صرح الرئيس الأمريكي – بوش- بمزرعته في ولاية تكساس الأمريكية ، للتلفزيون اليهودي بانه لا يريد ان يحكم الإسلام ) أي لا يريد أن يكون هو مصدر التشريع الوحيد أو الرئيسي ( في قيود الدستور ، وان الفيدرالية في العراق لابد منها ، وذكر أموراً أخرى أخف وطأة من هذه ، باننا مع العراقيين في مشروع الدستور والانتخابات القادمة .
ولم تذكر الوسائل الإعلامية الأمرين المتقدمين ، وذكرت على الأخير فيما تابعناه من محطات فضائية وقنوات تلفزيونية ، مما يرشد ان حرية الإعلام مكفولة وهي من الشعارات التي نادت بها الإدارة وظيفتها بامتياز ولكنه معكوس !
إن توقيت هذا التصريح والصراع دائر بين الكتل السياسية الرئيسية في العراق حول نقاط الخلاف ومنها الفيدرالية والخصوصية الإسلامية ، يبعث برسالة واضحة إلى المتشاورين بان الرغبة الأمريكية هي المقدمة وعلى الآخرين متابعتها وحرمة تخطيها ، وان الصياغة الدستورية ليست هي عراقية محضة بقدر ما تكون تابعة ، وإذا أردنا ان نتفاءل أكثر فهي مشتركة بين المحتل والبلد المحتل ، الأمر الذي يعني ان خطأ ما قد ارتكبته القوى السياسية المشاركة في الجمعية الوطنية بشروعها في كتابة دستور دائم للبلد في ظرف الاحتلال واستلاب الإرادة العراقية أو تهميشها المتعمد من قبل الإدارة الأمريكية ، ونعتقد ان التخلص من الورطة يمر عبر كتابة دستور مؤقت لمدة عشرة سنوات مثلاً ثم بعد استقلال البلد والحصول على السيادة التامة التي تترجم الإرادة الحرة العراقية ، يصار إلى كتابة دستور دائم للبلد .
وإذا لم يكن مقبولاً مثل هذا الطرح فلتؤجل كل القضايا العالقة – نقاط الخلاف – إلى ما بعد جلاء القوات المحتلة واستقرار البلد ، وان الظروف التي يمر بها العراق حالياً غير مؤاتية لحسم هذه القضايا الحساسة ، وان معالجتها بدعوى لا بدية إنجاز كتابة المسودة في تاريخها المقرر ، غير صحيحة إذا نظرنا إلى أهمية الدستور ودائميته والتي من غير المعقول ان تقرر على هذه العجالة ، وان إعطاء المزيد من الوقت والتشاور وفتح الفرصة للجميع بإعطاء رأيهم في المسالة هو في صالح الشعب ومستقبل البلد ، ولنا في تجارب الشعوب – ومنها الولايات المتحدة والتي استغرق كتابة دستورها ما يقارب ) 13 ( عاماً – مثالاً يحتذى به ، فلسنا بدعاً من الشعوب ولسنا قاصرين لنتلقى أملاءات الغير في مثل هذه القضية المصيرية .
ان مطالبة الرئيس الأمريكي بالفيدرالية ، وعدم قبول حاكمية الإسلام أمر غريب غراب هذا الزمن الذي انقلبت فيه المفاهيم وارتكست القيم وأصبح الجميع ينشد ويغرب على مقولة ) حشر مع الناس عيد(، فمن مقاومة أصبحت إرهاباً ، ومن احتلال أمسى تحريراً ، ونهب للثروات العامة بات مكسباً شريفاً ، والتملص من الوعود صار خلقاً ، والرهبة في المحتل أضحى أدباً وسياسة ، وهكذا تطول القائمة ولكن إلى أي مدى تنتهي ، لا يعرف ، ولكن وعي الأمة بمستقبلها وتقرير مصيرها إذا جاء عبر تأكيد أرادتها والدفاع عن تراثها وهويتها ومواجهتها تحديات عصرها والسير وراء المخلصين من أبناءها يمكن ان يوقف هذا التداعي .
ويبقى موقف وزير المواصلات – سلام المالكي – على ما نقل عنه من إصراره على رفض العقد الأمريكي بحماية المطار بمبلغ خيالي ، وإصراره على تخفيض المبلغ إلى اقل من النصف مثار إعجابنا واعتزازنا ، وعلى أبناء البلد مساندته وتشجيعه على المضي من ترشيح الإرادة العراقية فيما يتعلق بشؤون البلد ليكون دافعاً لغيره على السير في الاتجاه الصحيح وألا سنقول يوماً ما ) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) سورة الفرقان( .