عدد خاص بالمرأة
أهم شبهات المستشرقين حول تعدد الزوجات في القرآن الكريم .
أهم شبهات المستشرقين حول تعدد الزوجات في القرآن
الشبهة 1/ تعدد الزوجات من ابتداع النبي محمد (ص) الذي شرعه ليستميل النفوس نحو دينه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب الأول:- وقبل الشروع في الإجابة عن السؤال الأول نذكر جملة من الملاحظات النافعة في الاجابة عن هذه الإشكالات وهي وإن لم تكن إشكالات بقدر ما هي إثارات نفسية للاساءة الى الاسلام وتوهين احكامه وقد لا تستحق الرد، وصرف بعض الوقت في ردها لأنها غير نابعة من فهم للإسلام ولو على مستوى الظاهر كما كانت اثارات الزنادقة لبعض إشكالات على القرآن أو بعض الأحكام فأنها كانت نابعة من فهم جيد للإسلام مع إباء نفوسهم عن قبوله أو الإلتزام به وربما لاستعراض قابلياتهم على دحضه، وحينما يأتيهم الجواب يقولوا لأصحاب الأئمة (عليهم السلام) ليس هذا من عندك، في إشارة الى انه جواب الإمام الصادق أو الباقر أو غيرهما (عليهم السلام) وبمجرد تقييمه للجواب تدرك أنه كان على دراية بالاسلام بخلاف شبهات المستشرقين هذه وغيرها.
ونعم ما قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر فالأمر في هذه الاشكالات لا يعدو ان يكون استبعادات لمصالح التشريع الاسلامي الذي يلتزم المسلم بصفته مسلما بالضرورة بكونه عادلاً مطلقاً لأنه صادر من العادل المطلق.
ومن المؤسف ان تسري هذه الشبهة الى المسلمين من اعدائهم المتربصين لهم الدوائر في كل شيء، فيأخذون بها ويدافعون عنها جهلاً بحقيقة العدو المشترك .. الخ.([1])
واليك بعض الملاحظات العامة النافعة في رفع أي اشكال فضلاً عن هذه الإشكالات.
الملاحظة الأولى: أن هنا لبساً بين مفهوم العدالة والمساواة، مع ان احدهما غير الآخر، فالمساواة شيء معروف والعدالة شيء آخر فقد تكون المساواة ولا يكون العدل وقد يكون العدل ولا تكون المساواة، فليس كل مساواة هي عدل كما أنه ليس كل عدل هو مساواة.
لأننا إن فسرنا العدل باعطاء كل ذي حق حقه، فمن الواضح ان الحقوق لا تتساوى بين المرأة والرجل لتتحقق المساواة، وإن فسرناه بوضع الشيء موضعه فمن الواضح ان موضع المرأة غير موضع الرجل لاختلاف طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة التي تفرض لها وضعا خاصاً وحقوقاً خاصة لا تتساوى فيها مع الرجل، ولذا قد تكون المساواة فيها حيف على أحد الطرفين المتساويين فرضاً لا واقعاً، ومع العدالة بأي نحو فسرناها لا تكون مساواة.
نعم قد يتفقان فيما بينهما في موارد فيكون المورد مورداً للعدالة وهو مورد للمساواة.
وعلى هذا فالمطلوب ليست هي المساواة بل العدالة هي المطلوبة ولعل في إلزامها تتحقق المساواة من جهة وصول حق كل أحد إليه، أو وضعه في موضعه المناسب.
ومنه يتضح ان دعوى المساواة بين طبيعتين متباينتين من الرجل والمرأة هو ظلم لهما ان لم يكن لاحدهما خاصة.
