغني من انتظام بل هي إدارة متخبطة في قوانين واجراءات مربِكة أكثر ما هي موجهة الى المزيد من الاصلاح التعليمي.

إن مسألة المناهج وعدم توفرها يخلق أكثر من مشكلة على مستوى البلد والعائلة.

فهي من جانب تقلق وضع العائلة في توفير هذه المناهج خصوصاً إذا كانت من العوائل الفقيرة بل المتوسطة بعد حملة رفع الضرائب بشكل جنوني وكأن الفشل الحكومي قد أنصب على العائلة العراقية أو هي من سببت هذا الفشل، بل الفشل سببه التخبط الحكومي في طبع المناهج وكيفية استفادة الجهة المسؤولة من هذا الطبع، أو سببه مادة المنهج التي لم يتفق عليها لحد الآن لأن المادة يجب أن تخضع لرؤى ومتبنيات تاريخية لمذهب الوزير أو كيانه أو سببه طرق الانتهاب والسرقات للمال العام فبدلاً من ان تصل حصة المدرسة فلا يصلها إلا نصفها أو ربعها والباقي يتبخر في الطريق وما بين مافيات انتهاب المال العام والتي لم تقدر الحكومة بانواعها واعدادها الى الحد منه أو استئصاله، بسبب الانفتاح على مختلف الاتجاهات والدول حتى المتصارعة فيما بينها جاعلة العراق ساحة صراعها.

ولا نريد الاسترسال ومحاكمة الواقع والحكومة بقدر ما تريد التنبيه الى ضرورة الرحمة بالمواطن الطالب والرأفة به وتوجيه انتباهه وحصر تركيزه في الدراسة والتفوق بفتح الأمل المستقبلي له في حياة سعيدة ينعم بها ويخدم بلده من خلالها، ومن يحرم الطلبة من كتبهم أو مدارسهم فهو ليس بمجرم حرب بل مجرم بلد وبلا إنسانية ولص وسارق مهما كانت مبررات تقصيره لأنه يقتل شعباً بكامله من جراء سد ابواب التعليم لأبنائه وروافد مستقبله، فهو لا يريده شعباً حراً مستقلاً مطوراً بل يريده شعباً مستعبَداً بتعليميه مصادرة أرادته، متقوقع في موقعه المتأخر بين بلدان العالم.

أتقوا الله يا سادة البلاد وساسة العباد، فأن الارتحال قريب المسافة والسفر طويل والزاد قليل بل قد صار حديد {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}غافر:71، وكيف لا وأنت ترضي المخلوق بسخط الخالق. 

                                                                    قاسم الطائي

                                                                  7 صفر 1438

 

 

           مكانة المدرس

يعتبر المدرس او الاستاذ من اهم الكوادر والعقول المؤثرة لرقي المجتمع العلمي وتقدمه التكنولوجي، بفضل ما يقدمه من جهود لتفتيح عقول النشء والجيل وما يملكه من روحية تربوية يرتكز عند الجميع احترامها وتقديرها ، فهي اليد المنونة التي تأخذ بأيدي الجيل إلى بر النور والمعرفة وطمس الظلم والجهل الذي يقلب انسانية الانسان إلى مصاف حيوانية الحيوان –وكلنا يتذكر البيت الشعري الجميل في حياتنا الدراسية:

         اذا ما الجهل خيم في بلاد

 

