You are currently viewing النهج العدد 125

النهج العدد 125

 

 

 

 

 

مواضيع نشرة النهج العدد 125

 

(بيان)

ميلاد النصر

من حق العراقيين أن يفرحوا بيوم مولد المحرر العالمي  ميلاد الرحمة الإلهية المرسلة عبر جده الرسول الكريم  محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وقد كلل العراقيون هذا اليوم بإعلان القيادة العامة للقوات المسلحة تحرير مدينة الكرمة من قوى الشر والإرهاب الدواعش المنتَج الأمريكي لتحقيق مكاسب سياسية يرى الساسة الأمريكيون أنه قد حان وقت أوان قطف ثمارها، إلا ان الإرادة العراقية والجيش العراقي الذي راهنا عليهما مراراً وتكراراً ما ان يتحررا من شدة الضغوط وعظم التدخلات فأنهما يصنعان ما لم يستطع عدة جيوش لبلدان كبرى وصغرى تحقيقه على الأرض العراقية والسورية.

وإذ نبارك لقواتنا البطلة وجيشنا القدير في غرة مباركتنا للعالم الإسلامي والمسلمين في أصقاع الأرض عيد مولد المنتظر الشريف، فأننا ننبه شعبنا العراقي وحكومته أن نكون على يقظة ووعي تامين من الحركة الأمريكية وقرار عدم مشاركة الحشد الشعبي في عمليات التحرير لتوحي بأن التحرير ما كان إلا بفضل التدخل الأمريكي الجوي وفعالية الخبراء العسكريين، وإن النصر الذي حققه الجيش العراقي لا قيمة له كما صرح بذلك بعض جنرالاتهم العسكرية، فهم على الدوام لا يسمحون بنصر يحققه العراقيون خالصاً لتكون لهم فسحة من التدخل وترتيب أوضاع سياسية مبيتة ومعلنة لأمريكا في العراق، ومع ذلك ولا بد أن يعلم بأنه لو لا ما قام به أبطال الحشد الشعبي من عمليات بطولية مسبقة هي مهدت الطريق للجيش في دحر الإرهاب وقرار عدم مشاركته هو لإخفاء كثير من أوراق اللعبة الأمريكية خوف الافتضاح، والتي نجزم بها بأن داعش ورقة أمريكية لتحقيق مكاسب سياسية في المنطقة وما تأخير عمليات التحرير وإبعاد الحشد إلا لتهريب العديد منهم لإعادة رسم اللعبة في منطقة أخرى.

وإلا لا يعقل ان عديد الإرهابيين كما صرح جنرالهم لا يتجاوز المائة والخمسين، فأين ذهبت الآلاف منهم، ولم نر في وسائل الإعلام جثث قتلاهم، كما لا يعقل ان هذا العدد كاف لتفخيخ هذا العدد من الأبنية والشوارع وبهذه القدرات والإمكانيات التي لا تمتلكها إلا دول كبيرة.

ومع كل هذا فأن ما حققه أبطال قواتنا المسلحة بكل تصنيفاتها مفخرة للعراقيين على العالم ان يتعلم منها، وانجاز لم تستطع قوات التحالف بعدتها وعديدها انجازه خلال أكثر من سنة لا في العراق ولا في سوريا، ومثل هذا الانجاز لا يريح الأمريكان وأشباه الرجال التي تقف خلفهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد/7

المكتب الإعلامي              

للفقيه المرجع الديني          

 الشيخ قاسم الطائي (دام ظله) 

16 شعبان  1437   

   

رحمه على بطن النكلتك

عبارة طالما رددها الوالد المرحوم في فترة ما قبل المراهقة وفي اثنائها وكنت اتردد أن أسأله عن معناها ولكنها اتضحت لي بعد ذلك، وعرفت مغزاها جيداً وكانت تحمل معنى عميق يشير إليه بهذه العبارة المعروفة البسيطة وهو طهارة المولد، ونقاء رحم الأم وطيب نفسها وسلامة قلبها، وكان يطلقها على الخيرين وأهل المروءة والشرف ويردفها  أحياناً ألف رحمة على الديس الرضعك، وهو دعاء لأمه، وكان لها مقابل هو عكسها بالضبط حيث يطلق عبارة لعنة الله على البطن النكلتك، والديس الرضعك، فيقولها لأهل السرائر الخبيثة والنفوس اللئيمة أي السيئين من البشر.

