وجهة نظرنا
في أفق العراق
تلوح للمتتبع للشأن العراقي في افقه القريب محاولات تقسيم العراق عبر بوابة الاقاليم ومن أهم الاحداث التي وقعت ولا زالت هي المواجهة مع داعش وتمركزها في المحافظات الغربية واعلان الادارة الامريكية دعم العشائر بدون الرجوع الى الحكومة العراقية كما دعمت اقليم كردستان وتحرك بعض الاطراف المحسوبة على أهالي تلك المناطق والتي تدعي انها تمثل هذا المكون وتعلن عن نفسها تارة بأسم كذا وأخرى بأسم كذا ولم يكن لها من وجود قبل تحرك أوضاع هذه المحافظات بل بعضها كان من صنيعة حكومة بغداد المركزية لحسابات معينة في اطار حسابات انتخابية ضيقة انكشف زيفها مع مرور الايام وبقت هذه الشخصيات تمثل ثقلاً تأزيمياً على حكومة بغداد والمطالبة بحقوق ابنائه وقد ظهر من تصريحات بعضها التلويح بانشاء أقليم (السنة) في اشارة طائفية ومناطقية لتقسيم العراق على هذه الاسس وقد رضيت لنفسها ان تكون اداة المشروع الامريكي الذي نبهنا عليه مراراً وتكراراً قبل عشرة سنوات لتقسيم العراق بعد خلق اوضاع وازمات خانقة تارة تحت طائلة الدستور المعوج اصلاً وأخرى تحت طائلة التهميش وثالثة تحت طائلة التوازن في بعض المؤسسات وخصوصاً الأمنية وهي تخلق ظروفاً موضوعية لتقسيم البلد بعد ان يجد تحت ضغط الازمات المتتالية التي خلقتها الاجواء بأن تقسيم لابد منه وهو نفس المشهد الذي كان سابقاً حتى أصبح الفرد يتمنى ولو بأي ثمن اسقاط نظام البعث والقبول ببديله الاحتلال ولو كان الحاكم يهودياً وما اجتماع الادارة ببعض الشخصيات ودعمها بالسلاح أو المال الا تشجيعاً لها لطرح مبادرات شاقه لا تقدر الحكومة على انجازها مما يخلق لها مبرر الاستمرار في الطرح الفيدرالي المزعوم ويؤكده اجتماع هذه الشخصيات قبل ذلك في الأردن والمظنون قوياً أنهم بصدد اعلان مشروع الاقليم بضمان أمريكي بامراره أو القبول به من قبل المركز الا ان ذلك سوف يشكل قنبلة تفجر الوحده الوطنية وستعلن انهاء دولة العراق على الجغرافية العالمية وسيكون ابطال هذا المشروع ممن يتذكره التأريخ بسوء أبداً لأنهم قتلوا وحدة وأخوية عراقية امتدت الاف السنين وشكلت في محطات متعددة من تاريخ الانسانية حضارة عظيمة، لا زال العالم مديناً لهم بكل فخر واعتزاز.
كما وأنهم سوف لن يكونوا ابطال المشهد القادم بل ابطاله شخصيات لا زالت في الظل سيظهر بعد اعلان الاقليم أو بعد ترتيب اوضاعه ادارياً في اطار عنوان الانتخابات وسيخسر اللاعبون الحاليون طموحهم السياسي ومستقبلهم الشخصي وتاريخهم الوطني وليتذكروا هذا جيداً.
كما وان الاقليم المزعوم معرض لاهتزازات أمنية قاتلة لما سيحدث من تناحر وتنافس بين اقطاب المشروع وسينعكس ذلك على حياة وأمن الناس واستقرارهم وما جنوب السودان عليهم ببعيد بل اقليم كردستان في عقد تسعينيات القرن الماضي شهد مواجهات دموية بين الحزبين الكبيرين استدعت استنجاد أحد الطرفين بالحرس الجمهوري لنظام البعث وراح ضحية مواجهات الطرفين آلاف من الطرفين ولا زال التنافس قائماً ولكنه تحت الرماد الى حين وهو محتمي في الوعد الأمريكي بحماية الاقليم.
ولهذا وغيرها نحذر القائمين من هذه المجازفة والمغامرة التي لا يكون لهم بعدها من ندم مفيد أو اعتذار شديد.
{وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }الأعراف/68
تعازي الصور
وأنت تسير الى كربلاء مشياً على الاقدام يثير انتباهك التشكيلات الصورية للشخصيات الدينية المنتقلة الى رحمة الله واخرى لا تزال على قيد الحياة وتأخذ نفسك الاستفسار عن هذا الانتشار المكثف لهذه الصور ومبالغها الطائلة التي لو صرفت على تقديم خدمة للزائرين أو توفير وسائط نقل لرجوعهم كان أولى.
