الرئيس لمن ؟

   تصريحات السيد جلال الطالباني الرئيس العراقي فيما يتعلق بالأكراد الذي ينتمي إليهم قومية ولكنه لا يمثلهم خاصة بصفته رئيس الجمهورية للعراق بكل أطيافه ومكوناته ، وهذا ما تحمله صفة الرئيس وفق الظوابط القانونية والدستورية والدبلوماسية فيعتبر تصريح الرئيس إنحيازاً واضحاً لفئة دون أخرى  وخروجاً عن سياق الممثلية العامة لعموم الشعب ، وهو بهذا المقدار يعتبر إخلالاً بواجبات الرئاسة . التي لم تأت بإعتبار الرغبة الكردية وإنما أتت بإعتبار رغبة العراقيين جميعاً على أسس النظام البرلماني المعمول به في العراق ، والذي قلنا أنه غير مناسب
لشعب مثل العراق فانه يؤسس لمحاصصة مقيتة لن يستطيع العراق إستعادة عافيته في ظلها ، وقد قرأناها من خلال القانون الأساس الذي يشكل ركيزة أساسية للدستور المكتوب على أساس توافقات حزبية صرفة ومصالح كيانية لاعتبارات سياسية بحته بعيدة عن صفتها الوطنية ، وحياديتها الشعبية وها هو الدستور يتلاعب به المتلاعبون كل يفسره على ما يشتهيه ويدعي تطبيقه ، ذلك لانهم كتبوه محاصصة ، ودونّوه مجاملة فللجميع الحق في أن يصف فعله دستورياً وهو كذلك لكن دستورية المحاصصة والمجاملة لا دستورية الأمة وعموم الشعب ومستقبل البلد .
   
أن إستعادة العراق لموقعه ومكانته بين دول الأرض ، ودوره في السياسة الأقليمية والدولية أمر صعب جداً في مثل هذه الأنظمة الدستورية المعمول بها ، وسيجر العراق لمشاكل عديدة بدأت بوادرها تظهر في تصريحات الرئيس ، والحراك الحاصل في بعض المناطق التي وصفها وللأسف الإعلام بالمنازع عليها وكأننا في دولتين وقوميتين  ليحصل التنازع بينهما ولسنا دولة واحدة تحت أسم واحد وعلم واحد.
   
أن المناداة بتغيير الدستور لتصحيح الأخطاء ليس سهلاً كما يتصوره المنادون لذلك مع أن هذه المطالبات تشكل إنعكاساً لما واجهوه  من صعوبات في إداء عملهم .
   
وهو أيضاً ما نبهنا عنه قبل أكثر من أربع سنوات ، ذلك لان الذين تحققت لهم مكاسب كبيرة في ضوئه ، كما صرح الرئيس العراقي بذلك علناً في مؤتمر الحزب الذي ترأسه الرئيس جلال ، سوف لن يقبلوا بأي تغيير مزمع بالدستور وسيعملون جاهدين على العزف بأنه دستور منتخب من عموم الشعب ، مع أن الحقيقة خلافه ، فأن الذين حضروا للتصويت عنه لا يتجاوز نصف الذين يحق لهم التصويت ، وكان إمراره في ظرف صرح الكثيرون من السياسيين بأنه وبكل الأخطاء التي وقعت فيه كان يمثل مرحلة لابد من تجاوزها ، وقبوله لعبورها ، وأن ظروفاً مر بها البلد أقتضت إمراره ، وحين زالت تلك
الظروف ، فلا موجب لبقاء بعض بنوده .
     
وقد فاتهم أنه دستور دائم ولو ألتزموا بما قدمناه من دستور مؤقت لعولجت المشكلة بكل شفافية ووضوح ، بدون السجال الحاصل بين المستفيد وبين غير المستفيد من بعض بنوده .
     
أن الرئيس العراقي مقيد بالإلتزامات الدستورية التي تمنع تصريحاته بإتجاه الأكراد الذي ينتمي أليهم ، وهو بذلك يبدي إنحيازياً واضحاً ، مع أن إنحيازه ينبغي أن يكون للشعب ، وللدستور بدون مجاملة ، وإستمالة للناخبين في إنتخابات مجالس المحافظات لاقليم كردستان والذي نتوقع تجنيد الإمكانيات الحكومية للإقليم في حسمها لصالح الحزبين الكبيرين وأن كانت كل الإحتمالات قائمة كما حصلت أمور غير متوقعة في الإنتخابات السابقة للمحافظات الأخرى .
   
