تحجيم الدين

 تتعالى صيحات الكثيرين ممن يمثلون الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية على نحو سواء بضرورة فصل الدين عن السياسة وانزوائه في نطاق العلاقة العبادية ما بين العبد وربه وان الشؤون السياسية والعلاقات الاجتماعية ليست من الدين في شيء أو انه لا يقدم الحل الامثل لأدارتها وتسييرها بالاتجاه التي ينبغي أن تسير عليه، والخوف الذي يبديه هؤلاء نابع من قصر النظر عن معرفة الدين والظن اختصاره في بُعدهُ العبادي دون بُعدهُ الاجتماعي مع أن الأخير واضح في قراءة كثير من الآيات والروايات بل ويتضح أكثر في سيرة المصطفى ( صلى الله عليه واله ) وأمير المؤمنين والحسن ( عليهما السلام )، على أن تقييم أن هذا من الدين أو انه دين ليس من اختصاص المتخوفين ولا يحق توصيفه بذلك بل يرجع في الحكم الى أهل الدين ومن هم من أهل الاختصاص واقصد العلماء بالشريعة. الذين يعطون تعريفهم للدين بأنه المنظومة المتكاملة التي على أساسها تتقدم الحياة وتتطور بتكامل وانتظام فيما لو طبقت تعاليمه بدقة ومراعاة وهو يتسع لكل مجالات الحياة فردية كانت آو اجتماعية.

      والواقع أن هؤلاء متأثرون بالفكر الغربي عن الكنيسة وما تركته من اثر في واقع حياتهم السياسية والاجتماعية بعد انزوائها في طقوس وعبادات تؤدى فيها والسلطة السياسية بعيدة عن سيطرتها وتحكمها.

      وقد عكسوا هذا التأثر على واقع الحياة الإسلامية وقد غفلوا عن الفارق العظيم بين الدينين وبين الكنيسة والمسجد الذي يعتبر نقطة الانطلاق لنشر التعاليم الدينية ووضع الخطط السياسية والبرامج الاجتماعية والثقافية.

      وربما ينبع تخوفهم من أن سيطرة الدين أو رجاله على مقاليد السياسة في البلاد يعني الاستبداد وهو انعكاس التأثر بالفكر الغربي وخطأ فاضح لان الحاكم في الإسلام هو الشريعة وليس للحاكم أو أهوائه أي دخل حتى رسول الله ( صلى الله عليه واله ) فقد خاطبه الجليل ( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ولقطعنا منه الوتين ) وغيرها كثير مع وضوح دلالتها بانحصار الحكم بالشريعة وإنما الحاكم هو مطبق ومنفذ لها، واقدر على تحقيق أهدافها وغاياتها في تربية البشر.

      وقد يكون لدعوى الولاية المطلقة دخل في ما يتوقعه هؤلاء في استبداد الحاكم وتفرده، والأمر ليس كذلك لان الإطلاق هنا يقابل التخصيص الذي يقول به بعض الفقهاء من أصحاب الحسبه، وليس معناه التحلل من كل قيد وشرط.

      كيف وهو مقيد بالشريعة، وبإحراز عدالته وكفاءته ولو فقد شرطاً معتبراً عزل تلقائياًُ فلا إطلاق لحاكميته ليثير مخاوف الآخرين وان شئت سمها العامة.

      ولنا جولة مع ولاية الفقيه ومناقشة أسسها وعرض أدلتها وفي مقام أخر.

      وأننا على استعداد للإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم حول ولاية الفقيه فيما يخطر بأذهانكم حولها.