قد تسأل عن سبب اخفاق بعض الكتل والاحزاب في انتخابات المحافظات التي جرت بالقريب ونجيب:ـ
بأنها لم تتعامل مع الشارع العراقي عموماً بقدر ما تعاملت وتفاعلت مع ما تسميه قواعدها الشعبية ، وهي لا تمثل الا جزءً من السعب العراقي فكان اقترابها وعملها مسجلاً لهذه القواعد دون سواها، وهي غير مضمونة الولاء لأن كثرة المرشحين من الكتل والأحزاب يجعلها في تردد مستمر واضطراب غير مستقر فهي توالي ولا توالي ، فتوالي ظاهراً كتلها ولكنها تتحرك بأتجاه من يملك القوة في الساحة ، فإذا ما وجدت أن بعض الأخرين اقوى وجوداً وإمكانيةً غيرت ولاءها وتركت أصحابها . والسبب يعود لنفس قيادي هذه التجمعات السياسية ، فإن معظمهم يتعاملون بمنطق القوة والأمكانية الكبيرة ، وقد يمنّون على الناس بعض إنجازاتهم التي خلقتها لهم ظروف مواقعهم الوظيفية، ولولاها لما كان لهم من ناقة ولا جمل بها.
ثم إنهم لم يعتمدوا على الكفاءات المتوفرة في الوسط الشعبي العراقي ، وجلّها نزيه وكفوء ويملك خبرة إدارية ووظيفية معتبرة ، فتركوا هؤلاء وجمعوا لهم بعض المتزلفين لهم ممن يعظمون كل اعمالهم مهما كانت بسيطة وسيئة حفاظاً على مواقعهم ومكاسبهم ، وقد يشكلون طوقاً يضربونه حول المسؤول الكبير للتأثير على قراراته ومتابعاته ، تخويفاً له بالأرهاب وأنه مستهدف ، ونقلاً له صورة مخالفة للواقع تماماً لتطمينه، فيثق المسكين بهم وهم بطانة السوء ، وإذا كشفت الأنتخابات نتائجها بات له كذبهم وتخذيلهم .
ثم إنهم لم يقدموا لمجتمعهم بعض الأنجازات التي يمكن ان تتذكرها الجماهير إنجازاً لهم بقدر ما كانت إنجازاتهم لتسجيل بعض الصور واللقطات والإستفادات الشخصية والحزبية ، وقد تكون سيئة التنفيذ الى الدرجة التي لو كنت مشرفاً على أعمالهم لرفضتها لأنها تمثل حداً أدنى من المتانة لا يتناسب وحجم الإتفاق عليها .
ثم إنهم تعاملوا بإنحياز تام مع بعض العناوين الكبيرة والمؤثرة على الساحتين الأجتماعية والسياسية كما يتضح ذلك جلياً في حصر بعض العناوين ببعض الشخصيات بلا مبرر واقعي وموضوعي إن لم يكن المبرر غير موجود ، وقد يدفعهم الى ذلك إستقواءهم بهذه العناوين ، وإظهار إرتباطهم بها ، وهي لا تعير لهم أذناً صاغياً وتعلن جهاراً إنها مع الجميع .
ثم أنهم إعتمدوا على دعاية إنتخابية مزيفة لا تتضمن سوى صورة جميلة تكلف ما يزيد عن دخل شهري لعائلة عراقية متوسطة الحال ، وبعض الكارتات ، واللافتات التي لا كتابة فيها إلا إستجداء شعور الجمهور بدعوى إنتخبوا مرشحكم ……. ولم يسألوا أنفسهم على ماذا أعتمد ليطلب من الناس ترشيح نفسه ، هل إعتمد على جمال صورته ؟ أو موقع لافتته أو على ماذا ؟ إنها دعاية الضحك على الذقون ، فلم نسمع برنامجاً سياسياً أو عمرانياً أطلقته بعض الكيانات المرشحة الكبيرة فضلاً عن الصغيرة .
ناهيك عن توزيع البطانيات وبعض الدنانير مشروط بالحلف (بالعباس) أو بوضع اليد على القرآن مستغلين بذلك حاجة الناس التي لم يقدموا لهم شيئاً يذكر وهم أصحاب السلطة والقرار ، وما أن إحتاجوا الى الناس تزلفوا لهم بهذا الفتات ، ولكنها لعبة لم تمر على الشعب الذي تعلم من تجارب السنين السابقة وتجاوز بها حالات الإستغفال له من قبلهم ، فقال قولته الحق ، كلا كلا للباطل .
وقد كانوا بعيدين عن مجتمعهم وشعبهم حينما كانت لهم الأمور متسعة والأحوال متيسرة في سلطة لم يراعوا حقها ولم يؤدوا أمانتها للشعب الذي إنتخبهم في المرة السابقة .
وكانوا يوصدون بيوتهم بل يقفلون هواتفهم ظناً منهم ان القادم أو المهاتف يستجدي عطفهم بل كان يطالب بإنجاز وعودهم وإرجاع إستحقاقه عليهم لإنهم كانوا ممثلين عن حقوقه والدفاع عنها .
أن مثل الفاشلين كمثل (( التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثاً)) الآية 92 سورة النحل