أن التصريح مسؤولية خطيرة على الرئيس وغيره من أعضاء الحكومة مراعاة كلماتهم ومواقيت تصريحاتهم وان أية هفوة قد تسبب مشكلة كبيرة لها تداعيات عظيمة يتحمل مسؤولياتها أمام الله والشعب والتاريخ المصرح وحده ، وسيواجه نتائج تصريحاته عاجلاً أم آجلاً .
     ((
أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً)) النساء 58..

ماذا يقصد ؟

تصريح وزير المالية بإن العراق ينوي الإقتراض من صندوق النقد الدولي مبلغاً قدره سبعة مليارت دولار لتغطية العجز بالميزانية ، بعد الهبوط الحاد لاسعار النفط  العالمية ، مما شكل تراجعاً حاداً لواردات النفط والموارد المالية التي يعتبر النفط المصدر الرئيس لها في العراق .
     
وبغض النظر  عن توقيت هذا التصريح إذ ربما يكون توقيته في هذا الوقت بالذات لاعتبارات سياسية لا حاجة لعرض قرائتها وبيان مشهدها ، ولكنما نكتفي بتحليل هذا التصريح من وجه النظر الإقتصادية الصرفة .
     
فإن الإقتراض من صندوق النقد الدولي لا يعني إلا ربط العراق بشروط وقيود هذا الصندوق الذي يدار من الدول العالمية والتي تدير عملية النقد والمال في العالم ، ومن الطبيعي فإن الإقتراض منها سيخضع لجملة إعتبارات أهمها ربط المقترض بقائمة من الشروط والقيود التي تسمح للصندوق بالتدخل والتلاعب في توجيه العملية الإقتصادية في البلد مما ينعكس سلباً على إداء الحكومة وإنجاز برامجها الإقتصادية ، وبالتبع السياسية ، وسيحدد حركة الحكومة بإتجاه الإنفاق الحكومي مما سيخلق أزمة حادة في البلد فيما بين الحكومة والشعب ، الذي إنتخبها وأوصلها الى
رئاسة الحكومة ، وإستأمنها على تحقيق متطابات الحياة المعيشية المتعارفه ومنها مجانية التعليم ، والصحة ، والحماية الإجتماعية ، وزيادة  أسعار النفط مشتقاته كما حصل بالأعوام السابقة ورفع الإنفاق الحكومي على قطاعات إجتماعية كبيرة .
     
وإذا كانت واردات النفط العراقية على ضوء الأسعار الحالية لا تفي بمتطلبات الموازنة العامة ، فأنه من الضروري أن يطلعنا المسؤولون الحكوميون على الواردات الضخمة للعراق في السنة السابقة حينما كان سعر النفط ثلاثة أضعاف سعره الحالي مما يعني فائضاً نقدياً كبيراً جداً ، قد حدده الوزير قبل ذلك بـ43 ملياراً ، بالإمكان أستخدام بعضه تدويراً لسد النقص الحاصل بالموازنة العامة الحكومية ، ومن ثم لا حاجة للإقتراض من المؤسسات المالية التي تعمل لمصالح الدول الكبرى ، على ما شهد تاريخ هذه المؤسسات .
   
ثم أين مصادر الطاقة الأخرى الذي ينبغي على الحكومة تنشيطها لتساهم بشكل فاعل في الموارد المالية والتي أهم نصيب فيها السياحة الدينية وفي هذا الوقت بالذات ، ناهيك عن تنشيط الزراعة وإعادة روح الحياة لزراعة العراق وتنظيم السياسة المائية ، فتنشيط قطاعات صناعية أخرى لتشكل بديلاً عن الإستيراد الذي يستنزف موارد مالية ضخمة تثقل كاهل الميزانية العامة .. .
   
ونحن الآن في السنة السادسة بعد سقوط النظام الدكتاتورية ، والمفروض أن البلد قد أستعاد جزءً كبيراً من عافيته وخصوصاً في إعادة اللحمة الوطنية ، وإعادة الأمن .
   
وأن الحكومة مطالبة بمحاسبة المفسدين والسراق للمال العام ورفع الحصانة أياً كان منهم فأن المال العام لا يخضع لصلاحيات المسؤول الحكومي ولا الذي فوقه ، فأنه من ممتلكات عموم الشعب ، ومن حقه حصراً أن يعفو وأن كان ذلك فرضاً بعيداً .
     
