محكمة الشعب
نظرت في قضيتين،
الأولى: الإساءة لشعب عاش ضيماً مجاهداً لطاغوت قد افلت المسيء فراراً من حواضره.
والثانية: تكالبت الآكلة على قصعة العراق.
المحكمة الأولى: المدعي عموم الشعب، الذي أسيء له وقد أحسن إلى مسيئه، والمدعى عليه مفكر اسلامبولي ومعمم اسطنبولي.
القاضي: من لا يتراجع عن دفع مظلمة انطلاقاً من قول الإمام السجاد (عليه السلام): (اللهم إني أستغفرك لمظلوم ظلم في حضرتي فلم انصره).
بدأت الجلسة بتوجيه الادعاء العام – الحوزة الآمرة بالمعروف– يا هذا اتهمت شعب العراق عندما تجاوزت مستحقاً بتاريخه وجهاده ووقوفه أمام اكبر طاغوت صابراً محتسباً قد تفتت على صخرة جهاده طغيان الاستبداد، فأصبح أثراً بعد عين، في حين حزمت حقائبك هارباً مولياً، وتجاوزت مدعياً بأنهم بعثيون، وأنت ومن هو على شاكلتك مجاهدون – عفواً– فارون هاربون، وعن ميدان المواجهة مهاجرون.
الشهود: قناة العربية الفضائية في برنامج بانوراما الليلة بتاريخ 22/11/2009م الموافق 5/ذي الحجة/1430 هـ .
فإذا أنكرت كذبتك القناة وأسماع المشاهدين وأنظار المتابعين.
فهل لك ما تقول؟ يا مفكراً قد باع فكره للغرب.
سيدي القاضي: ما قلت، كان حقاً رأيناه، وأمراً عشناه، فلا أقول إلى ما بثت الفضائية ولا ارجع ولا اعتذر، وأتأسف عما صدر مني.
القاضي: إذن أنت مصر على ما صدر منك وقاحة، وإذن بيّن لنا كيف صار الهارب شجاعاً ومقاوماً، وأصبح الصامد والمواجه خائناً؟ فهل تغيرت مفاهيم الأرض أو إننا في كوكب غير كوكبنا الأرضي.
كلا سيدي القاضي: فإن الباقي على ما وصفت لا يمكن للنظام أن يبقيه حياً ولا أجهزته أن تتركه سليماً، وما دام باقياً حياً فهو منهم ومن المنتمين لبعثهم.
القاضي: قد حكمت شططاً وقايست باطلاً..
فليس بمقدور النظام أن يقضي على كل الخيرين والمعترضين بطرق لا تجعل للنظام عليهم سبيلا ولا لأجهزته لهم طريقا، ومن القي القبض عليه قد يقع في السجن فترة ثم خرج بمكرمة القائد الضرورة، وإذا أتعبت نفسك وفتشت لوجدت من هذا القبيل مئات الآلاف تخبرك عنهم مؤسسة السجناء السياسيين والعديد من الخيرين وما أنت إلا أحول لا يرى وجه الحقيقة إلا بمخيلته وخبث سريرته.
المدعي: ما يقوله سيدي القاضي مجمع عليه بين من عبر الحدود هارباً وادعى مجاهداً قد فاتته المقادير ولم يجد له طريقاً لحياة متسقة فراح يفتش عنها في بعض بقاع الأرض. فقد سمعنا نغمة انهم بعثيون من عدة نماذج على شاكلة معممون يتنعمون وبجهاد الباقين فائزون، ولمواقع السلطة يحتكرون، وعناوين وهمية لأنفسهم يدعون. ولولا أن الله يحب الساترين لكشفنا سترهم وتعرضنا لعوراتهم.
وعليه فنحن نطالب بإسم الشعب الذي ظن بهم إخواناً منقذين ولمصالحه مراعين، ولصبره وجهاده في الانتفاضة الشعبانية بملاحمها البطولية مقدرين، يوم فر قبلها بحين.
ولست ادري، ماذا يقول لواحد منهم اتهمه ظلماً وتجاوز عليه حقداً، كان مشاركاً قبل وقوع الانتفاضة ومتهيئاً لها منذ حين، وقد كسر جليد الصمت عن حاجز الخوف عندما طرد ضابط امن المنطقة من أمام داره، وهرّب أخاه من بطش السلطة وواجه أزلام النظام بمنظماته، واخترق معسكر رشيدهم مع صحابته بشجاعته وله من ذلك اثر إذا أردت أن تطلع عليه أطلعناك، ولكننا تركناك إذ الجاهل لا يخاطب إلا بـ(سلاما).