وكان توصيفاً دقيقاً لأنه نابع من الفطرة التي لا تخطأ إذا كانت غير ملوثة بخدع الشيطان، والاعيب مكره وخديعته، وطالما دارت في مخيلتي هذه الكلمات بعد رحيله ولسنوات طوال أذكرها لبعض الأحبة معتزاً بها ومذكراً للآخرين بطيب وبساطة أهلنا وناسنا من آبائنا وأجدادنا – أقصد العراقيين – ثم عندما تحصل أحداث وتثور قضايا فيها طرفان، طرف يمثل الحق في اتجاهه وآخر يمثل الباطل ولكن تشخيص ذلك بدقة يحتاج لمؤونة كبيرة ودراية عميقة ودقة عالية خوف الورطة والانزلاق الى ترامي التهم جزافاً، وهو من الاخلاق السيئة والاعمال القبيحة، إلا أنه في بعض الاحيان تكون الصور واضحة والتقييم حاضراً يخرج بتلقائية وسلاسة دون تردد أو تروي، وما ذلك الا لأن الطرفين واضحين تماماً في صفة وصورة كل منهما.

وبدأت تتضح أكثر مع كثرة الصور والصراعات والعداوات وعديد الأزمات التي خلفها الاحتلال البغيض وتراث البعث اللقيط، وقد وصل بنا الحال في العراق الى وضوح الصورة وتشكل اطارها وتحديد هويتها وكان العراقي البسيط يطلقها خالية نقية، بعد تجارب عديدة تراكم عنده علم من خلالها.

وإذا أردنا أن نطبق هذا المفهوم العراقي البسيط، فأن رحمة على بطن النكلتك يستحقها كل عراقي غيور على أهله وبلده ودينه ويتوج استحقاقها من أخذته الغيرة والحمية على البلد فراح يسترخص النفس لتقديمها قرباناً لبلده ودفاعاً عن شرفه وإعادة لأمجاد أسلافه وبطولات أجداده وصاحب تاجها هم المقاتلون في الفلوجة لتطهير العراق من دنس أهل لعنة الله على البطن النكلتك من أحفاد معاوية ويزيد والتاج البريطاني والدس اليهودي وشتات الأرض بني الأصفر.

فهؤلاء أهل البطون المرحومة وهم مقاتلونا وشرفنا وأعزتنا ورفعة رؤوسنا وحفظة مبادئنا وديننا، أولئك اصحاب أهل البطون الملعونة والديوس المشؤومة التي أرضعتم بمشاركة الشيطان فكانوا بحق اتباعه وانصاره بل هم من يتعلم منهم الشيطان ما لا يخطر عنده.

ومن أمثلة ذلك الجندي العراقي الغيور في إحدى سيطرات بالكاظمية الذي جازف بنفسه وأمسك بذلك الإرهابي من اهل البطون الملعونة وهو يروم اشباع غرور الشيطان ويتعجل ان يلحق بأمه التي اصابتها اللعنة، ولا نقدر على شكر أهل البطون المرحومة ألا ان ندعو  لهم بكل إخلاص في بقاع أقدسها في كربلاء الفداء والتضحية وفي وادي السلام وصحن فاطمة وحضرة علي (عليهم السلام) ومن يستشهد منهم فله عليّ ان اذكره في هذه البقاع المقدسة ما دمت حياً علي أوفي له بعض فضائله عليّ وعلى الاخرين ولن استطيع لأن الشهادة بر ما بعده بر.