إن معالجة الإنفاق الحكومي دون معالجة الأسباب لهذا العجز الحكومي المالي أمر غير منطقي ولا يخدم البلد من الناحيتين الأقتصادية والسياسية ، وان الإستمرار في سياسة الإقتراض ، مع عدم المبرر لها ، ناهيك عن إستنزاف نسبة عالية من مصادر الدخل الوطني تذهب كرواتب للسلطات الثلاثة في البلد ، فقد قدرنا رواتب أعضاء مجلس النواب مع أعضاء الرئاسة ، ورئاسة الوزراء من دون ذكر  المستشارين الذين لايعرف عددهم بالضبط ، والوزراء مع وكلائهم ، بدون الإمتيازات الممنوحة لهم من مبالغ كبيرة لاعضاء المجلس لشراء قطع أراضي ، والسيارات الضخمة ، والإيفادات
وغيرها فبلغت أكثر من ثلاث مليارات دولار ، ولو أضيف لها مبالغ قطع الأراضي ، والسيارات الفخمة ، وأعضاء مجالس المحافظات والمحافظين مع نوابهم ، هذا كله بإستثناء منطقة كردستان ، وهي دولة بداخل دولة . لبلغت المبالغ الى أكثر من خمسة مليارات دولار ، كان بالإمكان تقليلها الى النصف على أقل تقدير وتوفير ما يعادل  2,5 مليار دولار بدلاً من طلب الصدقة على أبواب صندوق النقد الدولي.
   
ولو أضيف المحاسبة الجادة للمختلسين والمتلاعبين بالمال العام ، ربما يتوفر أكثر من عشرة مليارات دولار تضاف راجعةً الى الخزينة الوطنية .
   
أن القفز على معالجة الأسباب الحقيقية للعجز ومحاولة علاجه من الإقتراض يزيد في المشاكل البلد ويؤخر تعافيه الى مدة طويلة لا يعلمها إلا الله . وبالتالي سيكون إندفاعنا للعلاج إرجاعاً للتراجع وتكريساً للمشاكل .

استفتاء

سماحة الشيخ الفقيه قاسم الطائي ( دام ظله)

إن ما ترشح من نتائج قضية اعتقال وزير التجارة ومجموعة من موظفيه على خلفية تقارير أفادت أن هناك اتفاقيات تجارية لاستيراد مواد غذائية لسد مفردات الحصة التموينية لأبناء الشعب العراقي والتي أكدت التحاليل المختبرية التي قامت بها لجان الرقابة الصحية وخصوصاً في دائرة صحة السماوة وظهور النتائج المؤكدة بأن عدة مواد غذائية مستوردة منها الشاي والسكر وحليب الأطفال والطحين تحتوي على مواد تالفة ومنها مسرطنة تعتبر السبب الرئيسي لأمراض وسرطان القولون ، وبعد إجراء محاولات يائسة من قبل جهات مجهولة ظاهراً وأخرى معلومة لغرض إخفاء الحقائق
من خلال ضغوطات سياسية ووجهاتية لمنع ظهور هذه النتائج ، وبعد إخفاقها بذلك عمدت مجموعة من الأشخاص المجهولين إلى محاولة إحراق المخازن الحاوية على مادة حليب الأطفال الفاسد والكائنة في محافظة المثنى بعد إغلاقها بالشمع الأحمر لثبوت فساد هذه البضاعة محاولة منهم لتغيير مسار القضية ومحاولة التخلص منها ومن تبعاتها القانونية .
شيخنا الجليل نأمل من سماحتكم إبداء النظر الفقهي بخصوص هذه القضية وكيف تقيّمون الحال الذي وصلت إليه .
                                                                                                                            
خادمكم
      السيد حسين الحسيني

      13جمادي الآخر 1430 هـ



  بسمه تعالى :
      في ظل ظروف البلد الحالية تنشط عمليات السرقة والاختلاس للمال العام وبطرق شتى ووسائل متعددة غير خافية علينا لخبرتنا في دوائر الدولة سابقاً واستقصاؤنا لكافة الوسائل التي يستغل فيها الموظف والمسؤول موقعه الوظيفي لتمريرها .
     
ولكن في ظل انعدام المحاسبة الدستورية والبرلمانية للمسؤولين الحكوميين فإن عمليات النهب للمال العام تتوسع وتتنوع ، ولا يقف جشع المفلسين عند حدود معقولة فراحوا يتاجرون بقوت البلد المستضعف وبأبسط مفردات بطاقته التموينية التي أكلتها وزارة التجارة الموقرة بوزيرها الملتحي ، وظاهره يحرم حلق اللحية ولكن سرقة المليارات والإعانة على سرقتها ليست محرمة عندهم ، وهذا لعمرك من العجب .
     
وتأكيداً للمعلومات المذكورة في السؤال فإن تجربتي الشخصية تؤكد ذلك فإن أعراضاً مؤلمة يتعرض لها جهازي الهضمي عند احتساء الشاي خصوصاً في فترة ما بعد الظهيرة ، من تهيج واضح للقالون واضطراب في الجهاز الهضمي وآلام في أعلى البطن تظهر كلما تناولت قدح الشاي في الوقت المذكور ، ولم يكن لهذه الأعراض من ظهور قبل ذلك ، فهي عارضة حديثة .
     
