ان كل مشاكل العالم وأزماته وأهمها المشكلة الفلسطينية في دائرة الصراع العربي اليهودي هو من صنع أقطاب السياسة العالمية وتقلباتها فهم غالبا يفتعلون الحدث ويتعاطون معه وفق ما يرونه من متطلبات مصالحهم ونفوذهم . والحقيقة أنهم معلقون في سلوكهم السياسي بمصالحهم الاقتصادية والمالية في عملية ابتزاز واضح لثروات الشعوب واستنزاف مواردهم ، ومن هنا فان الحل الذي يأتي منهم وخلال نفوذهم لا يزيد في الأزمة إلا تعقيدا وتكريسا ، بعد ان تكون الجدية الإرادية للحل متعرضة مع مصالحهم ، وعلى هذا تكون المصالح هي المحركة لدبلوماسيتهم في حل الصراعات والأزمات .
وكل أزمة إذا ما تعرضت للحل تعرضت مصالح هذه الدول للاهتزاز أو تقليل الابتزاز أو تضعيف النفوذ ، فإنهم سيوسعون من دائرة مفردات الأزمة كي لا تصل الى الحل وان امتد الزمن وتهيأت الظروف والموازين الدولية، وقربت من الحل لكنها ستجد في نهاية المطاف من يفتح لها ثقبا جديدا يتطلب حلا آخر وهكذا ، وهذا موجود في أزمة فلسطين (ودارفور)، وغيرها في بقاع الأرض.
من المؤسف جدا ان وطننا العربي وبكل إمكانياته الجبارة وعقوله الكبيرة غير ملتفت الى هذه اللعبة ولا مدرك لها ، فان في اروقةالسياسة العربية وخصوصا للبلدان المواجهة للكيان ما يرفع الغبار عن رؤية هذه الحقيقة. ولا يعرف بالضبط لماذا هذا الارتماء في أحضان الدول المسماة بالعظمى والاستنجاد بها في حل الأزمة مع انه لاعبها الأساس ومفجرها الأول .
ان أساس بقاء المشكلة مستعصية عن الحل هو المتغيرات التي تحدثها الدولة العبرية الغاصبة على الأرض لتأخذ عنوان الامرالواقع الذي يصعب تغييره أو التراجع عنه وهذا بالضبط ما عبر عنه الرئيس بوش في بعض كلماته من ان الرجوع الى وضع عام 1967 قبل النكبة أصبح أمر غير واقعي ومن الصعب تطبيقه .
ان لحظة التراجع عن الثوابت التاريخية أو الجغرافية بسبب هذه الدعوى هو ما يجعل موقف العرب ضعيفا وطرفهم في الحل خفيفا لا يعبئ به عند متعاطي السياسة العالمية ولاعبيها الأساسيين .
وان تحريك القضية على أكثر من صعيد هو ما يجعلها محط الاهتمام والعناية المتطلبة للحل على الدوام وان أي تغافل عنها أو تماهل فيها هو ما يترك الفرصة للآخرين في أحداث أزمة جديدة متجاوزة في حدودها الأزمة السابقة ومزيدة في تعقيدها للوضع وعرضه للحل.
والمتتبع لطبيعة الصراع العربي اليهودي يجد ذلك واضحا ، ومما يعقد في الحل هو الرضوخ للإرادة الأمريكية أو الغربية والتماشي معها في إنشاء قواعد عسكرية لها في عموم المنطقة ، وتهيأتها للأجواء الإعلامية بوسائلها الحديثة وجبروتها المؤثر على الرأي الرسمي وربما العربي في خلق حالات من الخوف والشك في قدرات العرب على المواجهة أو وضعهم الجديد القلق من التهديدات للخطر الموهوم المحيط بهم فتطلب دعما عسكريا من خلال اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الدول العظمى ، وانعكاس هذا الوهم على الأداء السياسي لا يخفى على السياسيين حتى تتبلور مواقف هذه الدول على وفق الأخطار الموهومة التي تتهددهم وهي من صنع أبطال الأزمات العالمية .
ومن هنا فان أساس الحل ينطلق من إخلاء الأرض العربية من القواعد العسكرية ومن أي تواجد عسكري تلوح به هذه الدول لابتزاز المواقف العربية أو بعثرة وتعقيد سبل الحل أمامها كما في أي أزمة محتملة أو تشتيت مواقفهم تجاه الأزمة الأم ـ القضية الفلسطينية ـ .
ثم التركيز على الثوابت التاريخية قبل أي مواجهة حصلت بين طرفي النزاع منذ قرار الأمم المتحدة بإنشاء وطن قومي لليهود أدى الى تقسيم فلسطين بين العرب واليهود والتأكيد على ذلك الواقع والقرارات الدولية التي اتخذت بنشأته ، وترك الحديث عن قرار آخر يقفز فوق سقف القرار الأول، والحراك القانوني عبر القنوات الدولية القانونية لإخضاع إرادة الاحتلال والمجتمع الدولي لها .
ثم استثمار معطيات التقلبات والتوازنات العالمية الجديدة المشاهدة في الأفق ، والانفتاح على أكثر من صديق دولي عالمي غير الولايات المتحدة الأمريكية ، أو تشكيل قوى إقليمية وعربية ، متحدة عسكريا واقتصاديا وسياسيا لتقوى على مواجهة التهديد اليهودي أو الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة ومؤسساتها كمجلس الأمن العاجز بأكثرية على خدمة المصالح العربية أو حل الأزمة الفلسطينية بإنصاف وعدالة .
وتجريد هذه المؤسسات المنحازة الى دولة العدوان من صلاحياتها والالتزام بمقرراتها ، ومع صعوبة هذا الإجراء فان موقفا موحدا من الدول العربية والإسلامية ، لتجريد الدول الخمسة من حق النقض الفيتو من مجلس الأمن وهو ما يضمن سلامة قراراتها وعدالة لقضايا الحق والعدل .
أو إضافة قوى أخرى الى الخمسة ، كمقعد دائم للدول العربية مجتمعة أو هي مع الإسلامية ، أو تجريد دولة العدوان من صلاحية عضويتها للانضمام الى الهيئات الدولية لأنها منتهكة ومستخفة بكل قرارات الشرعية الدولية ، وإنها ارتكبت معظم الجرائم التي تحرمها قانونهم الدولي ،وبالتالي فهي غير صالحة لهذه العضوية .