                           رأيت اسودها مسخت قرودا

وبمقدار ما يتفاعل المدرس او الاستاذ مع الطالب على احساس تام بمسؤولية العلم وخطورة الوظيفة التي يمثلها، تكبر قابليات الجيل وتتكامل معارفهم وتترقى علومهم، ويحركهم الطموح المشروع والفطرة الباعثة إلى التكامل والوصول إلى الكمال التي فطرت النفوس تطلبه اينما تجده ، وتكبر طموحاتهم وامالهم في التحصيل الدراسي وتفتح لهم الحياة كل احلامها وامانيها وما ينتظرهم من مستقبل زاهر يجدون فيه بناءهم لذواتهم متكامل بوسيلة العلم والمعرفة وطموحهم متحقق في وظائف لائقة ومراكز اجتماعية محترمة سعوا اليها بجدهم واجتهادهم خلال سنين دراستهم وساعدهم على ذلك ابوهم الروحي –المعلم او الاستاذ- وهم بذلك يخلقوا لمجتمعهم موقعا متميزا بين الامم والشعوب ، وعلى مستوى رقيها وتقدمها والدخول معها في تنافس علمي وسباق معرفي مشروع في كافة مجالات الحياة التي سخرت للبشر جميعا ]أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض[(لقمان: من الآية20)، واذا وصلت الامة إلى مستوى مواز للامم الاخرى كانت علاقتها معها متكافئة ومتوازنة، لا تحددها الا ظروف المنفعة المتبادلة وتكميل نقص احدهما بالاخر بعد ان كان الانسان بل المجتمع قاصرا عن ازجاء جميع ضروريات الحياة الحاضرة، فهو بطبعه مدني يحتاج إلى الاخرين، فيأخذ ويعطي ، ولو كان احد طرفي العلاقة ضعيفا او متخلفا علميا كان اعطاءه منّة والاخذ منه تفضلا عليه لا شكرا له.

ولا ريب في رفض هذه العلاقة التي يخلقها واقع الطرف المتخلف بتأخره عن مستوى الحضارة الانسانية ودرجة الرقي العلمي للأخر.

والحقيقة ان هذه النتائج مترتبة بشكل متسلسل تبدأ اولا وبالذات من الواقع التعليمي للبلد وما يترتب من مسؤوليات على عاتق الهيئة التدريسية للمؤسسات التربوية والتعليمية، وما يكون من نظرهم إلى مستقبل مجتمعهم ، الذي يحجبه استغراقهم في همومهم الشخصية وحالتهم المعاشية الممكن تجاوزها باساليب وطرق عديدة لان باب الحياة قد فتحه خالقها وطرق رزقه كثيرة غير محدودة ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[(الطلاق: من الآية 2و3) وقد يطرح البركة فيما عنده من رزق والله غالب على امره.

والمؤسف ان هذا امر غير ملتفت إليه بالمرة ليس عند الاخوة المعلمين والمدرسين فقط بل عند الجميع الا ما ندر ممن يرمي بثقله وبيان نقصه وسد حاجاته على مولاه جل شأنه.

وقبول تبريرات الكثير منهم بقلة الموارد المعاشية وصعوبة العيش لا يسوغ لهم التخلي عن مسؤولياتهم التي اقدموا مختارين عليها، وكيف يقنعوا انفسهم بذلك وهم يمثلون اللبنة الاولى والركيزة الاساسية لتقدم البلد ورقيه وكل مجالات الحياة وآفاقها تعتمد على ما يقدمه قطاع التعليم من جهد وما تقدمه كوادره المتنورة بنور العلم من عطاء وبذل لبناء جيل واعي ومدرك لاهداف مجتمعه واهله.

فهلا استيقظوا من الغفلة؟ وما تؤديه وسائل تضعيف الضوابط الدراسية وحالات استحقاق الطلبة للنجاح او للرسوب وان المعيار هو جهد الطالب وتحصيله الدراسي وتجاوزه الامتحانات من دون اية مؤثرات اخرى تساوي بين الجميع والله يقول  ]هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[(الزمر: من الآية9) . يحولك سبحانه على مرتكزك العقلي وبناءك العقلائي باستفهام لا يقصد منه الا التقرير وان لا مجال للمساواة.

اذن اين ضوابط الحق والعدل ومعنى اهمالهما يرسم على مستقبل المجتمع حالة التخلف والتقهقر، واكبر الظن ان الواحد منكم يرفض ذلك ويأنف منه عليه الا ان ينتبه إلى ذلك فان الغفلة هي عدو الانسان دنيا واخرىً.