وأنه مظهر من مظاهر الاعلان الشخصي أو الاعلان الفردي استغلالها لهذه الزيارة ومدلولاتها في أن تكون ضمن الاهداف الحسينية والقيم العالية التي كرسها امامنا الحسين (عليه السلام) بنهضته المباركة فصارت مناراً لكل أحرار العالم، ونبراساً لكل الثورات اذا ارادت انتصاراً واما ان تستغل للاعلان والاعلام فهذا أمر غير صحيح، وليس ذلك تعريضاً بالشخصيات الكبيرة والعظيمة التي لها في نفوس المؤمنين صوراً لا تمحى ومواقف لا تنسى وشعوراً بفضلها وتضحياتها ونؤكد من جانبها ابقاء اثرها وتنبه النفوس عليها ولكن من غير هذا الطريق الذي يوحي للزائر ان القائمين على تعليق الصور قد اعتبروا فرصتهم سانحة في الزيارة، مع ما فيها من اثارات قد لا تجعل قلوب المؤمنين صافية ومتواددة ولم تبق على صفائها فقد تعكرت بسبب تعليق الصور وقد اندس بعض ما لا موقع له في ثقل اجتماعي أو موقف شجاعي ليجد لنفسه فرصة تعليق صورته واعلان عنوانه والسائر من مختلف الاصقاع لا يعرف شيئاً غير انه يجد هذه الصورة معلقة وعنوان بارز لا يعرف مدى مصداقيته وواقعيته وكأنه قد جاء ليرفع التعازي لهذه الشخصيات من خلال صورها والمفروض ان تعازيه للامام الحسين (عليه السلام) ولأهل نبيه الكرام فهو الهدف السامي التي تنطوي تحته كل الاهداف والعناوين وهي تدعي استقاء وجودها واعتباره من عنوان الحسين وشهادته فلماذا لا تبقوا عنوانه شاخصاً وتأثيراته محفوظة لتتقارب النفوس وتحتمي تحت قيمه – أبي الشهداء الحسين – فهو العنوان الذي لا يمكن ان يكون له بديلاً ولا مثيلاً تجتمع نفوس الناس تحته وتتآلف قلوبهم عنده فيما تتباعد عند العناوين المتعددة وقد تتباغض لأن الانسان بطبعه مقتنع بما يؤمن به ورافض لما لا يؤمن به من عناوين أخرى، فتتبدد صور الائتلاف المليوني وتتشرذم ويصبح كل حزب بما لديهم فرحون بل قد يساء من بعضها للبعض الآخر، كما حصل في الحضرة العباسية عندما اساء خدمة الحضرة لموكب ابطال ابي الفضل العباس الذي فتحوا باب الدفاع عن مرقد السيدة زينب في الشام وها هم الان يدافعون عن العراق ضد الارهاب والعدوان فيما يُرحب بموكب حزب الله لبنان وسمح لهم في اقامة شعائرهم داخل الصحن العباسي وكذا لموكب بني عامر ولتجمعات من الاجانب وهذا مؤشر سيء لا ينبغي تكراره كل ذلك لأنهم لم يعلموا لعنوان الحسين بل لعناوين ضيقة ناهيك عن تداعيات هذه الصور على امن البلد واستقراره بما لا حاجة لبنائه.
ولا يفوتني أن أذكر تفاخر البعض ببعض الشخصيات وكأن الزيارة فرصة وضعت للاتباع لا لاتباع اهل البيت وهذا مؤشر لا يخلو من سلبية ما.
ما قيل في حقّ القرآن
كل ما قيل وما يمكن أن يقال في حق القرآن فهو قليل في حق القرآن وعلو شأنه ولكن يبقى ما يؤخذ منه يمثل وجهة نظر شخصية لا تتجاوز المدى الثقافي والفكري للمؤلف والاتجاهات المدونة في حق القرآن متعددة ومتكثرة، وتبقى الملاحظة المهمة في جميعها هي التركيز على الهدف والغاية من هذا الكتاب الخالد،التربية البشرية الى مقصدها الحقيقي والوصول الى انسانيتها الحقة والغاية من خلقها، وهذه نقطة أساسية ينبغي عدم التعدي عنها في البحوث والدراسات القرآنية، والمؤسف أن هذا الجانب لا اثر له في كثير مما كُتب حول القرآن فليس القرآن كتاب قصصي أو نحوي أو بلاغي أو ….وإنما كتاب هداية وارشاد لأن الكتابة بعيدا عن الهدف تفقد القران موقعه الواقعي في نفوس المسلمين.
وعلى هذا فتضمين البحث الهدف المطلوب مهم جدا ومطلوب جدا كي لا نزيد من هجر القرآن هجرا وههنا عدة ملاحظات يمكن تسطيرها:
الملاحظة الأولى: ان الخطاب القرآني بمقتضى ما يستهدفه شامل لكل الطبقات والمستويات مهما امتدت زمانيا واتسعت مكانيا وإلا لما كان معجزا خالدا تحدى به الإنس والجان ليأتوا بمثله، فالتركيز على الجوانب البلاغية وفق ما استقرت عليه اراء البلاغيين أو كذا النحويين أو غيرهم، غير سديد وأقصد تحميل النص القرآني عليها، لا جعل النص منشأ و مبدأ لها، وهذه نقطة مهمة قد لا يكون ملتفتا لها في الدراسات القرانية وهي جديرة بالبحث والدراسة.
