You are currently viewing النهج العدد 153

النهج العدد 153

بسم الله الرحمن الرحيم

من منطلق الدفاع عن المقدسات الأسلامية ومبادئ الدين الحنيف وأداءً لواجب الرسالة وحقها على الناس، ومن منطلق إحياء بطولات رجال الرسالة وملاحم الإباء والتضحية وإعطاء لأجر الرسالة مودةً لأهل بيت النبوة نفتح هذا السجل لندون فيه أهم تساؤلات وإشكاليات غير الواعين من هذه الأمة ومن المندسين والمتعصبين الذين يسمعون القول ولا يتبعون أحسنه، فهنا تتصور ما يمكن أن يدور في أدمغتهم من هذه التساؤلات متصدين نيابه عنهم ومن لف لفهم وإثارة لوعي المحبين لأهل البيت ممن أخذتهم قساوة الحياة الدنيا فكانت معظم أوقاتهم سعياً وراء لقمة العيش ودفعاً لشدة الحاجة بما لا يدع لهم مجالاً للمطالعة وقراءة تاريخ الأئمة الأشراف (عليهم السلام) أو ممن لم تحصل له ضروف تعليمية فكان أمياً لا يقرأ ولايكتب نصوغ جملة من الأسئلة متبرعين عنهم، ثم نحاول بما أوتينا من معرفة للأجابة عليها، بعونه تعالى.

وينبغي الالتفات الى أن الاجوبة التي سنقدمها قد تكون على شكل إطروحات قابلة لدفع الأشكال أو لا اقل إبطاله لأن الاحتمال وكما يقولون مبطل للأستدلال بأعتبار أن الأستدلال لابد وأن يكون عل نحو يقيني وجزمي بشكل لا يتزحزح فإذا دخله الأحتمال أزال ذلك اليقين وأبطل الدليل، أو لا أقل يسقط عن إثبات مدعاه.

ولا أدعي لنفسي أني قد أتيت شيئاً جديداً وقد سبقني اليه الكثير من علمائنا الأعلام ومفكرينا الكرام وكتابنا ذوي الأقلام المسؤولة والواعية الى ذلك، والشيء الجديد فيه ربما بأسلوبه الى درجة يكون خاليا من الجملات الانشائية والاستطرادات اللفظية التي يضيع في تزاحمها القارئ ليتصيد المراد منها، وقد يخونه عزمه وتسقط همته عن متابعة قرائته فيكون كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً يروي جهله ويسد حاجته من المعرفة وتنمية السعة المعرفية والثقافية.

والحق إنني إستفدت ذلك من بعض أساتذتي جزاهم الله خيراً من خلال تلمذتي عليهم وقراءة كتاباتهم فأستحسن إسلوبهم الخالي من الحشو واللغو، وقد قيل خير الكلام ما قل ودل.

ومن هذه الزواية نفتح هذا السجل الدفاعي عن ثورة الأسلام الكبرى الثورة المحمدية الحسينية الخالدة، إشعاع  الحياة لكل الأحرار والشرفاء في عالم الدنيا المظلم الملئ بكل الوان الظلم والتعسف والأستبداد.

 إنها ثورة حسينية التسمية محمدية المسمى، وقد قال صاحبها ورفع شعارها (( ما خرجت إلا لطلب الأصلاح في أمة جدي محمد)) ومثلي لا يتسع باعه ولا يبلغ علمه وإدراكه أهداف هذه الثورة الميمونة لأنها أهداف الأسلام الخالد بكل قيمه ومبادئه، مبادئ السماء وكل الأنبياء والعذر عند صاحب المصيبة مقبول، وما لا يدرك كله لا يترك كله، والسيل بالأودية على قدرها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

 والشعور بالواجب الديني والعمل بأهم مبادئه، أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر دفعني لكتابة هذا السجل،  داعياً المولى وصاحب المصيبة الراتبة أن أتلقى عندهم القبول والسداد إنه نعم المولى ونعم النصير والصلاة على محمد وآله الطيبين.

الجولة الاولى: تبدأ بأثارة  السؤال حول هذا الأهتمام بهذه الحادثة بشكل غير متواز مع أية حادثة حصلت في التاريخ الاسلامي، مع ما تتضمن من بذل للأموال وصرف للأوقات وتعطيل لكثير من المصالح، مع تمادي العصور وتقادم الأزمان وكأنها ما وقعت إلا تواً وما حدثت إلا الآن.

 والأحجى والأجدر من ذلك كما يقوله المتسائل إن تكفكف من غلواء هذا العزاء وهذا البكاء فإن ما وقع وقع وليس بالامكان أن نغير منه شيئاً.

