أنتم خوارج

منطلق هذا المفهوم كان في زمن خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) علي بن ابي طالب، حينما خرجوا على حكمه مدعين في كلمة حق يراد بها باطل أن الحكم إلا لله لا لك يا علي .. ثم تتابع أحداثهم حتى كان من أمرهم هو القضاء عليهم في واقعة النهروان، وقد عبر عنهم الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بالمارقين في مقابل الناكثين والقاسطين .. ولكن مفهوم الخوارج يبقى مستعملاً رغم إندراس الآخرين ولكن بعنوان الخوارج لا المارقين.

  وقد أخذ هذا المفهوم بالتوسع شيئاً فشيئاً حتى أصبح الخروج عن ملة أو طائفة أو عشيرة أو حكومة منشأ لإطلاقه فيسمى من يخرج عن العشيرة بأنه خارجي، وعن الملة كذلك، وأما الخارج عن الحكومة فلا يقصد به ذلك بل توسع أكثر من ذي قبل، إذ ليس الخارج عن حكومة ما، كالمستقيل أو من يعلق عضويته فيها هو الخارجي وأن أمكن إطلاقه عليه؛ بل أصبح من لايرى الحكومة سوية في سلطتها، ومحقة في تصرفها هو الخارجي، ومع التوسع في الإطلاق إلا أن أدانة هذا المفهوم لم تتغير مع مرور الزمن فبقيت الإدانة هي الإدانة، وللحكومة أن تتهمه بما تراه مناسباً فخروجه عن شرعيتها أو حقها الوطني الذي تتحكم به هي وتوجهه كما تريد لا كما يريد المنهج الصحيح أو الحق الصريح، وهذا هو بالضبط الإحتكار والدكتاتورية التي لفظت أنفاسها في معظم البلدان الا القليل منها وهي في طريقها الى الإنقبار من غير رجعة كأنظمة ولكنها كممارسات ستبقى الى أمد طويل ما دامت النفوس شحيحة على الخير، وضنينة بالفضل بل بخيلة بشكر المعروف وميزان الأعمال وأن كانت بالمحصلة النهائية في صالحها، وتقدم لها إعانة في تثبيت أركان سلطتها. فيما إذا كانت موجهة لتصرف أبنائها نحو سبل الخير والإستقامة ضمن إطار الثوابت الشرعية والأعراف الأخلاقية التي بتنا نفتقر إليها جداً في هذا الوقت بالذات، وأية حكومة إذا لم تحصن نفسها بتلك الثوابت وخصوصاً في البلدان الإسلامية فأن مصيرها مجهول ومستقبلها سيصاب بالشلل لا محالة ونضرة بسيطة الى التاريخ المعاصر، تنبئك بصدق هذه القراءة بلا تكلف وتعسف في إستخدام العقل في مثل هذه القراءة.

  ومن أبسط مهام الدولة، كدولة توضيف وسائل الإعلام لخدمة قضاياها تلك من خلال عكس الممارسا ت والنشاطات الإجتماعية أو المؤتمرات والندوات التي تحاول في برامجها إصلاح وضع ما إنحرف عن الجادة قصوراً في قابلية الجمهور أو تقصيراً منهم أو ممن يتسلط عليهم، وأما أن تخسر صفقة بعض المؤتمرات أو تتقصد في تجنبها لحاجة في نفس يعقوب – لا تجد له تبريراً إلا تبرير كون القائمين خوارج، صفة ملصقة بهم – لانهم لايتناغمون من السلطة في طرحها أو سياستها في إدارة بعض مرافق الدولة، وإن كانت خاطئة بل مخالفة للدستور – المقرر من قبل شخصياتها، وعناصرها في نصوص لا تقبل التأويل في دستورها؛ كعدم جواز سن قانون مخالف للآدآب الأخلاقية أو الأحكام الشرعية، وهي تمارس علنناً وجهاراً بل وتحمى ويوفر لها الأمان المطلوب في ممارستها وفتح المجال بحرية مطلقة لها، ولو كانت من واضحات المحرمات الشرعية أو قاطعات المخالفات الأخلاقية والآداب العرفية.

  أم أن في الدستور فقرة تجيز مخالفته في ما لو تعلقت المسألة بين صيانته تطبيقاً وبين التضييق على الخارجي في نظرها تكليفاً يخصص به الدستور في تلك الفقرات، وهم بذلك خالفوا نصاً (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) النور الآية 49