غرابة هذه الحياة تكمن في أمرين هما: عدم دوامها وتداولها- وتلك الأيام نداولها بين الناس وهي بهذا الأمر متغيرة متبدلة لا تصف لأحد ولا تستقيم لشخص أو جهة أو دولة وتاريخ الشعوب والأمم يصدقه، وربما يؤيده أو يدل عليه قوله تعالى ((الله الذي خلقكم مننن ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة)). يستوي في هذا الأفراد والدول والمتتبع لتواريخها يذعن بهذه النتيجة.     والامر الآخر: هو غرابة المواقف وتبدل القناعات ان قلنا انه تبدل ينم عن اختيار وإلا فهو الجاء يعبر عن مغلوبيه في اتخاذ القرار وتبعية في نسج الموقف، وأهل السياسة وصناعها يقولون ليست هنا مواقف دائمة وإنما مصالح دائمة وان اختلفت المواقف وتبدلت التحالفات، فصديق الأمس عدو اليوم والعكس صحيح.     وعالمنا اليوم يتحرك وفق الإيحاء الأمريكي ويقلد ويحاكي مقولاتها وتصريحاتها ويبنى ما تعلنه وتصدره وسائلها الإعلامية من وجهات نظر الإدارة وتصوراتها.   ومفردة الديمقراطية ونشرها في ربوع المعمورة هي المقولة الأمريكية الأكثر تحمسا والاوسع تداولا بل وتفاعلا شعوبا وحكومات، وإذا كانت الشعوب محقة في سعيها وتحمسها فذلك من حقها بعد ان سأمت الظلم والاضطهاد والاستبداد والاستعباد من قبل أنظمتها وحكوماتها، ولكن ما بال الحكومات؟! تنسج على نفس النغمة وتهرول مسرعة لاستصدار التشريعات المناسبة للقيام بتحول ديمقراطي في انظمة حكمها، هل هو الاسترضاء لامريكا او هو القناعة التي وصلت إليها بأن غياب الامة عن الحكم وتقرير المصير هي حركة تسير بعكس تيار حركة الحياة؟     او ان ما حصل لأنظمة دكتاتورية -كالنظام الصدامي قد نبهها لتعتبر به وتمنع عن نفسها السقوط المخزي والنهاية التاريخية المذلة التي آل إليها النظام البغدادي المقبور إلا ان في الأمر تحيرين..أولهما: ان هذا الضجيج الاعلامي والسياسي والعسكري لنشر الديمقراطية أليس هو تصدير لوجهة نظر معمول بها في كثير من دول الأرض وأولها الدول الكبرى او العظمى، ومن حق الشعوب أن تتفحص هذا النظام وتتحرى إمكانية تطبيقه في بلدانها بعد ان تجده محققا لآمال وطموحات أبنائها في العيش بحرية وكرامة، ولكنه ليس من حق الدول التي طبقته وسارت على نهجه عشرات السنين ان تفرضه على الآخرين تصريحاً أو تلويحاً كما نسمعه من تصريحات المسؤولين الغربيين..     ولكن حينما قامت الثورة الإسلامية في إيران وكان من حق الشعوب الاسلامية ان تتفحصه لتعرف مدى ما يحقق لها من انجازات وقفت حكومات الدول الغربية وتابعتها حكومات الدول العربية بشن حملات شملت كل الأصعدة وعلى كل المستويات لمنع ما حقق لشعبه الكرامة والحرية والإبداع، فهل يختلف تصديرهم الديمقراطي عن ذلك التصدير الاسلامي؟!     أو ان حكومات الخيار الديمقراطي لا تريد إلا نموذجها الديمقراطي دون سواه وبالتالي فهي تنسف الديمقراطية بوسيلة الديمقراطية أليس من حق الشعب الإيراني اختيار نظام حكمه؟ وقد اختار ما يراه مناسبا.ثانيهما: مع كل الضجيج والتصعيد لنشر الأفكار الأمريكية والديمقراطية يلاحظ ان تلويحاتها وتصريحاتها لا تمتد الى الأردن وهو نظام غير مقبول بلغة هذا العصر ومعطياته، ألم يكن غريبا غض النظر عنه، أم ان المبادرة التي اطلقها جلالة الملك عبد الله بما سماه تباكيا على الشعب العراقي ووحدته، وتراثه، بالهلال الشيعي الممتد ما بين إيران والعراق وسوريا ولبنان، وقد يعكس بهذا التصريح ان اتفاقا مبرما ما بينه وبين الادارة الأمريكية ترجمه سعيها في الضغط على إيران وسوريا وتسريع الاحداث في لبنان عقيب اغتيال الحريري.     والاخبار المتحصلة تشير الى ان معظم العمليات الارهابية في العراق وغيره من دول المنطقة من تصميم المتشددين -من اهل التكفير- الاردنيين وأبو مصعب الزرقاوي على رأس قائمتهم. والعملية الارهابية التي نفذها في الحلة المجرم القابع في أسفل درك من الجحيم. وإغماض النظر المتعمد من الحكومة الأردنية في إدانة العملية أو إدانة ومحاسبة ذوي من أصبح من حطب جهنم عند احتفالهم وتلقيهم التبريكات للفعل الاجرامي المنجز من قبل ولدهم أكبر دلالة واضحة على تبني الارهاب ولو سكوتا من قبل أهل السلطة في الأردن. وكل هذا وزيادة يقع أمام أنظار إدارة بوش، وهي تغمض اعينها عن رؤية الحدث وتسجل موقفا آخر بمكيال جديد عن ما تسميه حملتها ضد الارهاب وتعطي لنفسها الحق في ضرب الدول واحتلالها واستقباقها بضربة وقائية حماية للشعب والمصالح الأمريكية، والمدعو الزرقاوي يرتكب عشرات الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي وضد قواتها المحتلة وهي لا ترد جواباً، فيا ترى لم هذا الاغماض، ربما هو تخصيص -بلغة أهل الأصول والفقه- لقاعدتها العامة من مكافحة الارهاب -الارعاب- ونشر الديمقراطية على الطريقة المثلى لديها والغريب كما بدأ به الحديث ان التخصيص يحتاج لمبرر لم تقدمه الإدارة الأمريكية لأصدقائها في المنطقة؟

                                                                                                    قاسم الطائي

                                                                                               16 صفر الخير1426