ومن هنا فإننا ننصح إخواننا من أبناء هذا الشعب المسكين الذي تكالبت عليه الأمم تكالب الأكلة على القصعة – كما يعبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) – وإنه يتعرض لأكبر سرقة ، لم يشهدها تاريخ الشعوب والأمم ، وعليه فإن واجب الحكومة يكون مضاعفاً ومسؤولياتها خطيرة في محاسبة المفسدين والسرّاق ، مهما كانت انتماءاتهم وعناوينهم ، فإن السرقة تتجاوز حدودها بما يسع كل العراقيين من أموالهم وصحتهم ، وعليها أن تستفيد من قضية الشعلان ، والسامرائي الوزيرين السابقين الذين فلتوا من العقاب في اكبر عملية اختلاس يتعرض لها شعب في الأرض .
     
وعلى إخواننا بعدم تناول الشاي الموزع عبر البطاقة التموينية والإسراع في تلفه ، وكذا الحليب الموزع لهذه الأشهر الحالية والمنصرمة ، ورفع دعاوى قضائية ضد وزارة التجارة بعد التأكد من نتائج الفحوصات المذكورة وإن كانت هي مؤكدة ، فإن الطبخات السياسية والمحاصصات الحزبية قد تفتح الطريق لإفلات الوزير من العقوبة ، لتبقى دعاوى المواطنين جارية .
     
ولتضييق الطريق على الوزارة في أدائها ننصح بتوزيع نماذج من المادتين المذكورتين في السؤال تجنباً لتعرض المخازن إلى الحرق والإتلاف توضع هذه النماذج عند ثقات بعد تثبيتها والإشهاد عليها وختمها بختم مسؤولي المخازن عند عدد من الأشخاص الموثوقين لا يقل عن خمسة بعد تصويرها وتوثيقها .
     
هذا وقد قلنا في ما سبق أن تفعيل قانون العقوبات وتنشيط القضاء في مثل هذه القضايا أمر ضروري لمعافاة البلد والحد من نهب ثرواته وأمواله تحت عناوين ومسميات عديدة .. وقد توصلنا بأن أموال الدولة ليست تحت عنوان مجهول المالك ليستغله أصحاب النفوس المريضة إشباعاً لنزواتهم في السرقة للمال العام .
     
كما أفتينا بحرمة ما يسمى ( القمسيون ) الذي يعطى لبعض من يبرم العقود المعمولة مع الشركات الأجنبية .
     
ثم على الحكومة أن ترفع قضايا دولية معنونة بجرائم الإبادة البشرية ضد الشركات المصدرة لهذه المواد لأي بلد كانت لتترجم ممثليتها بصدق للشعب العراقي ، ويعتبر البرلمان المسؤول الأول عن ذلك فعليه الضغط على الحكومة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة.
     
ثم تشكيل لجنة من مختلف الوزارات ومؤسسات الرقابة في إبرام أي عقد مع أية جهة تورد المواد الغذائية للبلد .
     
إن الجميع مطالبون بالحماية لأنفسهم ومجتمعهم وبلدهم من واقع ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .

قاسم الطائي                 
13
جمادي الآخر 1430 هـ       
7/6/2006 
م               

سلمان بن فهد – من تكون ؟

    عنوان كبير يحمل شهادة دكتور والظاهر منها أنه دكتور في العلوم الإسلامية وهو يصرخ بأعلى صوته متباكياً على إنتشار مذهب (الشيعة) في الأوساط السنية ، وموصفاً التشيع بالتشيع الإيراني وأنه ذو دوافع سياسية ، كمقدمة لدوافع عقدية ، وإن طرق إنتشاره ملتوية بإستخدام المال لدعوة الناس لإعتناق المذهب – ثم ختم قوله أن هذه الظاهرة خطيرة ، وأن أهل السنة هم الأغلبية المطلقة. وسنسلّم معه بوصفه بالدكتور من باب الجدل بالتي هي أحسن التي أوصانا القرآن بها .
     
وقبل رد ما سرده نقدم بعض النقاط من باب التمهيد :ـ
     
النقطة الأولى :ـ إن المسألة متجذرة في التاريخ الإسلامي وقد كانت على طول التاريخ منذ رحيل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) إلى الآن موضع رد وجدل يدور بين تصحيح بعض السلوكيات لمجرد التصاحب ولو بالزمان القصير مع حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأن لقاءً واحداً قد يوصَف الشخص بسببه بالصحبة وهي العاصمة في نظر الدكتور للمعاصر له .
     