الملاحظة الثانية: إن التكرارات الخطابية والقصصية في القرآن تتناسب طرديا مع شدة إنكار وعناد الطرف الآخر (المخاطَب) وعتوه واستكباره، ومن ذلك تكرر الخطاب والانذارات الإلهية لبني إسرائيل الأكثر عددا وتعرضا في القرآن، وتنوع الرد الخطابي وتقديمه أو تأخيره لدواعي الهدف الأساسي ولتغير ظروف وملابسات الخطاب التي تتطلب تغييرا في النظم تتفق مع ما ذكر، وكذلك لرفع حالة الملل التي قد يواجهها قارئ القرآن لو تكررت بنفس الصيغ والعبارات، مع تضمينها دلالات أخرى لا تحصل عينها من النص السابق بكلماته مع كون المحور العام والأساسي واحد.
الملاحظة الثالثة: الخصوصية والأصالة التي يحملها القرآن في كثير من خطاباته واستعمالاته لألفاظ خاصة ميزته بميزة خاصة، وإن كان قرآنا عربيا مبينا، يستعمل ما أُلف من الألفاظ والتعابير ولكن نحى منحى آخر واستحدثا الفاظا جديدة صبغت الخطاب القرآني بصبغة خاصة مميزة ولون غاير كل الوان التعابير المألوفة واعتبر بقوله تعالى ((ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب)) مع إن المستعمل عندهم (القتل أنفى للقتل) وكذا قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا…)) وكذلك تغييره لبعض اعمال الإمتثال الشرعي كإتجاه القبلة وغير ذلك كثير، كل ذلك لإعطاء أصالة خاصة وفكر متميز وخطاب له نكهة خاصة وتعابير مسبوكة، ليبعد الأمة من تأثيرات الأجواء والأمم الأخرى ولتصنع الأمة الإسلامية وفق منظور جديد بكل قيمه وأساليبه.
الملاحظة الرابعة: ان سر الإعجاز للخطاب القرآني هو مطابقة الكلمات لمجموعها المؤلف له للحقيقة، وللمعاني الواقعية التي أراد المولى ايصالها، ولذا لا تجد فيه أي اختلاف، فما يحكيه القرآن له بازائه واقع منحفظ وثابت، وليس من تأليف المؤلفين وبراعة البلاغيين التي تجعل حلاوة الألفاظ وحسن ترتيبها وسبكها من دون نظر الى الواقع والحقيقة لا يحرك الا الأذواق الأدبية للقلة من المثقفين ولا شأن لعامة الناس به، والقرآن ينفذ الى القلوب ليحركها نحو هدفها وغاية خلقها من دون اختصاص بطبقه أو فئة على حساب أخرى، فأين هذا من ذاك.
هذا ما خطر لي من الملاحظات التي يمكن ان تنفع في شيء في البحث القرآني.
العلمانية عند رجال الدين
العلمانية مصطلح درج في التناولات والتداولات السياسية والشعبية وهو يعطي معنى فصل الدين عن السياسة وان على الدين ان يقف في حدود علاقة الانسان مع ربه واما ان يتدخل في الشأن السياسي أو الاجتماعي فأمر مرفوض إذ لا حاجة الى الدين وأنه لا بد من اطلاق العنان للعقل البشري والتجربة الانسانية التي تتقدم بين فترة وأخرى لتنتج نظماً سياسية أكثر اتزاناً وعدلاً واحتراماً للانسان وتعتبر الديمقراطية وضمان الحقوق الفردية للبشر نهاية أو مشارف نهاية الخبرة البشرية في انتاج نظام أكثر استقراراً للبشر واعلى نمواً وأنت تجد ديمقراطيات الأرض لم تخلص البشرية من متاهات الحروب والعقل والسيطرة بل لم تسعفه في معالجة أمراضه الاجتماعية والنفسية التي انبعث من خلالها تطرف وارهاب وافساد للعباد والبلاد وكل المظالم نجدها في عالم الديمقراطية اليوم والسبب هو ابتعاده عن المدبر جل جلاله، والذي وضع اسس تربية البشرية من خلال الرسالات السماوية المختومة برسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حيث تغافل العالم بناسه ان العقل البشري مهما أوتي من قوة فكرية وخبرة عملية يبقى قاصراً من دون رعاية الشرع وتوجيهاته لأنه المحيط بكل متطلبات الانسانية وحاجاتها ومن دونه يبقى العقل يمشي مرة ويكبو أخرى، وكبوته قد تدمر الملايين من البشر وتسحقهم برمشة عين من دون وازع من ضمير أو حساب من رقيب.
