علاقة الامام المهدي عج بجده رسول الله ص

ونحن نعيش ذكرى مولد سيد الكائنات محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه واله ) اتعرض لعلاقة الامام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) بجده الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله ) من جهة الاشترك بينهما وجهة الاختلاف بشكل مختصر .

      وجهة الاشتراك : – انهما يشتركان بالدعوة الى الله وتطبيق احكامه وبسط عدله على المعمورة ويستهدفان نفس اهداف الانبياء السابقين منذ بدء البشرية الى ان يرث الارض ومن عليها ويحققان العدل ويبسطان السلطان الالهي على الارض مع فارق بينهما ان الرسول ( صلى الله عليه واله ) طبقه على رقعة صغيرة من الارض هي نجد والحجاز والتي تسمى بشبه الجزيرة العربية ويطبقه الامام ( عجل الله فرِجه الشريف ) على ارجاء المعمورة ان شاء الله تعالى ، واذا كان الهدف هو نفس هدف الانبياء السابقين فلذا نجد الكثير من الكلمات في كتب العهدين ، من الكتاب المقدس تشير اليهما ، وتدعوا الى ظهورهما وتبشر بهما اعداداً للانسانية الى تقبل دعوتهما وتهيئة الوسائل لانجازها وتشكيل القابلية النفسية والقلبية والفكرية لقبول دعوتهما والتمتع بخيراتها . فقد ورد في المزمور ( 72 ) من مزمير داود ( عليه السلام ) بشارة بصياغة شبيهة بالدعاء والتوسل الى الله تعالى واليك نصها بالترجمة العربية كما وردت في الكتاب المقدس – عن دار الكتاب المقدس – في الشرق الاوسط [( البشارة الخامسة ) من بشائر الاسفار بمحمد واله الاطهار … ص13 ] .

      وقد جاء فيها :

1-     اللهم اعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك .

2-     ليحكم بين شعبك بالعدل ولعبادك المساكين بالحق .

فقد نسبت الشريعة الى الله ، وبالرغم ان الشرائع السابقة ايضا منسوبة الله ، فالتصريح بالنسبة هنا يعني اكتمالها وعلو شأنها بحيث استحقت هذه الاضافة والنسبة اليها لان الدعوة والتوسل لا يكون الا بشيء اعلى واسمى مما هو متوفر وموجود . وكما ان التعبير بالملك يرشد الى نكتة ان الملك له نحو من السيطرة على شؤون مملكته فيتصرف بها كيف يشاء كما يتصرف الملك بمكلكه . ومن هنا سميت مملكة .

      والذي يتصرف بمملكه وشريعته تمام التصرف هو رسول الله ( صلى الله عليه واله ) ، وكذا ولده المهدي ( عليه السلام ) حينما يشكل دولته بمشيئة الله تعالى ويبسطها على ارجاء المعمورة .

      وفي فقرة اخرى … يقول البشارة … ويبقى اسمه ابد الدهر ، وينتشر ذكره واسمه ابدا ما بقيت الشمس مضيئة ! وليتبارك به الجميع . وجميع الامم فتنادي باسمه سعيدة . ولا تنطبق هذه الاوصاف الا على رسول الله ( صلى الله عليه واله ) وولده المهدي ( عليه السلام ) .

      واللهم هي جهة الاختلاف بينهما …

      النقطة الاولى : – انهما لا يختلفان باصل الملك بل بخصوصياته : حيث تشع رقعة ملك الامام ( عليه السلام ) عن رقعة ملك جده ( صلى الله عليه واله ) ، وشمول ملك الامام لارجاء المعمورة بما لم ينقل لنا بثبوته لاحد من قبله … واتساع الملك والدعوة بهذه السعة والناس مختلفوا الفهم والعقائد والافكار والسلوك والمناهج ، يبدو لنا صعوبة مهمة الامام ( عليه السلام ) .