وقد يقدم هذا شكوى خاصة ضد المدعى عليه أن كان ثمة قانون يدينه ويمنع مثله عن التجاوز على سمعة وكرامة الآخرين، وإلا فسيكون لنا معه ومع غيره وقفة في يوم ما.. الله اعلم حين يوقعه. وإذا أراد غيره من أبناء الشعب تقديم شكوى ضده وإدانة فعله، فما عليه إلا رفضه في ما لو حصلت انتخابات نيابية مفتوحة ليرى هذا القائد المجاهد كم من أصوات البعثيين سيحصل؟!!
القاضي: فكرة جيدة، وحق مصان، لذلك الرجل الحق في إدانته ومحاكمته أمام أعين الجمهور متى شاء وأراد. وللبقية إذا لم يخولوه في الدفاع عنهم فهم لخيارهم في الترشيح ماسكون، ولتقييمه عندهم مطلعون.
رفعت الجلسة: أدين المتهم مع ترك الخيار للمدعي في محاسبته بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المعلوم.
المحكمة الثانية: المدعي عموم الشعب الذي خرج بعد صيام طويل، صائماً عن ثروة بلاده وخزين ممتلكاته. وقد تكالبت عليه آكلة الأمم من دون رحمة. فمن آبار تسرق وأخرى تستنزف وثالثة تزحّف ورابعة تدول، وخامسة تستثمر و.. و..، وزئبق يهرب، ويورانيوم ينقل، وهو يقول (أي المدعي) أنا لا املك إلا الحروب والويلات والنكبات، وكأنما نقمة نزلت به فراح من سهّل طريقه للوصول إلى السلطة يدفعونها عنه بالصمت والسكوت، وهو مما سمعنا بأن فلان الفلاني قد جاهد بالصمت لأكثر من عشرين سنة، ولم يذكر بالسكوت كم؟ ربما لنهاية عمره المديد ورحاله المفيد.
المدعى عليه: الاحتلال بكل أشكاله وألوانه، وإخوان حسبتهم سهاماً صائبات ، فكانوها ولكن في فؤادي.
القاضي: نفس قاضي المحكمة الأولى.
القاضي (للمدعى عليه): أنت مدان بسرقة ثروة العراق المعدنية من النفط وغيرها، إما مباشرة وقد تلزمك الاتفاقيات الدولية فتوجه سماسرة لمباشرة السرقة، وأنت تتفرج عليهم وتدافع عن وجودهم. وقد تقتسم المغنم مع آخرين، عرفوا كيف تكون القسمة، وتنظم السفرة.
وقد تفتعل الصحة والشركة على مطالبة الأمور والبلاد.
المدعي: سيدي القاضي، أكلوا لحمي وشربوا دمي بعدما جردوني من ثروتي واستنزفوا آباري. فصرت لا ناصر ولا معين، ومن وضعته معيناً قد اغترف غرفة بيده، وذاق من لذيذ العيش بمشاركته، فخان ما كنا له مؤتمنين، وباع ما عليه جعلناه متمنين.
ثم لم يكتفوا بذلك بل راحوا يفرقون بين بعضنا البعض ويمزقوا عشرة عمرنا وقوانين أخلاقنا فأصبحنا بفعل معاملتهم متمزقين، وعلى قلوب متفرقين يطمع فينا من هو اقرب الينا من غيرنا.
القاضي
إنا لله وإنا إليه راجعون، مستذكراً القول (لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن) لك الله يا شعب، اصبر وسيوفي الله أجور الصابرين بغير حساب واعلم أن المعرفة مسؤولية والخبرة لا تأتي بالهين، فاشدد أزرك وارفع صوتك وقل كلا كلا للباطل.
ورفعت الجلسة بدون قرار حكم إلا موعظة أطلقها القاضي وكلمة أخرجها بصعوبة بعد أن تخلى عنه القانون الحامي والناس المدافعون وما عساه أن يفعل وهو وحيد في الميدان وغريب مع الإخوان