شبهات الملحدين
=============
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بعض الأحيان أتعرض للعديد من الأسئلة وبالأخص من أشخاص ينتمون للديانة المسيحية أو ممن يميلون الى الإلحاد والعياذ بالله يقولون ان كان الإسلام دين رحمة وعدل ومساواة كما تدعون وجاء محررا للعبيد من عبوديتهم هنالك تناقض كبير في قرانكم الا وهو مسالة ملك اليمين فكيف يحرر الإسلام الناس من عبوديتهم ويبيح في موقف آخر شراء الإماء والجواري من الناس اي ما ملكت يمينكم فكيف تردون على هذا التناقض مع العلم ان قلتم انه صحيح ويجوز وهو جائز لان قرانكم أجازه واباحه لكم فان ما تقوم به فلول الدولة الاسلاميه إسلام حقيقي بحت لانها تطبق شريعة القران وان قلتم بعدم جوازه وهو له وقت محدد فقط اي في مرحلة صدر الإسلام فلم لم تأتي آية تنسخ الآية الأولى؟؟
السيد عبد الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء الإسلام ووجد أمامه وضعاً اجتماعياً قائماً على اتخاذ العبيد والإماء وتملكهم، وهذا الوضع جاري في البقعة التي نزل بها الإسلام وفي غيرها، وله أسباب ثلاثة بحسب التتبع التأريخي وهي الحرب والغلبة والولاية كولاية الأب على الابناء فألغى سببين هما الثاني والثالث، ونظم العلاقة بين البشر بتشريعات في غاية الرقي، العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين فليس للرئيس إلا تولي شؤون الناس وإدارة مجتمعهم بما يخدم مصالحهم ويسوق بلدهم الى التقدم والتطور، وله خصوصياته كما للمرؤوسين خصوصياتهم، وهو محكوم لقوانين إسلامية، ودستور لا يمكن الحياد عنه.
كما ونظم علاقة الأبناء بالآباء في ضمان حقوق كل منهما ومسؤولياته تجاه الآخر، فلتراجع الرسائل العملية للفقهاء في جملة من الأبواب، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِإ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}الأحقاف/15وإما سبب الحرب للرق فلا إلغاء له، ويقصد بالحرب هي الواقعة ما بين المسلمين والكفار المحاربين لله ولرسوله والمؤمنين، وإما ما بين المؤمنين فلا ينتج الاستعباد والرق، بل يقاتل الباغي من الطرفين حتى يرجع الى أمر الله (({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الحجرات/9
والوجه في بقاء هذا السبب، إن المحارب لا هم له إلا إهلاك الحرث والنسل ولا يشك أحد له فطرة سليمة أن مثل هذا الشخص لا يعد جزءً من المجتمع الإنساني المستقر الآمن الحافظ لحقوق الناس وصيانة المجتمع وأنه يجب دفعه بالإفناء أو القتل، كما أن الإرهابيين الآن يجب استئصالهم في شعوب الأرض طراً إسلامية كانت أو مسيحية وغيرها، فأنها لا تتوانى في قتله أو سجنه تقييد أرادته أو مراقبته بشدة بحيث يمنع من حرية الحركة تحسباً لما قد يصدر منه، وهو نوع من الرق والاستبعاد فهذا كمرض السرطان في جسد لا بد من استئصاله وإلا هلك ودمر المجتمع.
والإسلام بحسب أحكامه وضع أساس المجتمع على التوحيد لله سبحانه، ولذا ألغى جزئية كل مستكبر ومستنكف عن التوحيد وحكومة الدين في المجتمع الإسلامي إلا مع ذمة أو عهد وإلا فالكافر خارج عن المجتمع يجب تطهيره منه لإفساده وعدم الأمان منه. وفي حاله الحرب مع الكافرين إذا ملك الإسلام الحرب وأنتصر له أن يتخذ أسرى ويستعبد إذ لو جاز له قتل المحارب جاز له أخذه أسيراً، إبقاءً على حياته وإدخاله المجتمع الإسلامي يتعلم منه تعاليمه، ويرشد به الى معرفة مصيره ويتنور بنوره ثم قد يخلق له الإسلام عشرات الطرق للإنفاق، يكفي في تشريعاته الكفارات، بالعتق للإفطار العمدي والقتل كذلك وغيرها، مع ندبه وترغيبه في العتق، كل ذلك إزالة لآثاره داخل المجتمع وأكرم الإماء وسمح بتزويجهن من العبيد والأحرار بشروط مذكورة في الفقه، وكثير من تاريخ الرسالة المحمدية حافل بصور رائعة قمة في العفة والمروءة والقوة والشهامة.