وقد انعكست مقولة الفصل – الدين عن السياسة – في مجتمعاتنا الاسلامية وتعشعشت حتى أتت على نهاية أهم فرائض السماء وأكثرها فائدة للبشر وأوسعها تأثيراً الا وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبات غريباً في اوساطنا الاجتماعية وقليلة الاعتناء في مؤسساتنا الدينية التي قطعت شوطاً بفعل عوامل وظروف عديدة للتراجع شيئاً فشيئاً عن الدخول في هذه الفريضة بل والأكثر من هذا أصبحت من ادوات حفظ الانظمة الاستبدادية وادواتها في فرض ارادتها وتلبيس قوانينها لباس الشرعية من خلال ممارسة الفريضة عبر خلال اجهزة ودوائر معينه، كشرطة الآداب في زمن البعث المقبور أو دائرة الحسبة أو الأمر بالمعروف في بعض الدول الاسلامية وهي أشبه بجهاز عقوبة لا جهاز تربية وارشاد كجهاز الشرطة الذي ينفذ ما يترتب على الادانة مع ان الصيغة الشرعية لهذه الفريضة هي التربية والتوجيه والارشاد وما العقوبة التي لا تطبق الا بشروط ترجع في معضمها الى المرجع العامل الجامع لشرائط المرجعية والمتابعة الميدانية بنفسه وشخصه لا من خلال ادواته وبطانته وهي في الأعم الاغلب تقدم مصالحها وانانيتها على توجيهات المرجع ومنهجه العلمي والعملي.
وتعريف العلماني بشكل علمي هو كل ما لم يهتم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الدين عنده هو فقط في علاقة الانسان مع ربه أو متعلقيه فيما يتعلق ببعض للتكاليف ذات الطابع الديني واما ذات الطابع الاجتماعي من قبيل تغيير الواقع المتردي أو محاربة الفساد أو متابعة المناكير لاقتلاعها من حياة الناس أو مراقبة الحكومة في عملها والتزاماتها أو محاسبة المفسدين فلا أثر لعمله بها الأمر الذي ينتج أنه علماني بأمتياز وأن اصطبغ بالدين ولو اطلعت على الروايات لوجدتها بشكل واضح وصريح تنفي دين كل من لا ينهى عن المنكر وقد وردت من سيد الشريعة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حيث ورد من المؤمنين من لا دين له! فقيل يا رسول الله عرفنا المؤمن فما معنى من لا دين له؟ وإنما سألوا ذلك للمنافاة بين المؤمن، وبين من لادين له. اذ كيف يكون مؤمنا وليس الا بالتزامه بالدين فهو مما له دين، ومع ذلك ينفي الرسول صلى الله عليه واله عنه الدين بسبب تركه للنهي عن المنكر، فقال صلى الله عليه وآله جوابا لسؤالهم ذلك الذي لا ينهى عن المنكر. وهو صريح في نفي دين المؤمن الذي لا ينهي عن المنكر ومن لا دين له الا في اطار علاقته مع ربه فهو علماني، ومنه يستنتج ان من رجال الدين من هو علماني، وهو كل من لم ينه عن المنكر, ولا يقبل منه أن ينهى عن المنكر من خلال ما ثبته أو أفتى به أو صرح به أو تحدث عنه ولم يباشر ويدخل الميدان ولو بواسطة فريق خاص به.
وإلا كان علمانيا شاء أم أبى.
الاعلم
مصطلح ارتبط في دائرة الحوزة العلمية كوصف لمن يتصدى للمرجعية الدينية أن يكون محرزاً لهذا الوصف إن قيل به أو لا حاجة لإحرازه ان قيل بإمكان تقليد غير الأعلم ومع وضوح اللفظ الا ان تحصيلها عملياً مشكل جداً فأن تحصيل مصداقها مبني على تحديد المفهوم المراد منها، فهل مفهومها هو أن الأعلم بالأصول هو الأعلم؟ كما تشير الى ذلك مدرسة السيد محمد باقر الصدر الشهيد وتابعه سيدنا الشهيد محمد الصدر (قده) وكما مال إليه المحقق الخوئي (قده) أو أن الأعلم يتبلور لمن كان أعلم بالرجال كما يذهب إليه بعض تلامذة المحقق الخوئي أو أن الأعلم هو من كان أعلم وأفهم للغة ومن أهل العرف في إشارة الى ما ورد عنهم (عليهم السلام) بأن الفقيه كل الفقيه من فهم معاريض كلامنا وغيرها، أو أن الأعلم هو من كان أعلم بعلوم أخرى، بل حتى الوجه الأول للأعلمية وهو علم الأصول أختلف في أن الأعلم هو في نفس العلم أو في تطبيق كبرياته على مواردها الفقهية كما يذهب اليه بعض تلامذة الخوئي وهو الشيخ الغروي (قده) على ما نقل عنه.
والمهم أن الضابطة لتحديد من هو الاعلم غير متفق عليها وبالتالي لا يمكن الوصول الى نتيجة حاسمة، مع كونه ابداعاً بشرياً لم يأت من الشرع ما يشير اليه لا من قريب ولا من بعيد، نعم يمكن ان يقال بأن في جواب أمير المؤمنين عندما سئل عن أشعر العرب، كان جوابه فيه اشارة الى ضرورة ايجاد ضابطة حيث اجاب أنهم لم يجروا في ميدان واحد.
