ملحمة الأربعينية
ينطلق الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم لأداء الزيارة الأربعينية المنتظرة في حشد جماهيري، توحيدي، إيماني، عقائدي، اجتماعي وأخلاقي، قد لا يتوقع أعداده، فإن هذه التظاهرة الإيمانية تأخذ بالاتساع سنة بعد أخرى بدافع المشاركة أو بدوافع أخرى من الاطلاع على حقيقة هذه المسيرة، ومشاهدة فعالياتها من الانضباط الأخلاقي العالي والتآلف الإنساني الراقي، والتماسك الاجتماعي السامي، في مشهد قد لا نبالغ القول بأن الشيطان قد خابت مساعيه وولى مدبراً عن مراميه، إذ لا نجد إلا التقوى والإحسان، والفضل والإنعام، قد سجل شعبنا العراقي فيها أبهى صور الكرم والضيافة العربية والإسلامية، حتى اغتاظ البعض فراح ينتقد ظاهرة الصرف وتقديم الخدمة لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام بأنها لو صرفت في خدمة المعوزين والمحتاجين لكان أولى وأحسن بنظره، وقد خانته فطنته أن معظم الراجلين هم من طبقة المعوزين والفقراء المساكين وهم ينتفعون بما تدر عليهم سفرة إمامنا الحسين عليه السلام من خلال أصحاب المواكب جزاهم الله خيراً.
إن توقعاتنا لهذه التظاهرة الإيمانية أنها ستكون ساحة لكل سكان الأرض على مختلف تلوناتهم وأديانهم وقومياتهم وسيلتحق بها المعظم في يوم ما، وستزول الفوارق الأممية والصيغ الوطنية، وسيشهد العالم وسيعرف بأن شخصاً كان ولا زال يرفد مسيرتهم الإنسانية بكل قيم الخير والعز، وهو يعمل على طول التاريخ من خلال قيمه التي زرعها في ملحمته الخالدة على تثوير قيم الخير في نفوس البشر واستعادة منباتها من نفوسهم المظلمة بأودية الضلالة والشر الذي داموا عليه سنين طوال.
الزيارة الأربعينية ضربة قاضية ضد كل خطط وأساليب المستكبرين في الأرض وهي مقلقة لهم بما لا حيلة لهم في إيقافها أو تعويقها، كيف؟ ومحبي الإمام الحسين عليه السلام جزاهم الله خيرا على استعداد تام على التضحية والفداء علّهم بذلك يفوزوا برضا الحسين وجد الحسين وأبيه وأمه صلوات الله عليهم أجمعين، وينالوا معه الشهادة التي رسمتها ملحمة الطف الخالدة، (من احب عمل قوم كان معهم).
لقد حان وقت رحيل الطغاة من ارض الدنيا وأُذن بزوال عروش استكبارهم واستهتارهم بحياة الشعوب والأمم، ومهما عملوا وطوروا من وسائل وأساليب خدعهم ومكرهم وغطرستهم فإنهم مهزومون أمام هيبة وشخصية الحسين المتمظهرة بهذه الجموع المليونية، وهي تزحف معلنة ولاءها وانتمائها لمدرسته الخالدة المؤطرة بإطار الإصلاح عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ترجمه بأعلى صوره وأكملته العقيلة سلام الله عليها في مجالس الطغاة أمثال يزيد وعبيد الله بن زياد وأحزابهم، وكانت بحق وبقوة الإيمان وسعة الصبر قد هزمتهم في عقر قصورهم واستخفت بعلومهم غير آبهة بسلطاتهم، وهي بذلك ترسم للموالين بل وللمسلمين طريق النصر بل طريق الفتح، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو لا يقدم أجلاً ولا تركه يؤخر أجلاً كما طرزه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
إننا ندعو الجميع وكلٌ من موقعه لممارسة هذه الوسيلة في تصحيح ما يمكن إصلاحه من مفاسد طغت على حياتنا في أصعدتها المختلفة، وكلنا سنكون مدانين أمام الله سبحانه والحسين عليه السلام وتاريخ أحفادنا حينما نقصر فيه، إن لم نتركه غير ملتفتين الى عظيم أثره وإن ما من إصلاح في الأرض إلا به، انظروا كيف صنع الفتح والخلود والمجد والرفعة لإمامنا الحسين وها هي ذكراه تعود بثوب جديد كل عام يختلف عن لونه السابق وهكذا تفعل هذه الفريضة، في تغيير لون حياة البشر.
((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران : 110])).
………………… قاسم الطائي