وقد يتمادى السائل ويتطاول في إسفافه ونقده فيفوح من لسانه وقوله رائحة التعصب المذهبي المقيت، أنتم الشيعة متى ينقطع بكاؤكم عن الحسين ولا نرى في كل مناسباتكم إلا البكاء والعويل على رجل طلب السلطة بحسابات خاطئة فخانته الأقدار ولم يحصل على ما طلب، وكانت نتيجة مطلوبه القتل وهذا أمر طبيعي لمثل طلبه.

والجواب عن هذا التساؤل، يكون بعدة مستويات، إذ لعل السائل ليس له دين او له دين ولكن لا يرعويولا يعي ما يمثله الدين في حياته فنأتيه من جانب آخر لعله مهماً في حياته ومؤثراً في قناعاته فإن إقتنع فهي الغاية وليس بعدها من شيء وإن لم يقتنع فماذا نفعل وقد أخبرنا القرآن بعناد كثير من  الناس ((وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) النحل118.

وقد يتبادر الى ذهن القارئ: إذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التعب والعناء والأفضل غض النظر وعدم صرف هذا الجهد في الوقت الذي هو أعز من الكبريت الأحمر أو الذهب الأصفر،

وجوابنا واضح فإذا فتحت كتاب الله العزيز  فسيخبرك بأحد آياته بقوله ((قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) جواباً عن قول آخرين ((ِلمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ))

 وقوله تعالى ((إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ))  ((فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)) وغيرها كثير تتضمن إن النتائج سواءً حصلت أولم تحصل لا تمنع من الدعوة الى الخير أو إسداء الموعظة والمعروف، والصدقة ولو بكلمة طيبة.

المستوى الأول: المستوى الديني.

يبدأ من مسؤولية الدفاع عن الدين ونصرة رب العالمين ((إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ))  ونصرته تكون بنصرة رسالاته السماوية أهمها وخاتمها الرسالة المحمدية المهيمنة على كل الرسالات والداعية الى الأيمان بكل الأنبياء والرسل، ونصرة المرسلين، لأنها نصرة الله بإطاعة ما جاء منهم وقبول أوامرهم وإرشاداتهم التي هي إرشادات السماء ((مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)).

أما كيف تكون نصرة الرسول؟ بنصرة مبادئه وإحيائها بإحياء بطولات رجالها وموادة أهلها، وقد أخبرنا الجليل ((ُقل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى))فأحياء هذه الشعائر موادة لرسوله الكريم.

 وأما كيف تكون الموادة نصرة للأسلام ورسالاته الخالدة.

يكون ذلك عن طريق إحياء الثورة الحسينية المباركة لأنها الأمتداد الطبيعي للرسالة وما جاءت به، ولولاها لما بقي للرسالة رسم ولاوجد لها أثر، ولاتعجب فليس هذا بدعاً من القول بل هو قول الرسول كما ورد عنه في الخبر ((حسين مني وأنا من حسين)) وإذا كانت الجملة الصدرية مفهومة الدلالة، فالجملة العجزية قد يكتنفها الغموض واللبس وعدم الوضوح للمطلوب منها  ولكن لو تأملت قليلاً لعلمت إنها تعني  محمداً برسالته الخالدة وإمتدادها في طول خط الزمان لأهل الأرض من التضحيات الحسينية، مهما كانت فهي قليلة أمام طاعة الله التي لا تحد، ولذا قالت بطلة كربلاء، اللهم تقبل منا هذا القربان. إنها تدعو الله ليتقبل هذه التضحية، وهذا القربان مشيرة لجسد أبي عبد الله المضرج بدماء الشهادة وروح الأيمان.

وإذا كان الحسين الذي هو سيد شباب أهل الجنة قد قدم ماكان مع كونه قليلاً أمام طاعة الله ودينه ونصرته، فلماذا العجب منا ونحن دونه بكثير تستكثر علينا أن نقدم هذا القليل من أجل إحياء قيم الدين وترسيخاً لمبادئ الأسلام من خلال إحياء هذه الذكرى لأن إحيائها إحياء لدين رسول الله دين الله الخالد وقد تسأل: إذا كانت أهميتها بهذا المقدار وهذه الدرجة من الخطورة فلماذا لاتحيى من قبل طوائف المسلمين الأخرى.