والبحث في هذه النقطة قليل الجدوى وأنها طرأت على سطح التأريخ بفعل الأسلوب الأموي الذي أبتدعه معاوية لتبرير كل مظالمه التي كفّره لأجلها بعض علماء العامة المنصفين – ولو كانت الصحبة تعني الكرامة والمنزلة الرفيعة ، بل والعصمة بدرجة لكان صاحبيّ يوسف (عليه السلام) كذلك ، والقرآن يدفعها وهم دائماً يطلبون الدليل القرآني  .
     
النقطة الثانية :ـ إن أهل الطائفة أياً كانت لا يمكن تركيب رأي البعض منهم على المجموع ، فإذا ظهر قول من بعض علماء هذا المذهب أو ذاك فأنه لا يعني أن رأي أهل ذلك المذهب كله ، وإلا خالفنا القرآن في نصه ((لاتزر وازرة وزر أخرى)) ـ الآية164 الأنعام ـ ..
     
النقطة الثالثة :ـ إن طائفة الشيعة لا تسلّم بأن كل الأحاديث بما في الكتب المعتبرة الأربعة أنها صحيحة بخلاف أهل العامة فأنهم يقولون صحيح البخاري ومسلم .. إلى ستة ، أي أن كل ماورد فيها صحيح بلا مناقشة ومعنى ذلك عصمة هذه الكتب في ما تنقله من أحاديث ، أي صحة صدورها مع إختلاف آخر أن نهاية سلسلة سند أحاديثهم إلى بعض الصحابة غالباً وإنتهاء سند أحاديث الشيعة إلى المعصوم النبي (صلى الله عليه وآله)أو الإمام (عليه السلام) .
     
النقطة الرابعة :ـ أعتقد أن من له أدنى معرفة بالتاريخ يكشف لا محالة أن التشيع تمحور كإتجاه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) لقوله لعلي (أنت وشيعتك في الجنة) مضموناً فإطلاق اللفظ كان في زمانه (صلى الله عليه وآله) ثم تمركز في عاصمة الخلافة بالكوفة . وأنتشر منه إلى أصقاع الأرض ، ومنها إيران ، وعليه فالتشيع لا يوصف بالإيراني أو غيره وإلا لوصف التسنن كذلك ، فتسنن مصري وتسنن سعودي .. وهكذا ، حفاظاً على روح التسنن ومن هنا فإن التوصيف منشأه دوافع أخرى ، خرجت من فم الدكتور من حيث لا يشعر .
     
النقطة الخامسة :ـ إن الخلاف بين الشيعة وغيرهم جذري في بعض أصوله وفروعه ، ولكن نقاط الإشتراك والوفاق كبيرة وجليلة ، وهي تغطي كل مساحة الإسلام إلا في بعض ما ذكر . ونحن لا نقفز على وجود هذا الخلاف  ولكننا لا نثيره في هذا الوقت الذي فيه يتحرك العالم ليتلاحم بين شعوبه وأممه مع إختلافها الجذري في كل شيء إلا بشريعة قد غطت مساحتها يد التحريف .
     
وبعد هذه النقاط التمهيدية ننظر في كلام الدكتور ، على فرض أن رسالة الدكتوراه تعطي صاحبها موقعاً متميزاً في قبول كلامه ، وطرحه ، شريطة أن تكون الشهادة معززة بإطار ثقافي واسع وخلق إجتماعي نبيل وأقصد بالخلق الإجتماعي هو التعامل مع المكونات الأخرى من منظار معرفي فقط ، وليس من منظار تعصبي مقيت ، الذي يفسد أكثر مما يصلح ، والعالم في هلع شديد يشد بعضه بعضاً ليواجه أزماته بقوة وحسم ، وهذا مؤسف جداً أن يكون غير المسلمين على وعي من قضية الوحدة والتواحد ، وأن نكون نحن المسلمون على وعي من التربص ببعضنا البعض تعصباً وحقداً ، والقرآن يصرح ((
يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا وأتقوا الله لعلكم تفلحون )) ـ الآية200آل عمران ـ .
     
التباكي على مذهب التشيع … كان الأولى بالدكتور أن يتباكى على إنتشار القيم الغربية في المجتمعات الإسلامية التي تعني تغريب هذه المجتمعات وسلخها عن هويتها الإسلامية وإبتعادها عن تاريخها وحضارتها وأما أن يتباكى على إنتشار التشيع في الأوساط السنية ، فإن ذلك يستبطن الإساءة للمذهبين معاً ، فمذهب التشيع بنظره غير صحيح وإلا لو كان صحيحاً فلا معنى للتباكي على إنتشاره ، ومذهبه ضعيف في نظره لا يملك الحجة الداحضة والقوية والإرتكاز الصلب في نفوس معتنقيه ليمنع من إنتشار مذهب التشيع .
     
