بلد المولات
لم يكن من المتوقع ان العراق سيصبح البلد الأول في العالم فيما يسمى (بالمولات) أماكن التسوق، فقد انفتحت شهية هذا البلد نحو هذا الأمر بشكل غير متوقع حيث لم تبق قطعة سكنية في اركان المدينة أو في وسط شارع عام أو ساحة حدائقية لمنقطة ما ضمن التخطيط العمراني للمدينة، إلا وقد استغلت لهذا الأمر فأنشأت عليها بنايات ضخمة وأسواق عصرية، تضم معظم البضائع والاحتياجات الانسانية من الابرة الى السيارة وما يدريك لعله في المستقبل القريب وربما الآن ونحن لا نعلم فقد يتقدم الامر الى الطيارة بدلاً عن السيارة، وقد نشهد ان في هذه الاسواق ما لم يخطر في بال احد الا وهو بيع شهادات التخرج، واعطاء العناوين الاجتماعية وتوزيع الوظائف الحكومية والأمر الى أين لا أدري؟!
وقد قيل في الحكمة بأن الشيء إذا زاد عن حده أنقلب الى ضده، وهذا أمر مجرب عندنا في عملنا الهندسي، فإذا كان موقع العمل يحتاج لعشرة عمال وفنيين، ولكن واقع العمل مشغول بأكثر من هذا العدد بضعف فأن مستوى العمل والانتاج يبطئ بشكل واضح فيتكل البعض على الآخر، وينتظر منه القيام بالعمل بنفس درجة انتظار الآخر ان يقوم الأول به والحاصل لا عمل، وهذا يعني ان حاجة العمل الى الايدي العاملة زادت عن حدها فأنقلبت الى ضدها من التباطئ والتكاسل.
والأمر في مولات البلد التي انتشرت في الشوارع العامة، والساحات، بل وحتى بعض الازقة الضيقة في مناطق هنا وهناك، فقد زادت بشكل حاد عن مستوى طلب المواطن من السلع والبضائع فأصبح العرض أزيد من الطلب بكثير، وحينئذ ستقل البيوعات لكل واحد منها بما لا يغطي مصاريف هذا السوق، فيبدأ بتسريح بعض العاملين ويحاول يعرض بضاعته رديئة من مناشئ غير جيده لينافس الاخرين هذا إذا لم يضطر الى الغش في بضاعته، والكذب على زبائنه.
وستتراجع هذه الاسواق شيئاً فشيئاً بعد ان استنزفت ملايين الدولارات بعناوين استثمارية أجنبية، والأمر ليس كذلك، لأن معظم الأموال هي عراقية، ولم تجلب من الخارج، يتقدم بعض المصارف الحكومية بتقديم هذه الاموال لبناء هذه الاسواق ومن دون ضمانات يمكن من خلالها استرجاع الاموال الحكومية، إذا لم يعلن السوق افلاسه ويهرب اصحابه الى خارج العراق محملين بالجمل وما حمل.
هذا الاستغراق في هذه المولات يوحي لنا بأكثر من مؤشر غير صحي لبناء هذا البلد وتقدمه، فقد يوحي يتحويل البلد الى استهلاكي لا يعرف للانتاج طريقاً بعد ان يجد كل شيء مهيء أمامه وبلا بذل أي جهد ما دامت الاموال متوفرة، ولو بطرق غير شرعية، وهذا يعني بقاء البلد متخلفاً وسوقاً لبلدان الجوار وغيرها، وإذا ما أراد المسؤول أن يعقد عزمه ويمتن ادارته فإن مجاميع المافيات والشركات الامنية الغربية – اليهودية سوف يقطع عليهم طريق النهوض بالبلد بعد ان تغلغلت في خريطة حياة العراقيين وأصبح لها مدافعين واعوان وخونه.
فهل هذا الأمر مما خطر ببال الساسة الكرام أم هم على قلوب اقفالها لا تهتدي الى خير أبداً وإنما تدور كما يدور زمن المغفلين، ومن لا يفرق بين اليوم وأمسه ولا بين الناقة والجمل كأصحاب معاوية.