نحن معك في توجيه هذا السؤال وهو غريب حقاً لتصور أن الحسين هو إمام لطائفة مسلمة، والحال ليس كذلك بل هو إمام لكل المسلمين أما سمعت أوقرأت قول الرسول (ص) ((الحسنان إمامان قاما أو قعدا))يعني إمامان سواء قاما بأعباء خلافة المسلمين لو مكنوهم من ذلك وحكّموا النص الشريف فيه، وأنى ذلك والمتربصون كثر والأعداء وذوي المصالح الدنيوية واصحاب الطموحات الشخصية، وذوي الأحقاد الأشرار الذين لم يسلموأ بل إستسلموا، مردوا على النفاق، حتى إذا تمكنوا من الأمر وسيطروا على الرأي حرفوا ما حرفوا وغيّروا ما غيّرو وهذه سنة جارية والتاريخ يكتبه السلاطين والناس على دين ملوكهم وإذا لم تسمع تلك المقولة فلا أظنك لم تسمع مقولته الثانية (صلى الله عليه وآله) ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)) ومن المنطقي أن كل مسلم يتوق الى الجنة فهلا يتوق لسيداها، وكيف يريدها بدون سيداها وإذ قال القائل، إن هذه الروايات لم تثبت من طرق أهل السنة والصحاح عندهم، مع إن السؤال يحوي مكابرة واضحة، فهو لم يكلف نفسه مشقة البحث وعناء الطلب ليفتش عن هذه في هذه والحقيقة تطلب باحثها وطالبها، وحسبه كتاب الله بين يديه يقرأ صباحاً ومساءً ويسمع ليلاً ونهاراً في مختلف الوسائل الأعلامية المسموعة والمرئية ومجالس العزاء وقراءة الفواتح وإذا إدعى إنه لم يسمع لقوله تعالى((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) ومن اقرب رحماً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير الحسين (سلام الله عليه) فما بعد الحق إلا الضلال.

المستوى الأخلاقي.

قد يندفع الانسان بدافع من وجدانه الى شكر المنعم والمتفضل عليه ولو بقليل من الاحسان فأنت تشكر وتثني على من قدَّم لك خدمة ما مهما كانت ضئيلة لأنك تشعر أنه واجب الأنسان بحكم عقله، ولنسميه العملي كما يسمونه في المنطق والحكمة يدرك أنه ينبغي ان يُشكر من يسدي خدمة ويقدم مساعدة، مالية كانت أو علمية أو إدارية أو إجتماعية، بل حتى لولم تكن خدمة بمعناها المتعارف وإنما مجرد تقدير أو مبادرة لسؤاله عندك أو تفقده إليك يزورك في البيت أو يتصل بك تليفونياً أو يرسل إليك مكتوباً مستفسراً عن أحوالك وراغباً في وصالك فهو يستحق الشكر، فما عساك إلا أن تقول له تفضلتم أو مشكورين أو نحو ذلك من الكلمات العرفية المتداولة المعبرة عن شعور بالمنة والغبطة لفعل الآخرين وشكر سعيهم.

 ومن خلال ذلك نقول ان درجة الشكر تشتد بأمرين.

1- إن المنعم إذا كان ذو وجاهة إجتماعية أو دينية أو علمية عالية ومهمة في المجتمع فدرجة شكره تشتد وتتصاعد لعظم الخدمة التي يبديها بنظر الآخرين وإعتزازهم بها قبال خدمات الآخرين ويتسارعون عفويا بًشكره ومدحه والثناء عليه حاضراً أو غائباً وربما تبقى خدمته في شعور الآخرين لسنوات عديدة أو مديدة تُذكر في كل مناسبة جاءت أو ملابسة حصلت، وهذا أمر وجداني وشعور عرفي متسالم عليه.

2- عظم النعمة والخدمة المقدمة وكلما كانت عظيمة وجديرة بالأعتزاز والتقدير فمقابلتها بشكر ضعيف أو ثناء قليل إغماط لحقها وإنكار لفضلها فأنت تشكر الجار لو عادك في مرضك، بدرجة تقل كثيراً عن شكرك ومعلمك ومرشدك ومن وجهك ونور عقلك بالعلم، حتى أنه ورد في الخبر الآباء ثلاثة – منهم أب علمك مساواة للأب المعلم مع الاب الموّلد فكما أن فضل الوالد عظيم وقد قرنه الله تعالى بعبادته، بقوله تعالى ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)) فالأحسان للأب طبيعي يكون بشكره والتحنن له والاحسان إليه يعدل طاعة الله فلا طاعة بدون إحسان الوالدين.

وإذا كان حال الاب الوالد ذلك، فمقتضى المساواة في الأبوة المشار إليها في الخبر، عظيم شكر المعلم، ومن هذا القياس تعلم إن المتفضل لو كان أعظم من المعلم شأناً ومن الأب قدراً، وهو الولي وإذا كان الأعظم منه وهو المعصوم تعرف شدة لمسؤلية الشكر التي ينبغي لك تقديمه، للمنعم، ومن أنعم خلقاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على خلق الله.

إذن ما يستحقه من شكر لا يوازيه شكر مخلوق آخر، وقد نترقى في الكلام ونقول بل شكره شكر الله، كما إستشهدنا بالآية السابقة ومن المعلوم ان شكر الله لا يُبلغ بأي حال، من الأحوال وكيف يشكر حق شكره وشكره شكر يستحق عليه الشكر، كما عبر الأمام (عليه السلام) عن ذلك.