ومع النظر الى النقطة الأولى سيظهر خلل معلوماته في الجذر التاريخي للتشيع وأنه ضارب في العمق ومنذ حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأنه عربي خالص لا يمكن توصيفه بعصبية أو بقومية مهما كانت فضلاً عن تأخر دخولها في الإسلام وتدينها بمذهب التشيع ، فوصف التشيع بالإيراني غير صحيح لا تاريخياً ولا جغرافياً
     
وأما كونه ذو دوافع سياسية ، فإن الحوار القائم بين المسلمين أفراداً وجماعات وهو ذو طوابع متعددة تارة يأخذ طابع الجدل والمماراة ، وكل مقتنع بما عنده ويكيل التهم إلى الآخر ، وأخرى يأخذ طابع الجدل بالتي هي أحسن ، وبيان موضع الحق في المسألة كما حصل بين فريقين من علماء الطائفتين في مصر وغيرها ، ومع هذا الحراك والجدل قد يتحول بعض السنة إلى الشيعة وقد يحصل العكس ، وكلما كان الأداء متقارباً للطرح الإسلامي وكانت النتائج جيدة على صعيد العمل الإجتماعي والسياسي كان إقناع صاحب المذهب أقوى وتأثيره أعمق ، وربما هذا ما حصل بالضبط في مسألة
الإنتشار فبعد النجاحات التي حققها مذهب التشيع في إيران الإسلام عالياً وتأكيد قوته في مواجهة الظلم والطغيان وإحترامه للإنسان مع الإختلاف في المذهب بل والشريعة ، وتأسيسه دولة إسلامية في العصر الحديث وإنجازه إنتصاراً على الصهاينة  بعد عجز كل جيوش العرب والمسلمين في حروب طاحنة من إلحاق الهزيمة بهم ، فهذه وغيرها قد تعزز من القناعات وتزيد من قوة التأثر وترفع نسبة التأثير .
       
وأما إن طرق إنتشاره ملتوية فهي دعوة يكذبها الواقع ويدفعها الوجدان لأنه على طول التأريخ لم يستخدم مثل هذه الوسائل وإذا أستخدمت فهي تستخدم لتتميم ضعف صاحب الدعوى وسوء حجته .
       
وإما من كانت حجته قوية ، وموقفه صلب من معتقده ومذهبه ، وإنه مهما تعرض لضغوط نفسية أو أمنية أو إرهابية لمجرد تلبسه بهذا المذهب فهو في غنى عن إستخدام المال لنشر دعوته ، هذا إذا كانت هناك فعلاً دعوة لنشر المذهب ، وأننا نعتقد أنه لا توجد مثل هذه الدعوى بقدر ما يوجد ناس يتدينون بمذهب التشيع وعلى مستوى عالٍ من الوعي الديني ، والعمق الفكري مصحوباً بأخلاق مميزة فإن إقناعهم للآخرين إنما يكون بالممارسة السلوكية الحسنةالتي يستشعرها منهم الآخرون فيحاولون تقليدهم ومتابعتهم وإقتناص هوية مذهبهم ، بلا حاجة لدعوة علنية يردفها المال .
     
وعلى الدكتور أن يدلنا بشكل قاطع عن مثل هذه الدعوات وأين حصلت ومن يدعمها ومن يهيء لها بالرغم من أن موقع إنتشارها سني المذهب وهو حكومة وشعباً يمنع ذلك أو على الأقل لا يسمح بها ويعرقلها وإذا لم يكتف بهذا وذاك فيوجه إدانة للقائمين عليها، كما وجه كلام الدكتور إدانته للمذهب عموماً .
     
وإما كونها ظاهرة خطيرة فليست كذلك إلا على منطق قرآني مرفوض (( إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)) ـ الآية23 الزخرف ـ . من ذم من يقلد الأسلاف لمجرد كونهم أسلاف قد كانت لهم ظروفهم وملابساتهم في إتخاذ موقف معين أو التمذهب لمذهب ما .
     ٍ 
أو يعتمد على مذهب الكثرة ، وقد غالطه القرآن بقوله ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة )) ـ  الآية249 البقرة ـ  . (( قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده )) ـ 249 البقرة ـ .
     
بل الخطورة يا دكتور هو أن تصر على ما ليس مدعوماً بقوة الحجة ودعامة البرهان ويكون إصرارك تعصباً لاغير والأولى أن تتعصب للإسلام فهو فوق المذهب .
     
