You are currently viewing استفتاء بخصوص التظاهرات في العراق

استفتاء بخصوص التظاهرات في العراق

 

 

 

إلى سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي أعزك الله

 

بما إننا نعيش تظاهرات تغييريه وإصلاحية في العالم العربي عموماً وفي العراق خصوصاً فنرى من الجهة الإعلامية تسليط الإعلام على بعض دون الآخر وخصوصاً في العراق وبدا تقهقر واضح في مظاهرات العراق، فما هو رأي سماحتكم بالوضع الحالي للتظاهرات؟ وهل هناك ثمار من الاستمرار في التظاهر؟ راجين تنويرنا بتوجيهاتكم.. وفقكم الله.

السيد حسين المرياني

طالب في الحوزة العلمية الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم:

 

نجمل الأسباب الموجبة الى هذا التقهقر المتراثي

 

أولاً: أسباب من المتظاهرين أنفسهم، فإنه مضافاً الى تشتتهم واضطراب أهدافهم ما بين ضيقة وشخصية لا تناسب قيمة التظاهر وأدواته، فإن البعض منهم له أهداف تبعية إما الى بعض الجهات السياسية المشاركة في الحكم أو الى أخرى تريد الاصطفاف في صف ما يسمونه المعارضة وهي اسم بلا مسمى، والى ثالثة تشارك لاستنزاف الوقت وقضاء ساعات لقتله بعد أن لم تجد ما تقتل وقتها به وضياعها، وهؤلاء قلة ومحدودون جداً وكانت التحضيرات لها غير مستكملة، وقد حملت فوق طاقتها وهي بحاجة الى تكامل وعي المتظاهرين لتنطلق بقوة وسرعة لهدفها، وأن الاستحضارات الشعبية كانت دون المستوى المطلوب وأسبابها ما سنذكره في الآتي.

ومع كل هذه الأسباب فهي تمثل انطلاقة جيدة وخطوة صحيحة ليشعر الشعب انه مساهم في العملية وهو أُسها وكما له ان ينصب بصوته من يشاء فإن له أن ينحي من يشاء لو اتحدت كلمة المتظاهرين وانطوت تحت عنوان معروف ومؤثر وله من الوزن الاجتماعي ما لا يمكن غض النظر عنه، مع مؤهلات أخرى ومواقف مشهودة، والاستمرار بها على نحو معقول ومتوازن وذات خطاب واقعي وممكن، ستؤدي في نهاية المطاف الى المرجو منها.

ومن نافلة القول: إن بعض المتظاهرين، ومن يقف من ورائهم يتظاهرون فوق المعقول من خلال مطالبتهم بالتغيير لا بالإصلاح، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن البلد غير محكوم لأهل السلطة ولا للمطالبين بالتغيير، حيث الاحتلال وإدارته القاهرة والتغيير في ظله لا يؤدي الى شيء، وأما الإصلاح في الجهاز الحاكم فهو أمر ممكن وفق الإمكانيات والمطالبات المرفوعة والاحتلال الذي هو مانع عن التغيير لا يخرج بالتظاهر كما يفهمه الجميع، وبعض المتظاهرين يرفع شعار كلا كلا احتلال، ولكن نبهنا لأكثر من مناسبة إننا نعيش الشعار لأجل الشعار لا لأجل ما يؤدي إليه الشعار، من تحفيز دائرة الوعي ورفع العزيمة، وتقوية الإرادة في السعي وإخراج الاحتلال، وإلا الشعارات لا تخرجه ولو بقت ترفع الى ما شاء الله، فالشعار مثل الدعاء لا يستجاب الا بالعمل، والشعار لا يعطي ثماره إلا بالمثابرة والسعي والعمل لانجاز ما يؤديه الشعار.. وحاله المثل القرآني

{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} النور39.

ثانياً: من خارج المتظاهرين، ويمكن تقسيمها الى داخلية وخارجية.

أما الداخلية فتقسم أيضاً الى قسمين.. مؤسسة دينية، ومؤسسة سياسية.

الأولى: تباينت مواقفها من التظاهرات وتأرجحت ما بين اليمين واليسار، من فتوى التحريم بدعوى الحفاظ على النظام العام، والمفروض أن المتظاهرين قد التزموا الحفاظ عليه، الى التشجيع والحث عليها من دون موجب لإلزام المتظاهر بها أو بعدها لإبقاء حالة الاختيار الواعي عنده وإبعاده عن التحريك من خلال الإلزام الشرعي، كما قلناه في الانتخابات مراراً وتكراراً.

ونحن نعرف الثقل الذي تمثله المؤسسة الدينية في شعب العراق حيث الارتباط بعلمائه وعدم الخروج عن دائرة فتاواهم وأوامرهم أو نصائحهم في الشؤون الاجتماعية أو السياسية.

هذا مضافاً الى ممارسات من البعض لتطويق التظاهر في ساحة التحرير من خلال تظاهرات تأييدية لبعض الدول العربية صاحبها تحشيد إعلامي واسع لها من خلال القنوات الحكومية وغيرها، وعندما تتضخم الآلة الإعلامية فإن رأياً عاماً سيصاغ باتجاه ما وفي ذلك معرقل كبير وهائل عظيم للخروج في ما يتعلق بالاستحقاقات الشعبية، والحقوق المكفولة للشعب دستورياً.