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}البقرة207

 

قاسم الطائي  

18 شعبان 1437

 

رسالة المرجعية

الى أهل الدين والغيرة من مدينة الصدر

نتابع بقلق شديد الأحداث والمآسي الواقعة في العاصمة العراقية بغداد بالخصوص مدينة الأبطال والضحايا والشهداء مدينة الإباء والكرم مدينة إمداد التحدي لكل أنواع الظلم والجور منذ نشأتها في بداية الستينات من القرن الماضي والى الآن وهي تدفع ضريبة ولائها لأهل البيت (عليهم السلام)  وشدة تمسكها بوطنها العراق، بلد الأئمة والأنبياء المحررين للبشر من قيود العبودية والظلم.

ومع كل هذا فأننا نعلم يقيناً بأن صلاح وأيمان وتقوى العديد من ابنائنا ومشايخنا الكرام كان هو الحصن الحصين الذي يدفع الله به كيد الماكرين ((كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) المائدة/64

ونحن نخاطب الثلة المؤمنة بأن يجعلوا الله إمام أعينهم ووقوفهم أمامه يوم لا ينفع إتباع الظلمة والمستكبرين يوم القيامة وقد أزف للناظر ولاح للعابر، بأن لا ينجروا وراء الأراجيف والدعوى الضالة والمضلة وأن لا يثقوا بكل أحد إلا الله ومرجعيتهم وإن يحكموا عقولهم وضمائرهم، وهي بالتأكيد سنقودهم الى بر الأمان وشاطئ الخير وإن تصرفاتهم هي ميزان عمل أبنائهم وأفراد عشائرهم وأن يكون همهم لملمة الشمل وتوحيد الكلمة ورص الصفوف ضد كل المناوئين والأعداء لهم وهم كُثر يقدمهم الشيطان الأكبر أمريكا وربيبه الكيان الصهيوني وعقل الخبث والشر بريطانيا وأم الانحلال والتميع فرنسا ومن سار بركبهم من اعراب وطننا العربي من بعض دول الخليج.

وأن لا يسمحوا للإشاعات تأخذ طريق  الى أسماعهم وتصرفاتهم وأن يكون رجوعهم الى حوزتهم الفاعلة والناطقة  العارفة بأعرافهم وعشائرياتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولها روابط معهم فأنها أقرب إليهم وهم أقرب إليها.

{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }البقرة/45

 

 

المكتب الإعلامي      

لسماحة المرجع الديني الفقيه

الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

12/شعبان  1437     

 

      

الانتفاضة الشعبانية كما عشتها

محطة من محطات التأريخ المشرف لهذا البلد ولهذا الشعب الذي سطر واحدة من أسمى ملاحم التأريخ الإنساني في دائرة الصراع بين الحق والباطل وبين الجلاد والمستضعفين، أو قل بين الظالم الجبار والمظلوم المقهور، فيما انتفض المظلوم على ظالمه ليقتص من اجنحته التي يطير بها، وأدواته التي يبطش بها، فأذاقه الذل والهوان وكسر كبرياءه المزيف، وقدرته الوهمية التي طالما وجهها نحو شعبه المسكين.

هذه المحطة لم تحض بالاهتمام الكبير – وللاسف – من قبل الباحثين والمؤرخين فبقيت ذكرى الانتفاضة حاضرة في أذهان من عاشها، وساهم فيها من دون تدوين يؤرخ لها بموضوعية تامة وحقيقة لا تقبل الانكار، نعم قد لا يتحصل منها تمام تفاصيلها وجزئياتها لأن المؤرخ مهما كان فهو لا يستطيع ان يحيط بكل ذلك وإنما يحيط ببعض تفاصيلها التي عاشها وشاهدها أو سمعها من مصادر موثوقة.

