كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا

 الصراع في ساحة العمل السياسي وعلى الدوام من خلال متابعي لا يخلو من لعنة بلغة القرآن وانتقاص او تضعيف او نقد او تخوين بلغة اصحاب السياسة وتجارها ، ولا تختلف اللغتان الا باعتبار المستعمل مما يعني ان مضمونهما واحد هو ابداء كل مساوئ السابق ومحاولة اسقاطه وانهائه وصيرورته خبراً بعد عين ، وما ان يتحقق له ما يريد سواءً مما حصل منه او من غيره ، حتى يأخذ لنفسه قميص سلفه وطريقة تعامله وربما يقع في أسوأ مما كان عليه سابقه وهو يحسب انه يحسن صنعاً .

      فمن نقد لأداء النظام السابق في تعامله مع افراد الشعب العراقي بمقولته المشهورة ان لم تكن معي فأنت عدوّي ، هكذا كان يتعامل مع ابناء شعبه وممن ليس على حالة انضمامه الى حزبه فلا وظيفة يحصل عليها ولا ايفاد يصل اليه ولا بعثة دراسية تعزز طموحه ومنصب اداري يقوي قدراته و ……….. كل ذلك لانه غير منضم الى الحزب الحاكم آنذاك ، الحزب الذي يملك سلطة وقيادة في حينه ، وهذه الحالة قد اتخذها معارضوه ومنهم كاتب هذه السطور شماعة للنيل منه واظهار مساوئه وان كان كله مساوئ .

      وقد تبدل الآن حال الدنيا من حيث السلطة والسطوة فهل تغير ما كان ينتقده الاخرون على نظام البعث السابق ، ام ان الامور نحت على منواله ونسجت على خطواته فاذا اردت ان تتعين في الوزارة الفلانية او الدائرة الكذائية وهي بالطبع من حصة (سين) من الاحزاب فيقال لك أءتني بوثيقة تزكية من نفس الحزب التي تكون الدائرة من حصته .

      ومن الطبيعي ان التزكية لا تعطى جزافاً الا بشق الانفس او بالضمان المطلق وهو ان تكون منتمياً الى الحزب او الجهة صاحبة السيادة على الوزارة – او انها غالباً ما تختصر الطريق وتغلق الباب على المتقدم ما ان تشعر انه من الجهة الفلانية او الطائفة الكذائية او القومية …………. وهذه التصرفات هي تعبير – مما يسميه اهل المنطق والاصول – باللازم عن لغة البعث السابقة .

      ولا تعجب فان العجب قد رفع من ذاكرة وعقول العراقيين في زمن الحرية الموعود !!

      ان سمعت او تسمع ان بعض الاحزاب قد طردوا بعض المنتسبين لدوائرهم عندما علموا انهم يرجعون الى جهات اخرى والاكثر في هذه الجهات – الاسلامية – او التي تدعي اسلامية المنهج – .

       والسبب الذي تكمن وراءه هذه الحالة قد يكون توهم هذا الحزب انه بذلك يريد تحصين نفسه وتقوية موقعه او يدعم اعضائه من خلال تفضيلهم على الغير لمجرد ولائهم له ولا يعلم أهو ولاء بقناعة او ولاء ببطانة ، وقد نسي هذا الحزب ان القوة تأتي من الجماهير وهي لا تعطيها الا لمن تشعر بانه يخدمها ويعمل من اجلها وقد اغلق هذا المسكين على نفسه ومستقبله ابواب القوة الجماهيرية بأيصاد الباب امامها في وظيفة تسد بها رمقها وتحفظ بها ماء وجهها من ذل الحاجة وأسر الفقر .

      وقد يكون – ايضاً لا تعجب – لما سأقوله ، هو استغلال حالة الانفلات وغياب السلطة وغفلة الرقيب والحسيب على كل فعل يفعله اهل السلطة والوجاهة في ظل غياب القانون والخوف من المجهول ، والمستقبل المستور اذ لا شيء مضمون بالمطلق ، لا المنصب ولا الموقع ولا الاتباع ولا الاموال ولا حتى الحياة الذي قد يأتي عليها القدر في لحظة غير محسوبة بدقة ، في جو كهذا يتصور صاحب القرار ان عليه تأمين وضعه وموقعه من خلال توظيف من يدين له بالولاء ، والولاء فقط ، واما حاجة البلد الى العناصر الكفوءة فستأتي بعد – خراب البصرة – .

      وقد يكون ، ولا تعجب لثالثة الأثافي – ان تسهيل ( حوسمة ) المال العام تكون سهلة وميسورة عندما يجتمع أحبة المنهج واصحاب الطريق ليحمي كل واحد منهم ظهر الاخر في ظل غياب الرقيب والحسيب ، إلا من وازع الضمير الذي جمده اصحاب القرار والسيادة ، ولفترة مؤقتة سيصحو منها بعد حين – حين الخروج من مأزق الوظيفة والموقع والوزارة ، حيث يعود الضمير الى رشده ليحيى بعد التخدير الحاصل له من زهو المال وقدرته العجيبة على التوريط .

      وقد يكون – ويكون نتركها للذين يرون الامور بعيونهم ومن خلال وجهة نظرهم .

      ونحتاج الان الى وضع ميزان نوزن به اصحاب السمو والرفعة ، وميزاننا ليس كباقي الموازين – لان منطلق ما نضعه من ميزان هو القرآن الكريم في نصه التالي : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ  E  وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ E  وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (204- 205 – 206) سورة البقرة ) .

      وألد الخصام في مقام الاستشهاد بالاية – ألديته لنفسه حينما ورطها في الوقوع بما لا تأمن معه السلامة والنظافة ، كيف والجو ملوّث والامور تسيّر من الاجنبي ، فيضطر لاحد امرين كلاهما يثقل على نفسه ، اما الانسحاب والعمل بمنهج جديد ، ولكنه يرى ان هذا طريق طويل قد لا يوصل الى المطلوب ، واما البقاء وهو يرى الارتكابات والاختلالات فيشارك فيها بسكوته .

      ومع سكوته فيها ، فهو يهلك الحرث والنسل .

      ومن الظريف انه اذا اختار البقاء لعن من دخل قبله ومن هيئ له الامور فيصل فيها الى موقعه لانه يدرك ان الحمل ثقيل وان التغيير عسير فينشط في تحميل مسؤولية ذلك الى سابقه من النظام المقبور ، وهو ما تصف به الاية ( كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا (38) سورة الأعراف ) .

      الاخت هنا المثل – والكل امثال في السلطة والنفوذ . 

 

8 – ربيع2 – 1427هـ