الملاحظة الثانية: إن الإشكالات المثارة نابعة من تقييم نفس المستشكل وأفكاره ورؤاه ويعتقد انها الأصل الذي ينبغي ان يُقيّم أفكار وتشريعات الآخرين عليه، ولا تخرج تقيماته وتشريعاته – لو صح التعبير بهذا عنها – عن افق نفسه وافكاره الضيقة أو منظومته السلوكية والاجتماعية الخاصة به وليس من الضروري والمنطقي ان تكون مناسبة لغيره لأنه مهما أوتي من قدرات عقلية ونضوج فهمي لا يتعدى أفقه النفسي أو مجتمعه الذي يعيش فيه دون سواه فلا يصل مدى أفكاره الى غير مجتمعه ومن هم على شاكلتهم في وضعهم الاجتماعي.
بخلاف الاسلام فأنه منظومة متكاملة للناس جميعاً ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) سبأ/28
ومن هنا فتعميم التقييم أو طرح الاشكال لا يعدو محاولة بائسة لدفع الاخرين بالتشكيك بدينهم، ولو كان طرحها على نحو الاستبيان عن وجه الحكم أو مصلحته كان وجهاً.
ومن الواضح ان المسلَّم عنده غير مسلّم عند الآخرين فلا يكون النقاش معه الا عقيماً فيدخل في خانة الدفاع عن النفس فكريا واجتماعياً لا جواباً اقناعيا للآخر.
وجملة من الاحكام الشرعية هي علاجات لحالات طارئة قد تطرأ على صعيد الحياة الاجتماعية مما تفرضه ضرورتها وعلى هذا فلا بد من وضع تقنين شرعي لها كي لا تصاب الشريعة الخاتمة بالنقص والقصور عن الاستجابة لكل متطلبات الحياة والزواج بالأربعة الذي أجازه الشارع هو حكم اباحي – من الاباحة الشرعية -مشروط وليس حكماً الزامياً يتعين تنفيذه والتزامه.
الملاحظة الثالثة: الاشكالات قائمة على اساس الفكر الغربي المبتني على الحرية الشخصية فيما الاحكام الشرعية الاسلامية مبتنية على اساس التوحيد وهو اصل الاصول وتفرعاتها الاخلاقية والتكليفية وما يصطدم بهذه التكاليف فهو باطل ولا قيمة له.
الملاحظة الرابعة: ان هذه الاشكالات مبتورة أو عوراء لأنها تتلخص ببعد واحد وهو البعد الجنسي لا غير، مع أنها أمر ثانوي وهناك ما هو أهم للمرأة وهو شعورها الانساني وعواطفها ومشاعرها، وأنها تريد من يملك هذه العواطف قبل كل شيء، وهو غير ممكن الا من الطريق الشرعي وليس الطريق الغربي لأنه طريق للحط منها ودخولها في دوامه القلق والاضطراب قد تؤدي الى نهاية تعيسة، والأولى غض النظر عنها ونسيانها بدلاً من صرف الوقت والجهد عليها.
أما جواب السؤال الأول:
ليس هو من ابداع الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا يحتاج هو ذلك لاستمالة النفوس اليه، لأنه استمالة ناقصة للرجال دون النساء، وهو دين عام للجميع نساءً ورجالاً، مع ما يملكه من قدرات نفسية واخلاقية عالية استدعت ان يمدحه الخالق المرسل (جل جلاله) بالقرآن {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم/4 وبهذا الخلق الذي هو فوق العظيم بدلالة حرف الجر (على) فيمكن استمالة الخلق نساءً ورجالاً.
بل هو تشريع سماوي قرآني نطقت به الآيات الكريمات مثل قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}النساء /3 وقال تعالى {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}النساء/129
ومن الواضح ان العدالة فرع التعدد كما هو ظاهر الآية.
والمظنون قوياً: أن الاستحواذ على النساء تحت رجل واحد كان أمراً قائماً حينما جاء الاسلام وجده كظاهرة من مظاهر المجتمع فأراد تهذيب وتقنين هذه الظاهرة وتحديدها بحد معين لا يتجاوز الاربع نساء لغير النبي (صلى الله عليه وآله) حيث اختص بأزيد من ذلك كما هو معروف اسلامياً.
