من الطيب ان يجتمع الفرقاء العراقيون ويتكاشفوا عما في دواخل نفوسهم كل في مقابل الطرف الاخر لان التكاشف هو ما يدفع على التقارب وينفي التباعد ، وقد ورد عن اهل بيت العصمة (( لو تكاشفتم لما تدافنتم )) أي لما تدافنتهم الاحقاد والعداوات وسوء النوايا والخصومات اذ هي في الغالب تبنى على وهم وتصور تغلب عليه النزعة النفسية والرأي المسبق الذي ينحى عن جادة الصواب وحقيقة الحال ، ولا يزول هذا الوهم الا بالتكاشف مع الطرف الاخر ونزع ما في نفسه من الرأي ومعرفة حقيقة نواياه غير النوايا المبتنية على الوهم والتخمين .
ومؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي هو مصداق لهذا الحديث الشريف وهو بادرة خير على الشعب العراقي وخطوة في الاتجاه الصحيح كما يحلو للبعض ان يعبر فان مجرد اللقاء بين القيادات يذهب بنزعة التعالي والتجاوز على الاخر ويهيء ارضية قبوله والدخول في شراكة معه او على الاقل تخفيف حدة التوتر معه والبدء في تجاوز عقدة عدم قبوله او تهميش دوره وتغييب فعاليته في احداث الساحة او قدرته على التأثير والفعل بمجمل احداث الساحة .
انه بمثل فرصة حسنة لان يعي الجميع – وليس كلهم حاضرين ، لان دائرة التغييب والتهميش ذات جذور عميقة ومتشعبة وتراكمية بين الطيف الواحد فضلا عن ان يكون بين الاطياف المتعددة – ان اللعراق وطن يشترك به الجميع ومن حق الشريك ان يستشار في امر يتعلق بشراكته وبما يشترك مع الاخرين وان أي تصرف يتجاوز ويعبر حدود الشريك الاخر هو تصرف غير جائز ولا مقبول ، بل هو مرفوض شرعا وعرفا فان التصرف بمتعلق حق الغير واضح المنع شرعا وجلي الرفض عرفا .
الا ان هذه البديهية قد تغيب عن اذهان الساسة او القادة بفعل الاغترار والزهو بعناصر القوة والقدرة التي يملكها بعض الاطراف فيتصورون ان بقدرتهم اتمام العملية السياسية وانجاز الامر الذي يرونه صحيحا بعيدا عن اخذ رأي شريكهم او شركائهم في هذا البلد وان حقهم مضمون في تقرير مصيره واحلامه وفق ما يجدونه صحيحا وسليما ومستقيما .
وبعد ان يجد البعض خطأ هذا التصور ولو بعد حين قد يقع فيه باخطاء كبيرة تعرقل المسيرة الديمقراطية المنشودة لهم اكثر مما تقربها – يضطره هذا الوقوع الى التنازل والقبول بالاخر بعد ان تجاوزه وستر على حقه المضمون في اصل الشراكة .
وغالبا مايجره الاضطرار الى قبول تدخل طرف آخر خارج دائرة الشراكة ليدير عملية الوفاق والتوافق مما يزيد في العملية صعوبة وفي الخطوة تعقيدا . وكان من الاجدر له ان يتنازل عن عليائه ويقبل بالحق المضمون للاخر ليقلل من الهوة ويزيد من الالفة ويمنع تعقيد الخطوة .
وعلى كل فان ما حصل بالقاهرة اذا ما اخذت بنود بيانه الختامي بالجدية والمتابعة فانه سيحقق جوا للعراقيين اقرب ما يكون الى الود منه الى الخصام وسيفتح المجال لكثير من التفاهمات حول القضايا الحساسة في البلد .
ويعاب عليه – وان كان تمهيديا – كي لا يترك الباب مفتوحا لتأويلات واجتهادات متباينة حول بعض القضايا ، فقد اهمل تحديد المفاهيم المهمة موضع النزاع بين الفرقاء فقد اهمل تحديد مفهموم الارهاب – ومفهوم المقاومة الشريفة مع اشارته اليهما .
وتعمد ، اهمالا – اشتراك كثير من الشخصيات الوطنية – المشهود لها بالساحة السياسية والاجتماعية في الزمن السابق وكذا اللاحق بعد سقوط النظام وكان معظم المشاركين هم ممن هاجر او هجّر من العراق ولم يأت اليه الا بعد السقوط وان كان اغلبهم من المعارضين للنظام .
وقد يعزى هذا التغييب للشخصيات الوطنية – ولتسمهم عراقي الداخل في مقابل عراقيي الخارج – أي المعارضين – .
وربما يكون اهل الداخل اكثر معارضة واقسى ظرفا في زمن النظام المقبور – من اهل الخارج والضرورة التاريخية والواقعية قاضية بلزوم مشاركتهم في هذا المؤتمر الذي دعت اليه الجامعة العربية وهي لا تعرف من الرموز الوطنية الا ما يصلها من الاعلام واما من لم تطله يد الاعلام عمدا احيانا وسهوا اخرى فكيف تدعوه ، الا عن طريق بعض الجهات رسمية او غير رسمية ، وهي تاخذ في حساباتها عنصر الولاء بالدرجة الاولى بدلا عن عنصر الاستحقاق والاحقية في التمثيل والمشاركة وفق التاريخ الواصل من زمن النظام الى ما بعده – وهذا امر مؤسف وعلى اهل الشأن ان يأخذوه بنظر الاعتبار في اجتماعهم المقبل ان شاء الله تعالى .
كما ويعاب عليه انه لم يشخص المشكلة الحقيقية ويحاول تناولها بموضوعه ليضع لها الحل المقترح والآلية الصحيحة – بقدر ما عالج العملية السياسية وضرورة اتمامها من خلال المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة ، وكأن البلد لا تقام لها ساق الا بالعملية الانتخابية المقبلة ولا شاهد على هذا الرأي ان لم يكن ضده بعد ان وجدنا الانتخابات السابقة عاجزة عن تحقيق ما لوحت به وبشرت به .
فكان على المؤتمرين التوقيع على وثيقة ادانة وفتوى تجريم وتحريم العمليات الارهابية التي تستهدف الابرياء من الاسواق ، والمساطر والمساجد والطرقات والمساكن والساحات ، والبراءت منها والتبري من فاعليها وتجريم من يدعمها بالكلمة او يداري في تحريمها ونقدها كما نسمع في كثير من اللقاءات لبعض الشخصيات على المرئيات .
وكان عليهم التعاهد على رعاية مصالح العراق من خلال ثوابت معينة تلغي العرق واللون والمذهب والجنس وهي المواطنة ، والكفاءة والاستقامة .
وعلى عدم السعي في تمزيق العراق وتجزئة ارضه وشعبه تحت مسميات معروفة بحيث يكون هذا التعهد ملزما لهم ولمن يأتي بعدهم في المرجعيات القانونية الدولية ، كهيئة الامم المتحدة ، مجلس الامن ومنظمة المؤتمر الاسلامي ، والجامعة العربية لتزول مخاوف البعض من جر البلد ومن خلال بعض فقرات الدستور الى التفريق والتجزئة .
وهي مخاوف مشروعة ويشاركهم فيها جميع العراقيين .
وللكلام تتمة .