شارون

 

في الوقت الذي يحتفل به الشعب الفلسطيني المشرد بإحياء ذكرى المجزرة الدموية التي ارتكبتها القوات الصهيونية الغازية للبنان في صبرا وشاتيلا عام 1982م ، ليبقى الضمير الإنساني الحي على معرفة ودراية بحقيقة هذا الكيان وكيفية تأسيسه وانه بُني على الغصب والقتل والتشريد لسكان الأرض الحقيقيين ، ولم يكتف بهذا القدر فراح يطاردهم في أصقاع الأرض ويذيقهم الويل والقتل والدمار حتى أمست هذه المجازر عنواناً لقادة هذا الكيان المسخ .      في هذا الوقت بالذات ، يوصف بعض الرؤساء العرب بطل المجزرتين المتقدمتين ، شارون رئيس وزراء الكيان الغاصب حالياً ، بأنه الرجل الشجاع أو أن خطوته شجاعة ، ولست ادري كيف انقلب القاتل والغاصب فجأة إلى شجاع من طراز جديد ، أنتجته عولمة هذا العصر التي أذابت المفاهيم وألبستها ثوباً من نوع مطاط ينسجم من توجهات العولمة . ربما أن شارون قد التفت إلى أن حق الفلسطينيين لا مناص منه ، وإرجاعه إلى أهله أو التخلي عن حلم الدولة اليهودية نوع شجاعة تخطى بها الثوابت اليهودية في الأرض ، فكان وقوفه ضد توجهات بعض اليهود شجاعة ولا بأس بهذا الطرح . لكن هذه الشجاعة إنما تكون شجاعة لو جاءت بشكل عفوي وبعد صحوة ضمير ونداء المنطق ، وإذا جاءت من غير هذا الباب فهي ليست بشجاعة بالتأكيد ، والباب الذي جاءت منه هذه الصحوة هو باب الإرغام والإصرار على استعادة الحق المغتصب الذي ترجمته انتفاضة الأقصى بشهدائها الذين تجاوزوا الأربعة آلاف شهيداً من خيرة أبناء غزة البطلة .  إلا أن شارون لعبها بشكل جيد وصوّرها منّة يعطيها الفلسطينيين وعطية يتكرم بها عليهم وفق منظور الساسة المغررين والرؤساء – المرؤوسين – من قبل المفاهيم الغربية والتصريحات الرسمية ، فما أن سمعوا بتصريح شارون بان من حق الشعب الفلسطيني تأسيس دولته المستقلة وان كيانه قد خطى خطوتها الأولى بالانسحاب من غزة ، حتى استبشر الرؤساء فرحاً فقد أغناهم هذا التصريح عن التزاماتهم تجاه ميثاق الجامعة العربية والقضية الفلسطينية . وكان الاحرى بهم أن يصفوا أبناء الشعب الفلسطيني بالشجاعة والبطولة حينما أثرت تضحياتهم ودمائهم التي سالت انهاراً خلال فترات الانتفاضة فسقت أرضهم صلابة ومنعة عن المحتلين فولوا عنها هاربين والى خزيهم فارين ، وان يميزوا بين حق المقاومة وباطل الإرهاب الذي يمثله الكيان الصهيوني بشكل رسمي منظم أمام أنظار العالم . إلا أن هذا التصفيق البروتوكولي لمهندس مجازر صبرا وشاتيلا هو عزف على وتر موسيقى الجاز الأمريكي ، موسيقى خرجت عن موسيقى الأصل ذات الإيقاع الخاص إلى موسيقى الأملاءات الأمريكية ذات الوقع النفسي الخاص والتي لا يتمكن أي رئيس عربي من أن يصم آذانه عن سماعها أو يطلب إجازة من الإصغاء إليها . وما عليه إلا أن يتابع نغمة عازفيها من رؤساء إدارة البيت الأبيض الذي وصف أخيرهم شارون بأنه رجل سلام .  ولا أريد أن اذكّر الرؤساء والساسة العرب بآية من القران لأنهم عرب ومسلمون والمفروض أن واحدهم قد قرأ القران ولو مرة في حياته ، فوقع نظره وفتح سمعه إلى قوله تعالى ) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (47 – 48) سورة غافر ( .