نعم طبقه (صلى الله عليه وآله) بحياته المباركة بعد زواجه الأول من خديجة (عليها السلام) كما هو معروف تاريخياً وتطبيق التشريع غير جعله وانشائه كما يذكره المستشكل، وقد اختص (صلى الله عليه وآله) بالزاوج بهبة النفس كما نصت الآية ((وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) الاحزاب/ 50 ولكنه لم يطبقه في حياته.
وتعدد ازواجه له أهداف سامية ونبيلة وليس هذا محل الدخول في تفاصيلها، وليس لما ذكره المستدل مع انه مبتور كما تقدم آنفاً في بداية الجواب.
ومن غريب القول: ان هذا الإشكال يدفع عنوان الإشكالات حول التعدد في القرآن فكيف يقول عنوان السؤال هو ما شرعه لاستمالة النفوس نحو نفسه فهذا السؤال مكذوب بنفس عنوان الاشكالات أو الشبهات، باعتبارها تمثل اعتراضاً على تشريع القرآن، وفي السؤال ما شرعه لنفسه – الرسول (صلى الله عليه وآله) –
الشبهة 2/ التعدد نظام بدائي اباحه القرآن الكريم لأن العرب كانت أكثر شهوانية من الأمم الأخرى.
الجواب الثاني: وأصل السؤال يناقض السؤال الأول في ان التعدد شرعه الرسول (صلى الله عليه وآله) وهنا يقول أباحهُ القرآن.
وهذا التعليل ليس عليه دليل بل الدليل قائم على ان الاقوام التي تقع قريبة على خط الاستواء في المناطق الحارة هي أكثر شهوانية، فإذا كانت العلة هي ما ذكر كان ينبغي ان يكون للتعدد عندهم موضع والأمر ليس كذلك، الا في صور نادرة ولاعتبارات وجاهية معينة كأن يكون كبير قومه وسيدهم واباحه القرآن له على اساس من مصالح وملاكات بعد أن وضع له قيوداً معينة وأطره بضوابط مشددة كما هو مسطر في علم الفقه، وتقدم في الملاحظات المتقدمة بأن الاسلام قد وضع العلاج لكل ما يطرأ من مشاكل على صعيد الحياة الاجتماعية مثل زيادة نسبة النساء على الرجال حال الحرب والاوبئة الفتاكة وحالات الموت الكثير، ولا دخل للشهوة في كثرتها في ذلك التشريع لأنه – الاسلام – قد فتح الزواج المنقطع غير محدد بعدد معين لأزجاء حاجة الشهوة لمن لا يكتفي بزوجة واحدة.
وبدلاً من ان تكون المرأة تحت رحمة رجال متعددين يتقاذفونها باحضانهم، وتكون على نحو مشاع للحكام والرجال والاطفال للجميع على المشاع ايضاً فلا يعرف والد من هو أبنه ومن ابنته، ولا يعرف ولد من هو أبوه و من هي أمه فالنساء شرِكة وهي دعوة الاباحية المطلقة.([2])
ومثل هذا الحل الفاسد لا يعقله عاقل ورجل ذو مرؤة فضلاً عن الاديان السماوية، فأي الطريقين أطهر للمرأة وأحرص على كرامتها وانسانيتها طريق التعدد تحت صيانة ورعاية الرجل الزوج أو هي مشاعة لقضاء نزوة هذا وذاك ثم ترمى بعد فقدانها نظارتها وشبابها.
الشبهة3/ التعدد مدعاة للتنازع بين الزوجة وضرائرها الاخريات أو يجر الزوج على استخدام العنف ضدهن أو هذه العداوة تسري الى الاطفال، ويتحول الجو العائلي الى نزاع وحقد وانتقام.
الجواب الثالث: هذه وغيرها من المشاكل قد تحصل فيما إذا كان الاسلام لم يضع حدوداً من الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة وحضر تعرض المرأة لأخرى بالاعتداء حال التنازع، وهذا ممكن الحصول في البيت غير الملتزم دينياً إما في البيت الملتزم دينياً فلا يحصل، وشواهد حياتية عديدة تؤكد ذلك، لأن المسلم أو المسلمة ملتزم بمنظومة اخلاقية تكليفية، ونظرته الى الحياة الآخرة لا الى الدنيا الزائلة، وعليه تكون تصرفاته منضبطة.