ولو جمعنا بين الأمرين الآخرين كان المحصل أعظم منهما والناتج أوسع من أحدهما، وإذا نظرت الى كلا الأمرين قد إجتمعا مع الحسين (عليه السلام) من جانب الخدمة المقدمة فلا أعتقد أن خدمةً أعظم من خدمة التضحية من أجل الدين وهداية الآخرين وإصلاحهم، وهل تعادل التضحية خدمة أخرى من حيث السمو والرفعة، الشاعر يقول:

والجود بالنفس أسمى غاية الجود، وأما من جانب شخصية المنعم فلا يكون الكلام فيه إلا مستأنفاً ومن لا يعرف الحسين بن علي بن أبي طالب، بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله سلام الله عليهم أجمعين إلا من كان به مس من الجنون أو القى السمع وهو شهيد.

 وإذا لم تكتفِ بهذين المستويين فأليك المستوى الثالث.

المستوى الثالث: الاجتماعي وأن شئت سمه التاريخي، تفتخر الامم والشعوب بتاريخها وما يحفل من أحداث وتبلغ بها الدرجة لصرف مبالغ طائلة من ميزانية الدولة لتنقب عن آثار الماضين وطبيعة حايتهم، وقد تنقصها الخبرة العلمية في ذلك فتستعين بخبراء وذوي الاختصاص من البلدان الأخرى، وتهيء امكانيات كبيرة لهذه الهمة، ذلك أنها ترى حق الاجيال الاحقة و القادمة المعرفة تاريخها وجذور إنتسابها ومآثر أجدادها.

 وكما هوحق الاجيال اللاحقة فهو ايضاً حق الماضين كي لا تضيع آثارهم وتذهب أعمالهم سدى وادراج الرياح فكان لزاماً عليها إداءً للحقين أن تشرع في ذلك وتبادر اليه، وقديكون لا لها غايات اخرى ودوافع لا حاجة للدخول في تفاصيلها ولا يهمنا منها إلا ماقلناه.

والحال نفسه بالنسبة الى أهل العشائر والاعراف، حيث تظل تبحث عن سلسلة نسبها واصل وجودها لتبّين عراقة أصلها وقِدم وجودها في حياة المجتمع والناس جميعاً وقد تزيدها شرافة نسبها بحثاً وتعباً عن جذورها الاولى فلربما تلتقي بالرجالات العظماء واهل الشرف والمروءات وأهل الامجاد والبطولات، فترى ذلك أمراً يستحق المبادرة والتعب والتضحية بقليل من الجهد والمال، هذا وقد لاتكون دوافعها إلا التباهي

والتفاخر لعظم السابقين ومآثرهم لتعيش حالة النشوة والفخر الفارغ يدفعها أحياناً للتعالي والتكبر على الآخرين وإزدراء انسابهم وإحتقار أصلهم طلباً للرئاسة وحب الجاه والتفاخر بالأنساب مع إنها في ميزان الأسلام لا تساوي شيئاً ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ)) المؤمنون/101

 ومع ذلك لم تجد من ينتقدهم ويوجه سهام كلماته اللاذعة ومفترياته اليهم والأمر لايعنيه، فما باله إذا وصل الينا ونحن نمجد اشرف شخصية من بعد الرسول والامير (عليهما السلام) عرفتها الانسانية مع مالها من فضل على الآخرين وليس لهم خاصة؛ إذ التذكير بمعاني البطولة والشرف وإستلهام دروس البطولة والتضحية من اجل القيم الأسلامية العليا والأنسانية الشريفة مثل العدل والخير والمساواة وإيثار المصلحة العامة على الخاصة، وغيرها كثير وكلها معاني تسعى لها شعوب الارض بكل أديانها ومذاهبها ولغاتها وطبيعة علاقاتها، من غير حصر على أمة دون أخرى أو شعب دون سواه، فالعقلاء كلهم متفقون على حسنها والعقل يأمر بأنه ينبغي عملها وتحصيلها، ولا يقتصر الحال عليها بل يمدح أهلها وناسها ويثيب فاعلها ويجعله رمزاً للآخرين وأبناء البشر فإذا كنت من العقلاء فقد حكمت بحكمهم وإتبعت آراهم وقضاياهم

المحمودة، وإذا لم تكن منهم فلماذا تحشر نفسك وتدعي أنت منهم ومعهم. ولا كلام لنا معك لأنك أخرجت نفسك من دائرة من يصح لنا التكلم معهم ، وما كلامك إلا فند.

