You are currently viewing العدد 130 من نشرة النهج

العدد 130 من نشرة النهج

                                                                     وداعاً الى حين يا سياسة

عُرف عنا بأننا نخوض في المسارات السياسية ومتطلباتها ونقدم تحليلات واقعية اثبتت الايام حال مرورها صوابيتها وواقعيتها سواءً أكانت تحليلاً لموقف سياسي معين لجهة سياسية أو دولة أقليمية أو دولة كبيرة كما يعبرون وليس من كبير عندنا إلا الله سبحانه وتعالى، وكل هذه المسميات أوهن من بيت العنكبوت إذا ما وُجهت بالاصرار والإرادة وديمومه المواجهة على ما ذكرناه وتحققنا منه في جملة من المواجهات آخرها مواجهة حزب الله لبنان مع كيان الصهاينة عام (2006) وكيف استطاع الحزب بديمومة المواجهة وإمتصاص الصدمة واستيعابها ليرد على الصهاينة الصاع صاعين مع اصطفاف بعض دول العرب في موقفه بل وتشجيعه الى كسر عظم الحزب ولم يفلح.

أو كانت على بيان علاج معين لأزمة حادة وخانقة أو كانت على طرح مشاريع اصلاحية وحدودية كمشروع التيار الصدري، ومشروع المصالحة الوطنية، أو تحليل وجهة نظر بعض الجهات أو الدول وكان العديد من السياسيين العراقيين يأخذون كلمتنا بنظر الاعتبار والتبني ولكن من دون نسبتها الى صاحبها، إما حقداً أو حسداً أو توهماً للاعتراف بمكانته التحليلية السياسية، وإما تغيباً وتهميشاً وإما قطعاً لطريق بروزه وإما ……. وليس مهماً عنده بقدر ما هو المهم ان يُعمل بها وقد سمع شخصياً بعض قادة الكتل والكيانات تقتنص جملاً من كلمات في تصريحاتها أو بياناتها أو لقاءاتها الصحفية.

وقد شخصنا العديد من المشاكل وبينا الخلل في القرارات المتخذة، وعرضنا الدستور لنقد موضوعي أعجب به بعض شخصيات العملية السياسية، وقلنا بضرس قاطع ان هذا الدستور قنبلة موقوتة وحقل ألغام لا يخرج العراق من أزمة إلا وأدخله في أخرى أعقد منها دفعاً له لصيرورته أمام واقع التقسيم المخطط له سلفاً من قبل إدارة الشر أمريكا.

ناهيك عن تشريعنا للمقاومة ضد الاحتلال يوم لا يجرؤ أحد عن التلفظ بكلمة الاحتلال بالفتوى المشهورة الذي اخرج الرؤوس من مكامن سترها وراح البعض يتوسل الينا في نشر الاستفتاء وتعليقه على الجدران والطرقات لإعلان مشروعية الجهاد ضد الاحتلال وقبل صدور الفتوى كانت الحضرة العلوية بعد تخلي الكل عن حمايتها تحت اشرافنا لمدة واحد وعشرين يوماً وحينئذٍ برز عنوان المقاومة والتيار المقاوم.

ومن شق صمت الخوف والقدوم الى تأييد اعتصام التيار الصدري هو هذا الكاتب ولن ينسى فلان كيف كانت وقع مجيء الشيخ وأكثر من خمسين من طلبة الحوزة الى مسجد الكوفة قبل الاعتصام وكيف أرسلنا وفوداً الى مكاتب العلماء الذين أغلقوا أبوابهم بوجه الوفود؟ بل بوجه الجميع وكيف جال الشيخ في عموم العراق ومحافظاته بإلقاء خطب الجمع وتشجيع المواطن على استغلال الفرصة في بناء وطنهم وإيمانهم ويشهد لذلك خطب الجمعة وتنوع موضوعها بما يناسب المنطقة والحدث، وأول من صلى جمعة في سامراء ورفع الشهادة الثالثة بالآذان، وأول من ساهم في علاج أزمة الفتنة الطائفية فهو من مؤسسي المؤتمر الوطني الذي جمع شخصيات علمائية سياسية من الطوائف جميعاً، وخرج بعد رأى تغريد أعضائه خارج السرب، وإرادة معظمهم ان يبني موقعاً على حساب العنوان.

