الحكم في زيارة دول الجوار
نشطت الجولات المكوكية للكيانات الفائزة بالانتخابات كما يسمونها، لدول جوار العراق من دون استثناء وكل يذهب الى ما يراه ناصحاً له وداعماً ومقوياً لموقفه في المشاورات الجارية عن التحالفات الحكومية. وقد انقسم السياسيون أنفسهم الى قسمين، قسم أدان هذه الزيارات وعبر عنها بأنها تكشف عن ضعف الموقف السياسي العراقي فراح يطرق أبواب الجيران لتقويته على حساب شركائه في العملية السياسية. وقسم وصفها بالضرورية لتبديد مخاوف بعض دول الجوار حول الصيغة النهائية للحكومة ورد بقوة وقسوة على من انتقد هذه الزيارات.
وعلى هذا فالمسألة تحتاج الى حكم بالفصل بين القسمين، وإن الحق مع من منهما أو ليس معهما أو معهما والاحتمالات ثلاثة؟ والثالث باطل جزماً إذ لا يعقل أن الحق معهما مع التقائه على محور واحد وهو زيارة دول الجوار.. حيث يتجاذب السياسيون التهم الى بعضها في حالات الإرهاب والتفجيرات.
ففي الاحتمالان الأولان.. ولكي يتضح الحق نقدم ما يلي:
1) إن الغرض المعلن من هذه الزيارات هو الدعم المطلوب منها للحكومة العراقية بعد طمأنتها بأن التشكيلة الحكومية لا تكون متقاطعة معها ومع مصالحها في العراق، وإن مخاوفها في أية تشكيلة حكومية لا مبرر لها، وسوف لن نقدم على أية خطوة تشعرها بالإحراج والإخراج.
2) إن كل الزائرين لهذه الدول غير معروف الى الآن وضعهم في التشكيلة الحكومية المقبلة وبالتالي فإن حديثهم مع هذه الدول سيكون بصفة ماذا؟ بصفة الشريك في هذه الحكومة أو بصفة الرئيس للحكومة، أو بصفة المعارض للحكومة؟
وكل هذه الصفات مجهولة حالياً فمن يتحدث بصفة المشارك قد لا يشارك لاعتبارات ما قد تطرأ في المستقبل القريب، ومن يتحدث بصفة الرئيس فهو أمر احتمالي لا جزمي فلا قيمة لحديثه، ومن يتحدث بصفة المعارض قد يغير رأيه في اللحظة الأخيرة فيصبح مشاركاً لا معارضاً. وأما الحديث بصفة شخصية فهو مما لا بأس به على أن لا يشمل التأليفة الحكومية ومدى تأثيره فيها أو تأثره منها. وإلا يصبح الحديث غير شخصي.
3) إن الحديث عن حكومة ستتشكل في المستقبل غير مجد لأنه يخضع لتصورات المتحادثين من دول الجوار والزائرين، ويقع في إطار الاستنتاج والتخمين وبالتالي فهو لا موضوعية له إلا بإيحاء للطرف الآخر بأهمية موقعه وإمكانية تأثيره على التشكيل الحكومي أو التنصيب الوزاري، أو يكون لطلب استرضائه ودعم موقفه.
4) الواقع يفرض إن الحوار ينبغي أن يقع في دعم وإسناد حكومة قائمة ومشكلة من الفرقاء السياسيين أنفسهم بدون إخضاعها لتأثيرات الجيران ومستوى نفوذهم واعتباراتهم، لأن الواقع يفرض تصارعاً في مصالح دول الجوار ومحاولة إدخالها قبل التشكيل الحكومي معناه إخضاع العملية السياسية لتدخلات إقليمية قد تصيب العملية السياسية بالصميم وتكشف عن قلة حيلة العراقيين وضعف أدائهم السياسي الى الدرجة التي يستعينون بها بدول الجوار وكل دولة تريد صورة حكومية على مقاساتها وتطلعاتها وهي تتقاطع مع تطلعات دول أخرى مجاورة وإذا تعددت التدخلات فسدت المعالجات وخربت القرارات.
ومن هنا فإن الاحتمال الأول هو الأصح من الاحتمالين وإن الزيارات ينبغي أن تكون بعد التشكيلة الحكومية للحصول على دعم هذه الدول ومعرفة مدى تأثيرها في اللوحة الحكومية لتحدد مسارات التعامل معها على هذا الأساس في المستقبل.