واقول ما قال الشاعر:

سأطبق أجفاني على مضض القذى    وإن حَسب الجهَّال أنَّي جاهل

الى أن يفتح الله  للناس دولــــــة     تكون سوى الأشباه فيها وسائل

وإذ لم تكن ممن بتلك المستويات وقد لا تميل إليها أو تملك وسائل معرفتها او تقنع بأساليبها، فما بالك بهذا المستوى.

المستوى الرابع الأنساني: ولك أن تسميه العاطفي.

لم يبقلنا من طريق نسلكه لأقناع هذا المسكين إلا طريق العاطفة والجانب الأنساني، العاطفة التي تشكل ركناً اساسياً في النفس الانسانية والفطرة الطبيعية بها يتعامل الناس مع كثير من الأشياء بعد ان يعجز العقل والمنطق وسيلة للأقناع والأفهام، وأوضح صور التعامل العاطفي والفيض الرحماني ما تفيضه المرأة على ولدها الصغير  وما تتحمل من أجله كل صعب وتستهل كل أمر.

والعاطفة قد تحرك الأنسان لأن يتعامل مع الأشياء ويؤثر فيها ويتأثر بواسطتها فإذا ما حرك الخطيب المفَّوه والمتمرس مشاعر المستمعين وألهب احاسيسهم ملك قلوبهم وجعلهم أسرى إرادته وجهة حركته، وقد يتفنن الخطيب في اساليبه ووسائله للتوصل الى ذلك والوصول اليه وفي مطاوي بحثه وسعيه يصل الى أقرب الطرق لقلوبهم واقصرها مسافة الا وهو الخط المستقيم، المأساة وتصوير الظلامات وعطف القلوب نحو المظلوم والمغلوب لا كل مظلوم بل خصوص من كان صاحب قضية ومبدأ وعقيدة.

 ولذا نرى من أنجح الطرق المستخدمة في الحملات الدعائية للمتنافسين على الترشيحات الانتخابية والمجالس البرلمانية أو الكراسي الحكومية تركيزاً واضحاً على مظالم المجتمع من جراء السياسات الخاطئة للخصم والمتنافس الآخر، وهم ملتفتون جداً الى ذلك لدرجة عجيبة من أجل إظهار أحقيتهم وسلامة موقفهم.

وبعد هذا تعال معي الى واقعة من اقسى ما أنتجته النفس البشرية الامارة بالسوء من الظلم والاستبداد بل والحقارة الى أبعد مدياتها وأبشع صورها، بل والدناءة وإنعدام المروءة حتى على الموتى والنساء والاطفال، صور مرعبة ومبكية حتى للصخر الأصم.

ولو نظرت الى الواقعة تجريدياً عن عوائق عقائدية وآراء شخصية ونظرتها بحس طبيعي وإنساني لو وجدت نفسك منفعلاً بها ومغرورقاً بالدموع والاسى والحزن على مصارع رجالها ومكابدة أطفالها ووحشة نسائها.

ولو أبيت وأمتنعت لقساوة قلبك وإن منها كالحجارة بل هي اشد قسوة فهلا إعترفت وتأسيت بالرسول الكريم وهو يبكي على ماورد عنه حال وفاة، إبنه إبراهيم وقد كانت سهام المنافقين تترصده وتراقبه وتتجاسر عليه، أتجزع بوفاة ولدك ومن قضاء الله وقدره، قال (صلى الله عليه وآله) لا ولكني أبكي رحمة عليه ولنا في رسول الله أُسوة حسنة، في كل أفعاله وأقواله وأحواله لأن حياته المباركة دروس مضيئة لأمته.

ولقد إستخدم الامام السجاد (عليه السلام) وسيلة البكاء عندما إنعدمت لديه الوسائل في بث دعوة المعصومين وبيان مظلوميتهم وإن حق الأمر لا يعدو منهم الى غيرهم، وكان (عليه السلام) بصدد تربية المحبين على موالاة الحق وأهله بهذا الاسلوب العاطفي  والمؤثر.

ولذا لا نتفق مع كل من يرفع راية توجيه الشعائر الحسينية بعيداً عن البكاء والأسى وذرف الدموع، ولولا ذلك لما بقي أي شعور نحو الثورة الحسينية، فاعل الى هذه الدرجة وهذا الممستوى من الربط مع الموالين والمحبين، نعم لا نجعل هذا الجانب المأساوي هو الاساس متناسين الجوانب النيرة ومعاني العلى الاعتزاز بالثورة المباركة، من التضحية والأيثار والفداء والبطولة، والاقدار، والرضا والتسليم، والمناجاة التي كان أبطالها الحسين (عليه السلام) واهل بيته وأصحابه، لا أن يجعل من الذكرى وأبطالها مسرحاً لاستجداء الحسين  النصرة والتوسل الى شربة ماء ونحو ذلك مما يجّل المعصوم (عليه السلام) عن ذلك.

فعلينا تنقية الواقعة من علائق الكذب التي يتوسل بها الى البكاء والتباكي على المعصوم (عليه السلام).