وأستمر الشيخ بطرحه الجريء ودفاعه عن المواطن العراقي، ورفع الحيف والظلم وتشجيع الناس على الدفاع عن انفسهم ومصالحهم، وأتت أكلها حيناً وأخفقت أحياناً كبيرة لأن الاصطفاف المقابل والذي أخذ على عاتقه ابقاء الطائي خارج الحدث، سواء من الجهات الدينية والاقليمية والسياسية الذي اعتبروا لغة الشيخ الطائي وخطاباته موجه ضدهم.

وهو أول من دعى الى التظاهر، ودافع عن استهداف الاجهزة الامنية لهم وقتل البعض منهم في البصرة واقام اعتصامات بصراوية ضد الاحتلال البريطاني وقد اسفرت عن اطلاق سبعة من المعتقلين عندهم من ابنائنا، وانتهاء مظاهرات التحرير 2011 بمداهمة منزل الشيخ في بغداد مع صمت رهيب من قبل الكل حتى المقربين، فضلاً عن البعيدين الا ثلاثة برلمانيين،امرأتان ورجل.

والأحداث لا يمكن تسجيلها بهذه المقالة، يكتفى بها بحط رحاله في سوريا لإضفاء مشروعية الدفاع عن المرقد الزينبي الذي افتى البعض بعدم جواز الذهاب وتلسن آخر بلا ضرورة وو وقد اسس لواء ابي الفضل العباس الذي سرق موقعه وأسمه العديد بعد ان سجل حضوراً ميدانياً في الساحة السورية وغيّر بعض المعادلات في داخل السيدة زينب.

وأخرها فتواه بمواجهة الدواعش وإن المواجهة مع حسن نيته وابتغاء وجه الله تعالى من الشهداء وتحولت الى جهة أخرى وكان الافتاء في 17/6/2014 فأنظر كيف تساق الأمور.

ولم نجد من يملك صبراً على مسعانا ومسارنا، فكان التخلي عن متابعة الشأن السياسي أول خطوات في طريق الابتعاد عما لا يكون فيه رجاء الفلج ولا يؤتي ثماره، ولعل الله يحدث أمراً فيه رضا له ومصلحة وهداية للآخرين.

ولا يفوتني ان أذكر الحصار الإعلامي القائم لكل ما يقوله الشيخ، وأذكر بسماح يزيد للسجاد (عليه السلام) ان يعلو الأعواد، ولله في خلقه شؤون.

21 جمادي1 1438

 

 

                                                                         لا يفوت عقاب على ذنب

يفهم العديد إن لم نقل الكل بأن فعل الحرام هو مجرد ذنب سيتم التوبة عنه في مستقبل حياة الفرد، وربما يتعلق المذنب بشفاعة الشافعين ومن يؤذن لهم في الشفاعة يوم القيامة، وهذا الوعي ينبع من تصور ان الذنب هو اعوجاج في السلوك الفرد فيتوب منه أو يستمر فيه في يوم ما، والأمر ليس كذلك لأن تنظيم هذا العالم الامكاني من قبل رب العالمين دقيق الى درجة  بأن أي خلل في عالم التشريع وأقصد معصية هنا ومعصية هناك، فأنه سيؤثر حتماً وتطاله عقوبة عالم التكوين الذي هو على أتم الطاعة والانقياد لله والهداية على الطريق المستقيم حيث لا مجال فيه للعصيان والضلال، لأن زمام كل موجود تكويني بيد الله سبحانه، وهو على الصراط المستقيم، وهاتان المقدمتان تنتجان إن كل ما كان زمامه بيد من هو على الصراط المستقيم فهو مهتد لا محالة، ويستفاد هاتين المقدمتين من قوله تعالى ((ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم)) هود 56 وكل الموجودات في عالم التكوين يأتي ربه طائعاً ((فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) فصلت 11

وإما ما يشاهد من الضلالة والتمرد فإنما هو في عالم التشريع لأن المكلف مختار في اتخاذ سبيل الهدى أو الغواية، والعبادات شرعت لتطابق النظامين التشريعي والتكويني، ولهذا فأي خلل في نظام التشريع، أي المعصية والذنب المرتكب من قبل البعض سيلاقي حتماً دفاعاً من قبل عالم التكوين لردم هذا الخلل الذي أحدثه الذنب المرتكب، وهذا ما يفسر لنا العديد من الكوارث والعقابات التكوينية من قبيل الكوارث الطبيعية من الفيضانات، والبراكين والحرائق والزلازل والاعاصير الحاصلة هنا وهناك، وهي عقوبات للبشر لعلهم يهتدون لعلهم يرجعون .. لعلهم  …أنظر قوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم/41

ومن هنا فإن الذنب المرتكب وبحسب موقعه من تطابق العالمين سيؤثر بهذا القدر.