فقد اعتق الرسول (صلى الله عليه وآله) جاريته صفية بنت حي أبن أحطب ثم تزوجها، وتزوج جويرية بنت الحارث بعد وقعة بني المصطلق وكانت سبياً.
وبعبارة تقريبية أن الكافر في منظار الإسلام كالإرهابي في النظر الإنساني العام والغربي بالخصوص، غاية الفرق إن الإرهابي تتعامل معه السلطة القائمة بأجهزتها الأمنية والرق يتعامل مع مولاه لكن ضمن الضوابط الشرعية.
أنظر أمريكا خاضت حروباً مدمرة واحتلت بلدان كالعراق وأفغانستان وقتلت في العراق وحده أكثر من مليون شخص ودمرت آلاف المنازل والدوائر وأفسدت زراعة بلد بكامله وصناعته حسب التقارير المقدمة من بعض المنظمات الأمريكية، كل ذلك لوقوع حادثة الـ 11 أيلول ونحن لا نقبل ونرفض مثل هذا العمل الإرهابي حيث اتهمت به القاعدة في أفغانستان وأدعي تهديد العراق للسلم العالمي بوجود أسلحة دمار شامل ((ولن توجد)) فهل من محاسب لأمريكا أو معترض عليها ومن دار بفلكها كبريطانيا وفرنسا.
فالاعتراض على أخذ العبيد ودمجهم بالمجتمع الإسلامي بكل قيمه ثم تحريرهم أولى أم تدمير شعوب وبلدان بالكامل وقتل ملايين من البشر ولا وجود لهذا في وقتنا الحاضر؟! العقل والفطرة يقولان الاعتراض على الأخير بعد أن بينا موجب أخذ الرق في حال الحرب مع الكفار وإذا سؤل الأمريكي عن ذلك أجاب دفاعاً عن القيم الأمريكية، وحقوق الإنسان ومبادئ العدل فلماذا عندما يدافع الإسلام عن هويته وعن حق التوحيد يعترض عليه؟! إذ من تملك قتله دفاعاً عن مبادئك وإنسانيتك فأنت بالطبع تملك نفسه وعمله، ليس لإذلاله بل لايقافه على مبادئ الإسلام لتتطبع نفسه به ويدرك حقيقته، وهو يسعى لصلاح الإنسان في الدارين الدنيا والآخرة والعبيد تحتاج لهذه الفترة قبل دمجه بالمجتمع.
وبهذا المختصر يتبين .. أولاً: إن مسألة العبيد تحكمها الفطرة الإنسانية السليمة، فمن جاز قتله جاز تملكه لتربيته ودمجه بالمجتمع الإسلامي في حال وقوع حرب ما بين المسلمين والكافرين.
ويتفرع عليه أنه لا موضوع للاستعباد في وقوع حرب بين طائفتين من المسلمين كما نبهت الآية، فلا يحق للإرهابيين أخذ الإماء، ولو من غير المسلمين لأنهم أهل عهد وذمة، والمجتمعات الإسلامية بطوائفها وقومياتها واديانها متعاهدة فيما بينها كما أن الارهابين لا يمثلون الإسلام وليسوا من أهله بقدر ما يمثلون مصالح لشركات أممية عالمية لا حاجة لبيان تفاصيلها.
وثانياً: الإسلام حاول إلغاء العبودية بإعماله وتشريعاته، وهي حقيقة قائمة وجَهِد لتقليلها الى أقل حد ممكن، وتأهيل العبيد لإرجاع إنسانيتهم وتعديل فطرهم، نعم الغى الرقية مؤتمر (بروسل) عام 1890 ولكنه شكلي إذ بقت بعض القبائل بأمريكا وأفريقيا تمارسه وربما الى الآن، ولا أثر له في البلدان الإسلامية.
وثالثاً: العبيد منتوج حرب بين المسلمين والكافرين لا بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين من عاهدهم أو لم يقاتلهم فلا سبي ولا اماء، والارهابيون لا يمثلون الإسلام حقيقة فما يغلبون عليه من البشر المسلمين وغيرهم لا يجري عليه حكم الرق والبيع باطل، وممارسة الجماع مع النساء بعنوان الإماء زنا محرم تترتب عليه أحكام الحد.
والكلام طويل واعتقد ان هذا المقدار يكفي لرفع الشبهة وإزالة الغموض لمن كان له قلب وبحث عن الحقيقة.
قاسم الطائي
5 رمضان 1437
