سؤال عن دعاء كميل

1- ورد في دعاء كميل عبارات يستوحي منها الكفر بالله والعياذ بالله وذلك في موضعين:

الأول: أين كنت يا ولي المؤمنين والروايات متظافرة ومتواترة على أهل البيت عليهم السلام بعدم جواز القول (أين) لله جل جلاله فكيف وقد ورد هذا اللفظ بدعاء يعتبر من أحسن الأدعية؟

الثاني: وعلا مكانك ولا مكان لله سبحانه وتعالى فهو يحوي الأمكنة ولا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى؟

وأنا حاليا متوقف عن قراءة هذا الدعاء لهذا السبب وكذلك معي بعض الأصدقاء متوقفين عن قراءته لنفس السبب فاهدونا الى سواء الصراط جزاكم الله خيراً.

2- ورد في مسائل وردود للسيد الشهيد الصدر سؤال حول المعوذتين في القرآن وأجاب بما معناه بأنهما وحي ولكن ليستا من القرآن فما معنى هذا الكلام؟ وهل هو دليل على وجود زيادة في القرآن وخاصة ان بعض الأصدقاء لي يقولون بأن الشيعة ترى تحريف القرآن وزيادته ونقصه واستدلوا بقول الصدر المار ذكره حول زيادة المعوذتين على القرآن فأرجو منكم التفضل بقول الفصل في هذه المسألة؟

 بسمه تعالى:

ج1/ في العبارة الأولى وهي قوله (عليه السلام) – أين كنت- ليس الاستفسار عن مكانه تعالى إذ لا يمكن أن يحويه مكان ويخلو منه آخر، بل هو لا يخلوا منه مكان، وهذا الأمر مما قام عليه البرهان في علم الكلام والفلسفة، وما دانت به العدلية وفي الكتاب والسنة ما يرشد إليه، ولا يتعقل من سيد الموحدين ان يريد الاستفهام عن مكانه وهو القائل (ومن قال فِيمَ؟ فقد ضمّنه) لأن من تصور انه في شيء فقد جعله جسما في مكان أو عرضاً قائماً بمحل والمكان متضمن للتمكن والمحل متضمن للعرض. وكلاهما ثبت بطلانه وعليه فيكون المراد، ليس هو الاستفهام عن المكان بلفظه (أين) وإنما يراد بها اسم الشرط الذي تقدم جوابه عليه بقولـه (ولأنادينّك .. أين كنت…) والنداء للبعيد، فكأن الداعي يرى نفسه بعيداً عن محبوبه ومدعوه فيناديه متخيلاً بعد مكانه عنه – المكان المعنوي- لا المادي، ويصوغ هذا المعنى باستعمال كلمة (أين) لأنها الأنسب للتعبير عن حالته في الدعاء، ورؤية الداعي نفسه بعيدا من أدب الدعاء للعبد أمام ربه إذ تصور قربه منه، ربما يكون سوء أدب أو قلة استحياء أمامه وهذا غاية التذلل والخضوع المطلوب في الدعاء.وبصياغة أخرى، يمكن ان يقال ان الداعي حيث لا يرى نفسه شيئاً أمام مدعوه ومعبوده ولكنه مصر على دعائه وندائه في أشد الظروف ومختلف الحالات، يحسب ان معبوده لبعده عنه – أي بعد نفسه عن معبوده- فهو لا يهتدي إليه فيسأل عنه بالدعاء – بأين- ولازالت بعض اللهجات العامية تستعمل كلمة (وين) أي أين تعبيراً عن البعد أو مكانه البعيد.

وإذا شئت قلت، فكأنه قال لأنادينك أينما كنت يا ولي المؤمنين أي في أي مكان كنت، والنتيجة أدعوك يا من هو موجود في كل مكان إذ لا يتصور انه في مكان دون آخر وإلا لصار خاليا من الثاني، وفي دعاء آخر يقول المعصوم (عليه السلام) (أناجيك يا موجود في كل مكان…). وهنا احتمال آخر، ولكنه بحاجة الى

قرينة – وهو ان كنت بصيغة المتكلم أي الداعي- أي في أي مكان أكون فأنا أناديك، وربما يؤيد هذا المعنى، سياق الدعاء وكون الداعي في جهنم وهو لا ينفك عن الدعاء وحينئذٍ يستقيم ان تكون العبارة صحيحة كنت – أي أنا- لا كنت أي انت، ولكن تبقى صحة القراءة بحاجة الى قرينة وهي مفقودة.