ومن شواهد ذلك العديد من المرويات الشرعية من قبيل (كما تدين تدان) وتفرع على موارد متعددة، فمن يزني يزنى به، طبعا إن لم يتب توبة نصوحاً يصحح بها ما أرتكبه من ذنب، وآثاره التي أستقرأت بعضها، بأن الزاني قبل الزواج لا تكون ذريته إن كانت إلا من الاناث، وقلما يكون له من الذكور/ وإذا صار بعد طول تأمل فأنه يموت على الأكثر، ولكن هذا الرأي أقوله ليست قواعد غير قابله للانخرام، ففي عالم التكوين والتشريع حكماً ومصالح لا يعلمها إلا الخالق، ويبقى ما نقولوه هو من آثار هذا الذنب- الزنا-.

وكذلك من جامع زوجته بشهوة إمرأة أخرى خرج أبنه مخنث، وهذا المضمون موجود في الروايات، وكذا من يسرق سيسرق يوماً أو تبدد أمواله من حيث لا يحتسب، ناهيك عن القتل فأنه يقتل ولو بعد حين، هذا كله في حياة الدنيا قبل الآخرة، وهناك حساب من نوع جديد ودقيق ومصير أبدي الى الجنة أو النار.

المهم أن تطابق العالمين مشار إليه في القرآن مثل قوله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأعراف/96 وغيرها.

وتقرأ في بعض فقرات دعاء كميل آثار للذنوب فبعضها تنزل البلاء، كالربا والزنا وقطيعة الرحم، وبعضها يقطع الرجاء، وبعضها تهتك العصم، وبعضها يقطع الرجاء، وبعضها تغيرّ النعم.

فهذا أمر ثابت وإن للذنوب آثار دنيوية فضلاً عن الأخروية.

وقد تسأل مالنا لا ترى هذه العقابات في المجتمعات الغربية التي ينتشر فيها أكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، والزنا وزواج المحارم والسحاق واللواط وكثير من الكبائر.

وهذا مشمول لسنة أخرى يسميها القرآن سنة الاستدراج {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }آل عمران/178 مع صحة الاستنتاج السابق، فهنا يمهلوا لاستدراجهم الى ما لا يحمد عقباه.

وعندما أقول هم مشمولون للقاعدة السابقه وقد مرت الازمه المالية الضاغطة على المجتمعات الغربية بسبب الربا، واعلنت الكثير من المصارف افلاسها، ومعنى ان ظهور الذنب قد لا يكون مباشراً فقد يكون بعد مدة طويله أو قصيرة، وهذا يتوقف على درجة ارتباط الفرد بالسماء وعلاقته مع خالقه، فما كان مؤمناً ملتزماً فأن أثر الذنب يكون سريعاً وما كان مسلماً فأثر الذنب يكون دون من سرعه أثر الذنب المؤمن، وقد ورد ان الذنب اسرع للمسلم من غيره، ومؤاخذة المسلم بالذنب لتجنب أثره يوم القيامنة لأن الله أكرم من ان يعذب الفرد مرتين مره في الدنيا ومره في الاخرة، وهذا للمسلم بل ربما للمؤمن.

وحينما يظهر اثر الذنب فقد لا يكون أثراً شخصياً بل عاماً وشاملاً لغير المذنب من له صلة به ومن لا صله له به، استناداً لأثر الذنب وعمقه في التأثير، وهذا بالضبط ما يفسر لنا العقوبات النازلة على المسلمين وديارهم، وحيث ان العراقيين بحسب نظر كاتب هذه السطور أعمق ايماناً من غير العراقيين، تكاثرت عليهم البلايا والعقوبات لوجود ارتكابات واخطاء ومعاصي وذنوب عندهم ليأتي البلاء سريعاً ليطهرهم من أثره لأنهم مؤمنون فضلاً عن كونهم مسلمين، إلا في هذا لا يعني ان العقاب النازل هو عقاب للجميع نعم هو عقاب للمذنبين، ولكن هو اختيار للمؤمنين لتقوية  صبرهم وارادتهم وزيادة تحملهم لزيادة  درجات قربهم من الخالق، وتقوية ايمانهم.

