قباحة الكذب وسوء عاقبته والهروب من الاتصاف به ترجع إلى كونه يمثل قيمة أخلاقية سيئة وخصلة ذميمة تعبر عن خبث صاحبها ودهائه ومكره وخديعته والتعزير بالخلق من خلاله وكلها معان تنفر منها الطباع وتستقبحها القرائح وتنبذها العقول البشرية من دون تمييز بين قوم وآخرين أو امة وأخرى ، فالجميع متفقون ومتوافقون على قبح المذكورات والاستحياء من الاتصاف بها .
والكذب يعني فيما يعنيه خفاء الحقيقة واستغفال الأخر وربما الضحك عليه إذا كان المكذوب عليه طيباً وبسيطاً وهما أمران يوحيان بالسذاجة والاستغلال لامرار بعض الأمور الوهمية التي تدفع الساذج للتصديق بها مما يعطي انطباعاً للكاذب بانه يستحق الضحك وهذه الحالة كثيراً ما تجدها في أعرافنا العراقية ، فما أن يجد إنسان أو جماعة ، فرداً أو بعض الأفراد الطيبين حتى أخذتهم نشوة الضحك عليه باعتبارها فرصة للترويح عن النفس وخلق جو من الفكاهة والمرح الذي قد يتطور أحياناً إلى حالة السخرية والاستهزاء ، والتنقيص من الآخرين وإضحاك الآخرين عليه .
وقلة من المضحوك عليهم – بل المكذوب عليهم – ممن يستطيع أن ينتفض لنفسه ويدافع عن كيانه ليوقف التمادي في الضحك عليه ، إذا أحس بان كرامته في هدر وسمعته في خطر .
وقد تجد في سياسة اليوم الجارية بين الأمم ضحك من نوع آخر ، اكبر من الضحك على الأفراد أو الجماعات ، انه ضحك على الشعوب ، وعزف على القلوب لتصدق كذب الدولة الضاحكة الغالبة ولتطمئن إلى كلامها . لتذهب به بعيداً عن ساحة الواقع إلى فضاء الخيال والخديعة والشواهد من خلال متابعة أخبار العصر – كثيرة لمن تابع وتحرى طلب الصدق ومصداقية الفعل .
ونكتفي بشاهد واحد ، نذكره من باب كشف الحقيقة وبيان الزيف واستعمال الكذب وخداع الأمم والشعوب ، شاهد طالما طبل له الكثيرون وغرد على أنغامه المستغفلون ، فصدقوا أن المتحدث صادق ، وأن السعي نظيف .
الشاهد هو صناديق الاقتراع للانتخابات التي جرت مطلع العام الحالي لانتخاب الجمعية الوطنية ومجالس المحافظات في عموم العراق ، والمحافظات الشمالية .
وهذا الشاهد لا يكذب أهله لأنه لا يملك القدرة والإرادة على الضحك على الآخرين والانتقاص منهم ، عثر على هذا الشاهد في المنطقة ، مخازن الدباش حيث جمعت صناديق الاقتراع لغرض نقلها للمنطقة الخضراء من قبل بعض موطني المفوضية العليا المسؤولة عن الانتخابات السابقة ، فقد تفاجأ البعض منهم بان الصناديق على غلقها المحكم ، لم تمس ، فضلاً عن أن تفتح لفرز الأصوات وحساب النتائج التي حددت سلفاً كما قرأناه قبلاً وقد دعمناه ببعض المؤيدات ، منها أن قائمة العراقية المتمثلة بأياد علاوي رئيس الوزراء السابق ، من المستبعد جداً أن تحصل على مثل هذا المقدار من مقاعد الجمعية ، إذا لاحظنا بعض الأخطاء التي وقع فيها الدكتور علاوي ، كضربه النجف الاشرف والفلوجة ، وهما دائرتا التأثير الكبير للطائفتين الشيعية والسنية .
وكذا يستبعد أن تحصل قائمة التحالف الكردستاني على ما أعلن عنه من مقاعد ، إذا أخذنا اكبر مشاركة ممكنة لهم ومع ذلك لا تصل إلى ما حصلت عليه .
وأما قائمة الائتلاف فالمعتقد أن حصة فوزها اكبر مما أعلن بعد أن تعرف أن محافظات الجنوب والوسط ونصف بغداد وبعض الأطراف قد انتخبتها بعد الإلزام الشرعي من قبل المرجعية الدينية ، مما يعطي أشعاراً بان سقف مقاعدها الواقعي اكبر مما حصلت عليه وانه خفّض لخلق توازن للقوى السياسية الحالية . ( فاعتبروا يا أولي الألباب )