ويتفرع منه- ما نسميه الأسلوب الثوري- الذي يستهدف رفض الظلم بكل اشكاله وأنواعه سواء للسلطة الحاكمة آنذاك أو لغيرها والبكاء وسيلة التعبير  الصادقة عن توجيه الأتهام بالظلم لكل طاغوت ومتسلط بعد أن تقف الوسائل ضعيفة أمام قواه وإمكاناته الجبارة، تبقى وسيلة الرفض الموجعة التي تقض مضاجع الظالمين وترهبهم وتذكر بأنحرافهم وزيغ إدعائهم، فتراهم لا يطيقون صبراً على ذلك ويودون بما أوتوا من رسائل قمعية كبت وكبح هذه العاطفة المحركة لمشاعر الآخرين ليتحسسوا ظلم الظالمين، والتاريخ على ذلك شهيد.

المستوى الخامس: المستوى العسكري أو القتالي.

إن الصورة الرائعة والهيئة التنظيمية وتوظيف كل الأمكانيات العسكرية رغم بساطتها إلا إنها كبيرة جداً بفضل تمازجها مع كل قيم السمو والرفعة وإستسهال الموت بل الاستئناس به، وهذا يرعب أكثر مما يرعبه السلاح ذلك إن الأقدام في طلب الموت والسعي اليه بل التسابق في ميدان المعركة للقائه،يغطي على كثير من هواجس الخوف المضعفة ووساوس النفس ويدفع رغبة الفرار من المواجهة وهذا ما يسلب قوة العدو ويحبط معنويات كبيرة ومساحة واسعة من أقدام الطرف الآخر فيعين على نفسه كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) مابرزت لأحد إلا أعانني على نفسه.

ولم يكتفِ الامام الحسين (عليه السلام) بهذا الجانب المعنوي مع أهميته بل نظم أصحابه وأهله على طريقة القائد العسكري الخبير أخذاً بنظر الأعتبار قلة عدده وكثرة عدوه، فالمواجهة المباشرة لاتنفع بقدر ماتضر، فكان إسلوب المبارزة والمقاتلة  لرجل برجل وقد كانت فنون القتال تحترم طريقة البراز وله ظوابطه الخاصة التي ينبغي عدم تجاوزها والالتزام بها من كلا الجانبين، وبهذا الأسلوب يدفع غلبة العدد ويضعف معنويات المبارز للطرف الآخر إذ يجد نفسه في مواجهة من لا يرى الموت إلا سعادة على يقين  من أمره ونصر من ربه وان عدوه على باطل ومصيره الى النار.

وقدفكر بموضوعية وحكمة (عليه السلام) عندما حفر الخندق واشعل النار ليسد على الأعداء مواجهته ومباغتته من الخلف  وبالآخر سيوفر عدد من المقاتلين في مواجهة الأعداء من جبهة أو جهة واحدة إذ التشتت وتوزيع ماعليه من قلة العدد سوف يضعف جبهته أكثر مما هي ضعيفة عدداً.

وينفتح من هذا مستوى آخر

المستوى السادس– المستوى الصمودي:

لوتذكر الواعي من المسلمين شيئاً من معاني الصمود الحية التي رسمها ابطال ملحمة كربلاء لكفيل بإلقاء ظلاله على مواقفه الخاصة إذا ماصادفه بعض النائبات المتطلبة قدراً معيناًمن الصمود والثبات، وإذا ضاقت به الأمور وإنهارت معنوياته تحت ضغط من الخوف والسوط بمجرد الألتفات الى هذه  الدروس المرسومة من قبل أبطال الطف، ترفع من قدراته على المواجهة والصمود وتوقف إنهياره الذي شارف عليه وتأخذ همته بالتصاعد حتى يتحسس من نفسه صوراً ومعاني من الثبات  لايكون أقلاً من أصحابها تجسيداً لها وسخطاً على نفسه أن يتخلف عن هذه المدرسة وإنتمائه لها مضموناً لا شكلاً إنتماءً حقيقياً يجعله يعيش أحداثها وصورها  ويتفاعل معها، الى درجة تبلغ به الحالة أنه يرى في نفسه خجلاً من جهة أن إنتمائه إليها لا يكون واقعياً  إذا لم يطبق صور صمودها.

وأعتقد أن المسألة في بعض الضروف الخاصة والأستثنائية قد تكون كذلك بل هي كذلك لا قد تكون.