ويترتب على ما تقدم أمور مهمة وخطيرة:

الأول منها: ظهور أهمية الأمر بالمعروف ونشر الطاعة والنهي عن المنكر والحيلولة دون المنكر والمعصية لتنقية عالم التكوين، ومنع نزول البلاءات، فلا يعترض من لا حريجة له في الدين على من يقوم بهذه الفريضة ويؤديها فأنه يدافع عنه وعن انسانيته وسلامة حياته في الدنيا قبل الآخرة.

الثاني: ما يزعمه البطالون من القول بحرية التصرف والسلوك وليس بحرية إذا ادت الى مزيد من المعاصي والذنوب، فأنها تدمر صاحبها والباقين، ومن حق الجميع منعه وايقافه عند حد عدم القيام باعمال شيطانية تنزل عقابات إلهية، ولا حرية بعدها الدمار وآخرها النار.

الثالث: بيان خلل تسليم المنحرفين والعصاة مناصب مهمة في الدولة ومواقع خطيرة في المؤسسات التعليمية، وما لم يعرف من المتصدي التوبة والالتزام الاخلاقي فضلاً عن الديني الوسط، يكون تسليمه هذا الموقع بمنزلة الجرم والعقوبة لعموم المجتمع وتعريضه للدمار والخراب.

وهذا بالضبط ما تقال في الفقه بضرورة العدالة في جملة من الموارد كالشاهد وإمام الجماعة ومرجع التقليد وغيرهم، وإذا فسق فهو يخرج عن دائرة العنوان الذي يعتليه إلا إذا تاب وعرفت توبته من الذنب الذي وقع فيه، فما لم يتب المتصدي الرسمي عن ذنبه  فهو يعرض شعبه وبلده للخراب ومن نتائج ذلك فقهياً حرمة انتخاب من وقع في المعاصي والذنوب وتقديم كل وسائل الخراب لشعبه وبلده إذا كان في رغبته بل في انتخابه الفاسد والفاسق.

الرابع: كراهة تزويج شارب الخمر، ومصادقة الفاسق لأن الانسان على دين من يخالل (كما ورد في الخبر) مع اخبار تخص الخمار والفاسق كالكاذب فأنه يقرب البعيد ويبعد القريب.

الخامس: عدم احراز النصر في أي موقع من مواقع الحياة ومواجهات الاعداء، لأن الذي يطلب وهو النصر لا يمكن ان يكون بالجور والظلم والطغيان، وشواهد عديدة في حياتنا كعراقيين أكدت هذه الحقيقة التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن أمثلة ذلك يحصل المنصب بدفع مبالغ مالية كرشاوى أو مصانعات بل حتى لو كانت هدايا، ومن هنا نراه لا يوفق مهما عمل لأنه الزم نفسه عدم الاتقان بفعل الحرام واعطاء المال.

{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }النحل128  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 ومع الذنب ينتفي النصر الموجب للانتصار .

السادس: كثر الطلاقات وزيادة المشاكل العائلية بسبب ان بدء الزواج كان بالحرام من الغناء والرقص، واحياناً شرب الخمر، وقطع طرقات المسلمين بسيارات الزفة، وارهاب الناس بالاطلاقات النارية، ثم الرمي باللوم على الزمان أو العيون، أو سوء الطالع أو … أو ..

ولو التفت الى ما ارتكبه من جرم في بدء مسيرته الزواجية لما لام نفسه وحظه العاثر.

السابع: لا بد من رفع سخافات من يدعون الى الاختلاط في المدارس والجامعات، وخصوصاً في مرحلة طغيان الشهوة للشاب والشابة وفتح اللقاءات والمجاملات بدعوى الزمالة الدراسية، ولهذا لا نجد توفيقاً حقيقياً للدراسة عندنا، وأصبح من الواضح تراجعها الى الوراء حتى بات الناس يقارنون بين مستوى الإعدادية في سبعينات القرن الماضي ودكتوراه أو ماجستير الوقت الحاضر في الاختصاصات الإنسانية، اللغوية بالأساس.