ثم من هؤلاء المستثمرين اصحاب الاموال الضخمة وهلا فكرت الحكومة بمن يقف وراءهم من الدافعين الخارجيين، ومن أي بلد، وما هدفهم في العراق مع انه بلد غير مستقر أمنياً والمفروض في ظروف بلد كالعراق يعتبر استثمار ملايين الدولارات مجازفة غير مضمونة النتائج الا اذا كان الهدف من وراءها ليس استرباحاً بقدر ما يكون مقرات لأجهزة مخابرات اقليمية أو دولية بحسب الداعم.
وقد تكون لبعثرة الثوابت العرفية والاخلاقية العراقية تحت هذه العناوين البراقة وأنا انصح آباء نسائنا ان يتحروا الدقة والحذر في تشغيل بناتهم في هذه الاماكن، فإن الطريق وعر والسقوط فيه لمن لم يملك توازنه سهل.
هذا ما للحاكم علينا من حق النصيحة وما لأهلنا من واجب الارشاد والتنبيه والتعليم.
اسرار الصلاة ح4
والحديث في هذه الحلقة عن النية ويراد بها غير قصد العنوان كصلاة الظهر أو العصر في الأمر العبادي، وكأداء الدين في الأمر المعاملي، وغير قصد الوجه كالوجوب أو الندب بل المراد بها هنا، هو خصوص قصد القربة من الله سبحانه؛ لأن هذا القصد هو مدار البحث العرفاني والكلامي والخلقي الناظر حول صلاح القلب وفلاحه.
وقد ورد في شأن النية نصوص كثيرة من الآيات والروايات فمن الأولى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ}البقرة/264 وقوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام/162
وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((لا عمل الا بنية ولا عبادة الا بيقين ولا كرم الا بتقوى)) جامع احاديث الشيعة ج1 ص357 وبهذا المضمون روايات أُخر، ولا نصيب للعامل الا بنيته وبقدرها وكيفيتها، وهذا معناه ان القربة ما يقرب العامل من الله بحيث يبقى لعمله أثر بعد الممات بخلاف مالم يكن فأنه ينتهي ويزول في حياته الدنيا ولا اثر له في الاخرى.
ويشهد لهذا ما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((إنما الاعمال بالنيات، ولكل أمرء ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله .. فقد وقع اجره على الله .. ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلا ما نوى)) جامع الاحاديث ج1 ص358
وفي وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر ((وليكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل )) جامع أحاديث الشيعة ج1 ص359 أي قربة قصد التقرب من الله سبحانه هي روح العمل الذي بها يحيى وبدونها يموت ولا أثر للميت وبها تصح العبادة وبدونها تبطل وحيث أن لنيته درجات ومراتب كانت مشتركة في أصل الامتثال وسقوط الاعادة والقضاء ولكل من تلك المراتب ثواب خاص وقرب يحصل منها وبدونها لا يحصلان.
ومواقف البشر يوم القيامة ثلاثة: من النار والجنة والرضوان كما اشار الى ذلك في النص القرآني ((وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) الحديد 20
وإن شؤون النفس العملية الرئيسية ثلاثة أيضاً:
من الغصب الدافع للمنافي والشهوة الجاذبة للملائم، والعقل العملي السائق للكمال التام المجرد المعقول فلذا صارت العبارة ثلاثة اقسام، وصار العباد ثلاثة، حيث ان قوماً يعبدون الله سبحانه خوفاً من النار وتلك عبادة العبيد، وإن قوماً يعبدونه تعالى شوقاً الى الجنة فتلك عبادة الحرصاء، وإن قوماً يعبدونه حباً له تعالى وتلك عبادة الاحرار الكرام)) الجامع ج1 ص373 وكل هذه العبادات صحيحة وإن كانت للصحة مراتب في الثواب حسبما أشير إليه؛ لأن كل واحدة منها لله تعالى لا لغيره محضاً، ولا له ولغيره من النجاة من النار، أو الالتذاذ بالجنة بالشراكة والامتياز بينها بأن الخائف لا يعبد الا الله وحيث لم يتحرر عن رقية الغصب لا يعرف ان يطلب من معبوده شيئاً عدا النجاة من النار، وكذا المشتهي لا يعبد الا الله ولما لم يتحرر عن قيد الشهوة لا يفهم ان يتمنى من مولاه شيئاً وراء الفوز بالجنة، وإما العاقل الشائق لرضا مولاه فهو حر يعرف ما يريد.