والإشكال قد غفل من هذا الجانب فيمثل الجانب النفسي والسلوكي للمستشكل، وهو مجرد احتمال لا قيمة له قبال مصالح عديدة استدعت هذا النظام المفروض فيه ان يعدل في الجوانب المادية بين الزوجات كي لا يقع التنازع بينهن أو بينه وبينهن.
الشبهة 4/ التعدد يؤدي الى إرباك الواقع الاقتصادي للعائلة؛ لأن التعدد يضيف الى الميزانية اعباءه الجديدة، ويساهم في تكثير النسل الذي يربك الجانب الاقتصادي للإنسان، ولأن العسر المالي قد يؤدي الى انحراف الانسان عن الحق تحت ضغط الحاجة الى الآخرين.
الجواب الرابع: من الواضح ان الرجل لا يقدم على الزواج الثاني أو الثالث أو الرابع الا مع مكنته المادية التي تغطي نفقات الزوجات، وإلا فمن غير المعقول أن يضيق على نفسه بالزواج وهو غير قادر على توفير متطلبات وحقوق الزوجة من النفقة – مأكلاً وملبساً وسكناً – ولذا فهذا حكم إباحي مشروط وليس إلزامياً مفروضاً كما يشعر به الاشكال، وأما تكثير النسل فالمسألة مرهونة برغبة الطرفين إذ بإمكانهما تحديده.
الشبهة 5/ التعدد نظام ظالم جائر بالنسبة للمرأة إذ على اساس ذلك يمكن للرجال ان يعقدوا دائماً عدد كثير من النساء من دون قيد أو شرط ويجعلوهن مطيعات لأوامرهم الجائرة.
الجواب الخامس: كيف يتم العقد من طرف الزوج إلا إذا وافقت عليه المرأة فهو عقد بين طرفين لا من جهة الرجل ليوقع ظلماً على المرأة، ويكشف السؤال من فقر السائل بقضايا الزواج وعقده، وللمرأة حقوق وواجبات كما للرجل حقوق وواجبات.
الشبهة 6/ ان ذلك التعدد هو حطاً لوزن المرأة في المجتمع بمعادلة أربعة منهن بواحد من الرجال وهو تقويم جائر حتى بالنظر الى مذاق الاسلام الذي يسوي فيه بين امرأتين برجل كما في الارث والشهادة.
الجواب السادس: والأمر ليس كذلك بل هو رعاية لانسانيتها وحاجتها الجسدية بشكل مشروع يصونها من ان تتعرض لنزوات الرجال ورغباتهم، فتحفظ وتصان تحت رعاية الرجل، والا فالبديل هو ما ذكرت من ان تكون عرضة لنزوات الرجال أو تبقى بلا زوج فتخسر حياتها الجسدية وتحرم من لذة ممارستها بشكل عاطفي متبادل بين الرجل والمرأة.
والمسألة ليست حسابية لتعادل الأربعة بواحد فقد تقدم ان المسألة هي في شأن العدالة، ووضع الشيء موضعه المناسب له دون المساواة، وإذا ما توفرت للزوجة كل متطلبات الزوجية المطلوبة شرعاً وعرفاً وعقلائياً، فذلك هو المطلوب، ومشاركة الأخريات في الزوجية للرجل لا يمانع من ذلك ما دام قادراً على الانفاق، والعدالة بينهن، ووجود الضوابط الشرعية والاخلاقية لتلافي ما يمكن ان يحدث من مشاكل، والمسألة ليست متروكة لرغبة الانسان وهواه الذي يذهب به خارج التعامل الانصافي وهذا ما يحدث في المجتمعات المتخلفة دينياً.
وأما أنه في الارث قد عادل أمرأتين برجل في الميراث فذاك مورد له خصوصياته ومصالحه الخاصة به المناسبة لبابه ولا يمكن قياسه على جواز التزويج بأربعة، فهما موردان متغايران ملاكاً ومصلحة وبالتالي يتغايران حكماً.