      من حيث انه بالامكان اظهار امرا او دعوة على فئة لها طابعها الفكري الخاص المعروف عند الداعي ، ولكن اظهار نفس الفكرة على جميع الفئات المختلفة بالفهم والعقيدة والسلوك صعب بطبيعة الحال ، وهو بحاجة الى قدرة هائلة وتدبير عال وخبرة عظيمة قد لا تأتي بمدة قصيرة من مواجهة الافكار والعقائد المقابلة والتعرف على نقاط ضعفها واسرار قوتها وعناصر تأثيرها وعوامل التأثير بها او التأثير عليها ومعرفة مثل هذه التفاصيل لا يحصل بمدة يسيرة بل يتطلب مدة طويلة قد تطول الى ان يستوعب كل تأثيرات هذه الدعوات وتأثيرها وما تختزنه من عوامل ضعف ومكامن قوة ، حيث تبدأ عملية الانقضاض عليها وتهديمها مقدمة لاستقبالهم الفكرة والرأي الجديد واعدادهم اعدادا نفسيا وروحيا لاستقبالها والاقتناع بها وقبولها وهو ( عليه السلام ) يتابع كل ما يقع من ظلم على العباد من قبل المستكبرين والطغاة منتظرا للامر الالهي للخروج وتعديل المسيرة الانسانية وارجاعها الى وضعها الطبيعي وفطرتها السليمة : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا  (30) سورة الروم ) .

      النقطة الثانية : – امتلاك مجتمع الامام المهدي ( عليه السلام ) المعرفة كسلاح قوي ومؤثر في مواجهة دعوته ، ومجتمع رسول الله ( صلى الله عليه واله ) خال عنها الا عند القلة من الافراد ممن كان يعرف او ان بعثة الرسول من قبل بعض اليهود والنصارى ، ومع امتلاك سلاح العلم يختلف التأثير بهم عن التأثير بمن لا يملك ، لان الغالب من الممتلك لسلاح المعرفة يرى نفسه ويجدها الا القلة من اهل الفطنة والوعي الواقعي اعلى من سماع الدعوة او الانصات اليها اذا لم يأنف من سماعها فضلاً عن الانصات لها فضلا عن الاقتناع بها ، وهذا امر مسلم عرفا ووجدانا . بخلاف الفاقد لها كحال مجتمع رسول الله ( صلى الله عليه واله ) فهو وان حصل منه عناد وعدم الاقتناع بالدعوة الجديدة الا انه امر وقتي سرعان ما زال بقليل او كثير من التدبر والملاينة معه ، وهو بحكم الطبيعة والفطرة سيسعى الى معرفة المجهول وكشف اسراره ، وفك رموزه ومعرفة مغزاه وهدفه وما يوصل اليه وحينما يسمع الدعوة الجديدة ونفسه خالية من اية معرفة مسبقة كان انقياده لها مما تمليه عليه الفطرة عاجلا ام آجلا . وامتناعه عنها انما كان بفعل عوامل وقفت مانعا عن اصغائه وقبوله لها كالمصالح الاجتماعية والمراكز الوظيفية والوجاهة وغيرها ، ومع ذلك تبقى للنفس عنده ميلا فطريا لقبول دعوة الحق بعد ان فقد المعرفة وعمه الجهل ، وهذا الميل الفطري فاعل في نفسه وان طال الزمن فيرغمه بالاخير على الاقتناع والقبول للحق ، وهذا ما حصل بالفعل زمن الرسالة الخاتمة ، وكان الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله ) مداريا لهم وملاينا لان اهل قبولهم لدعوته واقع لا محال ، ولم يبق من اهل مكة والمدينة من لم يؤمن بدعوته ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ  (159) سورة آل عمران ) .

      واما مجتمع الامام المهدي – فهو يمتلك سلاح المعرفة والعلم وعلى نطاق واسع من الناس قد يشمل كل افراد المجتمع حين الظهور الميمون ، وغالبا ما نجد ان اهل العلم والمعرفة يماطلون ويجادلون في عدم قبول الدعوة الجديدة بيسر وسهولة ، والواحد منهم بفعل الاغترار بما يحمله من علم ومعرفة يحاول خلق التبريرات والمسوغات لرفضه اذا كان من اهل نفس الملة ، وقد يقع في الوهم وضغط الانانية ان لا طريق للحق الا من خلال نفسه ، وعن طريقه لا عن طريق آخر .. وهذه هي محنتنا اليوم والبعض الاخر يجادل في حقانية الدعوة الجديدة ومحاولة الدخول في صراع فكري معها لان اعتقاده بمعرفته وجزمه بها يجعله دائم التشكيك وسوء النظر بالدعوات والافكار الاخرى ، والتعامل مع امثال هؤلاء ، مهمة صعبة ومعقدة .

      والفت انظارهم الى ان ابطال الدعوات والفتوحات كان معظم التابعين لهم والمقتنعين بافكارهم هم ممن لا يملكون مقدارا معتدا به من العلم .

