في بعض بلدان العالم حديثة العهد بالديمقراطية تكون العملية السياسية سائرة ضمن طبختين ، طبخة شعبية تخوضها الجماهير عندما تدلي بصوتها في إنتخاب مرشحيها للبرلمان أو لمجالس المحافظات ، وطبخة سياسية تخوضها الكتل والكيانات السياسية تلاعباً في نتائج الإنتخابات لحسابات معينة تخضع احياناً لتوازنات معينة تقتضيها المرحلة ، وقد تخضع لاحتمالات من إنفلات الوضع وتحريك عناصر العنف ، وقد تخضع لتوازنات وإستحقاقات لبعض الدول المؤثرة أو المسيطرة على توجيه نتائج الإنتخابات ، ولو تجاوز ذلك الإستحقاق الشعبي ، وتخطى حق الجمهور في إنتخاب ما تراه ممثلاً لها في الواقع السياسي . وهنا تكون الطبخة بتحميل بعض الاصوات الى بعض القوائم ورفع رصيدها على حساب كيانات صغيرة أو جديدة ، وربما على حساب توازن سياسي مطلوب يراد تكريسه على الواقع السياسي دفعاً لاحتمالات قد تؤدي بالصالح العام الى الوراء أو لغير ذلك .
والطبخة السياسية تكون دائماً على حساب الطبخة الشعبية متجاوزة حق الجمهور في حرية الإختيار التي كفلها الدستور وقامت على أساسها مؤسسات الدولة ، ومتعدية على حقه في التصويت الذي لا يبقى له معنى فيما إذا تمت الطبخة السياسية بل هي قفر على السلطة بدون مبرر شرعي إرضاء للبعض وحماية لوجودهم الذي رفضه الجمهور وكشف عن وعيه العالي في الإختيار ، وبين أن الخدع السياسية والحركات الإعلامية قد ولى زمانها وإندثرت آثارها ، والشعب المسلم لا يلدغ من جحر مرتين . وفي ذلك رسالة واضحة تقدمها الجماهير الى لاعبي السياسة ، وإن المؤشر العام لاختيارهم هو مصداقيتهم وعملهم وخدمتهم لعموم الناس وينبغي أن شعارهم جزاء إحسان الناس لإنتخابهم هو إحسان لهم في توفير حياة كريمة وخدمة صالحة لمجتمعهم . وننبه السياسيين بضرورة الإستفادة من جلالة الشعب وسمو وعيه وأن التجارب الماضية قد حركت فيه عناصر الوعي واليقظة ، وأن بساطته التي عرفت لا تكون على حساب مصالحه ومستقبله وهو يتقدم يوماً بعد يوم مستفيداً من مرارة التجارب السابقة ، ومسترشداً بالشعائر الحسينية التي يتفاعل معها في مناسبات عديدة مع مرور الأيام ، قد عجنت نفوسهم ببعض تأثيرات القيم والخلق الحسيني الراقي الذي نحن بأمس الحاجة إليه .
وهذه الحالة الصحيحة ينبغي مداراتها ليشهد البلد مزيداً من الوعي والتقدم ، ويعين الخيرين على بناء بلد متحضر متطور، تتحرك فيه الجماهير على أساس حرصها على ما تحقق لها من مكاسب كانت معاناتها وصبرها أهم عاملين لانجازها ، من دون مزايده من أحد ، ومنّة من آخر .
ان الجميع مطالبون سياسيون وغيرهم بالوقوف وقفة إجلال وإكبار لهذا الشعب الذي عبر بحضارية منقطعة النظير ، وخاض حقه الطبيعي في إنتخابات متميزة نتمنى أن تحفظ له هذا الإنجاز ويكرم في ادائه ، ومن يتحايل عليه أو يلتف حول مكاسبه فان شرنقته سوف تلتف حول عنقه لتطيح بتاريخه السياسي بما لا عودة فيه الى الواجهة .