هذه الصرخات أولى أن توجه لنصرة المظلومين من المسلمين في غزة والعراق وأفغانستان وباكستان والبوسنة والهرسك وغيرها .

قاسم الطائي

9 جمادي1 /1430هـ

5 / 5 / 2009 



هل من جديد؟

     في قراءة سريعة لما تضمنه الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة يوم الخميس المصادف2009/6/4 وقد حاول الرئيس أن يقدم صورة جديدة للسياسة الأمريكية وكيفية تعاملها مع ملفات الساحة العالمية والشرق أوسطيه تختلف عن أسلافه من الرؤساء السابقين . وما يهمنا فيما تعرض له .. الملف الفلسطيني .. والإيراني .. حق الشعوب .. والعراق ..
     
القضية الفلسطينية حاول بعد أن قدم مقدمة مفادها أن التحالف الأمريكي – اليهودي – قوي ولا يقبل التغيير وبهذا قطع على نفسه طريق إدانة الكيان الصهيوني وتوصيفه بالكيان المعتدي الغاصب ، ومن هنا لم يتعرض للقصف الوحشي البربري الذي لاقاه الفلسطينيين في غزة عندما أتت الآلة العسكرية الصهيونية على تدمير كل شيء حتى أبنية الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة ، نعم عرج بشكل مخجل على حماس ولم يصفها بالمنظمة الأرهابية كما دأب سلفه بوش الأبن ، وقد حثها على الرجوع الى الصف الوطني الفلسطيني .. وقد إرتكب خطأ بعد أن جاءت حماس بطريق شرعي ديمقراطي
ما أنفكت والإدارات الأمريكية تعلن إرادة نشرها في العالم ، مع تراجع في خطاب أوباما بأنه لا يمكن فرض نظام ما على شعب آخر ولو بالقوة العسكرية . ولم يتأسف للشعب الفلسطيني والحصار المضروب عليه ، ولم يشر الى ضرورة فتح المعابر ، وإجماع شعوب الأرض على إدانة الهجمة الوحشية الإرهابية اليهودية .
   
بل راح يطمئن اليهود ويظهر من أن حقه العيش في بلدهم كدولة ، ولم يجرؤ على تسميتها غاصبة والتف حول حقائق التاريخ ، في تمثيل مغلوط ، بأن على الفلسطينيين أن يستفيدوا من تجربة السود في أمريكا الذين حصلوا على حقوقهم ، فجعل الأصل اليهود والإستثناء الفلسطينيين – وليته مثل بالهنود الحمر في أمريكا الذين اكلتهم الخلطة الأمريكية من شعوب الأرض المختلفة ، والأمر يوحي بأنه جاهل الكيان الصهيوني في ذلك إذ مجرد الإشارة الى الهنود الحمر فأنها تحمل إدانة الى الكيان والى بلده في الأصل .
   
ثم أنه لم يحدد متى ينبغي تأسيس الدولة الفلسطينية التي أعلن الرئيس السابق في حملته الإنتخابية أن عام2005 المنصرم سيشهد ولادة الدولة الفلسطينية ، وها نحن في2009 ولم نشهد إلا أكاذيب وأباطيل صارت سمة للإدارات الأمريكية . كما أجمل في تحديد الموقع الجغرافي للدولة الفلسطينية وأنه على أساس حدود48 أو67 وما هو مصير اللاجئين ، والقدس .
   
وقد أضطر ان يبني إتزانه في معادلة لا تقبل التسوية ما بين حق الفلسطينيين في وطنهم وحق مدعى لليهود في أرض غيرهم ، حتى أن مطالبته بوقف المستوطنات يخضع للتفسيرات اليهودية من إستمرار ما هو مشيد والتوقف لما هو غير مشيد وفي كلتا الحالتين هو أكل من الأرض الفلسطينية على ما تضمنته قرارات مجلس الأمن بشأن فلسطين . وفي كلامه عن فلسطين فهو مصداق لقول الشاعر (( يطريك من طرف اللسان حلاوة …))
وإما ايران : فلم يظهر من خطابه سلامة برنامجها النووي وأنه مهيأ للأغراض السلمية وتوفير الطاقة ، وقد مزح في أثناء كلامه بضرورة أن يكون العالم خالياً من الأسلحة النووية ، فهل يستطيع تجسيدها في بلده أمريكا لتكون الدولة الرائدة في هذا الإتجاه ؟ وهل صرح بما في كيان الدولة اليهودية من ترسانة قوية بالأسلحة النووية تشكل مصدر تهديد لمعظم دول الأرض ؟ أولها دول الشرق الأوسط ، والدول العربية ، بل لم يتجرأ أن يشير ولو إشارة الى مخزونها من الأسلحة التدميرية التي الولايات المتحدة رافدها الرئيسي من ذلك .
     
