You are currently viewing كــــــم عــــندنا من الحســـــيـــــــــن؟

كــــــم عــــندنا من الحســـــيـــــــــن؟

كم عندنا من الحسين؟

بقلم المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي(دام ظله)

الحسين (عليه السلام) الذي خرج متحدياً لجبروت الظالمين، وتمرد ثائراً وتجلّد صابراً، وقدم مضحياً بأعز الناس عنده من الأولاد والأخوة والأعمام ولم يزل مستبشراً بنصر الله، وأعلن ناهياً، ورحل مستبصراً، وحدد مستهدفاً، طلب الإصلاح في أمة جدي، مصرحاً وسيلته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير بسيرة جده (صلى الله عليه وآله) وأبيه (عليه السلام).
وحينما خرج، لم يكن من مخدرات متداولة ولا خمور مسوقة، ولا ملاهي عارضة على سعة من طول البلاد وعرضها، كما شاهدناها الآن ظاهرة سافرة لا تأبه لوعظ ولا تستحي من شيخ ولا تقف عن حد ولا تقع في سيف، فتتحرك ضاحكة هادئة، ولسانها يقول، هات الكأس وأبتعني فما قال ربك ويل للذين شربوا، بل قال ربك ويل للمصلينا.
وما بين صورة المنكر المنحسرة عند الولاة وفي بلاطهم حصراً على كبريائهم، وترنماً في تحكمهم، وما بين منكر استشرى أمره واستقام عوده وضربت جذوره أعماق نفوس الموالين والمحبين المدعين لحسين الشهادة والنصر، حسين الكبرياء والإباء، حسين الثورة والإصلاح، حسين الغيرة والنخوة، حسين البطولة والرجولة، حسين العفة والفضيلة، فما مقدار حبهم لحسينهم؟ وهم يحبونه لأجل الدمعة والعبرة، لأجل (التمن والقيمة!)، لأجل التفاخر والزينة في إقامة الشعائر والمجالس، والتباهي بالسعي والبذل و…. حتى البذل يكون للحسين حصراً لا لقيم الحسين، عندما يُنتخى. الباذل للطعام في محلته أو موكبه لذويه الكرام، غلق بابه عن فقير طرقها، وأخ أستقرض منها ومحتاج أستعطى ، فأين نحن من الحسين؟
وأبوابنا مغلقة عن البذل والعطاء في سبيل منع الرذيلة وتيسير انتشار الفضيلة، من منكر ردعناه وامر أمتثلناه، وإصلاح قصدناه، ونصيحة قدمناها.
نحن – بالحقيقة – ليس عندنا شيء من الحسين، إلا أسم نفتخر به، ورسم نبكي عليه، فالخمر منتشر، والبار مفتتح، والعرض مستلب، والرزق منقلب، والإرادة مرتهنة، والاحتلال متربع، والحق مغيب والباطل معلن، والمال منتهب، وزفرات اليتامى والأرامل متصاعدة وفي فراغ دائرة، ووطن ضائع، وكرامة مهانة، ودين أصبح طريقاً إلى الدنيا، وتاريخ منقطع، وأوهام مستوردة، وقيم مسلوبة، وأرض تداس وتدنس، وسماء مخترق، وسمعة كانت ولا تكون.
أننا نُبكي الحسين، لا أننا نبكي على الحسين، إذ لا معنى للبكاء عليه ونحن على حالة هذه عرايا من قيم الحسين ومبادئ الحسين، فهل طبقنا هيهات منا الذلة، ونحن راكسون فيها أو ((من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله )) تاريخ الطبري ج7 ص300 ونحن راضون عنه ومنبطحون أمامه.
أين أهل الحل والعقد؟ من تعقد عليهم الآمال وترتحل اليهم الجمهور، وتشرق ببركة فطرتهم الألوف، هلا زحفوا لمنكر ردعوه، أو لأمر بالمعروف أعلنوه، نعم أنهم زحفوا مع زحف الزاحفين، وأمروا بما ألقاه الآخرون، صم بكم فهم لا يفقهون.
نستكثر على امتنا وإسلامنا نصيحة بسيطة، ووقفة شريفة، وما قدرها، في جنب تضحيات الحسين، وهو القائل والله لا أعطي أعطاء الذليل، ولا أقر أقرار العبيد، وقد أعطينا أكثر مما يعطي العبيد، فالعبد يعطي صاغراً غير مالك ونحن نعطي مالكين لإرادتنا ، وفي تمام تصرفنا بوجودنا.
أننا نقتسم مع الحسين (عليه السلام) قسمة ضيزى، نأخذ منه كل ما أعطى وقدم ونعطيه كل ما رفض وجحد.
ومن هذا وغيره تعرف نحن كلٌ على الحسين، لا نقدر على شيء، أينما نُوَجه لا نأت بخير.
ومن كان هذا حاله فأولى له ثم أولى أن يأتيه الموت على فراشه ذليلاً خاسراً كسيراً قد فوت فرصة التبرك والتشرف لمشاركة الحسين ركبه وسفره، غرته الدنيا فراح يلهث ورائها وقد تركته الدنيا مولّية مدبرة قد أخذت منه زهوها وأعطته غرورها،

فهو كما قال تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً() الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً() أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} الآية .

قاسم الطائي