واعرف جيداً انك ايها المعلم الفاضل والمدرس النبيل والاستاذ الجليل تعرف كل هذا فهو ليس جديدا عليكم. ولكن ذكرى وفيها منفعة المؤمنين ]إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ[(الغاشية 21و22) ، وقد يظن بعظكم ان كاتب هذه السطور يغط في نوم عميق وتأخذه الاحلام بعيدا عن ارض الواقع وحقيقة الحياة او انه يعيش في عصر غير العصر؟!. لا هذا ولا ذاك وما قلته هو الواقع وما عليك الا ان تتأمل قليلا وتستذكر ماذا يمكن ان تصير النتائج.؟

 

وكيف تؤول الامور اذا ضعف مستوى التربية والتعليم ولا اظنك تجانب الحقيقة وانت تتعامل يوميا مع جم غفير من البشر قد كان مرورهم على التعليم من دون استيفاء ولا استغلال وبخلاف ما تفرضه الطبيعة البشرية للفرد من الحاجة إلى التعليم والمعرفة وان الامور هي مخلفات لذلك المرور غير الصحيح والعبور لسنوات الدراسة من دون استحقاق.

واراك تشاطرني ان التخلف الذي عليه شعوب المعمورة من بلدان ما يسمى العالم الثالث كان لضعف الجانب التعليمي وقصر نظر كوادره حيث لا تتجاوز مقدار الكسب المادي وطريقة العيش من اكل وملبس ومنزل ومركب ولو من طريق غير معتبر ومقبول بنظر العرف، ترفضه قدسية الوظيفة وحرمة التعليم.

واذكرك اياما مضت عندما كان المعلم ذا هيبة اجتماعية ومنزلة مرموقة لا نتجرأ على مواجهته في الطريق او محادثته وكنا مع خوفنا الشديد منه ونحبه ونحترمه كثيرا اكراما وتكريما له، ولا اثر لكل هذا الان بعد ان رمى نفسه اسير الحاجة إلى الطلاب، ولم يستغن عنهم وقال مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) وقد خط لنا بكلماته الذهبية طريق العز والكرامة والاعتزاز (استغن عمن شئت تكن نظيره) والخطاب موجه لمن هو اعلى واكثر موردا ماليا او مركزا اجتماعيا لتكون نظيره ومثله فلا يمتهن كبرياءك ولا يمرغ كرامتك، كيف وانت لم تستغن عمن هو محتاج اليك ولست بحاجة اليه؟!.

وقد يجيب أنا لست المسؤول وحدي بل الطالب ايضا وهذا غير صحيح ، ما عليك الا نفسك وانت مؤتمن عليها، فاضبطها لترجع إلى ما كانت عليه ولو عند بعض من يفهم قدسية ومكانة المعلم المكانة التي خلصته من ذل الاسر وعبودية الرق كما تخبرنا سيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله)في معاملته مع اسرى بدر عندما أمر الرسول (ص) ان يُعَلِم كل اسير منهم عشرة من المسلمين ليكسب حريته فالعلم السلاح الذي يحمي الانسان اينما حل والمال السلاح الذي يحميه الانسان وقد قال علي بن ابي طالب(عليه السلام) (العلم يحرسك وانت تحرس المال) فأختر ان تكون حارسا يجهدك الليل بالسهر والتعب بالقهر وخوف القوت وذهاب الاطمئنان وتبعات مسئوليته في الدنيا والاخرة –لانك تُسأل ممن اكتسبته وفيمن انفقته- او ان تكون محروسا خاليا من الهم والقلق وخوف الانفاق والاذهاب والتبعات، ولا عجب من كل ذلك ان يزكوا العلم على الانفاق لا ان يبيد كالمال ويفنى.