وتنظير المورد في الزواج بالارث والشهادة بمعادلة الرجل بامرأتين، ينطوي على اعتراف من المستشكل بجواز التعدد وإن لم يكن بعدد الزواج، وإنما ناقش في الزواج لجهله بالمصالح الواقعية التي توخاها الشارع في ذلك وإن عدالة السماء اقتضت ذلك لمصالح لا يهتدي اليها البشر إذا انقطع عن السماء.
مع ان الجو العام للإسلام ليس هو معادلة الاثنين من النساء بواحد من الرجال إذ في موارد لا يعادله بعدد منهن ما لم يحصل الاطمئنان كما في الهلال حيث لا يثبت بشهادتهن وإن كثرت ويثبت بشهادة رجلين عدلين ومعه فقد تكون بإزاء الرجل عشرة من النساء أو أكثر.([3])
وينبغي ان يلاحظ بأنه مع التساوي في العدد لا يبقى للتعدد من موضوع – سالبة بانتفاء الموضوع – ومع فرضه فهو اعتراف من صاحب الإشكال على عدم التساوي.
الشبهة 7/ التعدد يخالف ما هو مشهور المترائي من عمل الطبيعة فأن الاحصاء في الامم والاجيال ويفيد ان قبيل الذكور والاناث متساويان تقريباً والتعدد خلاف غرض الطبيعة.
الجواب السابع:- هذا ليس بصحيح خصوصاً إذا أنظم الى ذلك الكوارث الطبيعية من الفيضانات والزلازل والاعاصير وغيرهما، مضافاً الى الحروب التي تهلك العديد من الرجال خاصة كانت النسبة غير منضبطة، والشارع بعد فرض صحة ما ذكره يلاحظ النسبة مع طرو الحوادث لا من دونها، وذلك لأن مراعاة المصالح المجتمعة هو المطلوب في دائرة التشريع لا مراعاة القانون الطبيعي إذ لا يجب ان يتوافق التشريع مع الحالة الطبيعية.([4])
الشبهة 8/ يضع آثار سيئة في المجتمع فأنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب آمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن وينعكس الحب الى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد.
الجواب الثامن:- هذا يحصل للمرأة المتدنية دينياً حيث يكون رد فعلها سافلاً جداً، وقد تزيد في تصرفات غير اخلاقية غّلاً بالزوج الذي تزوج عليها الثانية.
واما لو كانت الزوجة الاولى مؤمنة ومتورعة فهي لا تجد ان الزوج فعل ما هو ليس له بحق ما دام الزواج حلال شرعاً ولا تجد ان الزوجة الثانية وردت عليها للتباغض والخصومة بل لتعيش مع زوجها برابط العقد طبق التعاليم الاسلامية ولو تمكن الزوج من اسكان كل منهما بدار فلا يحصل شيء من المضاعفات المذكورة.
على ان الزواج الثاني قد يكون له من المصالح ما يجعله ضرورة اجتماعية لانقاذ العائلة كما لو كانت الأولى عاقراً أو مريضة لا تفي بمتطلبات الزوج وترى ان الولد ضروري له واستمرار نسله وذكره، أو ان الثانية قد تكون في معرض السقوط في الفاحشة إذا لم تجد لها طريقاً لإشباع حاجتها الجنسية عن طريق الزواج لموانع عديدة منها في مجتمعنا كالعلوية التي لا يزوجها الأب الا من سيد ومن تقدم لها من غير السادة يواجه الرفض فتبقى بلا زواج وغير ذلك من الموانع.
وحينئذٍ فمراعاة المصالح الشخصية بل والمجتمعية والحيلولة دون اشاعة الفاحشة يكون الزواج الثاني ضرورياً، إن لم يكن واجباً لمنع تفكيك العائلة ورعاية زوجية المرأة الأولى لتبقى تحت تعهد الزوج ورعايته، على ان دينه واخلاقه يمنعانه من كسر قلبها وغير ذلك مما ذكر.
