عندما تشكل مجلس الحكم الإنتقالي كان الأمل بأعضائه كبير بالرغم من الإنتقاد الشديد الذي تعرض له المجلس لكونه لا يملك شرعية من موافقة الشعب العراقي عليه ولا أنه حصل على مباركة المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف ومع ذلك فقد أحسن بعض أفراد الشعب العراقي المسكين الظن بأعضائه ظناً منهم أن الحاجة الضرورية الأنية ووضع البلد الأمني وتدهور مؤسسات الدولة ودوائرها وسيادة الفوضى والإنفلات الأمني ، كل تلك الإمور تستدعي أن يعطي الأعضاء في المجلس المُعين فرصة لتحسين الأوضاع وإيقاف حالة التدهور وضبط الأمن وإحلال الإستقرار وقد حقق المجلس نسبة ما من هذه الضروريات الحياتية ، وكانت حاجته إلى التشجيع كعامل يعرز موقع المجلس ويمنحه الثقة للعمل بجدية وإخلاص أكبر في خدمة البلد وإنهاء معاناة شعبه وقد قمت بالفعل بدعمه وتقييم عمله من خلال التجربة عبر إستفتاء موجه حول المجلس لتعزيز موقعه في الوقت الحاضر كحالة ضرورية لابد منها بإعطائه فرصةٍ للعمل ومتابعة نشاطه عبر التجربة.  إلا أننا فوجئنا وللأسف بإقرار المجلس لمشروع قانون الجنسية العراقية الذي يسهل منحها لغير العراقيين الأصليين كما تنص بعض فقرات القانون فقد كانت هذه الفقرات مخيبة للآمال حيث فتح الباب على مصراعيه كل من هب ودب أن يحصل على الجنسية العراقية ولو كان من إصول غير عربية وغير إسلامية لمجرد أنه إستوطن في العراق عشر سنين أو تزوج من عراقية وأقام معها في العراق ثلاث سنين أو إمرآة تزوجت من عراقي وأقامت معه ثلاث سنين في العراق أو من ُولد من عراقيةٍ خارج العراق لا جنسية له و لو من أبٍ مجهول . والقانون يلوح بأن حق العراقيين الذين ظلمهم  النظام سيرجع إليهم ويكون لهم الحق في إمتلاك الجنسية العراقية بلا حاجة إلى شهادة الجنسية المعمول بها سابقاً .

 إلا أن فقرات القانون المنضمة إلى ما لَوح به ينطوي على عدة أخطار:

الخطر الأول:-تهجين التركيبة الإجتماعية العراقية الأصلية عبر المجال المفتوح بهذه الفقرات لإمتلاك الجنسية العراقية مما يخلق أوضاعاً جديدة معقدة في مجتمعٍ إسلاميٍ له عاداته وتقاليده ويُذِهب بكثير من القيم والتقاليد التي نعتز بها كعراقيين وقد أدخل المصريون الذين إستقدمهم النظام السابق كثيراً من العادات والتقاليد بعيدةً عن عاداتنا وتقاليدنا لازالت آثارها السلبية إلى الآن في بعض مظاهر الحياة الإجتماعية والإقتصادية فإذا كان العرب والمسلمون قد أربكوا واقعنا الإجتماعي فكيف سيكون الإرباك فيما لو كان الداخلين مختلفي الأعراف والقوميات والأديان كما يبشر به القانون الجديد.

الخطر الثاني:-أننا لو لاحظنا ما خطط له النظام المقبور من تغيير طوبغرافية بعض المناطق ، كمدينة كركوك وماخلفته هذه السياسة من آثار مدمرة ظهرت بوادرها في هذه الأزمة ولازالت آثارها القانونية والإجتماعية ومخلفاتها تحتاج إلى بذل جهد جهيد وقدرات عالية لحلها وإيجاد البديل المناسب لها وقد حاول النظام الشيء نفسه في منطقة جنوب العراق ذات الأكثرية الشيعية فمكان هناك مشروعاً جهنمياً معداً من قبل النظام قد تعرفنا على تفاصيله من بعض من يعملون في سفارات الدول العربية في العراق يتضمن إسكان أكثر من ثمانية ملايين من العرب  الأفارقة في هذه المنطقة ومحاولة تهجير سكانها الأصليين إلى مناطق آخرى من العراق ، ولكن الله كان بالمرصاد إذ يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فيما قامت حرب الخليج الثاني وأطاحت بالمشروع .