وكاتب هذه السطور ممن عاشها وساهم فيها بل ومن أوائل المشاركين فيها، حيث رن جرس الهاتف قبل يوم من انطلاقتها وإذا به الأخ صاحب اليعقوبي صديق قديم وهو يعلم مسيرتي في المواجهة مع النظام البعثي وقد سرني بخبر خروج مظاهرة جماهيرية يوم غد، تتجمع في ساحة السوق المقابل لمديرية شرطة النجف التي هي الآن الجامعة الإسلامية، والموعد هو الساعة الثانية ظهراً وقد سررت كثيراً للخبر واعددت نفسي للمشاركة فيها.

وفي اليوم الثاني خرجت باتجاه المكان المحدد للمظاهرة ولكن سيارات النقل قد أخذت طريقاً آخر ليس هو المعتاد، مما أضطرني للمشي مسافة تقدر بواحد كيلو متر تقريباً في شارع المقبرة من المحطة الى الساحة المقابلة لمديرية الشرطة، وقبل الوصول كانت الجماهير منتفضة ومجتمعة أمام المديرية تريد الانقضاض عليها وكان بعض ازلام البعث قد أطلق عيارات نارية باتجاه المتظاهرين لتخويفهم وتفريقهم وهم عزّل من أي قطعة سلاح.

وبعد مدة أضطر المتظاهرون أمام المديرية وفي الشارع العام نجف – كوفة قرب مديرية الاطفاء وكذا الشارع الفرعي للمقبرة منه الى الانسحاب والتفرق بعد استخدام أفراد الشرطة والبعث الرصاص الحي، فعدت الى البيت والحسرة تعتصرني لشعوري بخيبة أمل، خصوصاً بعد سماع الأخبار المتأتية من الجنوب، البصرة بالخصوص بأن بعض قطاعات الجيش العراقي وأهالي البصرة قد انتفضوا على مؤسسات الدولة الأمنية وأجهزتها، وأسقطوا مكانة الدولة هناك، والأخبار الواصلة شفاهية وارتجالية لم يتأكد من صحتها وتفاصيلها الا تفصيل واحد هو سقوط الدولة هناك – في البصرة – مما شجع أهالي مدينة النجف الكرام في معاودة الكرة والخروج للانتفاضة.

وفعلاً تكررت وخرجت الأهالي من مختلف مناطق النجف الى مواجهة النظام وأجهزته ودوائرة الأمنية في المحافظة.

ولا بد من الإشارة الى السبب الذي أجج اشعال مشاعر المواطنين للانتفاضة على النظام البعثي بحسب التصورات التي كانت تعتمل في اذهان الناس آنذاك وبعض الاخبار غير المتأكد من صحتها لانقطاع وسائل الاتصال، وكذا المواصلات بين مدن العراق ومحافظاته، لكنني أشير الى بعض تحليلاتي التي اتذكرها عن الانتفاضة وكنت قد سجلتها مع جملة تفاصيل كثيرة عن الانتفاضة كشاهد حي قد عاشها وتابع تفاصيلها وشارك في بعض مفرداتها، وقد كتبت العديد من التفاصيل المتعلقة بها وبيانات علمائنا الاعلام حولها، وسير حركتها وانتهاء أثرها وقد سطرت ذلك جميعا في اوراق للتأريخ ولكن بعد عودة النظام وسيطرته على مفاصل الحياة الاجتماعية والدولة، وبعد تصاعد حركة السيد الشهيد محمد الصدر (قده) وكنت أحد أقرب المقربين اليه لعلاقة أبتدأت في القسم الثاني من عقد ثمانينات القرن الماضي حين كان مجبراً على الاقامة في منزله (قده) وأحد أبرز طلبته وربما الأكثر من ذلك كما يعتقده جملة من الطلبة الاعزاء حاولت اخفاء هذه الاوراق المؤرخة للانتفاضة النجفية، واستأمنتها عند الأخ أبي علي الجبوري زوج خالة زوجتي، وقد كان ذلك عام 1997 أو أقل بقليل لا اعلم بالضبط كما لا اعلم تاريخ الإيام التي خرجت في التظاهرات ولكنها في شهر شعبان قطعاً من عام 1991 الميلادي بعد هزيمة الجيش العراقي واخراجه من الكويت ذليلاً كسيراً منهزماً قد اهلكته حروب الطاغية وقتل عقيدته العسكرية.