كان الأجدر بالرئيس الأمريكي من هذه الفقرة وما يتعلق بايران وفقرات أخرى تطرق لها كالتنمية أن يلقيه أمام المنتدى الإقتصادي العالمي ، أمام رؤساء الدول الرأسمالية الإحتكارية ، ولكن آثر توجيهه الى الطرف الأضعف الذي لا حول ولا قوة له في هذه القضايا .
     
وأما العراق : فقد كذبت الحقائق الميدانية والسياسية كلامه عندما قال بأن العراق وأمريكا شريكان ، ولم يعرف وجه شراكتهما ، وفي أي شيء ، نعم في شيء واحد هو ما تسميه الإدارة الأمريكية (الأرهاب) ولم يسميه إلا بالعنف ، ونحن نعلم أن إدارته تملك الملف الأمني وترتب العديد من الأوراق السياسية في العراق ، ولو كان صادقاً لقدم الوزير السابق للكهرباء المدان بعمليات سرقة ونهب للأموال العامة الى العراق ، وقد هربته قواته  المحتلة للعراق ولأرجع آلاف الأطنان من الزئبق الذي يسرق جهاراً من العراق ، ومن العمارة بالذات ، ناهيك عن اليورانيوم وغيره من
المعادن التي لا تقدر بثمن . ولإطلق الودائع المجمدة في بلده للعراق ، وساعد على أصفاء ديونه مع الكويت والتي نعتقد جازمين أنها مبالغ فيها كثيراً ، فأن صغر منطقة الكويت في وقت الحرب وعدم أتيان القوات العراقية على تدمير كل شيء ، يجعل التقديرات للخسائر لا يتجاوز الـ(15) مليار دولار واما ان تصل الى ( 70) مليار فهذا ذبح للشعب العراقي وثرواته من القفا .
     
وإذا حاول البعض إضافة الفوائد المترتبة على ذلك كان الجواب أنها ليست قرضاً مبرماً ليترتب عليه ذلك ، كما أن العراق مقيد بقرارات دولية لم تسمح له بالتصرف في موارده النفطية وبالتالي من قرر التعويض كان المسبب من حيلولة العراق بسداد ديونه : فكيف يحمله ما لايقدر ؟!  .
     
ولم يساعد العراق أيضاً على ما تقوم به تركيا ، من قصف لشمال العراق ، ولم يضبط إيقاع بعض القوى المتبجحة بعلاقتها مع أمريكا في تحقيق مكاسب أقليمية على حساب الشعب العراقي ، كما لم تضغط إدارته على الكويت لترسيم الحدود ، والحد من نهب بعض ثروات العراق النفطية في المنطقة المشتركة والتي كانت هي السبب في غزو الكويت .
     
وأما حق الشعوب في العيش بسلام وحرية :
   
فأول ما تواجه الرئيس مصير الشعب الهندي أصحاب الأرض الأصليين لبلاده – أمريكا – فلم يبق لهم من أسم ولا رسم في بلد الحريات وتقرير المصير !! .
     
وقد أدركت الإدارة الأمريكية أن فرض الديمقراطية بالسلاح وعن طريق إحتلال الدول ، أمر مرفوض عالمياً ولا يجر على الولايات المتحدة غير مزيد من العداء ، والإستعداء ، وأنه سيستنزف طاقاتها وقدراتها وحياة أبنائها في تثبيت ما يسمونه بالنظام العالمي الجديد القائم على أساس ديمقراطي ولكن على المقياس الأمريكي لا غير .
   
أن خطاب الرئيس هو محاولة لتلميع صورة أمريكا أمام العالمين الأسلامي والعربي والتي ساءت كثيراً ولم تنجح محاولات التدليس والغش الأعلامي لتمرير الحقيقة على الشعوب ، وربما كان الإنتصار الذي حققته المعارضة اللبنانية في جنوبه ، والفلسطينية في غزة ، مربط لفرس الإدارة الجديدة بعد أن وجدت أن قوتها مهما تعاظمت تبقى صغيرة أمام إرادة الشعوب وحقها أن تنظم وضعها على الطريقة الملائمة لها بعيداً عن إملاءات الإدارة الأمريكية ، ووسائل التخويف والضغط الصهيونية .
   
وقد يكون الخطاب تطمين بصورة جديدة قد تسفر عن نفسها في المستقبل القريب بعد أن لم تنجح شعارات نشر بديمقراطية ، وحقوق الإنسان في العالم بالزي الأمريكي.