الاسلوب التربوي: ونعني به أن المسؤولية الملزمة لمن إتصل بشخصية مهمة تزداد كلما كانت درجة صلته به قوية وشديدة وإن أكثر الناس التزاماً بسنة نبيه (صلى الله عليه وأله) هم أهل بيته الكرام، وكل من كان أكثر التزاماً بهم فهو أكثر التزاماً بسنة رسوله لأنهم طريق للألتزام بسنته الشريفة والبكاء تعبير عاطفي صادق على المصاب الجلل يكشف عن شدة العلاقة وتأثير لتربية المعصوم (عليه السلام) لمواليه وهذا أمربيّن.

إن عرض الحركة الحسينية بتفاصيلها كلية تجسيد حي لفضائل الأخلاق وتفعيلها في حركة الواقع من خلال الصور التي رسمها الحسين (عليه السلام) وأصحابه متمثلة بالتضحية والفداء والرجولة والبطولة  والأيثار والغيرة والحمية والرفعة والأباء ونكران الذات والصبر والبلاء الحسن في طاعة الله وغير ذلك كثير، وكلها معاني متحركة في هذه في هذه الواقعة ومطبقة عملياً لامجرد معاني نظرية لا روح فيها.

 وعندما تُنقل هذه الواقعة فإنما تحكي هذه المعاني السامية وغيرها في وبالمقابل في طرف العدو والطغيان تتوفر الصفات السيئة والرذائل القبيحة والصور المشوهة النازلة بالأنسان الى حضيض البهيمية وقعر التسافل، متمثلة بالخسة والدناءة و الغل والحقد والكراهة وإنعدام الشرف والغطرسة وإيثار الدنيا ومعاونة الظالمين وإنعدام الكرامة والخبث واللؤم والمكر والخديعة والخيانة وخذلان الحق ونصرة الظالم وما الى ذلك مما كشفت واقعة الطف على معادن رجالات جيش يزيد وعبيد الله بن زياد وترجمتها أفعال الجيش الأموي في الواقعة أحسن تجسيد فكانت مرآة صدق عن سرائر القوم وحقارة الجيش.

 وما أحوجنا الى تعريتها وشجبها وتنقية تاريخها الاسلامي من تلبيسها وتضليلها.

ولو تكلمنا في ضوء ما تحمله معاني كلمات الرذائل والاخلاق السيئة وعرفّنا مفاسدها وآثارها ما كان لنا أن نصل الى كنه حقيقتها بالعرض النظري وربما تستبعد أن شخصاً ما متلبس بها لنصرف إرادة الناس عنها، كما فعلت معانيها المتحركة في ساحة المعركة.

فهل يا ترى إن من يسمع ببشاعة وشناعة افعال القوم من رمي الطفل الرضيع وذبحه في أحضان أبيه وهو يلتمس شربة ماء له من القوم بدافع من رواسب الأخلاق الذميمة والنفس الأمارة بالسوء، استقبح هذه الفعلة وأستعاذ بالله ليصرفه عنها وينقيها منها وقس على ذلك.

 

الاسلوب الثامن.

الاسلوب العرفي: وهو أن الكثير من الناس تعتز بالشخصيات المهمة من رجالاتها حتى ما كان منها متقادماً في الزمان الماضي مادام الا نتساب إليها ممكناً، فالشخص منا يعتز بالأنتساب للقبيلة الفلانية أو لأحد الشخصيات المهمة في التاريخ الاسلامي وقد يهيء لذلك امكانيات مالية أو إعلامية معينة، كإقامة المؤتمرات والندوات والشعائر المعينة والأمسيات الأدبية وما الى ذلك، وقد يفعل ما لا يخرج عن الخرافة والاسفاف كوضع الزهور على قبور الموتى كما يفعله أهل الدنيا للمهم من موتاهم، نظراً لأعتزازهم وإكراماً لهم وربما يتفاخرون بالسير على منهاجه وآرائه وإذا كان هذا حال اشخاص عاديين لا يصل عُمق تجربتهم الى مابعد زمان حياتهم وقد تبوء بالفشل وهم لا يزالون على قيد الحياة ومع ذلك يبقى المحب والموالي يلتمس لهم الحجج والمعاذير في التفاخر بهم والأنتساب إليهم ولسنا بحاجة الى مقارنة أمثال هؤلاء مع إبن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهي مقارنة لا موضوع لها بتاتاً، ونكون في جانب السكوت على هذه التصرفات إن لم ننتقدها كما يفعل المغفلون عندما نحي الذكرى بطريقة مأساوية وحرقة قلبية.

 

الاسلوب التاسع.