وهذه العويصة لا زالت قائمة ولها تداعيات غير صحيحة على العطاء الحوزوي ومسؤولية المرجعية الدينية.
وفي نظري القاصر اننا ينبغي ان نرجع الى الشارع لاعطاء تحديد واضح للاعلمية ان كانت ثمة ضرورة لذلك، أو الوقوف ضد سيل من المدعين تكون اضافاتهم سلبية أكثر مما هي ايجابية، ولا يختلف اثنان على الضابطة الدينية نعم قد يختلفوا على فهم هذه الضابطة أو تصويرها، وسأذكر ضابطتين متصيدتين من الشارع وهي قابلة للمناقشة
الضابطة الأولى: استناداً من ان العلم بلا عمل لا قيمة له وروايات عديدة تشير الى هذا المعنى يكفينا الرواية القائلة ان العالم الذي لا يعمل بعلمه يتأذى أهل جهنم من ريحه على بعد كذا .. والايات القرآنية تؤكد وتركز على جانب العمل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم، أحسنوا، أقيموا الصلاة، وأخفض جناحك، ولا تبخسوا الناس) وهكذا يجدها المتتبع ان اتجاهها العام هو العمل فهي لم تقف عند حد العلم بل تجاوزته الى العمل.
فهذه ضابطة نستطيع من خلالها – حتى المكلف العادي – بأمكانه ان يعرف من هو الأكثر عملاً واخلاصاً من خلال ما يصدر منه من اعمال وافكار وعلاجات وممارسات بلا تكلف وتعقيد فهو يمكنه ان يقول فلان أكثر عملاً من فلان بعد تيسر الوصول الى ما يصدر من الكل ممن يتصدون للمرجعية.
الضابطة الثانية: اننا بالاستقراء نستطيع ان نجمع العديد من الآيات والروايات التي تعطي مؤشراً لدين الانسان وعلاقته مع هذا الدين والمجتمع ولتكن بعدد محدود ثم يعرض على المتصدين وأيضاً من خلال ادائهم يعرف كم من هذه الروايات والآيات تطبق على فلان أو هو يمثل مصداقاً لها.
ومن يحصد أكبر رقم من الانطباق فهو الأعلم، بمعنى هو الأكثر اعتناءً بالدين من غيره، ولا يعني هذا أنه يعمل بلا علم بل العلم مستبطن في عمله ونذكر بعضها:
1- قوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}التوبة/105
2- { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}الحديد/25 يتعامل مع الجميع بافق واحد
3- {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}البقرة/244
4- {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}النحل/125
5- {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران/104وغيرها من آيات الأمر بالمعروف.
6- { قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي}البقرة/249
7- {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}الأنفال/60
8- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة/9
9- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد/7
10- {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}التوبة/34
وهكذا عشرات الايات واعتقد أنه لا يختلف اثنان على هذا الضابط ولننهي جدل الاعلمية في الحوزة العلمية.
إشكال عقائدي
طرح أحد المعاصرين وتحدى العلماء من الاجابة عليه شريطة ان يكون الجواب قرآنياً وهو أن آية التطهير واقعة ضمن سياق النساء ولذا فأن تذكير أهل البيت جاء لا ليخصصهم بالتطهير وإنما ليدخلهم في التطهير الذي ذكره للنساء لأنه لو لم يذكر الضمير لخرج الامام علي والحسن والحسين من التطهير وقد ذكرهم للتغليب كما يقولون لأن السياق حاكم في النساء ثانياً أن آية التطهير ليست آية وإنما هي ذيل جاء ضمن الآيات التي ذكرت النساء فما هو جواب سماحتكم للتفصي من هذا الاشكال الذي يطرحه علماء العامة دائماً؟
ويمكن ان يجاب عنه
أ- بتغيير السياق وأنه ليس سياقاً واحداً بحيث يظهر أن المخاطبين غير النساء في الايات السابقة، وما ذكرمن افعال هو لزوجات النبي خاصة دون هؤلاء حيث لا ذكر لافعالهم ليشكل ذلك قرينة، وتبديل الضمير الى عنكم خير شاهد.
فأن قلت: عنكم تشمل عنكن وغيرهن
قلت: كلا فأن التطهير المذكور مشدد الى درجة لا يناسبه شمول الزوجات وذلك من خلال عدة قرائن، (إنما) المكسورة وتستعمل في ابتداء الكلام غالباً وهي تفيد الحصر عند البعض، و (التطهير) المفعول المطلق وكذا تكرار الفعل معنوياً (بإذهاب الرجس) (والتطهير) فهما متلازمان متساويان وإن التطهير مناسب لإذهاب الرجس وهو هنا مطلق الرجس لا الرجس المطلق الذي قد يعني ان ما دونه موجود، بل الاذهاب بكل انواع الرجس.
