بغض النظر عن التصريحات الامريكية حول عملية الغزو للعراق وما تراوحت به الاهداف المعلنة لادارتها من تفاوت بين التصديق والتكذيب ، وبين التصعيد والتخفيض ، وبين الاعلان والاسرار ، وبين التذكر والنسيان الذي طرأ على اول اعلانهم للغزو وعندما كانت اهدافهم والتي جندت الادارة لها كل امكانياتها العسكرية والاستخبارية وبان كذبها وفشلها هي اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق وبناء الديمقراطية باسقاط النظام الديكتاتوري الصدامي .
وتبين ان العراق خالي من اسلحة دمار شامل وان نظامه قد انهار بسرعة عجيبة وليست عجيبة لانه اساساً منهار وآيل الى السقوط ولم يكن الامر بحاجة الى غزو بهذه الكثافة العسكرية عدة وعدداً الا اذا كان في الامر ما يخفى وفي السعي الامريكي ما يستر خوف انكشاف الدوافع الحقيقية وراء غزوها للعراق وامتلاك ارضه ، وبقيت ادارة بوش مصرة على الغزو والبقاء في العراق تناور في مدة بقائها واهداف هذا البقاء فا نقلبت تصريحات المسؤولين رأساً على عقب من الاهداف السابقة التي وضح في زيفها للعالم اجمع الى مكافحة الارهاب تارة وان العراق جُعل ساحة مكافحته كما صرح به الرئيس بوش في احدى خطبه ، والى ارساء بناء الديمقراطية القوية في العراق كنقطة انطلاق لارسائها في الشرق الاوسط تارة اخرى ، والى بناء القوات المسلحة بناءً يجعلها قادرة على حفظ الامن والنظام تارة ثالثة .
والكل تراوح في مكانها فلا الارهاب منهزم بل يزداد شراسة وقسوة يدفع ثمنه العراقيون من دمائهم وارواحهم وممتلكاتهم بل ومن دولتهم اقتصاداً وبناءً .
ولا الديمقراطية الموعودة قد اكتملت قواعدها اذا لم تتجاوز الادارة على نتائجها فاخذت تضغط وتمارس كل انواع الضغط على صرف النتائج الاستحقاقية لها وتجاوزها الى المشاركة الوطنية لسبب بسيط طالما اشرت اليه وهو ان ديمقراطية تنتج ارادة مستقلة وحرة بعيداً عن تأثيرات الادارة الامريكية تعتبر غير قانونية او غير صحيحة او غير متوافقة مع الاسس الديمقراطية ، كما هو الحال في اوكرانيا وفنزويلا وفلسطين ، وقبلها الجزائر وهكذا .
والعراق ليس بدعاً من هذه الدول التي مارست حقها الديمقراطي !.
ولا يدرى كيف ومتى ستُشكل الحكومة الدائمة ؟! وقد مضى على الانتخابات اكثر من ثلاثة اشهر ولا يوجد بلد في العالم تأخرت عنده تشكيل الحكومة هذه المدة الا العراق !! .
ولا بناء القوات العراقية يلوح في الافق القريب اكتماله ، نعم هو عدد بلا عدة واكوام من الدولارات لا يعرف كيف تصرف واين تذهب وفضيحة وزير الدفاع السابق الشعلان لم يتحرك لها ضمير وطني وعرق عراقي ، فلتذهب مليارات الدولارات الى الجحيم ، والشعب المستكين محجوز وراء كتل الكونكريت ، ويسير نحو احتراب داخلي واقتتال طائفي والسادة السياسيين في غفوة نائمين وكأنهم يقولون بلسان حالهم ما لنا والسلاطين معترفين على انفسهم بان ليس لهم من الامر شيء .
وهكذا تدور دواليب السياسة الامريكية في اجواء العراق بين هذه المحاور الثلاثة ان قارب بعضها على الاستكمال ضعفه الاخر في اهمال ، فكيف يحارب الارهاب ولم يكتمل تسليح القوات المسلحة وكيف ترسى القواعد الديمقراطية ويصان النظام ولم تكتمل بناء قواته المسلحة ، وكيف يقضى على الارهاب ولم تؤسس دولة قانون قوية تضرب بيد من حديد على المتلاعبين بمقدرات الشعب ، وكيف نتحرك بحرية وسيادة ، والبلد محتل وقواته تفعل ما تشاء ؟؟؟
وكلما تدور دواليبها يضطرب اهدافها المعلنة لعملية الغزو فمن اسقاط النظام وتدمير اسلحة الدمار الشامل الذي كذبت به الادارة الامريكية على العالم الى نشر الديمقراطية وبناء عالم ينعم بالامن والاستقرار عبر تقديمها النموذج العراقي ، الى مكافحة الارهاب وهم من يغذي الارهاب في عالمنا اليوم لان مفهوم الارهاب اصبح مبررهم الوحيد لتدخلهم في شؤون العباد والبلاد واخيراً هو تحقيق النصر في الحرب او انجاز الاهداف وهو كلام مجمل يسمعه الجمهور العالمي من الرئيس الامريكي في مناسبات عدة ، اما ما هو النصر وعلى من ؟ لا يعلم ، وما هي الاهداف ؟ كذلك لا تعلم ، والاخيرة تذكرني بمقالات البعث السابق في اعلامه – بما يسميه المبادئ والاهداف واما ما هي هذه المبادئ ؟ لا احد يعرفها ، بل حتى المتفوهين بها ! .