فأنت يا عزيزي –تحمل شجرة اصلها ثابت  وفرعها في السماء تؤتى أكلها حين يأذن ربها – فرعها الثابت تنشئة جيل من الشباب الواعي والملتزم بأخلاقيات مجتمعه ومتفهم لمسئوليته في بناء تقدم علمي ورقي حضاري مرموق يضاهي رقي الامم الاخرى.

 

والفرع السماوي هو ما ينتظرك من العطاء الالهي الجزيل وقد جعل سبحانه المفاضلة في قرآنه لامور ثلاثة انت مالك لواحدة منها، هذه الامور هي:

التقوى ]ان اكرمكم عند الله اتقاكم[ والصبر ]إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[(الزمر: من الآية10) والعلم ]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون[(الزمر: من الآية9).

فالعلم اذا وظف بشكله الصحيح في تنوير العقول وإهداء القلوب، فالعلم نور والجهل ظلام فمن مثلك وانت تملك احدى مقومات المفاضلة بين البشر ]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[(الجاثـية: من الآية22) وكذلك ]مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً[(الجمعة: من الآية5) واياك ان تصبح مثل الذين قال فيهم ]كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا[ ، وانت أجل واعلى من ذلك ان شاء الله تعالى. فبك يا عزيزي حسن الحياة وجودتها ويكفيك قول الوحي

 

              لماذا تستهدف كفاءات العراق

{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء93

ببالغ الاسف والحسرة نتلقى انباءً عن استهداف بعض الكوادر العلمية الراقية من أهلنا في البصرة بايدي الاجرام المنظم والجريمة، ونفتقد بين الحين والآخر عنصراً علمياً بارزاً يعتبر مفخرة للعراق والبصرة، ولقد وجدت ان استهداف هذه الكوادر الراقية أمر مبيت بليل ومدبر من جهات يهودية – خليجية هدفها افراغ العراق من عناصر تقدمه وتفوقه لأنهم يخافون العراق وقد تيقنوا بأن العقول العراقية هي افضل العقول كما خبرته في حياتي العلمية والعملية، وابقاء هؤلاء يعني مغادرة العراق حد التخلف والتراجع الي يريده الغير.

ولكن من المسؤول ومن تقع عليه مسؤولية حماية كفاءاتنا العلمية في ظرف عصيب يمر به البلد، وإذا كان مسؤول القتل والتصفيه لا يهمه ان يكون مصداقاً للآية السالفة الذكر، لأنهم أصلاً من أهل النار طبقاً لمدلولها وسجايا أنفسهم الخبيثة التي لا تلائمها إلا النار، فمن المسؤول عن حمايتهم، هل هي الحكومة المركزية أو السلطة المحلية أو وزارة التعليم العالي ودوائرها في المحافظات وجامعاتها، أو عموم المجتمع لأن العقل العلمي مكسب كبير لهم ولبلدهم أم من يا مسؤولون؟!!!

هل غابت فطنتكم في حماية ثروتنا العلمية وهلا علمتم ان من لم يستطع حمايتهم ويقصر يلحق بالقتلة في فعلهم، بل يكون منهم وعليه وزر آثامهم وآثار جرائمهم، الله الله في بلدكم، الله الله في ثروتكم العلمية بعد ضياع ثروتكم الاقتصادية.

{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}البقرة281

                                      المكتب العام             

               لعبد لله الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

                                   النجف الاشرف         

                        19 رجب الاصب 1438    

 