والرجل قد أخذه حب الاطلاع على ما فيها وحينما قرأها ووجد أسماء شخصيات وأماكن واعمال كلها تشكل ادانة واضحة لو وقعت بأيدي الحكومة، حرقها ظناً منه أني أقبل ذلك، ولكني لم أقبل وغفرت له زلته وتضييعه تراث مؤرخ يعتز به الجميع، والكتابه هذه من بقايا ذكريات في خاطري.

وها هي جملة اسباب قيام الانتفاضة كما وجدتها بضم بعض تحليلات الأخوة من الاصدقاء والاقارب:

الأول منها: أن بعض قطعات الجيش المنسحب من الكويت قد وجدت نفسها وهي تنسحب امام قتل محتم وتدمير تام من قبل قوات التحالف بعد السيطرة الجوية المطلقة واستفراده بالاجواء العراقية مع التفوق التقني والتسليحي للتحالف على الجيش العراقي، ذي المعنويات الهابطة لأنه يعرف بأن مغامرة النظام في زجه بدخول الكويت عمل ارعن لا يمكن تمريره للنظام والذي يتحمل عبأه هو الجيش المنهك بحرب مع ايران استمرت لثمانية سنوات اكلت الاخضر واليابس  والمظنون استراحة هذا الجيش ليعيد انفاسه وتركيبته وتسليحه، مما ولد تذمراً لبعض الافراد من الجيش فحاول التخفي بمعدات عسكرية بين البيوت والدور السكنية لمدينة البصرة وكانت هدفاً لطيران التحالف مما أدى الى تدمير وقتل بعض البيوت والدور السكنية والمواطنين، وهذا شكل صدمة لبعض افراد الجيش من اهالي البصرة وهم يرون بيوتهم وعوائلهم تحت مطرقة التحالف الامريكي بسبب مغامرة لنظام البعث غير مدروسه قد نصحه بالتخلي عنها بعض رؤساء الدول واتذكر منه الرئيس حافظ الأسد، وقد أوعده بأن الانسحاب من الكويت سيقطع المبرر أمام امريكا لاستهداف وضرب العراق وأن الجيش السوري سيكون بخدمة العراق في الدفاع عنه، وقد عرضت وسائل الاعلام العراقية رسالة الاسد، وكذا الجانب الروسي وآخرين ولكنه لم يذعن وأخذه غرور القوة وسذاجة الفكرة التي اطلقتها السفيرة الأمريكية في العراق، بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في هذا الشأن لو حصل فصدّق الطاغية كذبتها وهي تنصب شراكاً له لإيقاعه وتدمير بلده بعد استفحال القوة العسكرية العراقية في تصنيعها بعض الادوات الحربية وبالخصوص الصواريخ التي هدد بها الكيان الصهيوني، فكانت الكلمة التي قصمت ظهر البعير كما يعبرون.

وقد شكل لها هذا الموقف صدمة كبيرة والرهان عندها على بقاء صدام ونظامه خاسر لا محالة فراحت تفكر في الانتقام لأهلها وناسها، فتحركت بمعداتها وقامت الدبابات بالاساس لضرب أوكار البعث ومقراته ودوائر أجهزة الدولة الأمنية وتحركت بتبعها الجماهير معلنة سخطها على النظام وازلامه، وهكذا بدأت في البصرة وبعدها النجف بيوم او يومين،  وهذا الوجه له ما يبرره بعد ان وجدت الناس بأن النظام يغامر بها وبحياتها ومستقبلها الذي لم يبق منه ما يأمله المواطن العراقي، مما ألجأه للخروج اغتناماً للفرصة وللثأر من النظام واجهزته وأنه لم يبق لها شيئاً تجد انسانيته فيه، فلا عيش كبقية شعوب الارض ولا أمن ولا أمان ولا احترام وتقدير لانسانيتها وهو يزج بها كل حين في حرب مدمرة قد قتلت اندفاعها في المساهمة فيها أو الاقتناع بها.

