طوق ثورة العشرين.. إلى أين؟
رمزية طوق ثورة العشرين في النجف الأشرف معلم مهم من معالم هذه المدينة المباركة والتي أكدت عبر تاريخها الطويل أنها في المقدمة في كل فعل وعمل وعلم. وقد سطر علماؤها ملاحم واضحة في ثورة العشرين التي أطاحت بهيبة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فكانت هذه الساحة تشير بطوقها إلى التاج البريطاني منكوساً إلى الأسفل في إشارة إلى ما قام به رجال ثورة العشرين من أجدادنا الأبطال ورجال ديننا العظماء ومراجعنا الأشداء على الدين والوطن ليبقى شاخص صدق يذكرنا بذلك الماضي الجميل ويعزز فيها قيم التضحية من اجل الوطن والدين ورفض الظلم والاحتلال، وهي الثورة التي على أساسها تأسست دولة العراق الحديث. ومع مرور السنين تركزت هذه الثورة بنفوس العراقيين من خلال الأسماء العامة والساحات، ومنها ساحة العشرين في النجف، وهي تشهد الآن أعمال مجسرات لمعالجة الزخم المروري، وأما طوق الشموخ الذي ارتبط به تاريخ النجف الحديث، فلا يعلم انه سيرفع أو سيبقى، وهل رفعه بهذه السهولة وهو يمثل تاريخ معظم العشائر العراقية في الوسط والجنوب بل وفي عموم العراق، وهل كان من ثمة استبيان شعبي لمعرفة رأي الجمهور النجفي برفعه أو غير ذلك من أسئلة طويلة؟ على المسؤولين في النجف الأشرف بيانها بكل وضوح وشفافية للناس. علماً انه بالإمكان عمل المجسرات وبقاء الطوق على ما هو عليه. وهذا القول ليس جزافاً بل من له خبرة عملية في الأعمال الهندسية لسنوات طويلة.
ولعل القارئ الكريم لا يعرف من تاريخ هذا الطوق شيئاً، ونحن نرفده بالمعلومة التي تفضل بها المؤرخ النجفي مشكوراً الأستاذ عبد الستار النفاخ.
قال: أحب العراقيون الزعيم عبد الكريم قاسم تقديراً لمواقفه وتفانيه في خدمة المجتمع العراقي فقامت المحافظات العراقية بنصب تماثيل لشخصه في أماكن إستراتيجية مهمة ومن هذه المحافظات محافظة كربلاء، حيث كانت النجف قضاءً تابعاً لها. فوضع للزعيم قاسم تمثالاً في وسط هذه الساحة وهو يرفع يده مؤدياً التحية والسلام لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام.
وبعد قيام انقلاب البعث في 8 شباط وإسقاط نظام عبد الكريم حاول البعثيون رفع تمثال الزعيم من هذه الساحة، بحيلة تبدو للمجتمع أنها شرعية، كما هي حيل وقعت في التاريخ القديم والحديث ومنها (باب الثعبان) الذي أصبح فيما بعد (باب الفيل) والقصة معروفة.
فقام البعث برفع التمثال وبناء هيكل يرمز فيه لثورة العشرين، وقد بنوه بالقرب من الطوق أو الهيكل متحفاً يضم جميع مخلفات ثورة العشرين وعينوا له مديراً وهو (كامل سلمان الجبوري) وبهذه الحيلة تم إنهاء ذكر عبد الكريم قاسم وتمثاله.
وهذا الطوق الذي يمثل رمزاً وطنياً يراد له أن يرفع من الساحة لعمل التقاطعات المرورية، كجزء من عملية إعمار المدينة. وقد سمعت – والكلام له- من علماء وخبراء في العلوم التاريخية والسياسية والأدبية، يقول هؤلاء أن الإطار الموجود حالياً يشير إلى التاج البريطاني مقلوباً ومن حقنا ان نقيم الدنيا وتقعدها من اجل رفع هذا التاج البريطاني الاستعماري. ثم يتابع القول: ولقد لفت الإطار انتباهي فكتبت في جريدة العراق عنواناً ما زلت احتفظ به وهو ((نصب ثورة العشرين إلى متى؟)) واليك النص:((أن تكتسي كل حاضرة عراقية بحلة تلائمها وتتصل بخصائصها ولا شك أن النجف معقل ثورة العشرين وحصنها المنيع برجالها الأفذاذ رواد الحرية والاستقلال ولتعميق وتركيز وإغناء نفوس الأحفاد بمآثر الآباء والأجداد تقرر إقامة النصب التذكاري لثورة العشرين ثورة شعب العراق بعربه وأكراده وقومياته على الساحة الرئيسية عند دخولك الشارع المؤدي إلى حضرة الإمام علي عليه السلام، واحتدم التنافس المشروع من الناس…)) جريدة العراق العدد:5028 بتاريخ21/7/1992 عبد الستار النفاخ.
وظل المدفع غائباً حتى تم نشر المقالة التي ذكرتها فكان الجواب أن هناك في بغداد أقيم معرضاً وتم جلب المدفع إلى بغداد لعرضه ولكنه سقط في الطريق وتحطم وبقينا ننتظر عمل مدفع آخر، وفي تقديري أنها حجة واهية، والحقيقة أن البعث يريد أن يلغي تمثال عبد الكريم قاسم فقط وتم له ذلك وانطلت اللعبة على المجتمع كما انطلت لعبة هشام بن عبد الملك عندما ربط الفيل في باب الثعبان.