من يدفع الضريبة
لا يزال الباحثون عن لقمة العيش التي ضن لها الزمن عليهم فيما مضى من حكم الطاغوت وفيما جاء من الاحتلال وحكم السلطة الانتقالية الحالية ، هم الأكثر تضرراً من جراء دفع ضرائب من نوع خاص لم يسمع به من قبل ولم يرَ له من اثر في أحكام الضرائب المعمول بها في دول العالم ، فليست ضريبتهم هي للدخل أو للعقار أو للتركة فان جميع هذه الأنواع لا أساس لها عندهم ، فلا الدخل متوفر بشكل انسيابي ومستقر وإنما هو متذبذب بين الوجود والعدم بين فرصة العمل المسماة عندنا ) عماله ( وبين عدمها حينما يبخل عليهم الزمان بها فيرجعوا إلى بيوتهم فارغة جيوبهم مملوءة قلوبهم غيضاً وغضباً على سوء الأحوال وتردي الأوضاع ، وأما العقار فلهم منه غرف صغيرة ، وحيطان قصيرة لا تستر من ناظر ولا تستقبل من ضيف رضوا بها على رداءتها وسوء سمعتها بين العامة لأنها تعرف في عرفهم ( حواسم ) نسبة إلى حرب السقوط الأخيرة . وأما التركة فلم يترك لهم الآباء إلا تركة ثقيلة من الأبناء القاصرين والعجزة المعدمين الذين يشكلان ثقلاً أضافياً على كاهلهم المثقل بالهموم أصلاً .
هؤلاء هم من يئن تحت وطأة ضرائب من نوع جديد ، ولنسميه ) متحضر ( !إن ضريبة النفس التي تزهق في وضح النهار وأمام أنظار الضمير الإنساني الصامت الذي يخاف أن ينبس ببنت شفه ، مداراة لمن يقف وراء هذه الجرائم أو يهيئ الحاضن المناسب لها ، ويوفر أساليب ديمومتها تحت اطر لا يصدقها إلا السذج من الناس أو الواعين المتغافلين عن منشأها عمداً خوف أن يصلهم ( ساطورها) فيفلق هامتهم ويدفعهم نفس ضريبة المساكين فوق ضريبة دخلهم وتركتهم .. ولكنها ليست من أنسابهم الميتين بل من متسلطيهم المستكبرين ، والطغاة المستبدين الذين جنوا من استكبارهم وطغيانهم ذلاً وخزياً في حياتهم الدنيا وسيلقون غياً ، لقد أورثوهم تركة الفقر والبؤس والحرمان من ابسط سبل العيش .
إن جباة هذه الضرائب يشكلون مثلثاً تتعامل أضلاعه بطريقة الشد والبسط ، يمثل رأس المثلث وهو كبير الجباة – الاحتلال وإدارته التي لا زالت تمسك بالملف الأمني ولم توفر لأنفسها الأمن كي توفره للشعب المسكين ، بل نعتقد جازمين أن بعض الضرائب الكبرى من تخطيطها أو تأثيرها على اقل تقدير والمعلومات التي تصل إلينا تؤكد ذلك ، ونكتفي بواحدة كشاهد إثبات على صدق الدعوى – فقد أوقفت دورية أمريكية سيارة خاصة لأحد المواطنين مرقمة بعلامة الرمادي ، وكان صاحبها زوجاً لامرأة من أهالي كربلاء جاء ليأخذها من أهلها ، وتم حجز سيارته على أن يأخذها في اليوم التالي بعد إجراءات معينة ، وحينما انطلق ليأخذها راجعاً إلى بغداد ، كانت الصدفة ضاحكة له فقد رصد احد شرطة المرور في احد التقاطعات أن مجموعة أسلاك غريبة تتدلى أسفل السيارة مما اضطر إلى إيقافها وفحصها ، وقد تبين أنها مملوءة بالمتفجرات التي زرعها الحاجزون للسيارة .
وأما الرأس الثاني فيمثله أعداء مذهب أهل البيت ) عليهم السلام ( من تكفيريين وطائفيين وحاقدين الذي ينفسون عن حقدهم باستهداف الأبرياء من الناس بعد أن أعجزتهم الحيلة عن مواجهة العدو أو استهداف المسبب لهزيمتهم في بعض المواقع والمناطق .
وأما الرأس الأخير – الثالث – فهو الحكومة التي تتعامل بانفعال حاد في مناطق حساسة تمثل توتراً طائفياً حاداً يتأجج في فترات مداهمة البيوت وحملات الاعتقالات العشوائية التي يقودها جهاز الشرطة والحرس الوطني في هذه المناطق ، فان كل عملية دهم واعتقالات يقابلها الحاقدون تفجيراً وتفخيخاً للمساكين من الناس وفي أكثر من موقع وخصوصاً مواقع تجمع العمال الباحثين عن لقمة العيش – المسمى بالمسطر – فقد تكرر المشهد في تكريت والحلة ،وبغداد في أحيان متعددة . ولم تتعظ الحكومة أو تستفيد من تجارب الأمس لتغيير نمط معالجتها للتوترات الطائفية ، ولم تتعامل مع مناطق التشنج من دافع وطني ومسؤولية رسمية بحته ، إذ غالباً ما تشوب هذه العمليات أنفاساً تفسر على نحو طائفي مقيت من قبل بعض الجهات التي تدعي الوطنية وهي منها براء .
إن المعالجات بهذه الطريقة العسكرية تخلق أكثر من مبرر لاحتقان طائفي يتفجر في مواقع ) العمالة ( المساكين ، لأحد سببين أو كليهما :
السبب الأول :- إن معظم الأجهزة الأمنية مخترقة من قبل عناصر الأجهزة الأمنية السابقة الذين يملأهم الحقد على الوضع العراقي الجديد فهم يعملون جادين على عدم استعادة العراق لعافيته يشاركهم نماذج قد أعمى الحقد قلوبهم وبصائرهم فراحوا يقتلون ويسفكون الدم الحرام بقلوب وعقائد فارغة سيجنون وبالها يوم القيامة ولهم عذاب دون ذلك في البرزخ .
السبب الثاني :- إن احتفاظ الاحتلال بالملف الأمني يعني وضع القيد على تحرك قوات الأمن العراقية ، وتجميد حركتها بحرية لمعالجة الأزمات على أن مشاركة قوات الاحتلال معها أو مشاركتها مع الاحتلال يجعلها منظورة بعين النظر إلى الاحتلال ومستهدف كاستهدافه ، إذ لا يفرق بينهما أن لم يحسب عملها لصالح الاحتلال وحماية وجوده ، ومن هذا المنطلق نفهم استهداف الأجهزة الأمنية العراقية وحصاد العديد من نفوس منسبيها لا لشيء إلا لان عملها المرتبط بالقوات المحتلة يعطيها صفة الإدانة والخيانة عند هؤلاء وقد نبهنا العاملين فيها بضرورة التصرف المستقل والحرص على مشاعر الناس .
واعتقد أن نقل الملف الأمني إلى العراقيين واستقلال القوات العراقية بمعالجة الأزمات وفق منطق متدرج يبدأ بجملة من التفاهمات والمبادرات بواسطة أهل الوجاهة اعني الأطراف جميعاً يدفع بكثير من التوترات وردود الفعل المتشنجة إلى التخفيف وربما إلى الانتهاء ليأمن أهل المساطر – من عمالته – من خوف دفع ضريبة النفس .
مكتب النجف الاشرف