يُطرح الان قانون المساءلة في مجلس النواب كبديل عن قانون إجتثاث البعث السابق ، القانون المطبل عليه إعلامياً ، المعصي واقعياً فإن كوادر حزب البعث لا زالت في مواقع إدارية عالية في الدولة الجديدة ولها من النفوذ والقوة ما تستطيع أن تفعل ما تريد ، بل إن كثيراً من الفارين السياسيين لبعض الكتل والكيانات السياسية كانوا ولا زالوا حواضن لإحتواء وحماية بقايا النظام السابق ولدينا عشرات الشواهد على ذلك لا حاجة لعرضها

   واصول هذا القانون وأقصد نشاته ، أنه مفروض على القوى السياسية التي نادت كثيراً بأن عودة البعثيين خط أحمر ، ويذكرني واحد من هذه التصريحات للدكتور الجعفري في فترة رئاسته للوزراء في جامعة الدول العربية بمصر عند إجتماع القوى السياسية من أجل المصالحة فيها هناك ، ولست أدري كيف سيواجه الموقف وقد سقط إعتبار التصريح وعاد البعثيون بقوة مايسمونه ، ضرورة المصالحة الوطنية وإن بعض القوى السياسية التي هي ذات أصول بعثية قد فرضت هذا القانون على المجلس النيابي وألزمت الحكومة بقبوله أو طرحه للتصويت عليه ، ولم يكتف القانون فيما لو شّرع وبدأ تطبيقه بعودة البعثيين بل يسمح لهم بالمشاركة السياسية كقوة فاعلة في البلد لها دور تاريخي في حكم العراق لفترة طويلة نسبياً . وبهذا يكون حال البعض ممن لم يحسنوا صنع القرار وقد إنطبق عليه المثل الشعبي  ((مارضى بجزه رضا بجره وخروف)) .

   وفرض القانون على الساحة السياسية وكثير من القوى مرغمة على تمريره بوهم الصالحة الوطنية فإن إرغام قبوله، فإرغام قبوله يجعل إستهداف المصالحة من خلاله إستهدافاً لإستبعاد وجودها فإن المرغم على الشيء لا يمكنه قبوله والتكيف معه .

   وكان بإمكان القوى السياسية أن ترجع قليلاً إلى بعض الحوادث التاريخية لتنتفع بتجربتها وتستفيد من مداليلها كحادثة فتح الرسول العظيم (صل الله عليه وآله) لمكة وقد أطلق مقولته (كل من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) وبذلك غلق عليه وعلى خط الشرك من تاجيج التمرد عليه والأوضاع هذه لإمتداده الكبير في الجزيرة العربية وإن إنتهى ابو سفيان وإنقضت أيامه . إلا أن وعي الرسول الكريم وإدراكه العميق ، دفعه بأن يضع الداء لهذا الدواء متخلفاً من شره وشروره ومتفضلاً عليه بمنه بما يَقعده على مزاولة العدواة من جديد وتجميد نشاطه وحركته المضادة للدعوة والرسالة وقد نجح الرسول (ص) في ذلك بكل تأكيد .

   كما إن الناس في الأعم الأغلب على دين ملوكهم ترغيباً وترهيباً وإن كان الغالب ترهيباً لا ترغيباً . وبالتالي إن السير على ركب السابقين لم يكن بإرادة وجدية بقدر ما كان متابعة إرهابية ، ومثل هذه المتابعة تزول بعد زوال عامل الترهيب .

   ولو كان القانون بالنهج الذي أطلقه الرسول الكريم لحزب المشركين من قبل الحكومة المركزية لكانت نتائج المصالحة الوطنية المنشودة قد أتت أُكلها كل حين وإنقضت صفحة سوداء لتاريخ اسود تجرع العراقيون مرارته بكل طوائفهم . ولتعززت موقعية الحكومة في إرساء قواعد المن والآمان في العراق. 

  وإن المظالم التي وقعت من بعض أفراد النظام البعثي يمكن حلها بعد حين ، وعن طرق آخرى شرعية أو عشائرية وهي طرق متبعة في العراق كثيراً ونتائجها مضمونة ولم تترك من الاثار السلبية والأحقاد النفسية من اثر . إن قبول الحكومة لهذا القانون معناه انها قبلت بالداء وتركت الدواء وكانت بأمس الحاجة أن تقدم الدواء على الداء ، فإن في تقديمه عليه قتلاً للداء وإنجاعاً للدواء ، وأما العكس ففيه تأكيداً للداء وبعثرة للدواء .

   وقد طرح المشروع بكل تفاصيله كاملاً وطنياً خالصاً من قبل الشيخ الطائي وقبل سنتين تقريباً ولم يرد النور لا إعلامياً ولا سياسياً ، حتى أن الجهات التي نادت بإلغاء قانون إجتثاث البعث لم تعطه الأهمية المطلوبة وتُرك حبراً على ورق .

   فما حال الشيخ الطائي مع العراقيين إلا كحال الحسين (عليه السلام) مع الإحتفاظ بالموقعية والشخصية الحسينية التي لا نقارنها  وشخصية  المقارنة من حيث الفعل عندما نادى الشهداء (يا فلان ويا فلان) (( مالي أدعوكم فلا تجيبون………..))

                                             

 

                                       النجف الاشرف 14/شعبان/1428