           فوضى التعليم

الفوضى التي  عمت العراق يمكن التقليل من آثارها والسيطرة على تداعياتها الخطيرة لو بقي التعليم سالماً منها، وكان يسير ويتحرك بخطاه المعهودة عند العراقيين ولكن فوضى التعليم لم تأته من خارج بل كانت من ابداعات المسؤولين والوزراء المتعاقبين على وزارتي التربية والتعليم العالي، وأخطر ما في قراراتهم هو فتح الباب على مصراعيه للتعليم الأهلي بكل مؤسسات التعليم من المدارس الابتدائية الى الجامعات  ومن ثم الى شهادات الماجستير وبعدها اليوم الدكتوراه، وقد زحف على الاختصاصات الطبية من الطب العام والاسنان والصيدلة، وهنا تكمن الخطورة لأن هذه الاختصاصات تحتاج لضبط عالي ومراعاة دقيقة من المستبعد ان تتوفر عليها الجامعات الأهلية وإن هذه الاختصاصات تتصل بحياة الانسان مباشرة فلا بد من ان تكون تحت رقابة مشددة وبادارة كفاءات علمية عالية ومثل هذه الأمور لا أثر لها في الجامعات الأهلية الحالية، والتي كثرت بشكل غير معقول وانتشرت في عموم العراق حتى في أقضيته ونواحيه، للمردودات المالية العالية التي تجنيها هذه الجامعات والمدارس الاعدادية، مما جعل التنافس فيها محموماً لأهل الأموال الكبيرة، وهذا هو الفيصل، وإما المستوى العلمي فغير مهم ما دام الدفع قائماً بل قد تتغالب الجهة العلمية مع الجهة المالية والغلبة للأخيرة كما هو معروف وبالتالي لا يهم المستوى العلمي لهذه المؤسسات بقدر ما يهمها الاستزادة المالية.

ومن الحق ان نسأل مسؤول التعليم العالي هذه الاسئلة.

هل قمتم بزيارة ميدانية لمناطق العراق ومتطلبات كل محافظة وحاجتها من الاختصاصات لإعطاء اجازات بفتح كليات وجامعات ضمن الاختصاصات المطلوبة، والذي يشاهد هو العشوائية وعدم مراعاة جانب الحاجة للاختصاصات المطلوبة؟

وهل أخذتم بالواقع الجغرافي لفتح الجامعات أو المدارس لتسهيل حركة الطلاب وتوزيع الجامعات على مساحة جغرافية تغطي كل الطلبات من المتقدمين فقد نجد جامعتين في منطقة جغرافية صغيرة كما هو في مدينة النجف وربما غيرها من مدن العراق؟

وهل وضعتم مناهج عامة ملزمة للجامعات في تدريسها، واختبرتم الكادر التدريسي، أم أن مناهج الجامعات تبتعد كثيراً عن مناهج الجامعات الحكومية، ولا تراعي ضوابطها ومناهجها وكتبها، ونوعية البحوث المطلوبة.

وهل فرضتم معدلات معينة لقبولها أم تركتم الأمر على رغباتها فرب جامعة لا تقبل من الطلبة الا بمعدل 96% في حين أخرى تقبلهم بمعدل 82% كما في كلية طب الاسنان ما بين الكوفة وغيرها ذات المعدلات الواطئة؟

وهل من ثمة أولوية لطلبة الجامعات الرسمية في التعيين واشغال المواقع الوظيفية أم أن الأمر غير ذي جدوى؟

وهكذا العديد من الاسئلة.

والذي يبدو لي ان المسألة مبرمجة للوصول الى أمر واقع يجعل التعليم وربما الصحة أهلية خالصة دفعاً لما يعبر البعض الانفاق الحكومي العالي على التعليم في العراق وكذا الصحة.

ومعلومة أخيرة: أن التعليم إذا تعافى تعافى البلد وإذا إنهار إنهار البلد وهذا أمر يعرفه كل ذي عينين، وليعلم ان المسؤول يتحمل أوزار التعليم في الدنيا والآخرة، ولا يقولن مالي وتردي المستوى وضياع سبل التعليم الصحيح.