الثاني: هو أمر مفتعل من قبل النظام نفسه للتغطية على الخسائر المدمرة التي مُني بها في إرباك مؤسسات الدولة وتفكيك الجيش العراقي وتدمير إمكانياته الكبيرة من المعدات والافراد، وتحويل دائرة اهتمام المواطن العراقي الى المواجهات الدائرة مع النظام، وانتهاب دوائر الدولة وممتلكات الحكومة وإشغال المواطن بتوفير حاجاته العائلية بعد خروج الحكومة ودوائرها من مسؤولية توفير حاجات المواطن من الضروريات الحياتية ومنها الماء بعد وقوف محطات ضخ المياه الصالحة للشرب بسبب انعدام الطاقة الكهربائية وغيرها من ضروريات الحياة وهي تلهي المواطن على الالتفات والاهتمام عن الشأن العام السياسي.

ناهيك عن محاولات الحكومة بوسائلها الاعلامية المتبقية في العاصمة بغداد إذ لم تطالها الانتفاضة هي والرمادي والموصل وتكريت، وبقت محافظة على وضعها وارتباطها بالنظام الصدامي في تشويه صورة المنتفضين وتحويل الانظار عن انهم مجموعة غوغائية قليلة الوعي تتحرك ضمن مصالح جهات معادية للدولة داخلية أو خارجية ولاشباع احساس المواطن العراقي بعد اشتعال الانتفاضة وعدم الانضباط بضرورة وجود مؤسسات الدولة في حال ظن النظام بقاؤه في السلطة أو تدمير كافة مؤسسات الدولة ضمن ما يسمى بالارض المحروقة التي اعتمدها النظام لضرب أي جهة في ان تستلم السلطة أو تقوى على إدارتها ليبقى هو وحده اللاعب الرئيسي في اتجاهاتها.

ولعل ما يؤيد هذه السياسة ما وجدته شخصياً من دخول بعض عناصر مخابرات الدولة في تأجيج الوضع والقيام بعمليات سلب ونهب وشغب في داخل المدن المنتفضة ورمي التهمة على المنتفضين، وقد أخبرنا بعض الأصدقاء من لاعبي فرق العراق الوطنية –الأندية – بأنهم أرسلوا من قبل جهات المخابرات لفعل ذلك ولعله لا يريد ان اذكر اسمه، كما واكتشفت شخصياً بعض الأفراد من أجهزة الدولة كان يسألون من الحضرة العلوية بغير اللهجة النجفية المتداولة فعرفت حينها أنهم من غير أهالي النجف مع تخفيهم بلباس الأهالي المنتفضين – الدشداشة العراقية وتعصيب الرأس بقطعة قماش خضراء – لتشاكل أشكالهم أهالي النجف وقد سألوني أين الحضرة؟ وكانوا في سيارة لاندكروز حمراء موديل 1980 على ما أظن فعرفت حينها أنهم ليسوا من أهالي النجف حيث تستعمل عندهم عبارة الولاية بدلاً من الحضرة.

الا ان هذا الوجه ان صح فهو بعد خروج الانتفاضة واعلانها عن نفسها لا قبلها وليس هو مفتعل لها، لأنه في وضع لا يسمح بفتح ثغرة أخرى عليه إلآ إذا احتملنا كما هو ليس ببعيد أن تكون كل العملية بما فيها احتلال الكويت مسرحية أنتجتها المخابرات الأمريكية (سي أي أي)كما أحتمله البعض، ولكنها لا ترقى لقبول الرئيس الأمريكي حينها بعد سيطرة المد الشيعي ورفع شعارات دينية شيعية بالمطلق بما اخاف السعودية في ان البديل عن صدام هو المد الشيعي المرتبط بايران كما تدعي مما أستدعى الطلب من الرئيس الامريكي لايقاف حملة القائد شوارتسكوف لالقاء القبض على صدام بعد دخول بغداد وتحويل الخطة حيث جاءه جواب بوش الأب بأن عملك عسكري والسياسة لا شأن لك بها.

