You are currently viewing ستبقى شعائر الحسين(عليه السلام)

ستبقى شعائر الحسين(عليه السلام)

          ستبقى شعائر الحسين(عليه السلام)

 

أن الشارع المقدس حينما يشرع أمراً على مستوى المطلوبية مطلقاً، تارة يترك انتخاب المصداق للمكلف من دون تحديد من قبله، فأي فرد من الصلاة التي يأتي بها امتثالاً لأمر الصلاة، فقد يأتي بها في البيت أو في المسجد، أو هو في السفر أو هو في الحضر أو.. أو..، فالشارع لم يحدد له ما يحرز به امتثال الحكم الشرعي، بل ترك أمره للمكلف يختار ما يراه مناسباً، وفيه امتثالاً للحكم الشرعي.

وأخرى تدخّل في تحديد مصداق امتثال أمره كما تدخل في إيقاع الطلاق حيث فرض صيغة واحدة يتحقق بها إيقاع الطلاق خارجاً.

وإذا فهمت هذه المقدمة نأتي لمحل السؤال،فنسأل هل أن الشارع حينما أمر قرآناً بتعظيم الشعائر أو سنة بإحيائها كما ورد(احيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

ثم نسأل هل تحددت هذه الشعائر بمصداق أوكيفية معينة أرادها الشارع دون سواها، وإن لم يكن من ثمة تحديد فلماذا التأكيد على البكاء خاصة.

والمستظهر عندنا انه لا خصوصية للبكاء مع شدة تأكيد الشارع عليه، والتأكيد عليه من باب كونه أوضح كيفية قابلة لأن يقوم بهاالموالي والمحب في ذلك الزمان لأنها تمثل وسيلة سلبية لا تشكل تهديداً للسلطات آنذاك وإمكان القيام بها لكل واحد من دون نكير من احد.

والشارع أراد التأكيد على إحياء هذه الشعيرة وإبقائها حية في ضمير الأمة لأنها تشكل صراع الإسلام مع الانحراف والاستبداد،ووجودها يعني وجود الإسلام، وضربها يعني ضرب الإسلام، وحيث أن الشارع أراد تكريسها في الواقع الإسلامي ليبقى الإسلام ببقائها، فليس من طريق أسهل وأيسر منه على البقاء، إذ لو حث على وسيلة أخرى فيه إبراز للمعارضة والاحتجاج على السلطة لقبرت في حينها ولتضرر الموالون من ورائها، فكان لابد من انتخاب وسيلة تحقق كلا الغرضين،تديم القضية الحسينية وجداناً في ضمير المحبين وتكريسها في دواخل نفوسهم، وتحافظ على حياتهم من ناحية أخرى، فكان غرض الشارع متحققاً بذلك، ولكن لا يعني ذلك بالمرةالاقتصار على هذه الكيفية من الامتثال، إذ لم يظهر من كلام الشارع مجموعاً انه أرادها بالخصوص دون غيرها، ومعنى ذلك انه لو استحدث طريقة تعزز مضمون القضية الحسينية فينفوس الموالين وتميزهم بهوية خاصة عن غيرهم، مع عدم المنع عنها بعنوانها، وهو كذلك إذ لم ترد حتى يمنع عنها أو لا يمنع عنها، وعلى هذا فالطريق لممارسة أخرى غير هذه الشعيرة مما لا بأس به.

وما أوقع الآخرين بالاقتصار على البكاء أنهم فهموا من البكاء هو الشعيرة، مع أن البكاء طريق وآلة لإبراز الشعيرة، وهي إحياءأمر الأئمة، أو تعظيم شعائر الله، ومن يكون أفضل شعيرة من قيام الحسين بالثورةالمباركة التي حفظت لنا الإسلام، ولولاها لما بقي منه عندنا من اثر.

وقد ذكروا بعض الاعتراضات نذكر بعضها:

قالوا أن بعض الشعائر – كالتطبير- مستهجن وفيه مبالغة.. انه لم يبين ما هو المراد من الاستهجان الذي اتخذه موضوعاً لعدم الجواز، حيث لم يرد هذا العنوان في لسان الأدلة، لا في رواية ولا في آية، وإنما اتخذه هو من تلقاء نفسه فجعله موضوعاً للحرمة، ولو قبلنا انه عنوان للحرمة فمن هوالحاكم في كون هذا الفعل مستهجناً، هل هو الشرع أو العقل أو العرف أو التلفيق بين اثنين منهم أو الثلاثة مجتمعين؟

ثم على تقدير إرجاعه إلى العرف، فهل هو العرف العام لعموم الناس أو العرف الخاص للمتشرعة، والأمر للمستدل ماذا يقول، هل يتفق العرف العام على عدم الجواز أو كونه استهجاناً أو يتفق العرف الخاص على ذلك،والمسألة واضحة.