                                        قاسم الطائي

                                     16 ربيع1  1440

 

         رسالة إلى الكادر التدريسي

قال تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ([1]) أخواني وأخواتي أعضاء الهيئات التدريسية المحترمين أحييكم بتحية الإسلام العظيم والخلق الرفيع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعلموا أن الواحد منكم هو أحد الآباء الثلاثة (أب أولدك وأب علمك وأب زوجك) وهذا يضعكم في موضع المسؤولية الاجتماعية والتربوية ويضفي على مهنتكم شرف حق الأبناء على الآباء فأن بإخلاص عملكم واحترامكم لوظيفتكم تنال مطالب الأمم وتتحقق أهدافها في التطور والبناء وبحسن تربيتكم لطلابكم تسود مبادئ الخلق العظيم والشرف الرفيع كيف لا وأنتم تمثلون القدوة والأسوة بنظر طلابكم ومجتمعكم قد استأمنكم أبناءه لا للتعليم فقط بل للتربية كذلك حسنا بالظن بكم وإكراماً لمقامكم والقدوة هو الذي يضع الكلمة في إطارها الصحيح من حيث تعليمه لغيره وتربيته لهم باعتباركم مسلمين فأن أول شيء يفترض عليكم في مجال اختصاصكم أن يكون أحدكم مستوعباً للعلم الذي يعطيه لأنه إذا لم يكن كذلك فأن التعليم مهمة الأنبياء العظيمة التي ورثتموها ستكون عملية تجهيل لأن فاقد الشيء لا يعطيه وستصبح الفكرة التي يريد إيصالها غامضة وضبابية تغطية لجهله وتأكيداً لذاته فليكن الواحد منكم متقناً لمادته التي يدرسها فأن إيصال الأمانة وحملها مسؤولية عظيمة وليكن على مستوى أخلاقي رفيع يؤهله لإعطاء الفكرة التي يريد إيصالها للطالب نابعة من هذا الجانب مما يؤكد للكلمة الواصلة لذهن الطالب محبوبيتها له واندفاعه لتلقيها بقلب منفتح يرى في أخلاق أستاذه مادة تعزز قناعه وتدفعه للانفتاح عليها بشغف ورغبة كبيرين.

ولابد للأستاذ الفاضل أن يأخذ بالأساليب المتنوعة والتي بواسطتها يدخل الفكرة إلى ذهن الطالب وأن يتحرر من الاجترار والتكرار الممل في أسلوبه وطرحه وهذا النوع هو مفتاح نجاح مهمتكم وعليكم أن تكونوا رحماء بطلابكم كي تفتحوا قلوبهم كما تفتحون عقولهم فيمتزج العقل مع العاطفة لخلق جيل سوي في تعليمه ومستقيم في تربيته، ابتعدوا عن مناطق الخلل وتسييس العملية التعليمية والتي تثقل على الطالب تحصيله العلمي وتلجئه لتصرفات غير صحيحة محاباة لهذا أو ذلك على حساب العملية التعليمية تمنياتي لكم بالموفقية والنجاح.

                                       قاسم الطائي     

                                 8/ذي الحجة/1433 هـ

 


67ـ سورة الزمر / الآية : 18 .

 

سماحة الشيخ الفقيه قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نرجو بيان الحكم الشرعي الخاص بالظواهر المدرجة أدناه، سائلين المولى تأييدكم ودمتم لنا ذخرا.

1) ظاهرة غش الطالب في الامتحان.

2) هل يجوز أن يقوم مدرس المادة في المدرسة بتدريس الطالب في البيت وهو ما يسمى بـ(الدرس الخصوصي)

3) ضرب الطلاب من قبل المعلمين والمدرسين في المدارس بقصد التأديب والإصلاح.

4) قيام إدارات المدارس بتكليف بعض الطلاب بوظيفة (مراقب سري) للاطلاع على سير التدريس والسلوك داخل المدرسة.

5) قيام بعض طلاب المدارس بـ( حفّ الحواجب ) ووضع الخلطات على الوجه وارتداء الملابس الضيقة (كلاسك).