وتطول قائمة المحرمات في آثارها التكوينية.

 

 

21 جمادي1 1438

 

 

                                                                             محرمات مخفية

محرمات كثيرة ترتكب بشكل سافر وعلني يعللها البعض بأنها جائزة وآخر بأنها غير محرمة وثالث بكراهتها ورابع لا شيء فيها، وكأن الكل أهل أختصاص في دين الله سبحانه وأحكامه وتكاليفه، وليته فعل ذلك، عند الحلاق الذي يلعب برأسه كيفما شاء، وهو لا يبدي كلاماً فضلاً عن اعتراضاً وإما مع دين الله فهو النحّرير والخرّيت في هذه الصنعة والحرفة كل ذلك غروراً بانفسهم ومتابعة لأهوائها واقناعاً لتصرفاتهم بأنها مطابقة للشريعة.

والجواب كلا وألف كلا فلا يطابقه ولا هم يحزنون.

ولنذكر بعضاً من المحرمات المخفية:

المحرم الأول: أخذ المال قبال التعيينات الرسمية فقد وصل عند بعض الوزارات الى أكثر من ثمانين ورقة ذات المائة دولار الأمريكي بما يعادل عشرة ملايين دينار ومن الحق ان نسأل من أين كان للآخذ الحق بها؟ وكيف سوغت له نفسه أخذها وهل سأل عالماً مجتهداً أو مرجعاً لا غيرهما ليجيبه بالجواز؟ وأي جواز هذا ولا مقابل لهذا الثمن المأخوذ لا من عمل ولا من مال ليستحق أخذه.

وأين المعروف بين الناس الذي حثت الشريعة عليه وجعلته حكمةً أو علةً لحرمة الربا كما أخبرت بذلك، حيث يقول الإمام بأن علة حرمة الربا هو – لئلّا يضع المعروف بين الناس وفي مثل هذا فالمعروف ليس بضائع بل لا وجود له.

ومن اعطى الآخذ صلاحه الأخذ والحكومة بإمكانها أن تقول بأن المتعين عليه ان يدفع كذا تحت أي عنوان.

وهل التعيين تركه خلّفها والد الآخذ أو أنه سيرهق نفسه بعمل خارج أفق وظيفته كي يقال بجوازه أو …..

ليعلم الجميع أن هذا المبلغ حرام أخذه وهو مضمون عليه لصاحبه إلا إذا أعطاه بطيب نفس والأمر ليس كذلك، وإن كان فالحرمة على المعطي لأنه أعانه على الأثم، ويكون في طريقه ليصير سنّة يستن بها الموظفون.

فهذا محرم من طرف الآخذ إذا حصر طريق التوظيف بالدفع ومحرم من طرف المعطي إذا أعطاه وإن كان بطيب نفس كما يدعى لأنه إعانة على الأثم وإحداث بدعة في الوسط الإسلامي أو هو محرم على الطرفين من المعطي والآخذ، وسيدفع المتعين في حال سنوح فرصة له لأخذ المال من الدولة والآخرين الى الأخذ والسرقة لتغطية ما اعطاه لهذه الوظيفة.

المحرم الثاني: الدائر بين الناس والتجار بل حتى طلبة الحوزة أن يعطي يعطي – يقرض- شخص آخر بالعملة الدولارية ويأخذ منهم بعد شهر مثلاً بما يزيد بحدود 4 اوراق أو أكثر بالعملة العراقية كمن يعطي آخر 1000 دولار بقيمة مليون وثلاثمائة دينار عراقي ويأخذ منه بعد شهر مليون وثمانمائة الف دينار والدعوى اختلاف النقد وأنه نسيئة، وكلاهما باطلان إما اختلاف العملة فهو مدفوع بأن الرغبة الآن في العراق وهي اساس المالية تكاد تكون متساوية إليهما فلا ميز بينهما إلا بالاسم، وحينئذٍ يبقى سعر السوق هو الحاكم، ولعل الـ 5% للسيد الشهيد (قده) في حدود السعر السوقي لا أكثر.