وقالوا نهى الحسين أخته زينب عن الجزع.

وأما نهي زينب من قبل أخيها الحسين عليه السلام للدور العظيم الذي ينتظرها في إظهار هذه الجريمة والإشهار بها على الملأ فيكل مكان وزمان، وهي في طريقها إلى السبي، وعليه فلابد من رباطة جأش كي لا تشمت أعداء الخط الحسيني به وبأهل بيته، فكان كلامه نصحاً لها وتنبيها إليها للاستعداد نفسياً للدور العظيم الذي ينتظرها، مع كونه خطاباً خاصاً لها.

وقالوا التطبير تشويه لصورة الاسلام ونبزه بالإرهاب

إن عنوان التطبير لم يرد في آية أو رواية،وهذا الفعل ينظر له من احد جانبين.

إما من جانب كونه فعلاً يمارس بالكيفية المتعارفة بما هي كيفية ومن دون إضافة إلى كونه شعيرة، أو طريق إلى الشعيرةالعظيمة وهو إحياء الذكرى الحسينية.

أو ينظر إليه بالإضافة إلى ما ذكر فالمحرم قطع الإضافة والمحلل ربطه بالإضافة.

والفعل بمقتضى طبعه الأولي لا دليل عليه علىالحرمة إلا ما يقال من كونه إضراراً بالنفس وهو غير ثابت، إذ الشواهد بخلافه أوتشويهاً للإسلام، وعلى القائل أن يبين ما هي صورة الإسلام الحقيقي ليكون هذا الفعل تشويهاً لها، فالقائلون لم يحددوا الصورة وإنما أطلقوا التشويه وكفى، وإذا كانت المسألة على هذه الشاكلة، فكاتب هذه السطور وغيره لا يقول بالتشويه إن لم يقل بأن الفعل فيه مناسبة مع أصل الحادثة ودمويتها، والتعبير بهذه الكيفية فيه تذكيرلصورتها لتبقى في الذاكرة الإنسانية على طول تاريخها تبين وتفضح الطغاة والجبابرةوالظلمة.

وإذا قيل لنا بأن الغرب يصورها كذلك، قلنا لايهمنا تصويرهم ولسنا ملزمين بكلامهم، وإنهم قائلون بنسبية الأخلاق أو القيم ولذاعندهم من مفاسد الأخلاق وسيئاتها ما لا يقبله ذو غيرة ومسكة، يكفيك اعتبارهم خروج الريح بالصوت أمراً متعارفاً ولم يقل أي منا أو منهم بأنه تشويه لصورتهم الإنسانية، مع كون الفعل فاحشة عندنا أو عند مستقيمي الفطرة.

وإذا لم يكن من إضرار ولا تشويه فالأصلا لأولي يقتضي الجواز، ومع ضم ما قلناه في الأجوبة السابقة فتتم الإجابة.

ومن نافلة القول اذكر وإن كان فيه غرابة المتر إن ارتباط الناس جميعاً في عموم المعمورة بكرة القدم لممارستها أمام أعين الجمهور وانسهم بها، ولولا هذه الممارسة والمشاهدة من قبل الآخرين لم تصل هذه اللعبة إلى هذا الاهتمام والتركيز، بل إن دولاً يعتمد اقتصادها في بعضه عليها، ولواقتصر منها على عدم الممارسة أمام الجمهور أو أعطيت في أجواء الدرس والتدريب، فهل سيكون لها هذا الصدى، مع الالتفات إلى عدم الغاية الحقيقية لها بخلاف ممارسةالشعائر، فإن الغاية متوفرة على الصعيدين الدنيوي والأخروي وفيها من الثمرات ما لايعد ولا يحصى فمن قال بوجوبها لبقاء الحادثة هو المعوّل عليه.

والمحصل أن هذه الممارسة بالعنوان الأول يتدخل في الجواز بمقتضى الأصل، وبعد تعنونها بعنوان الشعيرة أو إظهار الشعيرة تدخل في حكم آخر من الجواز بالمعنى الأعم أو غيره، حيث يتبدل موضوع الحكم موقعه من حكم إلى حكم آخر.

وإن كان هنا لا يستدل بمقتضى الأصل هو الجوازومقتضى تأطيرها بالشعيرة هو كذلك.

                                                                 المرجع الديني الفقيه الشيخ

                                                                   قاسم الطائي (دام ظله)