فالاشكال قد رأى جانب واحد وهو الزوجة الأولى مع أنه ينبغي مراعاة جانب الزوج والمجتمع أيضاً.
وتقدم في الملاحظات ان تشريعات الاسلام تؤخذ فيها مراعاة المصالح المجتمعية العامة دون الخاصة في حال التزاحم، وأن تشريعاته في بعض منها لمعالجة حالات طارئة لا ينبغي تركها ووضع علاج لها.
الشبهة 9/ ان الرسول محمد (ص) فهو رجل شهواني يحب النساء ويتزوج أكثر من المقرر في القرآن.
الجواب التاسع: هو (صلى الله عليه وآله) تزوج أكثر من عشر نساء كما ورد عن إمامنا الصادق (عليه السلام) فأنه (صلى الله عليه وآله) تزوج بخمس عشرة امرأة دخل بثلاث عشرة منهن وقبض على تسع.([5])
وهذا حكم خاص به دون غيره الذي يقف على الاربع على ان القرآن اجاز له الزواج بهبه المرأة نفسها، كما في النص القرآني ((وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) الاحزاب/ 50 وله ان ينكح بملك اليمين، والمنقطع ما شاء كما هو لغيره وهذا ما قرره القرآن، فالمستشكل جاهل بأبسط مفردات حياته (صلى الله عليه وآله).
على ان شبهة زواجه لكونه رجل شهواني تكذبه وقائع سيرته الحياتية وما انطوت عليه من اخلاق عالية أقرها له العدو والصديق قبل البعثة وبعدها وأكدها القرآن بنصه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم/4 ومن غير المنطقي ان يوصف بهذا الوصف الراقي وهو على الصفة التي ذكرها المستشكل (والعياذ بالله).
وأما تفاصيل واسباب زواجه فهي عديدة وخارجة عن الرد على هذه الاشكالات فلتراجع في مظانها من الكتب التأريخية والتحليلية لحياته المباركة.
الشبهة 10/ بموجب عقد القران (الزواج) يصبح كل من الزوجين ملكاً للآخر ويملك كل منهما حق التمتع بالاخر باعتبار المنافع الزوجية وهذا مبدأ اخلاقي ولهذا تكون الزوجة الأولى صاحبة الحق الأول وكل معاملة تقع بين الزوج وامرأة أخرى تعد معاملة غير صحيحة (فضولية) والحقيقة الأولى هي صاحبة القرار يتزوج ثانية أم لا ولهذا يجب ان يؤخذ رأيها أولاً وتطلب موافقتها هي الزوجة الأولى.
الجواب العاشر: على فرض صحة الملك وهو ليس بصحيح، بل العقد يفرض التزامات على كل منهما تجاه الآخر من الحقوق والواجبات، كحق النفقة من المأكل والملبس والمسكن للزوجة وغيره بما هو مسطر في الفقه وحق للزوج هو التمكين له.
فلو عبر بالحق لكان أولى، وهو درجة ضعيفة من الملك، ومع ضعفها فهي لا تمنع من استخدام الزوج حقه من الزواج بغيرها بعد اباحة الشارع له الذي باباحته له ذلك فهو ينفي حق المرأة بمنعه من الزواج الثاني وأنه لا حق لها في ذلك ليحتاج الى إذنها وموافقتها في الزواج من ثانية أو ثالثة، ولا معنى للفضولية هنا إذ هو لم يبع أو يهب ما ليس له ليحتاج الى الأذن.
نعم من الناحية الأخلاقية والإنسانية ورعاية العشرة بينهم عليه ان يبلغها بزواجه الآخر محاولاً إقناعها بحقه في ذلك وأن يبدد مخاوفها من إهمالها أو تركها وأنه سيعدل بينهما ما استطاع الى ذلك من سبيل من حيث الميل القلبي والعاطفي، وعليه ان يعدل بما هو ممكن له من النفقة وغيرهما.
على انه شرط إذنها مخالف للقرآن والسنة فلا اعتبار به.