وهذه الاقسام من العبادة صحيحة، فقد عبر النص عن فعل هؤلاء بالعبادة ، وعنهم بالعباد وأنهم عبدوا الله، وإن عبادة القسم الثالث الاحرار أفضلها فلو لم تكن عبادة غير الاحرار صحيحة وفاضله لم تكن عبادة الاحرار أفضل؛ ولا شاهد على ذلك أن لفظ الافضل للتعين لا للترجح، ومن الواضح أن صيغة التفضيل تعني وجود الصفة في الطرفين ولكن احدهما أحسن وأفضل من الأخرى.
والحكيم الحر المتأسي بأهل البيت (عليهم السلام) لم يتحرَ في عبادته سوى رضا الله سبحانه قد حكم بصحة عبادة من لا يريد من عبادته شيئاً سوى رضوانه كالنجاة من النار كما قال ابن سينا الشيخ الرئيس (قده) والمستحل توسيط الحق مرحوم ولم يقل محروم.
وأشار صاحب الميزان في رسالة الولاية الى قبول عبادة هؤلاء بالتفضل الالهي وإن قصّر هؤلاء في المعرفة والقربة.
والصحيح صحة عبادة هؤلاء – غير الاحرار – إذ لو كان قصد شيء سوى الله مبطلاً للعبادة لكانت عبادة من قصد الشكر وتحصيل الرضا والمحبة أيضاً باطلة؛ لأن ذلك كله خارج عن الهوية المطلقة الواجبة.
وقد بحثنا ذلك في الفقه وتوصلنا الى صحة عبادة هؤلاء، وهؤلاء لقصور معرفتهم لا يدرون ما يطلبون من معبودهم اعلى من الانفكاك من النار أو الفوز بالجنة، وكم فرق بين هذا الامر وبين أنه لو لا الخوف أو الفوز لم تكن هناك عبادة اصلاً لخروجه من الكلام رأساً.
ضوابط وطنية لمن يجوز انتخابه
الضابطة الأولى: أن يكون رافضاً لكل اشكال الخصخصة في دوائر الدولة كما هو معلوم من خلال ما يسمى رفع الدعم الحكومي ومفردات البطاقة التموينية والصحة والتعليم وأخيراً الكهرباء، هذا بغض النظر عن الضرائب المتنوعة التي ارهقت المواطن الكريم، ويلتزم أمام الله وشعبه بالعمل على رفع الضرائب وتنشيط الخدمات الحكومية المذكورة.
الضابطة الثانية: ان يكون رافضاً للاتفاقية المائية مع الكويت ومحافظاً على مصالح العراق في ارضه ومياهه، وإن يعمل جاهداً لتوفير ممر مائي يخدم مصالح العراق، ويرفع من التلاعب في ارصفة العراق المائية، وصيانة أمن العراق في السيطرة على كل البضائع الداخلة وخصوصاً المواد الغذائية المتعلقة بالصحة العامة، بل حتى البضائع الاخرى كما سُرب ان درجات يابانية تحتوي اشعاعات نووية.
الضابطة الثالثة: ان لا يكون مجاملاً على حساب وحدة العراق وأراضيه، فيتجلى ذلك في كركوك، وعدم السماح بالتلاعب فيها استغلالاً لظرف العراق في مواجهة الارهاب ويرفض رفقاً قاطعاً الاعمال من البعض في خلق اوضاع ما يسمى أمر واقع، وأنه إذا صيّر الاستفتاء حول كركوك ضمن المادة (140) من الدستور، فينبغي أن يكون لعموم العراق لا لأهلها فقط وإلا انفتح الأمر لكل محافظة لتكون دولة، ولِمَ ذلك لأن العراقيين قدموا تضحيات عديدة في حماية أرضهم في محافظات الشمال وكركوك ولا يصلح تنحيتهم بحجة انها شأن للمحافظة نفسها.
