حق عقيل ابن أبي طالب

يقال في مصادر التاريخ في انحراف عقيل بن ابي طالب بن عبد المطلب الهاشمي الطالبي ، ولحوقه باعداء ال هاشم التقليديين والذين هم ( بنو امية ) وتسوّله على ابواب حكامها ، ونقل المجلسي روى المدائني ، قال : قال معاوية يوماً لعقيل بن ابي طالب : هل من حاجة فاقضيها لك ؟ فقال : نعم ، جارية عرضت عليّ وابى اصحابها ان يبيعوها إلا باربعين الفاً !!

      فاحب معاوية ان يمازحه ، فقال : وما تصنع بجارية قيمتها اربعون الفا وانت اعمى تجتزي بجارية قيمتها خمسون درهماً ؟

      قال : ارجوا ان أطأها فتلد لي غلاماً اذا غضبته يضرب عنقك فضحك معاوية وقال : مازحناك يا ابا يزيد ، فأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلماً ( رضي الله عنه ) .

      هذه المقولة مبنية على مجرد الذهاب الى معاوية ابن ابي سفيان ، هو انحراف عن خط اهل البيت مع ان الذهاب لوحدة غير كاف لانتاج هذه النتيجة الا اذا ثبت تبرءته من الامام علي ( عليه السلام ) او تخاذله عن نصره او مناصرته لعدوه وشيئاً من هذا القبيل لم يحصل مما يدفع الباحث الى تفسير منطقي مبرر لذهابه الى هناك .

      ويمكن ان يكون بنحو الاحتمال الدافع للاستدلال لمقالة السائل على عدة احتمالات :

      الاحتمال الاول : ان يكون بدافع الاطلاع على حقيقة الحال الاموية في بلاد الشام ليتعرف عن قرب وعن حس لحقيقة حالهم كون ذلك يدخل ضمن اهتماماته واختصاصه لانه من النسابة المعروفين والمضطلعين على انساب واحوال العرب ، وهذا مبرر منطقي للذهاب الى هناك ليضم الى رصيده المعرفي معرفة اخرى باحوال اهل الشام ، وربما يقصد من اطلاعه ان يؤثر اعلامياً على اهل الشام في حربهم مع على ( عليه السلام ) بفضح امرهم ونشر جهلهم وضحك معاوية عليهم .

      الاحتمال الثاني : انه اراد ان يجرب حظه في العيش مع اهل الشام لما كان يسمع من اخبار عن بحبوحة عيش الناس وسعة ارزاقهم بعد ان ضاقت عليه الارض بما رحبت للعيش في عاصمة الخلافة وهو ذو عيال كثيرة ، فلم يكن ذهاباً الى معاوية وتحت بلاطه ليصح توصيفه بما ذكر بل كان ذهاباً للبحث عن فرصة عيش هناك تسد حاجاته الضرورية وعياله .

      وذهابه من هناك الى البلاط الاموي اما بطلب من معاوية شخصياً واما لجريان العادة بين وجهاه القوم وسادات العرب التزاور والتواصل لقضاء العادة بذلك وهي تفرض ذهاب ممن ليس في السلطة الى من هو فيها لا العكس .

      الاحتمال الثالث : ان يكون ذهابه الى هناك من اجل فضح السلطان الاموي وبيان حسبه ومخازيه التي حاولت العائلة الاموية اخفاءها عن الناس كما ينقل التاريخ خبر فضحه لمن كان في حاشية معاوية كأبن العاص وغيره وامتعاضهم من عقيل حتى طيّب معاوية خاطرهم باستفزاز عقيل للتعرض به ، مجيباً اياه ، اتعرف حمامه ؟!

      والقصة معروفة ، ولو كان عقيل ذاهباً طمعاً فيما عند معاوية لما صدرت منه كل هذه التعرضات لمعاوية اصلاً ونسباً ولاتخذ جانب المصانعة والملاينة والمداراة لمعاوية وسلوكه .

      بل يمكن ان يقال ان الامر بالعكس انه ما كان ليذهب الا لفضح معاوية والتمثل بالاصل الهاشمي الأبي وبالشرف الرفيع الذي لا يعبأ بمن يواجه ولا يكترث بمن يخاطب من اجل بيان الحق والدفاع عن العدل ، فقد مثلت كلماته تكريساً للمنهج الرسالي ، كلمة حق امام سلطان جائر .

      والجواب عنه لو كان صحيحاً لما تهاون معاوية للبطش به وانزال اقسى العقاب عليه وليس ذلك عن معاوية ببعيد.

      ولكنه ليس بصحيح لان معاوية لم يكن من الغباء الذي يدفعه لمثل هذه الافعال وهو يريد ان يتاجر بمجيء عقيل للتشهير بالامام علي ( عليه السلام ) والتقليل من اهميته حتى في نظر اقرب الناس اليه ، فيغض النظر على مضض ويغدق عليه العطاء كي ينال من خلاله من ابي تراب ( عليه السلام ) ولكن فطنة عقيل قد فوتت عليه الفرصة .

      مع ان التنكيل باعمى يأنفه العرف القائم آنذاك ولم يكن من المصلحة لمعاوية فعل ذاك .

      على انه لم يطلب من معاوية بقدر ما حاول معاوية اغراءه بالاموال الكثيرة للنيل من الامام ( عليه السلام ) بواسطته فلم يستطع ، ومثل عقيل تأبى نفسه وكرم اخلاقه وحسبه ونسبه ان يتسول على ابواب السلاطين ، ولكنه الحقد الذي شجعهم للنيل من اخيه سيد الاوصياء ( عليه السلام ) .