الشبهة 11 / ان الزوج لا يمكن العدل بين زوجاته في المحبة مهما حرص، وفي ميل الى الزوجة الجديدة إيذاء لقلب زوجته الأولى وإيلام لها حيث أنها تشعر ان زوجها كان لها خالصاً فأصبح من ينافسها في حبه وعواطفه.
الجواب الحادي عشر: الميل القلبي لا يقع تحت اختيار الإنسان ليدخل في إطار التكليف، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة ((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)) النساء/129 وظاهر الآية يفيد نفي الاستطاعة للعدل بين الزوجات ولكنه ليس بشرط في صحة الزواج، فأن حصل الزواج كان الواجب عدم الميل كلياً الى زوجة وترك الأخرى فهذا هو المحرم، وبعد حصول الزواج لأن النهي الوارد لا بد له من مورد وإلا كان لا معنى له ومورده هو تعدد الزوجات.
فهذه الآية تقيد جواز التعدد وتحرم الميل كلياً الى واحدة دون الأخريات وتوجب عليه العدالة ولكنها ليست العدالة القلبية الممتنعة بحسب الطبع بل العدالة من نوع آخر وهي ما يمكن تسميته بالعدالة العملية وهي التسوية بين النساء في العلاقة الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، وهذا أمر ممكن للرجال وغير متعذر كما هو واضح، وهو واجب على الزوج حتى في شيء واحد وهو تقسيم الليالي بين الزوجات.
وبما تقدم يمكن الجمع بين الآيتين، الأولى قوله تعالى ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)) وقوله تعالى ((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ)) حيث العدل الأول يراد به العملي، فيما العدل في الآية الثانية هو القلبي، ويقصد بالعملي النفقة على ما في الرواية([6]) فيما العدل في الثانية المودة ولأجل التبرك بالرواية التي عالجت التعارض الظاهري، نذكرها: عن محمد بن الحسن قال: سألت أبن أبي العوجاء هشام ابن الحكم فقال له: أليس الله حكيماً؟
قال: بلى، وهو أحكم الحاكمين.
قال: فأخبرني عن قوله عز وجل ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)) أليس هذا فرض؟ قال: بلى.
قال: فأخبرني عن قوله عز وجل ((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ)) أي حكيم يتكلم بهذا؟
فلم يكن عنده جواب فرحل الى المدينة الى ابي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟
قال: نعم جعلت فداك لأمر أهمني، أن ابن العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي بها شيء.
قال: ما هي؟
قال: فأخبره بالقصة.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) أما قوله عز وجل ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)) يعني في النفقة، وأما قوله عز وجل ((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ)) يعني في المودة.
قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب قال: والله ما هذا من عندك.
وتقدم دفع ما ذكره المستشكل من كون الزواج الثاني إيلاماً للأولى .. الخ، بأنه لا يأتي مع الانضباط الديني والورع لكلتا الزوجتين كما يريده الاسلام حيث يمكنهما العيش معاً في جو عائلي هادئ طبقاً للتعاليم الاسلامية الدينية.
ومع الايمان والورع للزوج وكلتا الزوجتين لا تحدث أية مشاكل أو مضاعفات .
والاشكال فيه مبالغة اضافها المستشكل على اشكاله ليبين أهمية رأيه وإلا فالأمر لا يعدو ان يكون خلافاً بين الزوجتين بدون ان يؤدي الى الفساد والاختلال العائلي وهو قد لاحظ المجتمعات المتخلفة دينياً في العالم، والأمر محتمل.([7])
[1])) ما وراء الفقه ج6 ص169 – السيد الشهيد الاستاذ محمد الصدر (قده)
[2])) انظر جمهورية افلاطون .. نقلاً من المرأة ريحانه ص32 السيد نعمة الله الهاشمي
[3])) ما وراء الفقه ج6 ص169 الشهيد محمد الصدر (قده)
[4])) نفس المصدر السابق ص165
[5])) بحار الانوار ج22 ص191
[6])) الوسائل ج7 ص86
[7])) ما وراء الفقه ج6 ص165