الضابطة الرابعة: ان يرفض كل اجراء مؤداه الى مصادرة ثروة العراق النفطية، مثل التراخيص النفطية التي تنهب الثروة النفطية والتي لا بد من اطلاع الشعب على بنودها والاتفاقية المزمع توقيعها مع الامريكان بما يسمى الاعمار مقابل النفط، حيث يرهن نفط العراق للأمريكان لمدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً.
الضابطة الخامسة: ان يتق الله والوطن في المنع بل الحيلولة بل رفع كل مظاهر التحلل والفساد من الملاهي في بعض مناطق بغداد، و (الكوفي شوب) والمساج لأنها منابت للتحلل وتميّع الشباب وانتشار فساد الاخلاق وبيع الذمم، وكذا في معظم محافظات البلد وأهمها البصرة ولا حاجة للتشبث بالدستور، فهو واضح في منع أي قانون يخالف الشريعة وهذه منها، ومكافحة انتشار المخدرات والمشروبات الكحولية، وضرورة المحافظة على الصبغة الدينية للعراق.
الضابطة السادسة: السعس الحثيث في المحافظة على ثروة العراق العلمية من خلال منع هجرة العقول الى الخارج، وحماية الكوادر العلمية في داخله وتهيئة كل وسائل الابداع والامان لهم والرقي في العيش وتوفير كل سبل عيشهم الكريم، وتوظيف قدراتهم العلمية في مجال اختصاصهم وتقديمهم على الاجنبي، وزج معظمهم في الشركات الاجنبية العاملة بالعراق بواقع من النسبة أكثر من الكادر الاجنبي، وهذا الاجراء يشمل الكادر التعليمي والطبي والهندسي والانساني، والثقافي وكل اختصاص وطني يساهم في تطور البلد.
الضابطة السابعة: استعراض تاريخ كل مرشح ممن سلك سبيل العملية السياسية وتقييم ادائه فإذا ما كان فاشلاً في موقع مسؤوليته كفشل وزير التعليم العالي السابق فلا يصلح انتخابه ولا يجوز تكرار تجربته، ورئيس الوقف الشيعي السابق وغيرهما وإنما ذكرنا هذين كنموذج للتعريف بالضابطة.
ظاهرة المواكب الحسينية
سجل الشعب العراقي كما هي عادته في أكثر من مناسبة وحدث ابدع فيه العراقيون صناعته، وشكل امتيازاً خاصاً به، خصوصية لا يتحملها ولا يقوى على اداء التزاماتها غيره من الشعوب الاسلامية فضلاً عن غيرها ولا مبالغة في ذلك.
ولنذكر مثلاً من خارج هذا السياق، هو كثرة التنظيمات الجهادية والمواجهة لنظام البعث السابق حتى ارهقت اجهزة أمن الدولة واطاحت بكبرياء النظام، فراح النظام يجامل ويتنازل عن كثير من ثوابته فبعد محاولاته لتنحية الدين من ممارسات المسلمين، وإقامة شعائره، أخذ بإطلاق حملته الايمانية التي انتجت غلق الملاهي والبارات، ومقاهي الميوعة والخلاعة، ذلك لأنه وجد ان موجهة تصميم هذا الشعب نحو أمر معين عديمة الجدوى، ضئيلة فرص النجاح، ولولا استعداد هذا الشعب واصراره على الاطاحة بالنظام لما قدم كل تلك التضحيات الجسيمة التي أوصلت العديد من ابناء شعبنا الى المشانق ولم تقف مسيرة المواجهة مع النظام، حتى أزيل من صفحات التأريخ، ولم تكن أمريكا لتتجرأ باحتلال العراق لولا انهاك النظام من قبل المعارضين وخصوصاً أهل التنظيمات في العراق.