      ولذا تجد الواحد منهم يدافع بهمة واخلاص واطاعة عالية لاصحاب الدعوة الحق وبلا تأمل لانه يجد فيها ما ليس عنده . ومن هنا يفهم ان الرسول ( صلى الله عليه واله ) كانت مهمته اسهل وفق هذا المنظور من مهمة حفيده الامام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) وما ذلك الا لانتشار الجهل الذي سهل بعض التسهيلات ، وما قاومه الاكبراء قريش حفاظا على كياناتهم ومواقعهم الاجتماعية ومصالحهم التي اكتسبوها بفعل الجهل الذي كان عليه عامة الناس .

      النقطة الثالثة : – وهي مكملة للنقطة السابقة بان يقال ان الجهل سهل مهمة رسول الله ( صلى الله عليه واله ) من جهة اخرى هي انهم لم يكونوا يملكون صورة واضحة عن الاسلام واهدافه وغاياته وطرق تأثيره ومقومات بقائه واسرار قوته واظهار الدعوة لهم على حين غرة وغفلة منهم يربك تفكيرهم ويقطع الطريق عنهم للتمهيد من اجل الوقوف ضد الدعوة الجديدة ، اذ لا يملكون الوسائل المناسبة لمواجهتها بعد ان افقدهم جهلهم تهيئة مثل هذه الوسائل والاستعدادات للوقوف بوجه الدعوة المحمدية المباركة .. ومجتمع الامام المهدي ( عليه السلام ) سيكون ذا معرفة به بدعوته مما يرفع من عامل المقاومة ومحاولة الحد من تأثير دعوته كمحولة فقدان اهمية الدين في نفوس معتنقيه واشعارهم او توهيمهم بان الدين امر مرحلي لا يستوعب افق الحياة ومتطلباتها الجديدة وامتدادها لتشمل عموم الزمان والمكان ، كواحدة من اساليب الحرب المعلنة على الاسلام قبل ظهوره المبارك ، وقد انتجت ثمارها لفترة ليست بالقصيرة ، او محاولة التقليل من الشخصيات العظيمة في نفوس الناس بتعمد الاغفال عنها وانتقال التركيز على شخصيات تاريخية دينية عاشت قبل الاسلام كل ذلك لتقليل اهمية الدين وتجاوز تأثيره في بناء الحضارة والعلم وتمييع مفاهيمه الصحيحة .

      والمعرفة والعلم يجعل من المجتمع متربص بدعوته من الناحيتين العسكرية والاعلامية فيتوفر على وسائل مقاومته لانهم ملتفتون الى فكرة الامام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) ويعلمون انها ستذهب بشوكتهم وسيطرتهم فلا بد من الاستعداد لمواجهتها بكل الوسائل .

      والانتظار ولو كان منتجا لتمحيص المكلفين واعدادهم لاستقبال دعوته والاستعداد للتضحية من اجلها ، ولكنه من عين الوقت منتج لتنمية قدرات اعداء الدين العسكرية والنفسية لمواجهته ومحاربته .

      ويفرع على هذا ان عنصر المباغتة في حسم القضية والانتظار لها قد لا يكون متوفرا عند الظهور الميمون اذ المباغتة تتوقف على غفلة المباغت ومداهمته بسرعة بحيث لا تترك له فرصة لترتيب اوضاعه وتهيئة وسائل مقاومته الا بعد فوات الاوان ، وهو عنصر مهم واساسي في الحرب وفي غيرها ، كما يشاهد الان من دعوات من هنا وهناك تباغت بها العامة ، مما يخلق عندها ارباكا واضحا لا يعطيها الفرصة للتأمل في صدق المدعي وتبين موضوعه وفي معرفة صحتها من سقمها .

      واذا فهمنا من بعض المرويات انه لا يظهر الا حين غرة ، وامره كالساعة لا تاتينكم الا بغتة ، علمنا ان امرا لا بد ان يسبق ظهوره المبارك ليقع الناس في الغفلة والذهول بالمرة عن امره ، وليس من شيء يوقعهم في ذلك الا قيام حرب تهلك الحرث والنسل الكثير من بني البشر كما ترشد اليه بعض الاخبار ، حيث ورد فيها ، لا يظهر حتى يذهب ثلثا البشر او سبعهُ او تسعهُ على اختلاف . ولكن حربا كهذه لم تقع بعد وان كانت بعض الارهاصات الحاصلة الان على الساحة الدولية قد ترشد الى وقوعها للصراع المصالحي الدائر بين اهل القوة والسلطة .

      ومثل هكذا حرب ينشغل الانسان عن اساسيات حياته فضلاً عن بعض افكاره ومعتقداته ومنها فكرة الامام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) .