الوقوف مع سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام ) يتطلب مؤهلات خاصة كان الامام (عليه السلام ) قد تمثلها احسن تمثيل وعكسها بأبهى صورة فأستحق عن جدارة لقب سيد الشهداء ، وقتيل العبرة ، ولا يكون الوقوف معه صادقاً ومؤثراً على صعيد الدنيا والآخرة إلا بها على حسب اقتدار الفرد ومقدار تفاعله مع الحسين وممارسة الشعائر – بدون استحضار هذه المؤهلات وتكريسها عملاً وواقعاً بل وممارسة حياتية تتعدى عشرة عاشوراء وموقعها من الزمن لتمتد شاملة كل الازمنة والأمكنة – لا تكون بالمستوى الذي يريده المعصومون ( عليهم السلام ) عندما أكدوا بعشرات بل بمئات الاخبار على أهمية احياء الذكرى وتفعيل وجودها في الحياة الاجتماعية ، انما ذلك لعمق أثرها في صيانة الشريعة وحفظ الرسالة من الاندراس والتشويه ، ولولاها لما كانت الشرعية والعقائد الاسلامية الصحيحة لها من وجود مطابق لواقعها بل لتبدلت وتحولت الى ممارسات لا تمت بصلة الى اصل الاسلام وروح الشريعة .
فالذكرى الحسينية كانت بمنزلة الهزات المستمرة التي ترجع الناس الى دينها وعقائدها بعد ان تؤخذهم الدنيا بعيداً عن طريق الله وخط طاعته وقد شاهدت ولمست بأم عيني الفارق الكبير بين التزام المحبين لأهل البيت ( عليهم السلام ) وبين التزام غيرهم في اداء شعائر الحج وممارسة مناسكه ، فرقاً واضحاً جلياً ارجعت سببه الى التزام الموالين باحياء الشعائر الحسينية وارتباطهم بعلماء الدين ومراجع الامة الذين يؤكدون على الدوام على الالتزام بممارسة هذه الشعائر وادائها .
ما هذه المؤهلات التي بسببها استحق الامام (عليه السلام ) هذه المكرمات الربانية وهذه الخصائص العظيمة والمقامات الرفيعة ، لنتمثلها فنكون من الواقفين معه شكلاً ومضموناً ؟ ولنذكر بعضها ممنا سهل مأخذه وأمكن التلبس به .
المؤهل الاول :- التضحية من اجل الاسلام وان غلت فان ما من شيء يعادل الاسلام وضرورة صيانته من الدس والتشويش كما حاولت بني امية ذلك ولولا ما قدمه الامام الحسين (عليه السلام ) لأتت افاعيلها على تغيير كل ما جاء به الرسول العظيم محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
وما قدمه الحسين في هذا الصدد لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق .
ولسنا مطالبين بالمستوى الذي قدمه من التضحية بل بمقدار ما نستطيعه ، واوسع ما نستطيعه جميعاً هو التضحية بشيء من الجهد وقليل من التعب – امراً بالمعروف ونهياً عن المنكر الذي غطى كل جوانب حياتنا فلا نرى لها جانباً الا وسيده المنكر وغائبه المعروف حتى اصبح الدين اداة ووسيلة الى الدنيا فكانت بعض الممارسات تتشبث بالدين لتبرير انحرافها واستمرار تمييعها للقيم والاخلاق ونهبها وللمال العام .
ولا يمكن للدين ان يستمر وللحياة ان تسمو الى مستوى الرسالة الا بفريضة الامر مؤكدة بعشرات الروايات الصحيحة عن اهل بيت العصمة منها على سبيل المثال لا الحصر – مضموناً : (( ما عبد الله بشيء افضل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر )) ، وهو الوسيلة التي اتخذها الامام الحسين (عليه السلام ) عندما حدد هدفه من الخروج (( بطلب الاصلاح في امة جدي ….. )) .
ولا سبب للتقاعس عن هذه الفريضة الا البخل عن قليل من التضحية التي يجب ان نتصف بها لنحوز الوقوف مع الحسين .
فان قلت – اننا نبكي على الحسين (عليه السلام ) لنكون معه وفي اهمية البكاء روايات عديدة .
قلت :- البكاء مطلوب لغيره لا لنفسه مطلوب طريقاً للتقرب من شخصية الحسين والتفاعل معها قلبياً ونفسياً لنتهيء لممارسة اعمالها العظيمة ومنها التضحية .
المؤهل الثاني :- الغيره – التي كانت ملازمة لنا في السابق – لم تعد الا ذكرى تمر على اذهاننا متأسفين على فوتها وإقبارها ، فلا أثر لها بالنسبة الى النفس ، ولا بالنسبة الى الاهل والمنطقة ولا بالنسبة الى الدين والمذهب ولا بالنسبة الى الوطن والبلد (( وحب الاوطان من الايمان )) – وملحمة عاشوراء مليئة بمواقف من اسمى مواقف الغيره وأنبلها والكل يترنم بها ويرددها ولكنه عندما يقبل امامه مظلوم او يسفك دم بريء او يعتدى على امامه او ترتكب جناية على جاره او يتجاوز على حقوق صديقه ساكتاً سكوت اهل القبور ، فأين الغيره التي كنا ننجد بها ونستنجد بها في ايامنا السابقة عندما يشب حريق في دار جار او يعبر لص على دار !!
والادهى والأمرّ عندما يعتدى على شرف معتقل او تداس كرامة شيخ كبير او تفتيش امرأة من قبل الاجنبي !!
المؤهل الثالث :- العمل لما بعد الدنيا – للآخرة – والافضل العمل لله وكلما ابتعد الهدف كان العمل اسمى واخلص واكثر تأثيراً واوسع تدبيراً ، فمن رام الدنيا قد يحصلها وقد لا يحصلها ومن رام الآخرة حصلها وحصل على الدنيا – من طلب الدنيا خسر الدنيا والآخرة ومن طلب الآخرة ربح الدنيا والآخرة – الرواية .
ومن طلب الله في عمله كسبهما ورضا الله فوقهما .
ولا نحتاج الى التدليل على هذه القاعدة الا بالالتفات الى التجارب السابقة ومواقف الشخصيات الرمزية والقيادية ، لنراها حقيقة ماثلة بل يكفي وجداننا دليلاً عليها .
فما نراه من فشل تجارب معظم المتصدين والمدعين شاهد صدق على ما اقول لأنهم يطلبون الدنيا او الآخرة لأجل الدنيا .
وقد طلب الحسين الله سبحانه فأتته الدنيا بكلها ، ذكراً لا ينسى الى آخر الدنيا والاخرة شفاعة عامة اختص بها دون غيره من المعصومين ( عليهم السلام ) ، وفوقهما رضا الله ورضوانه وقربه وهو غاية آمال العارفين .
وفي هذه الثلاثة غنى وكفاية لنسأل انفسنا سؤالين مهمين :
الأول – كم من هذه الثلاثة أجدنا ومارسنا لأن المحب لمن احب مطيع فاذا أحببنا الحسين (عليه السلام ) بممارسة الشعائر فهل نحن مطيعون له بما قام به .
الثاني – لو كان الحسين (عليه السلام ) بين ظهرانينا الان فيا ترى ماذا سيفعل ازاء الوضع الذي نعيشه؟ هل يكتفي بمراقبة الامور والسير مع المستور الى هدف مجهول ؟!
او ينتفض مدافعاً عن الدين والعرض والوطن ؟!
عليك الجواب : وهو لا يخفى صدقاً على رب الارباب
3 – محرم – 1428هـ