والتظاهر للحقوق أولى من التظاهر للتأييد ومبدأ الأولوية مبدأ معمول به حتى في علم الأصول عند الفقهاء، وهذا ما يذكرنا بالمثل الذي نضربه دائماً لمن يعمل ليكون أنتجاه لغيره، كالأعور الذي سلمت عيناه بعد العملية الجراحية فطار فرحاً بسلامتها ولكن نَسي انه خلال مدة العور كان يوصل ما يتسوقه لأهله الى الجيران.

وقد تؤثر الدائرة الدينية بتوصيف التظاهر عند الجمهور بصورة طائفية فعلماء هذا الفريق يسحبونه الى جهة وعلماء الفريق الآخر الى جهة أخرى حتى باتت الأنفاس الطائفية تعيش في أجواء التظاهر.

فمن فريق يرى بعض المعممين وهم مشاركون في التظاهر حتى يتفجر غضباً رافعاً شعار (إيران برة برة) فيما يوصف الآخرون من قبل البعض بأنهم وهابيون وبعثيون في إشارة واضحة الى الطائفة الأخرى، حتى أصبحت ساحة التحرير ساحة سجال ما بين مؤيدين لإيران- كما يصفه البعض- وما بين معارضين لها.

وفي جو كهذا لا يهتدي المواطن الى اتخاذ قرار صحيح في المشاركة للحيف الذي وقع عليه ومن خلال انعدام الخدمات وضعف الأمن والأمان وغيرها، وبين ما يصوره هذا المشهد من دعم لأعداء الشعب وإذناب النظام السابق.

والثانية: وقد استعانت بالمؤسسة الدينية، فقد استعدت بكافة إمكانياتها وكانت على أهبة منازلة كبرى مستخدمة قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وتعبئة عامة توحي بمظهر حربي أوقع الخوف في قلوب الناس فكأن لسان حالها يقول

 (الباب الذي تأتيك منه الريح سده واستريح)، فقد كانت استحضارات السلطة تفوق تصور المتظاهرين العزل حيث لا يتعدى عددهم بضعة آلاف متظاهر اعزل في مقابل أكثر من ربع مليون في العسكر، وبعضهم مجهول الارتباط، جيشاً أو شرطة- على ما وصفه بعض المتابعين-.

وأما الخارجية: فهي تتحرك بوحي من مصالحها، وفي حساب الكسر والانكسار- التعبير المستخدم عند علماء الفقه والأصول- وجدت أن الحيلولة دون خروج المظاهرات المنادية بالإصلاح لا بالتغيير هو الأوفق بمصالحها فجندت كل ما لديها من طاقات ونفوذ، وحاول إعلامها تغييب متعمد للتظاهرات في العراق وتركيز واضح على ما يجري في بلدان عربية أخرى.

هذا كله، ناهيك عن دور الأحزاب والكيانات السياسية في البلد وتقصير واضح في الدور الرقابي والدعم التشريعي لهذه التظاهرات من مجلس النواب المنتخب الذي انتخبه الشعب ليقف معه في مطالبه، فوقف معه في اطار اقوال خجولة لم تستطع المؤسسة التشريعية أن تترجمها الى ممارسة ميدانية في ساحة التحرير صيانة ومشاركة للمتظاهرين، وفي ذلك تقوية لمؤسساتها في تفعيل دورها الرقابي على الحكومة الذي أقبر بمشاركة كل الكتل في الحكومة.

وفي مثل وضع كهذا كان يقين المتظاهر المسكين في مهب الريح، وهو يرى تراثه منهوباً وأمله مقتولاً وسعيه مأثوماً.

هذه قراءتنا.. وقد اتضحت الثمار في استنهاض الوعي السياسي للمواطن، وقدرته على تحريك الحكومة ومؤسساتها لتقوم بواجباتها تجاهه، ومسؤولياتها الدستورية، وبدأ الحراك واضحاً، ومع الاستمرار والحضور الجماهيري ستزداد حركة الحكومة لتحقيق اكبر انجاز ممكن وعدت به أو التزمت به دستورياً.

والخوف من توقفها فأنها لو توقفت لما أمكن استنهاض النفوس مرة أخرى للممارسة الحضارية بالتظاهر، وسيقول الناس {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} الفرقان28.

ونعتقد بأن هذا التواجد وإن وصف بالبسيط هو اكبر انجاز سياسي يحققه المواطن العراقي في علاقته مع حقيقة الديمقراطية ومضمونها إذ لا معنى للديمقراطية دون تعبير عن الرأي بصراحة وشجاعة، ومن دون تظاهر لإبراز هذا الرأي وتحفيز الحكومة على العمل الجاد والسعي الحثيث للوفاء بالتزاماتها في البناء الديمقراطي وانجاز مبادئه من الحرية والعدل والمساواة

ولا معنى للاستيحاش بالنسبة للمشاركين من قلة عددهم فإن النجاح طريقه على الدوام محفوف بالمجازفة، وعندما تمر العاصفة سيعرف ثقل كل واحد ووعيه وفكره وعمله وإخلاصه.

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} العنكبوت2

المكتب العام

15 ربيع الثاني 1432هـ