الثالث: ان المعارضة العراقية المرابطة في بعض دول الجوار وأكثرهم في ايران ثم سوريا ثم الكويت هي من أشعلت الانتفاضة لأجل اسقاط النظام بعد أن وجدت فرصتها مؤاتية والظرف الدولي معها وهي فرصة قد لا يعود بها الزمان  بعد ذلك تحركت عناصرها الى الداخل العراقي وحركت اوساط الجماهير وتحفيزها للقيام بالانتفاضة ضد هذا النظام والتمرد عليه، وقد وجدت في حركة المعارضين خير معين لها لأن العراقي بطبعه يريد دائماً من يتقدمه في أي مواجهة يقوم بها.

والمؤيد لهذا الوجه إرسال صدام حسين وفداً برئاسة عزت الدوري الى الالتقاء بالمعارضة والسيد الحكيم شخصياً وقد رفض ذلك معلناً ببيان عبر راديو طهران سمعته شخصياً ومما ذكر فيه أنه لا بد من تنحي الرئيس عن السلطة قبل كل شيء وأنه لا مفاوضات مع نظام البعث ..

وهذا التنازل من صدام وطلب نظامه الالتقاء بالسيد الحكيم قد يوحي بأن الانتفاضة كانت عناصر حركتها المعارضون في إيران والسيد الحكيم يمثلهم.

الا انها فرصة تاريخية كان على المعارضة استغلالها لتحقيق مكاسب شعبية ورفع رصيد مقبولية المعارضة في الوسط الشعبي وكان النظام بوضعه مستعداً لقبول مطالب المعارضة سوى تنحيه عن السلطة وربما يقبل مشاركة للمعارضة بمنصب رئاسة الوزراء أو غيرها ولعل الوضع الدولي يعينها على ذلك، وكان بالامكان طلب اطلاق سراح السجناء السياسيين وتعويض عوائل المتضررين والاعتذار عن المعدومين وتأمين حقوقهم لذويهم وغيرها كثير ولكن !!!

وهذا اضعف الوجوه لأنني سافرت الى ايران الشهر العاشر من عام 1991 بعد الانتفاضة بسبعة أشهر والتقيت جملة من افراد المعارضة وكان من بينهم الشهيد عز الدين سليم، وقد تحادثنا كثيراً عن الاوضاع واسباب عدم استثمار المعارضة للانتفاضة في محافظات العراقية الجنوبية والشمالية وأخبرني بأن المعارضة لم يكن في حسبانها قيام انتفاضة في العراق ولم تكن مستعدة بل لم يخطر ببالها ذلك ولكن اجتماعات حصلت ما بين اقطاب المعارضة بفصائلها العديدة برئاسة السيد الحكيم (قده) ولم تسفر عن رأي أو موقف محدد الا تكليف السيد عز الدين سليم بدعم الانتفاضة وديمومتها وتوسيع رقعتها وحصل اتفاق من هذا القبيل ولكنه لم ينفذ وإذا فوجئ الجميع بارسال أكثر من مليوني صوره لتوزع في المحافظات العراقية للسيد (قده) واعترضه الحاج عز الدين وقال له كلاماً لا أرى من مصلحة في ذكره.

والاوفق سبباً للانتفاضة هو الأول بعد خلوه من نقاط ضعف وكان لعفوية الانتفاضة وبراءتها انها لم تنتظم تحت إطار معين لتشكل بديلاً عن النظام المنهار ولو كانت بتخطيط مخطِط لكان لها شكل وهئيات وممثليات في محافظات العراق ولأعلنت عن نفسها وعبّرت عن هويتها وهذا ما لم يعطها الوقت الكافي لكي تتبلور كحركة ثورية تريد قلع النظام بقدر ما كانت تشكل تذمراً عاماً عبر عن نفسه بهذه الصورة الاندفاعية التي ازاحت عن نفسها عنصر الخوف من النظام وكبدته خسائر كبيرة ولكنها لعدم انتظامها لم تسعف نفسها في بلورة هذه المكاسب وتحويلها الى اهداف حقيقية مما أبقاها على السير على هوى المنتفضين بدون انتظام وإدارة واضحة لعمليات الانتفاضة.