وأنه نسيئة، فهو وإن كان بيعاً ظاهراً لكنه فرضاً حقيقة الغاية منه الحصول على زيادة وهي ربا محرم وباطل وهنا أيضاً تأتي الحكمة أو العلة، ضياع المعروف بين الناس، فلا يقرض الغني المحتاج إلا مع هذه الزيادة مع ما في القرض من الثواب، وإن درهم القرض بثمانية عشر حسنة والصدقة بعشر حسنات والقرض يسترجع ليُقرض لآخر والصدقة تذهب.

وتفاصيل هذا المحرم له محل آخر.

المحرم الثالث: بيع المحرمات في المحلات، وخصوصا الغذائية المنتهية صلاحيتها واحتمال إضرارها بالصحة، أو المحرم كالسمك البحري غير ذات الفلس المستورد من تايلند وغيرها والدجاج المنتهي صلاحيته من بعض دول الجوار، وتحريم دخولها الى العراق من قبل بعض الموظفين في النقاط الكمركية والحدودية وبعض المعلبات ذات العلامة (e) الرقمية على العلبة وقد صدرنا بياناً استيفاءً لها ولأضرارها، وانقاص الوزن – التطفيف – بالميزان وغيرها كثير، والشيء المضاف الى هذه المحرمات إن المرتكب يتحمل مسؤولية الاضرار والضمانات الحاصلة بسببها، وأكل المال فيها سحت حرام.

والبقية في العدد القادم ان شاء الله .. 

 

                                                             من كنوز كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

لا أُفسد نفسي بصلاحكم

كم أُداريكم كما تدارى البكار (ضرب من الأبل، واحدتها بكر) العَمِدةُ (الناقة مكسورة السنام، وظاهره سليم) والثياب المتداعية كلما حِيصَتّ (خيطت) من جانب تهّتكتْ (تخرقت) من آخر، أكلَّما أطلّ (أشرف) عليكم مَنْسر (القطعة من الجيش) من مناسِر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه وانجحر انجحار (دخول الجحر) وهو مكان تحفره الهوام لأنفسها الضبة (أنثى الضّب) وذنبه كثير العقد يقول أجبن من ضب، وأعق من ضب واخدع من ضب في حجرها والضبع في وجارها (الجحر) الذليل والله من نصرتموه ومن رُمِي بأفوق ناصل (والافوق من السهام: ما كسر فوقه، والناصل: العاري من النصل أي حديدة السهم) وإنكم والله لكثير في الباحات (الساحات)، قليل تحت الرّايات، وأني لعالم بما يصلحكم ويقيم أوَدرَكم (اعوجاجكم) ولكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أضرع الله خدودكم (أذل وجوهكم) وأتعس جدودكم (حط من حظوظكم) لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق ..

يصف الإمام (عليه السلام) تقاعس اصحابه عن نصرته فلا يبالون مواعظه وتوبيخه، فهم في حالة غير طبيعية، وقد اضطره شذوذ حالتهم ان يسوسهم بالرفق والملاينة كما يدارى البعير المريض، والثوب البالي إذا خيط من جانب انفتق من آخر.

قال طه حسين: ((وكان كثيراً ما يقول لأهل الكوفة (يمثلون العراق آنذاك مع البصرة) أني اعرف ما يصلحكم لكني لا أفسد نفسي بصلاحكم، وصدق عمر بن الخطاب حين قال: لو ولوها – الخلافة – ابن ابي طالب لحملهم على الجادة، وقد همَّ علي ان يحمل المسلمين على الجادة ولكن المسلمين أبوا عليه.

ومن أجل ذلك قال كثير من المتأخرين: أنه لا يحسن السياسة، وما أشك في أنه كان يحسن السياسة كل الإحسان وكان جديراً لو اصطنعها ان يجمع إليه الناس، ولكنه آثر الدين على الدنيا، وأبى ان يصلح الناس ويفسد نفسه .. وفارق الدنيا راضياً مرضياً لم يحتمل خطيئة ولم يقترف إثماً.

وقوله (عليه السلام) (ولا تبطلوا الباطل كإبطالكم الحق)، يعملون بالباطل دون الحق، ومن اجل هذا كانوا هدفاً للغزاة والطامعين، وعاشوا اذلاء خاسئين.

