منهاج النجاح

 كلمة سماحة الفقيه قاسم الطائي (دام ظله) في المؤتمر التأسيسي الأول-الذي دعا الى تأسيسه قبل أكثر من سنتين- لـ(شورى العلماء) المنعقد في فندق بابل يوم السبت في 23/ربيع الأول /1930هـ -21/3/2009م

 

 السادة الحضور أهلاً بكم وسهلاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 جرت العادة عندي أن أبدأ بمقطع من دعاء الإفتتاح الذي نقرأه في ليالي شهر رمضان لنكون على درجة وجانب من الرأفة والرحمة الإلهية، ونحصل على البركة في بداية المشروع.

 (اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك -فالتسديد للصواب ليس بعلم من الإنسان بل بمن من الله- وأيقنت أنك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة -الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي أدخلته ناري ولم أبالي- اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك، فأسمع ياسميع مدحتي، وأجب يارحيم دعوتي، وأقل ياغفور عثرتي، فكم ياالهي من كربة قد فرجتها، وهموم قد كشفتها، وعثرة قد أقلتها، ورحمة قد نشرتها، وحلقة بلاء قد فككتها-من منكم لم يمر بضائقة من هذه ويكشفها الله عنه.

  الحمد لله الذي يجيبني حين أناديه، ويستر عليّ كل عورة وأنا أعصيه، ويعظم النعمة عليّ فلا أجازيه.

  هذا المقدار من الدعاء فيه غنى وكفاية للتبرك والتيمن في إطلاق المشروع ليكون مقروناً بالإستعانة بالله والتوكل عليه.

 تتمحور علاقة الإنسان في إتجاهات ثلاثة-مع الله سبحانه، ومع البشر، ومع الطبيعة، فإذا ما سعى في إطلاق مشروع ما وأراد له النجاح فعليه أن يستميل هذه المحاور الثلاثة ليحصل على توافقها مع مشروعه- ويمكنه ذلك على ما وجدناه بالتجربة والإستقراء وبما كسبناه من علوم ومعارف.

 بالصدق أولاً في القول والعمل مع الله سبحانه، ومع الناس، ومع الطبيعة في ظروفها وملابساتها فلا يقول أكثر مما يعمل ولا يسعى أوسع مما يقدر، ويتعامل مع محيطه بمقتضى قدرته ومؤهلاته، وإلا فشل وأفشل المشروع وسقط عن الإعتبار ومن أعين الناس وهذا واقع لغير الصادق لا محالة.  

 وبالصدق يعرف نفسه ويضعها موضعها فلا يحملها فوق طاقتها ولا يبخسها حقها وفي الموروث الديني- رحم الله من عرف قدر نفسه، وبه يعرف قدره عند ربه ويعرف قدره عند الغير، وبالصدق تتقوى علاقته مع ربه لانه يحب الصادقين فيجره ذلك الى التخلق بإخلاق الله- من الرحمة والقدرة والرأفة والإحسان والعلم والعدل، وهي ما يحتاجها البشر جميعاً، فإذا ما وجدوك رحيماً أنفتحت لك قلوبهم، وإذا ما وجدوك قادراً تفاعلت معك هممهم، أو محسناً أتسقت معك أفعالهم، أو عادلاً زالت عنك مظالمهم، أو عالماً أنزاح عنك جهلهم، وحينئذ ستتسق لك الأمور في إقناعهم وتعزيز الثقة لنفوسهم بك، فتتطبع لك نفوسهم وأعمالهم- وينعكس ذلك على الطبيعة في أسبابها فتكون طوع أمرك وما تريد .. وإذا حصل التوافق ما بين اسبابك وأسبابها وصلت الى الهدف وحققت الإنجاز.. وهذا ما يرشد إليه قوله تعالى ((ولو أن أهل القرى أمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)) الأعراف 96.

 وبالصدق تتمتن علاقتك مع الغير وتحسن التعامل والتفاهم معهم، وستكون قادراً لرفع ما يجول في خواطرهم من أوهام أو شكوك، فتبددها بصدقك معهم وحسن تصرفك فيطمئنوا لقولك، ويصدقوا بفعلك، وهذا بالضبط ما تريده في سعيك لتحقيق الهدف.