الاستفتاءات

سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

عرضت قناة السومرية برنامج (البشير شو) للإعلامي الساخر (أحمد البشير) فهو نسخة مقلدة من برنامج مصري للإعلامي (باسم يوسف)  الذي هو بالأصل مقلد لنسخة أمريكية للصحفي الأمريكي (جون ستيورات) ..

وفي بادئ الأمر كان البرنامج ينتقد رجال السياسة بصورة ساخرة فوجد إقبالا في الوسط الشعبي العراقي ولكن في الآونة الأخيرة بدأ بالتطاول والسخرية على رجال الدين والفتاوى ، حيث أساء مؤخراً للسيد (صباح شبر) وهو يشرح مسألة عدد الرضعات في نشر الحرمة..

وفي حقيقة الأمر ان هذا الصحفي لا يفقه في الحلال والحرام فضلاً عن الموازين الشرعية وأدلتها ..

ما هو رأي سماحتكم في هذا البرنامج والسخرية من رجال الدين.

الشيخ علي المالكي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ) الحجرات 11

السخرية بعنوانها مرفوضة ومحرمة ومدانة قانونياً وأخلاقياً خصوصاً إذا صدرت من بعض الهمج الرعاع، ومقدم البرنامج (أحمد البشير) منهم، فإن جهله بحقيقة الفقه الإسلامي عموماً قد فضحه وعرضه للسخرية أكثر مما سخر منه على الفقه والفقهاء (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) هود 38

الا ان هذا الاضحوكة  لم يعرف قدره عند الله فضلاً عند الآخرين فقد ورد (أنه من ضحك الناس كان حسرة عليه يوم القيامة) بالمضمون. وقد غره جهله وقلة حيائه ليتعرض بشكل سافر على تكاليف الله سبحانه والتي أكد العلماء المسلمون عليها، وأفنوا أعمارهم في بيانها لعامة المكلفين ليقع امتثالهم لها على الوجه الصحيح والمطلوب شرعاً والمبرء للذمة أمام الله.

وأين أنت أيها المتميع من تكاليف رب العالمين، فأن قدرك هو ما يخرج من بطنك كما وصف الأمير (عليه السلام)  البعض من الناس.

وجرأتك هذه منكرة بكل المقاييس والمدان عليها السومرية وكان على مسؤوليها ان لا يسمحوا بمثل هذه التفاهات التي تفقد القناة اعتبارها الاعلامي وموقعيتها في الحضور داخل الساحة العراقية.

وعليه فلا يكفي اعتذارها عن هذه الاساءة لأمة عريقة وكبيرة تشمل عموم المسلمين والتعرض بالسخرية والتجريح لما يؤمنون به من تكاليف دينهم، وجهود اعلامهم وعلمائهم في حفظ الشريعة من الاندراس والتحريف.

وعليها محاسبة هذا الوقح وطرده من القناة والتشهير به ولا يكفي ذلك أيضاً الا ان يرجع عن غيه ويتوب الى رشده ويعتذر هو من فقهاء الاسلام والمسلمين، وبالخصوص العراقيين، وإلا سنكون مضطرين الى الدفاع عن قيم ديننا بوسائل أخرى ولا يهمنا ما سيقال عنا، فأن رضا الله فوق رضا المخلوق، ورعايته قبل رعاية عباده .. ومن أحب ان يستهزأ بأحكام الله فقد اسنهزئ به والعياذ بالله.

وهو كافر .                                                                                                                        قاسم الطائي     

  17رجب الاصب 1437