وهذا التعبير المؤكد والتركيز عليه لا يناسب ما سبق من الايات حيث تشير انها منتجة للتطهير وأنه سبحانه كلفهن لتترتب على هذه التكاليف الطهارة وهذا معناه ان الانسان قبل العمل واتيانه لا يكون متطهراً وأن فيه شيئاً من الرجس، نعم هذا العمل يوصل الى مطلق الطهارة لا الطهارة المطلقة، وهذا لا يتطلب تغيير السياق.
واذا انتج ذلك فأن الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو من أهل البيت يقيناً غير متطهر اثناء عمله وإن فيه شيئاً من الرجس – والعياذ بالله – وهذا أمر مرفوض وباطل عند الجميع، وإن كان التطهير ثابت قبل العمل ثبت المطلوب للاهل خاصة لا للزوجات.
ومن القرائن ايضاً: ان متعلق النداء من الايات السابقة نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فيما هذا المقطع (انما) لا يوجد نداء بل خطاب، وفيه اشارة الى وجود منادى وقرب المخاطب فاستحق الاعتناء، ولعل في تذييل الاية باللطيف ما يرشد الى ذلك.
وقد يورد على ما ذكرناه من ان الاذهاب للرجس والتطهير متلازمان ومتساويان وهو لا يناسب العطف بينهما بالواو التي تفيد المغايرة.
كان الجواب ان المراد من الرجس هو مطلق الرجس، فيما المراد من الطهارة هو الطهارة المطلقة لا مطلق الطهارة والا لما كانت حاجة الى تبديل الخطاب([1]).
وهناك جواب آخر ولكنه خلاف الظاهر لأنه بحاجة الى تقدير مصاف وهو أن يكون المراد بالبيت بيت الله لا بيت الرسول بعد ان نفهم من البيت لغةً الغرفة، ومعلوم أنه لا غرفة خاصة للرسول (صلى الله عليه واله) فيكون المراد بيت الله فإذهاب الرجس والتطهير لأهل بيت الله، وهذا البيت المعنوي لا يضم من تلطخت ايديهم بظلم ما في حياته، وهو لا يشمل الزوجات أكيداً لعدم القائل بعصمتهن حتى الخيرات منهن (كأم سلمه).
إستفتاءات في عصر الطاغية
سماحة الشيخ الفقيه قاسم الطائي (دام ظله)
في الأحياء السكنية في بغداد يوجد وكلاء للحصة التموينية يقومون بتبديل الحصة التموينية مقابل مبلغ من المال أثناء استلامهم للحصة من المخازن الحكومية وإعطاء المواطن حصة غذائية رديئة زاعمون أنهم مجازون شرعاً من قبل السيد الأستاذ (قده) نرجو من سماحتكم بيان هذه الفقرات:
– هل هذا الزعم صحيح؟
– ما هو رأي الشريعة في هؤلاء؟
– هل يجوز التعامل معهم في شراء وبيع نفس الحصة أو غيرها؟
– كيف نعاملهم ضمن دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى فرض عدم استجابتهم هل يجوز التشهير بهم؟
– هل يجوز أخذ المواد الغذائية من المخازن ثم تبديلها بمواد أقل جودة ثم توزيعها على المحلات وهي توزعها على المحلات؟
ولدكم محمد الزغيبي
بسمه تعالى:
– ليس لي علم بهذه الخصوصيات لأعرف صحة هذا الزعم من عدمه ولكن لو صحت لكن الآن الإجازة غير ممضاة إلا من قبل المجتهد الحي ولا اعتقد أن أحد من فقهاء النجف سوف يجيز بذلك.
– هؤلاء غير مستأمنين والأولى اجتناب التعامل معهم,وما يأخذونه غير جائز إلا بأذن الحاكم الشرعي وهو غير متوفر بل لا ينبغي للمسلم في أي موقع من مواقع الحياة أن يعكس صورة رديئة عن الإسلام لأنه من أفراده.
– الأحوط الأولى اجتناب التعامل معهم كوسيلة لردعهم وزجرهم عن فعلهم المشين.
– انصحوهم أولاً بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلوهم بالتي هي أحسن فأن فاؤوا عن غيهم وفعلهم فهو المطلوب وإلا فقاطعوهم كوسيلة للنهي عن المنكر فأن امتنعوا فلله الحمد وإلا فيمكن التشهير بهم كوسيلة رادعة أخيرة بشرط تجنب المضاعفات غير المحمودة والتي تسبب مشاكل اجتماعية مرفوضة.
– سبق وان ذكرت أن هذا ضد المروءة والإنصاف وخلاف الأمانة التي أستأمنك الناس عليها مع عدم الأذن في استبدال المواد الغذائية المستلمة من المخازن الرسمية بل عدم الجواز في التلاعب فيها وأخذها من غير موافقة الجهة الرسمية أو استبدالها بعد ذلك على الأحوط, وتكون ذمة الوكيل مشغولة بالأموال التي اكتسبها من خلال هذا التعامل غير الحضاري والبعيد عن خلق الإسلام وحسن التعامل والإخاء والإسلام يقول: حب لأخيك ما تحب لنفسك.