وفي سياق المسيرة العراقية فيما يؤمن به ويتصف به علاقة متميزة عن الاخرين من شعوب الارض هي اقامة للشعائر الحسينية واعماره مواكب العزاء التي تجلت في اربعينية الامام الحسين (عليه السلام) وتمظهرت بمسيرات مليونية هزت اعماق العالم فوقف منبهراً وهو يدرس هذه الظاهرة متحيراً لا يهتدي الى سبيل يوضح له هذه العلاقة وفلسفتها واحتضان العراق لها دون بقية الشعوب الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) وقد أخذت هذه الظاهرة بالاتساع والانتشار فإقيمت مثيلات لها في بعض بقاع الارض في غير البلدان الاسلامية، من قبل المسلمين الشيعة.
وقد سجل العراقيون اعلى صور الكرم الانساني وتقديم الخدمة بما لا تستطيعه حكومات دول كبيرة، وهم – العراقيون – يقدمون كل ما يملكون ضيافة لزوار امامهم الحسين (عليه السلام) وهذا الامتياز مما لا يوازيهم فيه أحد ولا يقدر عليه ولا يقوم به بمثل النفسية العراقية الكريمة.
ولكن للأسف وبدلاً من استثمار معطيات هذه الظاهره وتوجيه رسالة واضحة لعالم اليوم في ايضاح صورة هذا الشعب وعلو همته وبقاء إرادته فيما لو أراد أمراً يؤمن به ويعتقده كاعتقاده بامامه الحسين (عليه السلام) وتوضيح اسباب وفلسفة هذه الظاهرة للاستفادة منها في اصعدة حياتية أخرى، كمواجهة الظلم، والارهاب والفساد والميوعة والتبعية للغرب، أخذ البعض عليها توجيه النقود وتوهين الصورة واستكثار تقديم الخدمة والصرف للزائرين بهذه المناسبة، هذا من جانب. ومن جانب آخر راح البعض يحاول اختراق هذه الظاهرة والتغلغل فيها لأجل استثمارها لصالحه وتسجيل مساهماته التي لولاها لما استمرت وهذا لا رصيد له من الحقيقة، وإنما هي محاولة التفاف حولها، وربطها بالملتفت ولا أريد أن أذكر الاسماء أو العناوين أو حتى الدول التي بدأت تتحرك بهذا الاتجاه وتسعى لربط نفسها بالخدمة الحسينية وبمواكب سيد الشهداء خصوصاً طريق كربلاء – نجف.
ان المواكب وخدمتها، والقائمين عليها والكلام الذي يقدم فيها لا ولن يكون الا عراقياً وبامتياز عالٍ هو ما جعل أهل العراق أهلاً للقيام بها.
ونؤكد على اخواننا اصحاب المواكب ان لا يغفلوا عن هذا الأمر أو يتساهلوا فيه فأن صيانة مكتسبات خدمتهم معتم عليها، لأجل لا تصادر جهودهم أو يتجاوز عن سعيهم في الخدمة أو تقلل أهميته صناعتهم لمثل هذه الظاهرة التي هي عراقية خالصة وعراقية صبغة وعراقية ابداعاً ، وعراقية استمالة لأكثر المشاركين في الزيارة في الزيارة الاربعينية ولو لاهم لما الكثيرون من دول الارض للمشاركة لما يجدونه من كرم للضيافة عالٍ واستقبال مصحوب بدعوات الود والتقدير، وسعادة في تقديم الخدمة للزائر الكريم وبدون تمييز بين عراقي وغيره، بل بين مسلم وغيره من المشاركين من الدول الاجنبية الاوربية.
انها ملحمة بكل معنى الكلمية ابطالها اهل الرافدين وجماهيرها وادواتها وصناعة أحداثها ورسم مشاهدها، فلا تفرطوا في هذا الانجاز فأنه حق لتاريخ العراق ولأجياله القادمة، وعلامة فارقة لأهل العراق في وسطه وجنوبه وشماله وتقع على الجميع مسؤولية حماية هذا المكسب الحضاري، والحدث الانساني، ولا يعلم مدى تأثيره على الساحتين الاقليمية والدولية في المستقبل الا الله سبحانه، الذي بارك لأصحاب المواكب هذه الخدمة ولمسوا من آثارها كما وجدوا ذلك في وجدانهم فتأتيهم البركات من حيث لا يحتسبوا ولم يكن ذلك اعتباطاً بقدر ما كان استحقاقاً لشدة ارتباطهم بامامهم الحسين (عليه السلام) حتى امتدت هذه الظاهرة في جميع بلدان الارض تقريباً كما هو المشاهد عبر وسائل الاعلام المرئية، فمن يتجرأ بعد هذا الانتشار ان يتخلى عنه لغيره.
