العراق لبنان اخرى

توصيف العراق بلبنان في المنحى السياسي وعمليته وتوزيع سلطاته وارساء قواعد التمييز الطائفي والديني على اساس مناطقي جغرافي ، لتبقى الساحة السياسية مفتوحة على كل الاحتمالات ، فما ان تصل الى تجاوز ازمة الا ودخلت في اخرى ، ولا تقف على امر جامع لشتات الوطن وتوحيد الصف الا وحصل ما يفتت اللحمة ويفرق الكلمة ، فان توزيع السلطات يعني فيما يعني تضييق وطنية هذه الفئة أو تلك القومية او الطائفة فان اقصى سعيها واعظم جهدها لا يؤهلها مهما امتلكت من مقومات السلطة والكفاءة في ان تتجاوز ما خطط لها من سلطة واعطي لها من موقع ، واذا دقننا اكثر نجد ان ذلك هو ضرب للحرية باسم الحرية ، وقتل للأرادة والمبادرة من خلال التضييق والتحجيم ، ويخلق ازمة ثقة واضحة وحادة بين اقطاب السلطة الثلاثة ، والمسؤول عن امرها ينقسم في اتجاهين متعاكسين ، اتجاه الجهة التي يمثلها وهي من اوصلته باصواتها الى موقع وكرسي السلطة ، والبلد الذي يمثله في هذا الموقع دستورياً فان ارضى المجموع ربما وقع في غضب جمهوره ، وان اقنع من يمثلهم اغضب المجموع ووصف بالعنصرية والطائفية .

      فهو متذبذب لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء وفي نهاية المطاف فشل على صعيد العمل السياسي وتقصير على الصعيد الاجتماعي ثم الافلاس المستقبلي .

      كما ان توزيع السلطات فيما بين التعددية الطائفية أو القومية او الدينية يشد المسؤول الى تحالف مع من يتوافق واتجاهه مذهبياً أو دينياً ويسعى لأقامة تحالفات قد لا تصب في الصالح العام للوطن مما يضعف هيبة الدولة ويجعلها مورداً للتدخل الخارجي والتجاذبات السياسية ومسرحاً للصراعات الدولية أو الاقليمية اذ كل جهة تجد ان مصالحها مهددة بالخطر وان تدخلها ضروري لحماية هذه المصالح وان كان الشعب هو من يدفع الثمن عندما تنجر الاطراف الى منازلة وصراع داخلي لتأكيد احقيتها وتحصيل مكاسبها وهذا ما نقرأه في الساحة اللبنانية بالضبط – فمن انعدام الثقة بين السلطات الثلاثة اقصد – رئاسة الجمهورية ، والوزراء ، والبرلمان ، ومن تحالفات متباينة لا تجتمع على حال كالتحالف مع امريكا وربما الكيان اليهودي التحالف مع ايران وسوريا ، وتحالف وسط وان كان هو اقرب الى التحالف الاول منه الى الثاني التحالف مع السعودية ومصر .

      وتزاحم صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، وكل يتشبث بالدستور لدعم موقفه وتصحيح تصرفه .

      وانقسام الشارع الى اقسام ثلاثة ، مسيحية ، سنية ، شيعية وتهيئة الشارع على ضوء هذا الانقسام متأهباً للاصطدام دفاعاً عن الهوية المذهبية أو الدينية واغماضاً عن الهوية الوطنية الشاملة العامة .

      وهذا النهج بعينه هو يراد للعراق ان يكون عليه فهل انتبه أولي الامر واصحاب السيادة لنتائج دستورهم وآلية عمليتهم السياسية أو كانوا ساهين ، وهذا ما صرحنا به منذ اكثر من ثلاث سنين وذكرَّنا بان قانون الدولة الاساس هو اساس الفرقة وموضع التهمة ومصدر الخطر والقلق على مستقبل العراق ارضاً وشعباً والكل تهدد وتتوعد ، وكل يعزف على وتر ، والسلام على من اتبع أحسن الكلام .