 وبالصدق يعرف الإنسان ما تنطوي نفسه من همة وإرادة -وهذا ثانياً-ً لا يتجاوز مداها في عمله ولا يستهدف أكبر من قدرته، وإلا كان الفشل حليفه، فيسقط من أعين الناس وتقل هيبته ومكانته عندهم.

وإذا عرف إرادته فيتحرك في إطارها فيعرض مشروعه وفق الإمكانيات المتاحة عنده والإرادة المكنونة لديه، ويمضي فيه خطوة بعد أخرى، فإذا ما تجاوز الأولى، إنضمت مكاسبها لإرادته لتصنع منها إرادة جديدة لمواجهة خطوة أخرى أو تحد جديد، ومن هنا سيعرف صنعه المنهج الصحيح، وهو منهج التدرج في السعي والعمل والطرح وهو يضيف من كل خطوة خبرة جديدة ويكسب علماً مستأنفاً، وبالتالي سيسير قدماً في مشروعه أياً كان صفة هذا المشروع سياسية كانت أم أقتصادية أم إجتماعية أم دينية، ويهديك الى ذلك النظر الى بعض الألمعيين ممن حققوا نجاحات باهرة في تاريخهم وسيرتهم، وذلك واضح في سيرة رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله) الذي نعيش ذكرى ولادته الميمونة هذه الأيام، وكذلك بعض علماء الأمة المجاهدين.

 وقد تعترض طريقه بعض الصعوبات قد لاتكون بالحسبان فعليه أن يكون جاهزاً، إذ ليس كل ما يستهدفه في الطريق منجزاً لعل بعض الخطوات لايصيبها أويحالفها النجاح لضروف  خارجة عن دائرة قدرته لحكمة يعلمها الله سبحانه وهو في كل مرة لا يحالفه فيها النجاح يعيد حساباته ويستفيد من تجربته، إسناداً لارادته لتصبح أكبر قدرة على مواجهة التحديات، فيفيده الصبر -وهذا ثالثاً- قوة في إرادة وثباتاً في موقف، ولولا الصبر فأن الضعف سيدب في الإرادة فلا تقوى على الإستمرار لاتمام المشروع وإنجاز الهدف.

 كما وسيتعلم في التدريج أن الأمور مرهونة بإوقاتها وأن أختيار الوقت المناسب في طرح الفكرة والمشروع دعامة أخرى لنجاحه

فيختار الوقت الذي يحتمل فيه موافقة الأسباب التي تحقق له النجاح والإنجاز، وورد أن الأمور مرهونة بإوقاتها .. وأنه لابد مع تأكيد الإرادة ومزيد من الصبر فأن الظفر واقع لا محالة. إذ لايعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمن.

 أخوتي الحضور أن المشروع المطروح أمامكم هو مشروعكم وأنتم مؤسسوه لانه لكم وفي خدمتكم وخدمة بلدكم ، وتقدم حياتكم فأن شاركتمونا العمل كانت لكم حضوة النجاح وأن تركتمونا من دون عراقيل لمشروعنا كان لنا تجربة ولكم عبرة، والإنسان لا يؤآخذ أمام الله بنتائجه بقدر ما يؤآخذ بإعماله إذ النجاح بحاجة الى توافق العديد من الأسباب ليست كلها تحت دائرة تأثير الإنسان وقدرته، إنما هي تحت تأثير القدرة الإلهية وسنته في الكون ومنه تعرف الحاجة الى ما سمعته من التخلق بإخلاق الله ليستميل قدرته في توافق أسباب النجاح له.

 وأنبه السادة الحاضرين بأن المشروع هو نواة لعمل جماعي لا تكون فيه للشخصانية والفردانية مجال وتأثير وأن ضم عناوين معينة لكنها تؤثر بشكل إيجابي وليس بسلبي، ونعتقد في مشاركة الجميع دعماً لتعزيز ثقة الآخرين وتقديرهم للمشروع وتأكيد إيمانهم بضرورة إسناده ودعمه بعد أن يجدوا أبتعاده عن مواطن الذاتية والشخصانية التي لم نجن منها إلا التنازع والتناحر الموجب للخلاف المسبب للفشل، ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) .

كما وأنبه بأن المشروع لا يلامس السياسة ولا عمل السياسيين بقدر ما يقدم نصحه وإرشاده لمن يريدها كما أنه يعتبر من أدوات العمل الحوزوي لتمتين العمل الجماعي وجعله أكثر تاثيراً في الوسط الإجتماعي .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  22/ربيع1/ 1430هـ