تحية اكبار وتقدير خاص لأصحاب المواكب ودعاء خاص لمباركة عملهم.
13 شعبان 1438
ما بين الحاء والثاء
حرفان من الحروف الهجائية للغتنا العربية، لغة القرآن وأهل الجنة، حيث تمتاز لغتنا باختلاف المخارج الصوتية لها، فالمخرج الصوتي للحاء هو اقصى الحلق بفتح الفم أكثر من المعتاد، فيما الثاء مخرجه الصوتي ما بين اللثتين والاسنان حيث الحاجة الى جعل اللسان بين الاسنان عند التلفظ بحرف الثاء، وعلى هذا فأحدهما مقابل الآخر، فكأنهما ضدان لا يجتمعان في مورد من جهة معينة، وإذا ما طبقنا الحرفان في كلمة بحرف الحاء واستبداله بالثاء فإن المعنى سيتغير بشكل ملفت للنظر، فيشير بأحدهما بالتقدم والرقي والنمو وتحريك العجلة العملية وتفجير طاقات الانسان، ودفعه للابداع و .. لما لحرف الثاء من التقدم والبروز في مخرجه وما بين الاسنان، وخروجه ما بين الاسنان قد يرمز اليه بأنه احتفاف بما يكون حامياً وحارساً له ، لأنه يعني الابداع ولزيادة والنمو والعلم يحرس الانسان لا كالمال لأن المال يحرسه الانسان.
وهذا ما توحيه كلمة الاستثمار بضم الثاء الى كلمة الاستمار ومعناه طلب الأمارة أي العلامة فمن يطلب من آخر علامة ومنه تفهم ملأ الاستمارة للشخص المتقدم لأمر ما كطلب التعيين، فتقدم الاستمارة بها معلومات وافرة عن شخصه.
فالاستمار هو طلب المعلومة الشخصية، فإذا ما قدمها سميت استمارة وهذه الاستمارة أن ضم اليها الحاء اصبحت استحمار، أي طلب الحمارة والقيادة، واستحمر القوم صيرهم حميراً، فكانوا محامل لسعيه وفعله وافكاره ومجونه واغبياء في تعاملهم معه و ..
وهذا الفرق بين الحاء والثاء بعد أن جعلنا الحد الوسط أو مادة ضم الحرفين الاستمار طلب البيان، فإذا لحقت بها الحاء أصبحت استحمار وإذا لحقت بها الثاء اصبحت استثمار، والفرق واضح فإن الاخير يعني الزيادة والنمو وطلبهما، والاول يعني المراوحة والغباوة وطلبهما.
وهذا بالضبط ما وقع في بعض مواقع هذا البلد، فإن العديد من مواقع الاستثمار أرجعت ببركة حكومة هذا البلد الى استحمار، وبدلاً من النمو صار الاستنزاف ونقل التمر الى الغير بدلاً من مالكه الشعب.
فهل يعقل اعضاء معملين ضخمين لإنتاج السمنت واحد في السماوة وهو ينتج أفضل وأجود انواع الاسمنت في الشرق الاوسط، فقد اعطاه أهل الشأن ممن لا يخاف المعاد ولا يحسب حساباً للعيب والخجل العرفي الى شركة ايرانية وهو بالتأكيد سيتحول الى استحمار لعشرات أو مئات العاملين الذين ستسرحهم الشركة لعدم الحاجة اليهم.
ومعمل اسمنت كربلاء أعطي لشركة فرنسية وهو ينتج كميات تسد جزءً كبيراً من حاجة البلد وبنوعية جيدة، ويحقق ارباحاً توزع بعضها على المنتسبين حتى نفس المستثمر الفرنسي استغرب من هذا الاجراء.
