محهزلة صدام

 من الأمور التي كتبت على هذا الشعب المسكين بعد القهر والظلم وأطوار الاستبداد وصور الإستعباد لسنوات عجاف أكلت ما قُدم لهن ، كتبت عليه أن يقع فريسة للإستخفاف بحاله ويتسابق على اللعب بمشاعره على ما يشاهده المواطن من ما نسميه (محهزلة) صدام ـ أي محكمة (مهزلة ) صدام .

    فقد وجدنا القضاء على مستوى عالٍِِ من الدقة والموضوعية والاحتكام إلى الأدلة والوقائع وتجميع القرائن والدلائل ـ تارة بدعوى النزاهة والعدالة لمحاكمة مجرم العصر ـ الذي أهلك الحرث والنسل وأباد العباد وجرف البلاد ، ولم يألُ جهداً في أن يفعل كل ما يريد مهما كان في مستوى الانحطاط والجريمة بدون مراعاة لقيم العدل والنبل والإنصاف ، أما الرحمة فهي معدومة بالمرة .

    ماذا تقول لشخص يؤآخذ شعباً بجريرة فرد ؟!‍‍‍‍ ‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

    وماذا تقول لشخص قيمه لا تعادل جرة قلم ؟! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

    وماذا تقول لشخص غامر بشعب بكامله في إتون حروب مدمرة عصفت به في مهاوي الفقر والذل والاستجداء من دول كنا نتصدق عليها ؟ ‍!

    وماذا نقول لشخص يطلبه كل العراقيين ، بدماء قتلى ، وضمان أموال ومصادرة دور ومرارة غربة وتهجير عوائل ، وديات جراحات ، وأر وش جنايات ، وإنتهاك حرمات ، (ودوس) بيوتات ، وجرائم موبقات وتبذير ثروات وتسطيح العقول ، ونشر الخمور ، وهتك المراقد والقبور ، وتزييف الحقائق والوثائق ، وضمان طلقات الموت على أهل المعدومين ، والتجارة بالأعراض والنواميس و…………. .

    وأية واحدة من هذه الجرائم تحيل براءته إلى سراب فضلاً عن جميعها ، وهي غير خافية على القاصي فضلاً عن الداني .. الأمر الذي يلزم القاضي بإدانته بل هو مدان فعلاً لأنه إذا أصفرت البراءة لرجل مثل (هدام) فلم يبق إلا الإدانة ، فكيف يطلب له بمرافعة ويضمن حقه بالبراءة وهو لم يترك لها موضعاً في عمله ولا موقعاً في سلوكه.

    وإذا كان مدان بالفعل وبالتمام ، ولا موضع لبراءته فلماذا لا يقتص منه بما يستحقه من القصاص العادل . الذي قال الله تعالى في كتابه (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) سورة البقرة )) فحياة الشعب بالقصاص من هذا الطاغية ليأمن العباد وتثمر البلاد .

      فمحاكمة من هو مقطوع بإدانته ـ حيث لم يترك بأفعاله ـ مورداً يلتمس له منه موضع في مقولة ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) . فهذه القاعدة قد خرجت عن مورد هذا الشخص بعد أن غطت جرائمه كل حياته ، وعندما تطلق هذه القاعدة فانما تطلق في أحتمال البراءة ـ وهل يحتمل جاهل فضلاً عن عاقل براءة لهذا الطاغية ‍‍‍‍‍!! لانه إذا احتملها فهو ليس بعاقل قطعاً .

      كل العراقيين مستعدون للشهادة على جرمه ، بل كل دول الجوار بل كل دول المنطقة بل كل العالم ، فهل تجد مجرماً قد غطت جرائمه المعمورة وشهدوا عليه عياناً يلتمس له بمحكمة عادلة لتعطيه فرصة أن يكون بريئاً .

      إنه الضحك على الذقون ، وذر الرماد في العيون وإنا لله وإنا إليه راجعون .

وهو إستخفاف بإرادة هذا الشعب المظلوم .

      ثم ما بال القضاء عندما يحدد مفهوم المحاكمة ـ الذي يرجع إلى أصل الحكم …. وهو التمييز بين شيئين أو الفصل بينهما ، فيفصل بين المتهم والبريء ، والضامن والمضمون ، والمصلح والمفسد وهكذا ، أي أن المفهوم متضمن لأمرين يراد به الفصل فيهما والحكم على شخص باحدهما ، فاما أن يوصف بالبريء وهو حكم واما أن يوصف بالمتهم ويدان وهو حكم .

وفي حالات لم يوجد إلا وصف واحد . فلا موضوع لمفهوم الحكم الذي أصل المحاكمة وحال صدام ليس فيه الا وصف الأدانة ولا مورد للبراءة ، فأي محكمة هذه تقام على ساق واحدة ؟