 

 

                                                                                     اسرار الصلاة

من الواضح والمبين في موطنه ان الداني لا يؤثر في العالي، كما ان الظاهر لا يصير علّة للباطن، وإن أمكن أن يكون ذلك كله علامة أو علة إعدادية، بل المؤثر في العالي هو الاعلى منه، كما ان علة الباطن ما هو أبطن منه، الفائق عليه.

ومن هنا يظهر ما ورد في الطهارة كما جاء في المحاسن باسناده عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعد ومعه أبنه محمد إذ قال: يا محمد أئتني بإناء فيه ماء أتوضأ منه للصلاة، فأتاه محمد بالماء فأكفأ (عليه السلام) بيده اليسرى على اليمنى، ثم قال (عليه السلام) بسم الله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً، ثم استنجى، فقال اللهم حصّن فرجي وأعفه، وحرمني على النار، ثم تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم القاك، وأنطق لساني، ثم استنشق وقال: اللهم لا تحرمني ريح الجنة وأجعلني ممن يشم ريحها وطيبها، ثم غسل وجه وقال: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ولا تسود وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ثم  غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري، ثم غسل يده اليسرى، فقال: اللهم لا تعطني كتابي بيساري، ولا تجعلها مغلولة الى عنقي، واعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح على رأسه فقال: اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك، ثم مسح على قدميه فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزّل فيه الاقدام وأجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم رفع رأسه الى محمد فقال : يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله من كل قطرة ملكاً يقدسه ويسبحه ويكبره، فيكتب له الله ثواب ذلك الى يوم القيامة.

وواضح من الحديث ان الله سبحانه يخلق بوضوء من اراد الصلاة ملائكة كثيرة تقدسه وتسبحه وتكبره، وثواب ذلك للمتوضئ إذا كان الوضوء مثل وضوء الإمام علي (عليه السلام) والدعاء حال الوضوء مثل دعاء الإمام علي بحاله وحضوره، لا أي وضوء ولا أي قول ودعاء بل اذا كان ذلك القول أو الفعل فعلاً علوياً وقولاً علوياً، يوجب ترتيب ما ذكر من الاثر الهام عليه أو يتمثل ذلك القول والفعل بصورة الملك بناء على تمثل الأعمال.

وليس ذلك إلا لأن للوضوء بما هو سبب للطهارة سراً عينياً وباطناً خارجياً يناله من أخلص وجهه الله، ويصل إليه من اسلم قلبه لله، بحيث يصير طاهراً عن كل رجس ودنس ويكون جوهر طهارته تقديساً وتسبيحاً وتكبيراً، هناك يصلح لأن يترتب الأثر وهو أن يخلق الله من كل قطرة من وضوئه ملكاً له تلك الآثار الملكوتية أو يمثله بذلك المثال.

ومما يرشد بأن للوضوء سراً خارجياً هو ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال ((ما من مسلم يتوضأ فيقول عند وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد إن لا إله إلآ أنت استغفرك وأتوب اليك، اللهم أجعلني من التوابين، وأجعلني من المتطهرين؛ إلا كتب في رقٍ وختم عليها ثم وضعت تحت العرش حتى تدفع إليه بخاتمها يوم القيامة.

ويستفاد من الحديث بأن للوضوء صورة ملكوتية خارجية، عدا ماله من العنوان الاعتباري المؤلف اعتباراً من عدة حركات مع النية، وتلك الصورة الصاعدة الى تحت العرش هي سر الوضوء المعهود لدى الناس، ومثل هذا الوضوء الذي له سر ملكوتي هو الذي يكون نصف الايمان كما ورد النقل به.

وما يؤيد بأن للوضوء باطن مؤثر في باطن المتوضئ المتطهر ما ورد عن غير واحد من الاصحاب: أنه جاء نفر من اليهود الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمد لأي علة توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله): لما وسوس الشيطان الى آدم (عليه السلام) دنا من الشجرة فنظر اليها فذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى اليها، وهي أول قدم مشت الى الخطيئة، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده، فوضع آدم (عليه السلام) يده على أم رأسه وبكى فلما تاب الله – عز وجل – عليه فرض الله عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح، فأمره عز وجل بغسل الوجه لما نظر الى الشجره وأمره بغسل اليدين الى المرفقين لما تناول بهما، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما الى الخطيئة.