فهل هذا استثمار يا سادة أو هو طلب استحمار؟! والامر لكم لأنه من الزيادة الى النقصان ومن الابداع الى الخذلان ومن النشاط الى الكسل ومن الحركة الى الجمود، فهنا تقهقر وتراجع فكيف تحكمون؟!
متفرقات
1- بعض المحرمات الاجتماعية التي يغفل عنها الناس أذكر منها:
أ- رد السلام واجب وتركه محرم، والرد يكون بنفس صيغة السلام عليكم أو بالاحسن منها باضافة ورحمة الله وبركاته، وإما القاء السلام فهو مستحب لتبديد مخاوف المقابل وعليه فالرد بصيغة رحمة على أبيك، وعليكم فقط غير جائز بل في الاخير هو دعاء على المسلم كما أجاب الرسول (صلى الله عليه وآله) على بعض أهل الكتاب عندما سلم عليه بعبارة السام عليكم فأجابه وعليكم، والسام يعني الموت وهي لفظة قريبة من السلام.
ب- جلب المدعو الى وليمة من بعض الناس بعض اصحابه أو ولده، وهم غير مشمولين بالدعوة ما لم تكن هناك علامة واضحة على قبول صاحب الدعوى، وإلا كان ذلك محرماً وقد يضاف أن تناولهم للطعام غير مجوّز من قبل صاحب الدعوى.
جـ – الاطعمة المقدمة في الدعوى مباحة للضيوف، وليست ملكاً لهم ويترتب على ذلك، حرمة أخذ الاطعمة معهم مالم يحصلوا على إذن خاص من صاحب الطعام ورجل الدعوى، فما يقوم به البعض من أخذ بعض الاطعمة معهم غير جائز إلا بإذن من صاحبه أو كان على نحو التمليك، كما هو الطعام المقدم بالطائرات، فظاهره تمليك الراكب ويترتب عليه أن أخذه من قبله جائز.
د- متابعة بعض المباراة المشهورة لفرق كرة القدم، كما هو الساري عندنا في العراق عندما يلعب فريق ريال مدريد مع برشلونه، ويفضي ذلك الى مشاجرات بل ومواجهات وقتول، فهو محرم لأنه طريق الى المحرم، وإعانه عليه حيث يغتاظ مشجع الفريق الخاسر من مشجع الفريق الفائز ويدخل في لحظة غضبه الشيطان ليغويه بقتله فيرتكب جرماً تهتز منه اركان العرش فيندم ولات حين مناص وفي الأخرة عذاب شديد وخلود دائم في النار كما أخبرنا القرآن.
هذا ناهيك على أن تعلق الفرد بالفريق الذي يهواه قد يدفعه الى التعلق فيه والتطرف فيخرج عن حد الاعتدال فيقع في الافراط في حبه أو بعض زملائه وقد يترك بعض الواجبات والالتزامات الشرعية لتغليبه هواه في حب هذا الفريق على دينه والالتزامه الشرعي فيكون عليه محرماً.
بل قد يكون من أشد المحرمات الى حد الشرك بالله عندما يأخذه تطرفه الى ان يصل به الهوى الى توصيف اللاعب الفلاني بعلي (عليه السلام) أو بأحد من اللذين لم يَجُد الزمان بمثله أبداً كما نقل إلينا ذلك من بعض المحبين لنا في البصرة.
يضاف الى ذلك، الاطلاقات النارية المكثفة والتي فيها ترهيب لعامة الناس وتفريط وتبذير بالعتاد الذي نجن بأشد الحاجة اليه في مواجهة الارهاب المستشري في الشرق الاوسط، مع ما يصاحبها من السقوط على البعض فتؤدي بحياته، ويتحمل الرامي مسؤولية دمه.
إننا ننصح أن هذه اللعبة لا ينبغي أن تأخذ أزيد من حقها وقضاء وقت محدود لها، لا يؤثر عى عبادة الفرد ولا يتطرف بأزيد من ذلك فأن هذا هو بالضبط ما يريده الاستكبار العالمي؛ وعلى الاباء مراقبة ومتابعة ابنائه وتصرفاتهم ليحد من تطرفهم، وله منعهم من مشاهدتها.