قاسم الطائي
14/ربيع1/ 1423
سماحة العلامة الشيخ الفقيه الأستاذ قاسم الطائي دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل..
كثر في هذه الأيام بين الشباب خاص ـ ذكورا واناثا ـ استعمالهم لمادة تسمى الدكسون (الكورتزون) حيث أن هذه المادة تسبب زيادة في وزن الجسم نتيجة لاحتباس الملح والماء تحت الجلد في مختلف أجزاء الجسم وبالتالي يؤدي الى زيادة في الوزن كما يسبب احمرار في الوجه وزيادة في الشكل الدائري للوجه لا فقد تفشى بين الفتيات استعمال هذه المادة لأنها تزيدهن جمالا ـ على حد تعبيرهن ـ على الرغم من مضاره الصحية حيث انه يسبب ارتفاع في نسبة السكر في الدم والاصابة بداء التبول السكري كما يؤدي الى احتباس الصوديوم والماء في الجسم مؤديا الى تورم القدمين والأعضاء وارتفاع ضغط الدم، كذلك يؤدي الى فقدان البوتاسيوم في البول مما يؤدي الى النحول والإعياء وشلل الأمعاء وضعف العضلات كما أن هناك أعراض جانبية منها تشوش الذهن وظهور حالات نفسية مثل الشك بالاخرين والوسواس والاكتئاب كما ان استعماله لفترة طويلة أو بجرع عالية يؤدي الى تسمم الدم الجرثومي وقد يؤدي أيضا الى عطل مؤقت او دائم في وظيفة غدة الكظر وهي غدة مهمة فوق الكلية وضمورها يؤدي الى مشاكل صحية خطيرة او الوفاة كما حدثنا عن ذلك أحد الأطباء في بغداد عن موت أحدى الفتيات في ردهته نتيجة استعمال الدكسون ورغبتها أن تكون أكثر جمال! فما قولكم في من يبيع هذه المادة وفيمن يستعملها جزاكم الله خيرا؟
ولدكم
مشتاق الساعدي
بسمه تعالى
لقد صدق الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) في حديثه: (كيف بكم اذا امرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف) وأي منكر في تعريض الشابة جسمها بضاعة تتلافها عيون الرجال وتثير فيها نيران الشهوة وهيجان الغريزة، وماذا تبتغي هذه المسكينة من ذلك…لا شيء الا بضاعة يكثر عرضها ويطول مكثها في انظار الرجال بريبة وتلذذ يطمّع فيها الشيطان أعوانه ويقوي من خلالها ارساله لتجتمع الشهوات المتأججة والأهواء المتعاشقة في مراتع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ولو علمت انها بمقدار ما تكشف من جسدها تحط من شأنها وتذهب بجمالها حيث لا جمال بعد الستر والعفاف، ولبس العباءة والحجاب، واذا ارادت أن تتأكد فما عليها الا أن تسأل بصراحة وشجاعة من بعض محارمها من الرجال واقرباءها عن ميلهم النفسي وانجذابهم القلبي واحترامهم الفطري الي أي النساء ـ المتبرجات السافرات المتكشفات وفي النار خالدات ـ او الى النساء المستورات المتورعات المحجبات، لأجابوا بواقع فطرتهم ومقتضى رجولتهم الى المحجبات، ولا يعاكس الجواب الا من انحرف عن جادة الصواب وصاحب الباطل والطرب.
ولست ادري لماذا هذا التهافت على تأييد الباطل ونصرة الشيطان ومتابعة أعداء الله ورسوله وكل الخيرين على الأرض وقد اكدت النصوص الشرعية حرمته، واليكِ يامن غرتها الحياة الدنيا وافتتنت بها وتسلط عليها الشيطان (عن الفقيه باسناده عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: أوصى الله الى نبي من انبيائه، قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس اعدائي فتكونوا اعدائي كما هم اعدائي)
واذا كان الله تعالى عدوك فمن اين لك ناصر ومعين
هذا الاستعمال لهذا الدواء قد يحرم بأحد طريقتين:
الأولى: باعتبار الأضرار المتسببة من استعماله مع اليقين بالنتيجة المذكورة في السؤال نقلا عن اهل الخبرة والاختصاص.
الثانية: باعتبار النتيجة وما يسببه من إشاعة أجواء التحلل والفساد وتقوية عوامل الاثارة الجنسية واللعب بالقوى الشهوية وايقاع الشاب المسكين في سكرة اللذة والخيال وربما يقوده ذلك لاطفاء نار الشهوة بارتكاب المحرمات من استعمال العادة السرية او متابعة الأفلام المخلعة او ممارسة موبقات أخرى، وكل ذلك وزره على المرأة ولكل من حصل له بسببها ذلك، فهو حرام لكنه متعدد بعدد من يقعون في المحرمات وبعدد ما يرتكبونه منها
واذا حرم الاستعمال بأحد الطريقتين حرم بيعه وشراءه وهذا واضح.
