عز الدين في ذمتنا
يعز على الأمة الإسلامية عموماً والعراقية خصوصاً أن تفقد شخصية قد شغلت الساحتين السياسية والاجتماعية لأكثر من أربعين سنة، عانت فيها هموم الأمة وأزماتها وتحديات الإسلام ومتطلباته، مرحلياً ومستقبلياً، فكانت تتحرك بوعي تام ورؤية ناضجة تبلورت لديها خلال عقود من الخبرة في العمل السياسي والديني، وكانت مدركة لدورها وما ينبغي عليها أن تتحمله وتعمله، برؤية واقعية لكل عناصر التغيير ومواقع التأثير التي تعيق حركتها أحياناً وتعرقلها أحياناً أخرى.
ولكنه كيّف نفسه لمثل هذه التحديات، وقد التقيته بعد الانتفاضة الشعبانية في طهران وكان لقائي الأول به، وقد كنت محمّلاً بهموم جسيمة وأسئلة عظيمة جازفت في الذهاب الى إيران في أشرس أوقات النظام بطشاً وهو خارج من الانتفاضة الشعبانية التي لقنته درساً له ولكل الطواغيت في الأرض، وأعلمت الجميع بأن الأمة العراقية لم ولن تموت وفيها مجاهدون أمثال عز الدين سليم.. رضوان الله تعالى عليه.
التقيته وهو منفتح على كل آفاق الواقع ومتطلبات المستقبل بروح خفيفة لا تجد وأنت تلتقيها عقدة التعالي والافتخار الفارغ والتشدق المتعجرف، انه بسيط الى درجة يخجل منه التواضع، وواضح الى مكانة يأنف منه الغموض، وسهل الى حالة يطمع فيه الغريب قبل القريب.
ولكنه مع كل هذه وغيرها قوياً في إرادته، وصلباً في مواقفه، وصريحاً في طرحه، يتناول المشكلة من أساسها ويغور في جذورها، حتى يتوصل الى حل عقدها ويفك لك عرى استعصائها.
انه فخر المجاهدين، وقدوة المؤمنين، ونبض السياسيين، قد اختفى عن أنظار محبيه سريعاً وغاب عن ساحة البناء في وقت هي اشد حاجة إليه من كل الأوقات، كان أملنا به أن يصحح مسار الطريق للعمل السياسي والبناء الاجتماعي، وتمتين موقع المرجعية الدينية العراقية، فقد كانت من اهتماماته على ما نقله لي شخصياً، وله مشاريع في ترميم البلد لإعادة لحمته الوطنية، واهم ما وجدته فيه من قوة الإرادة استقلالها وعدم تابعيتها لأية جهة مهما كانت مؤثرة في قوة المال والإعلام والنفوذ السياسي، ولهذا فرض احترامه على الجميع من أصدقائه وأعدائه.
انه أيها الإخوة خسارة كبيرة قد لا تعوض في وقت قريب ولعل استحقاقنا لمثل هذه الشخصية غير موفق ليبقى معنا يشارك همومنا ونتطلع لبناء مستقبلنا ونطور بلدنا.
فقد ارتحل موفقاً قد ركب سفينة النجاة سفينة الشهادة سفينة الحسين عليه السلام، تغمده الله بواسع رحمته وحشره مع الحسين وأهله وأصحابه، انه نعم المولى والمجيب.
قاسم الطائي
النجف الأشرف
24/جمادي2/1433ه