 

                     أبناؤكم               

            من الكادر التدريسي      

          6/ذي الحجة/1430 هـ       

بسم الله الرحمن الرحيم

1) لا يجوز الغش في الامتحانات، وإن الغاش ليس من المسلمين كما في الخبر، هذا مضافاً إلى أن الغش في الامتحانات يتعلق بالمجتمع بكامله وبناء دولته الذي ينبغي أن يكون على أسس استحقاقية للوظائف والمناصب والذي يتوصل إلى النجاح بالغش لا يكون مستحقاً لأي موقع ومنصب يحصل عليه بعد التخرج. ومن المؤكد انه لن يقوم بوظيفته على نحو الكمال ذلك لأنه غير مؤهل لها، فيسقط حينئذٍ بخداع المجتمع وسرقة مواقع دولته، ومن جهة المدرس المتساهل فانه سيكون معيناً له على هذا الحرام وحرمة الإعانة ثابتة عندنا.

2) قد فصلنا القول فيه في فقه المدرسين فراجع. ومختصره أن الدرس الخصوصي إذا كان بتسبيب من الأستاذ في ذلك كما لو قصّر في تدريس المادة بالمدرسة لإلجاء الطالب لأخذ الدرس الخصوصي، فقد وقع في حرمة اخذ الراتب الحكومي، والتقصير في تعليم الطالب وتنمية قدراته العلمية.

وإذا لم يكن بتسبيب من المدرس، كما لو لم يقصّر في الدرس ولكن ذهنية الطالب تحتاج لمزيد من التدريس والتكرار في الشرح أو هو يريد المزيد من الفهم من خلال الدرس الخصوصي فلا بأس في ذلك.

ولكن الغالب وللأسف هو الاحتمال الأول، ويكون تقصير الأستاذ في المدرسة هو السبب للدرس الخصوصي.

3) الضرب ينبغي أن يكون بما لا يترك أثراً أو استهانة بالطالب وتحقيره أمام الطلبة، والأولى ضم إذن الأبوين وأخذه مسبقاً قبل ضرب الطالب على أن يكون للتأديب بمراعاة ما ذُكر آنفاً.

4) من حق إدارة المدرسة ذلك، وينبغي حصره في حدود الدرس وجدية الأستاذ والطالب في التدريس والحضور، بعد تفهيم الطالب المكلف بأن ذلك في مصلحة المدرسة عموماً والطلاب خصوصاً وأن لا يكون ذلك لبعض الطلبة دون الجميع وبشكل دوري وإلا ولّد ذلك حاجزاً نفسياً بين المكلف من الطلبة وبين غيره قد يُنبز بألقاب تثير كبرياؤه وبالتالي تحصل مضاعفات غير محمودة على علاقات الطلبة أو سلوكيات بعضهم، فإذا ارتأت إدارة المدرسة ضرورية هذا الفعل قامت بتكليف الطلبة بشكل دوري يمر على الجميع بلا استثناء.

والأولى للإدارة تحفيز العامل الإيماني والوطني للأساتذة أولاً والطلاب ثانياً. فقد يكون مؤثراً ومغنياً عن تكليف بعض الطلبة لاحتمال المضاعفات المذكورة.

5) وظيفة المدرسة لا تختص بالتعليم بل تشمل التربية، ومن واجب الكادر التدريسي أن يمنع ويؤاخذ على مثل هذه الممارسات التي تثير مكامن الشهوة وترسخ سلوك التشبه والتخنث عند الطلبة بشكل يصعب زواله لو تحول إلى ممارسة راسخة ومقبولة وقام الطبع عليها، وسيتحمل الكادر التدريسي والآباء بل والمجتمع ومن ضمنه الحكومة مسؤولية نتائج هذه الأفعال. وسيتخرج شباب مخنث لا يقوى على تحمل مسؤوليات بلده وبناء مؤسساته مضافاً إلى حرمة هذا الفعل من الطلبة، ومن الأساتذة لإعانتهم على ذلك، وعلى المدرس الحزم في منع ذلك ولو بالاستعانة بأولياء أمور الطلبة وتشديد الزجر على أمثال هؤلاء ومواجهتهم بوجوه مكفهرّة.

                                   قاسم الطائي

                             7/ ذي الحجة/ 1430 هـ