وهذا المعنى يكشف عن وعي للداعي وان الله مع الذين اتقوا أينما كانوا (أينما تولوا فثم وجه الله).

وقد يراد من العبارة – كاحتمال معتد به، شدة الحاجة الى المدعو الى الدرجة التي لا يمكن الانتظار لكونه مفوتا للفرصة- وهذا المعنى لازال قائماً في اعرافنا الحالية فنسمع ان شخصا يقول لآخر (أين كنت) وبلغة العوام الدارجة (وين جنت) لأن وجوده ضروري والانتظار قد لا يأتي بنتائج محمودة. الذي يظهر من الدعاء ان الداعي لشدة وجده وحرارة شوقه للمدعو لا يتحمل الانتظار وخصوصاً وانه يدعو حال كونه في النار التي قد تأخذ احساسه بالالتفات إليها. فافهم أيدك الله هذا ما لدي من فهم العبارة بحسب ما تعطيه كلماتها ويبقى مراد الأمير (عليه السلام) بواقعه لا يعلمه إلا الله ورسوله وهو (عليه السلام) ولكنها بالقطع ليس استفهاما عن مكانه تعالى وتقدس.

وأما العبارة الثانية- فهي تعطي المقام العالي المعنوي لا المكاني إذ لا يتصور كما قلنا في بداية الجواب كونه سبحانه في مكان وإلا كان محدودا ومتحيزاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وأيضاً العبارة لازالت مستعملة في الأعراف الحالية، ألا ترى استعمالها كلمة فلان مكانه عالي – للإشارة أو للدلالة على تبوئه موقعاً متميزاً في الوظيفة أو في الدولة، ولا يراد به علو مكانه عن مكان الآخرين وإنما يراد علو مرتبته وسمو مقامه.

وأنصحك بالمداومة على قراءة هذا الدعاء والتأمل فيه كثيراً فإنه ينفعك إن شاء الله تعالى، وأشكرك على حسن ظنك بهذا العبد وقبولك لإجابته.

ج2/ جواب الاستاذ (قدس سره) عن المعوذتين، لا ينفي قرآنيتهما، وإنما لم يقم دليل معتبر عنده كونهما من القرآن، وإنما هما وحي منزل من الله لا على صفة القرآنية – من القراءة- أي قراءتها باعتبار كونهما من القرآن مشكل في الصلاة.

فكلامه لا ينفي القرآنية ولكنه لا يثبتها ولذا استشكل في قراءتهما في الصلاة، والفرق واضح بين قوله ليست من القرآن وقوله لم تثبت قرآنيتهما والثاني هو مراد الاستاذ (قدس سره) هذا هو مقصوده والله العالم بحقائق الأمور.

وعلى كل فهذا ما رآه (قدس سره) ولكن المشهور على خلافه، بل لم نجد من العلماء السابقين ممن شكك في قرآنية المعوذتين، بل تلقيناهما جيلاً بعد جيل، وكابر عن كابر كما يعبرون الى زمن المعصومين وسيرة قائمة عند المسلمين والمتشرعة منهم خاصة، والسيرة لازالت قائمة على اعتبارهما من القرآن، وهي سيرة متصلة بزمن المعصومين فتكون حجة. إذ لو كانتا من غير القرآن لنبه المعصومون عليها ولو حصل لوصل إلينا خبر عن ذلك لأهمية الموضوع وسعة الابتلاء به بين المسلمين وحيث لم يصل إلينا خبر معتبر من هذا القبيل يطمئن بعدمه وكونهما من القرآن. والله العالم بحقائق قرآنه. 8 محرم 1426