وكل ذلك الايهام المعتمد لهذه الادارة لاخفاء وجه الحقيقة ولب الاهداف التي سعت اليها من خلال غزوها للعراق .
يا ترى ما هي الحقيقة ؟ وكيف نقرؤها ؟
يبدو ان الصراع العربي اليهودي الضارب في القدم الزماني بالنسبة لعمر السياسة الدولية الحالية قد آن اوانه للحسم وفق الرؤية الامريكية المعلنة ، بانشاء دولتين – فلسطينية – يهودية تعيشان جنباً الى جنب كما وعدت الادارة بذلك منذ سنوات ، واعلنت حينها ان عام 2005 سيكون عام ولادة الدولة الفلسطينية لتعيش مع – ( اسرائيل ) كدولة جارة معترف بها الا ان مداخلات واحداث دولية تعرقل هذا المشروع او ترجئه الى حين آخر ، فقد سئم عالم اليوم من هذا الصراع واصبح لا يحتمل تبعاته وقد آن الأوان لحسمه وانهائه .
وقد وجدت الادارة الامريكية بل والغرب عموماً ان ما سعت اليه في زرع الكيان الغاصب في قلب الامة العربية قد شارف على الحصاد بعد ان اعترفت بعض الدول العربية به وهي تقيم علاقات متعددة معه ، وترتبط به بروابط اقتصادية عززت له الامن المطلوب والاستقرار السياسي واصبح اكبر حليف استراتيجي للادارة الامريكية في المنطقة ، ولم يبق من دول المواجهة العربية معه ، الا المقاومة اللبنانية البطلة والضغط العالمي لتفكيك ونزع سلاحها قائم على قدم وساق ومؤطر باطار الشرعية الدولية عبر القرار 1559 الصادر من مجلس الامن … حتى اذا تم لهم ذلك وصلت القضية العربية اليهودية الى نهايتها وفق الرغبة الغربية الامريكية ، فكان لا بد من البحث عن بدائل للصراع الذي يخدم المصالح الامريكية الغربية اوسع في دائرة تأثيراته العالمية واعمق في اهدافه وامسك بالسيطرة على العالم وتغيير مساره في القرن الحالي الذي يشهد ولادة الامبراطورية الامريكية المتفردة في العالم ، وكان لا بد من البدء في هذه القضية الاوسع قبل حسم تلك الاولى على الوجه المطلوب من باب التحضير للقضية الثانية في اجواء الاولى ومن خلال ظروفها ، ومع توسع الرغبة الامريكية في تطويع معظم الدول التي لا تتوافق مع الرؤية الامريكية وتقف في وجه توجهاتها او لا تنصاع لرغباتها وهي دول منتشرة في اصقاع الارض وتضم آسيا معظمها ويشكل العراق نقطة الابتداء الحقيقية بعد افغانستان لثقل العراق الجغرافي واهميته الستراتيجية وكثرة موارده الاقتصادية وكونه الذراع الغربي عن ايران بعد الذراع الشرقي لافغانستان عنها واهداف اعلنتها الادارة اعلامياً كل تلك الاسباب جعلته مرشحاً قوياً بديلاً عن فلسطين – وهي البديلة عن ( الكيان الصهيوني ) اذ لا يمكن ادارة هذا الصراع من خلال الحليف المدلل لكونه لا يمثل قبولاً دولياً وتأثيراً عالمياً كما تمثله امريكا نفسها وتحالفاتها الدولية التي تسعى لانجازها من اجل تشكيل اجماع دولي لكل خطوة تخطوها .
اذن ستتبدل عناصر الصراع وساحته .. فمن فلسطين الى العراق ، ومن ( الكيان الصهيوني ) الى امريكا – ومن مساحة الصراع العربي الى مساحة الصراع الدولي – أي الساحة الدولية.
وسيكون ابتداء التحرك الامريكي في ساحة الصراع الدولية – هي ايران ومبررات خلق الازمة معها جاهزة على الطاولة لا تحتاج الى افتعال جديد – وايران هي البديل عن ساحة الصراع السابق ما بين ( فلسطين ، واليهود ) وهي الساحة العربية ودول المواجهة سابقاً .
واذا اخذنا بنظر الاعتبار اهمية القضية الثانية وعالميتها وسعة خلافاتها وعمق تأثيراتها على الوضع العالمي برمته نستنتج ان الصراع سيدوم الى عشرات السنوات ، والمهم فيه هو احتلال العراق الذي سيبقى الى امد طويل اطول من الصراع السابق واشمل واوسع وسيبقى العراق بلداً محتلاً عبر مسميات متعددة الى ان يأذن الله .
الا ان ينتفض الشعب المسكين ويعي دوره التأريخي في ساحة الصراع العالمية ليكسر الشوكة الامريكية ويذهب بهيبتها الى الجحيم ، ولكن متى ؟
هذا ما سيقرره المخلصون عندما تتوفر الارضية المناسبة وتصل الحالة الى اليأس والاحباط من كل المحاولات الحالية في معالجة الازمة عندها يتشكل وعي اجتماعي ناهض ان لا مفر من المقاومة وان لا بديل الا المواجهة .