وهذا القانون لا يختلف لباً عن مقاصد النظام المقبور في تغيير التركيبة السكانية لبعض المناطق لأغراض سياسية وأهداف سلطوية لا تراعي مصالح الشعب العراقي ويزيد هذا القانون على المشاريع السابقة بسعته وشموله على المشاريع السابقة لكل أرجاء الأرض العراقية مما سيخلق حالة جديدة ووضعاً جديداً مغايراً كلياً عن الوضع المعتاد للعراق من الناحية السكانية مما يخلق الكثير من المشاكل ويعقد الكثير من الأمور.

الخطر الثالث:-أن العراق بحكم كونه بلداً غنياً بثرواته الهائلة سيفتح القانون شهية الأعداء والطامعين من مختلف أصقاع الأرض ولا يعلم العدد القادم ليمكث المدة المقررة المانحة للجنسية بحجج ومبررات منها إعادة إعمار العراق ، وفتح باب السياحة وتنشيط مجالها وزيارة العتبات المقدسة ، وتشغيل الإستثمارات المالية في البلد وغيرها كثير ومعظم هذه المجلات مطمعة للقادمين وسيقع عصب الحياة الإقتصادية بيد هؤلاء ليتحكموا في مصير البلد بما يحلوا لهم وهم ليسوا عراقيين فلا يهمهم مستقبل البلد ومصالح شعبه بقدر ما يهمهم مصالحهم وإستثماراتهم ، وسينقلب حال العراقيين من كونهم أهل البلد الأصليين إلى الغرباء (لأن الفقر في الوطن غربة) كما ورد عن أمير المؤمنين فهل غابت كل هذه المخاطر وغيرها عن أعضاء مجلس أم ما هذا يا مجلس؟ وعلى أهل العراق أن يكونوا على يقظة تامة مما يسن و يقرر من خلال المجلس وما تتضمنه هذه القوانين والقرارات من مخاطر وإجحاف بحق البلد وأبنائه كالبشارة التي جاء بها وزير المالية ليبشر العراقيين بأن ثرواتهم أصبحت مفتوحة للأجانب يتملكونها كالعراقيين وعلينا جميعاً كشعبٍ ذاق من الظلم والحيف ما لم يذقه شعب في الأرض أن نحول دون إقرار مثل هذه القوانين إلا أن تأخذ طابع الموافقة الشعبية عبر القنوات المقررة وإلا فهي تعتبر باطلة والمساعدة في تمريرها إعانة على العدوان)وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان( .

وأخيراً لا ننسى ما قامت به ثلة ممن إنغمست بالحياة الغربية بكافة أبعادها فأخذت تفكر بتفكيرها وتخطط بتخطيطها ولو على حساب قيم الشعب وتراثه الحضاري ومرتكزاته الأخلاقية ، معلنة عن تأسيس لجنة الدفاع عن العلمانية في المجتمع العراقي(cpsis) المظلومة داخل المجتمع العراقي المسلم والمعتز بقيمه ومبادئه ودينه الإسلامي الحنيف الذي يشكل الوازع الأكبر والعاصم الأعظم ضد الإنحراف والميوعة والتحلل من كل القيم والأعراف والإلتزامات  التي تؤدي بالإنسان إلى بهيمية واضحة لا تعرف للحياة من قيمة إلا من خلال إزجاء الشهوات وتكثير الرغبات الجسدية والحاجات المادية فيصبح الفرد ((كالأنعام بل أضل سبيلاً)) ولست أدري هل كان هؤلاء عراقيين قد عاشوا في ظل هذا البلد وخيراته فتربوا على أسسه وقواعده وإلتزاماته الدينية أو العرفية أم أنهم غرباء عن البلد قد تشبعوا بأفكار الغربي وإنبهروا بها فراحوا يروجون لهذا البلد المسلم بجهل بل بعلمٍ منهم متعمد عن أن قيم وأفكار أي بلد لا تتناسب مع أفكار البلد الآخر وقيمهِ لأنها تنبعث من تراكم حضاري وتراثي قد توافقت عليه حياتهم الإجتماعية وإلتزاماتهم الدينية حتى أصبح جزءً منهم إلا أنهم في هذه النظرة يحاولون زلزلة قناعات الناس بدينهم وأعارافهم كي يتهيؤا لإستقبال ما يريدون ترويجه في البلد المسلم فمثلهم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ،أو كالذي باع حظه بالأدنى وعلى المجلس الذي تباكى على حظ ثلة من العراقيين في قانون الجنسية أن يتباكى على العراقيين جميعاً بالحيلولة دون وقوع مثل هذه المؤتمرات المروجة للأفكار الغربية والمضرة بالشعب العراقي وأخلاقه وتراثه لأن الأمثال فيما تجوز وفيما لا تجوز واحد. 

 

       قاسم الطائي                 

26 رجب 1424 للهجرة