والمهم في الحديث في هذه القصة بأن الاوصاف النفسانية أمور ملكوتية لا اعتبارية، فلا توضع ولا ترفع الا بأمر تكويني يوضع ويرفع، وعليه فلا يمكن رفع ما طرأ على النفس من ………. الخطيئة إلا بما هو أمر تكويني يعد سراً وباطناً لمجموع الغسل والمسح حتى يصلح لأن يكون رافعاً أو دافعاً للأمر النفساني العيني.

ولذا ورد في النهج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سأله عن الاستغفار .. أجاب بأنه يذيب اللحم الذي نبت على الحرام … الخ من جهة ان الامر النفساني الحاصل من ارتكاب الذنب أمر تكويني خارجي لا يزال إلا بما هو أمر تكويني خارجي فأفهم.

 

سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

كثر الجدل في الاوساط السياسية والاجتماعية حول الاتفاقية التي ابرمت بين الحكومة العراقية والحكومة الكويتية لتنظيم الملاحة بين الطرفين في خور عبد الله علماً ان هذه الاتفاقية قد تم التوقيع عليها بتاريخ 29/4/2012 وبحسب البنود المدرجة في نص الاتفاقية فإن مضمونها يتحدد في تنظيم سير الملاحة بشكل منضبط ولكن نلاحظ إن المعلن في الاوساط الاعلامية وما يتناقله اعضاء مجلس النواب والحكومة بأن الاتفاقية قد أهدت هذا الممر المائي الى دولة الكويت ولا ندري ما هو المغزى من هذا الترويج وما يتبعه من نتائج، نرجو من سماحتكم بيان الوجه الشرعي والرأي السديد في هذا الأمر وجزاكم الله خيراً ..

السيد حسين الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

ليكون في علم الجميع بأنه ليس من حق أي أحد ولو كان البرلمان العراقي ممثل السلطة التشريعية في البلد ان يهدي من العراق ولو جزءً بسيطاً لأية دولة في الأرض ويكون لو صح الخبر هذا الاهداء باطل وتجاوز على الدولة العراقية ومواطنيها، وهو مرفوض من قبلنا والشعب وستكون وصمة عار على كل سياسي ساهم في مثل هذا الاهداء.

وليعلم الجميع بأن مثل هذه القضايا المهمة هي ليست من صلاحيات مجلس النواب بل هي من مختصات الشعب، والمصير الى رأيه في هذه القضية وأمثالها لكونه صاحب القول الفصل ولا ترقى ممثلية البرلمان له الى مستوى مصادرة حقوقه وإهداء اراضيه، والمفروض أنه هيئة لصيانة حقوق البلد والحفاظ على مصالحه وسيادته.

وهنا أنبه على دور القضاء العراقي وأن يكون له القول الفصل في هذه الاتفاقية وهذا الاهداء وقانونينه، كما هو الحال في القضاء المصري الذي ابطل اتفاقية ضم جزيرتي (تيران وصنافير) الى السعودية من قبل الحكومة وابطلها القضاء لعدم قانونيتها، فتحية اكبار واجلال للقضاء المصري ونتطلع للقضاء العراقي ان يقوم بنفس الدور.

وإذا كان من حق لأحد وفق اتفاقيات سابقة، فهذه الاتفاقيات باطلة من جهتين، الأولى أنها وقعت بالاضطرار أو الاكراه للضعف الحكومي والهزيمة العسكرية.

والثانية: أنه لا شرعية للحكومة السابقة لأنها لم تستق من الشعب الذي هو مركز السلطات، وعلى المرجعيات الدولية التي جردت النظام السابق من شرعيته من السلطة فلا اساس قانوني له للقيام بأية اتفاقية لتكون ملزمة للعراق.

وعلى أهل الساسة ان تتحرى الانصاف لشعبها والدقة في عملها والمسؤولية في امانتها وسيكون المقصر تحت دائر عدم جواز انتخابه في القادم من الانتخابات.

مكتب المرجع الديني الشيخ

قاسم الطائي  (دام ظله)     

1جمادي1 1438