الاسلوب السياسي: حيث تنهج جميع دول العالم برنامجاً تعليمياً خاصاً خلال مراحل الدراسة عندها غايته التعريف برجالات الدولة القدماء وشخصياتها العظماء، تذكر فيه مآثرهم وتضحياتهم وبطولاتهم وتستلهم من سيرتهم الدروس، والعبر وإذا أحسنا الظن بهم وهو نادر  فأنهم عظماء ذواتهم ومصالحهم الشخصية لا عظماء تضحياتهم وبطولاتهم لمصالح أمتهم ولا نعدم الأمثلة التاريخية على هذا الأمر- كقائد فرنسا الشهير بنابليون بونابرت وأمثاله، وقد يكون صاحب نظرية أو أبحاث تتبناه الدولة التي تأخذ بآرائه من أجل إضفاء صفة الشرعية على أسسها الفكرية وإتجاهاتها السياسية وأوضح أمثلتها الاتجاه الشيوعي وهذا المقدار لا يعترضه العقلاء، إلا إذا تبدلت إتجاهات الدولة واساسيات السياسة لها لكن لا تمحي من ذاكرة التاريخ صورة ذلك الرجل أو السياسي البارع أو المفكر الكبير بل يبقى في صفحات كُتب التاريخ يمثل مرحلة من مراحل تطور الدولة سياسياً وفكرياً، وغالباً ما تستخدم وسائل  الاعلام المرئية أو السمعية والصوتية تذكيراً به بأعماله كطريقة للتعبير عن الأمتنان له في فترة من فتراتها السياسية أملتها ظروف معينة تبدلت مع مرور الزمن وأطاحت بالنظرية موضع التطبيق أو الفكرة المتبناه سابقاً، فهي لا تعدوا أن تكون في دائرة محيطها وبيئتها  وأقصى ما تمثله من وعي وإدراك مؤسسيها، الذي لا يتجاوز دائرة زمانه ومكانه وربما تقضي الظروف على حركته وإتجاهه في زمانها وقبل رحيل صاحبها ولو كان مدركاً الى درجة عالية لا يتصور فيها الخطأ والزلل كما لو كان معصوماً لتحرك بكل أبعاد الزمن الثلاثة حاضره ومستقبله لأنه ينظر الى المستقبل نضرته الى الحاضر وكل مبادئه مستقاة من جبار السماوات والأرض الذي يعلم السر وأخفى ولا يتحدد بحدود زمانية ومكانية، رسالته خالدة وخاتمة وله إطروحة كاملة للعدل والحكم الى يوم القيامة وقد عاشت الأمة ثمارها في عصرها الأول أفمن العدل أن تغمض النظر عن حق من وهبنا الحياة أو علمنا الدروس وألهمنا العبر وكانت غايته المصلحة العامة لا غير، وقد عبر بكلماته عن ذلك واسس نظريته الخالدة، نبراس يقتفي أثره كل الشرفاء والخيرين في العالم ومحبي الخير والأصلاح ورجال السياسة الحقة إنما خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتقف الشعوب على حقيقة ما يدعيه رجال سياستاها عندما يرفعوا شعارات منمقة وعبارات معسلة سرعان ماتذوب في خضم المصالح الشخصية بعد إعتلائهم دفة الحكم.

نعم لانملك من الوسائل إلا هذه الطريقة ولا غرو بعد أن أكد المعصومون عليها مراراً وتكراراً وفي مناسبات شتى ولو أمكن إستخدام وسائل مرئية وصوتية لكان ذلك خيراً وأي مانع فيه؟

ولكن تبقى وسيلة التعبير والربط  بالقضية الحسينية هي البكاء والربط العاطفي، أقوى رباط، فتفطن.

قال العقاد: ولو لم تقم نهضة الأمام الحسين (عليه السلام) بأسم الأسلام والقرآن وتُنهي حكم يزيد بعد أقل من أربع سنوات على تربعه على العرش، فإن خطر قيام تمردات عديدة ضد يزيد،تحت شعارات ورايات إسلامية، كان أمراً محتملاً جداً، الامر الذي يهدد مصير العالم الأسلامي في الصميم.

والحق هو الحق ينطق به ويأنس بالأنتساب إليه أصحاب الضمائر الحية والنفوس الطيبة مهما كانت صفتهم ومذاهبهم، ويكفي الباطل عاراً وشناراً إن الإنسان يستحي أو يخجل من إنتسابه إليه.

ولأن الحق لا يقبل المداهنة والمراوغة فهو يستصرخ الخيرين أينما كانوا ليهتفوا به ويرفعوا شعاراته، ولهذا قال الحق في هذه الثورة المباركة من هو على غير ملة الإسلام ومن هو على غير مذهب أهل البيت.

ويكفينا شاهد على ذلك مقولة العقاد في كتابه أبو الشهداء ص124 ((وتسديد العطف الأنساني منا فرض من أقدس الفروض على الناظرين في سير الغابرين لأن العطف الأنساني هو كل ما يملك التاريخ من جزاء وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود))

إن من واجب المجتمع الأنساني تقدير أصحاب النفع العام وهم الخدام الواقعيون للمبادئ والنواميس الأجتماعية، وأقل ما يكون من تقديرهم إحياء ذكرهم على مر الدهور.