قاسم الطائي
6/ صفر/1423
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
كثر في هذه الفترة في الأسواق بيع الدولار مع أخذ فائدة (5%) فما هو منشأ هذا الأخذ وكيف يطبق هذا الأمر بصورة صحيحة بحيث يتخلص البائع والمشتري من الوقوع بالحرام. نتمنى أن يكون الجواب مفصلاً لان هذا الأمر غامض وبحاجة إلى تفصيل جعلكم الله علما من أعلام الدين لخدمة شريعة سيد المرسلين وآله الطاهرين؟
الشيخ وراد النصر الله
بسمه تعالى:
ظهرت في الآونة الأخيرة حالة التعامل على أساس مقدار من الربح 5% وهي مقالة السيد الأستاذ (قده) التي يخالف فيها مشهور الفقهاء الذاهبين إلى جواز البيع بالآجل بأي مبلغ اتفق عليها الطرفان دون تحديد ضمن الـ(5%) والوجه في الاختلاف بين القولين أنه على المشهور من المعدود الذي يكون خارجاً عن دليل الربا في البيع ولكن عند الأستاذ (قده) أن مرجع النقد إلى رصيده الذهبي في البنوك. فلكل عملة ما يقابلها من مقدار من الذهب كرصيد لها يعطيها الاعتبار القانوني بها سوقياً وإذا كان النظر إلى ما يرصد للعملة من ذهب في البنوك وقعت في دائرة دليل الربا لكونها حينئذ من الموزون. ولكن يبقى وجه في تحديد (5%) مع أنها زيادة مشمولة لدليل الربا كما هو واضح وكانت قد وقعت ما بيني وبين الأستاذ (قده) مباحثة بعد الخروج من البحث حول منشأ ألـ (5%) التي يقول بها.. وإليك جوابه كما سمعته إن لم تخنِ الذاكرة.. أنه في السابق كانت العملة المتداولة في عصر المعصومين عليهم السلام من الدنانير الذهبية وكانت من ضمن الحرف والصنائع لشريحة من الناس هي الصياغة (صياغة الذهب) ومن الواضح أن صاحب الحرفة أو الصنعة إنما يعمل ليربح فأدعى (قده) إن نسبة الربح المعقولة والذي يشعر بها وجداناً أنه لا اعتراض من الشارع عليها هي ألـ(5%) لا غير كحد أعلى مما يتصور من الربح المسموح وها هنا عدة تساؤلات:
الأول: إن هذه فتوى وليس حكماً ولائياً كما ادعاه البعض وقد غفل عن أن الولاية التي يقول بها الأستاذ (قده) لا تشمل الأحكام الوضعية والاعتذار عنه بأنه لا معنى للـ(5%) إلا إذا استعمل ولايته العامة كما قد يفهم.
الثاني: إنه هل يجوز القطع بالـ(5%) عند التعامل بالعملات بالبيع المؤجل كما هو المعمول به في الأسواق؟ الجواب كلا والوجه مبسطاً إن هنا فرقاً بين القطع بالنسبة وبين البيع ضمن حدود القيمة السوقية التي لا تنضبط ومع عدم انضباطها فيبقى مجال معين يمكن تصحيح المعاملة به وهو ألـ(5%) التي تعني أن البائع لا يقصد بالبيع المؤجل إلا ما يخضع للسوق من قيم للعملات كي يقع البيع بعيدا عن قصد الزيادة المؤدية إلى الربا بناء على الرصيد الذهبي المجعول للعملات وإما لو باعه مع قصد الزيادة وإرادتها بإنشاء العقد فيكون من قصد الزيادة في أحد العوضين مع كون الثمن والمثمن من الموزون، فهنا تصح الزيادة الربوية لكون البائع قد قصدها (والربا في التعاملات كالرياء في العبادات مفسد لها) ولا تصح لو لم يحدد لان البائع لم يقصد الزيادة المقدرة وإنما الزيادة التي يفرضها سعر السوق النقدي وهي غير مقدرة بل يحددها السوق ولذا لو تجاوزت ألـ(5%) كانت المعاملة باطلة ولا يستحق أي من الطرفين ما أنتقل إليه من العوض. وإليك المثال التالي لتوضيح الفكرة باع زيد, عمر ورقة نقدية بعملة المارك الألماني بـ(100000دينارا عراقيا) لمدة شهر فهنا المسمى من الثمن هو مائة ألف وبعد حلول الشهر ومجيء وقت السداد للثمن كان سعر الصرف المارك الألماني آنذاك (105000) تارة وتارة (104000) أخرى و (110000) ثالثة فإن كان سعر الصرف هو الأول فالفارق بين السعر المسمى 100وسعر السوق هو (5%) فالبيع صحيح وإن كان سعر الصرف هو الثاني فالفارق بينهما هو (4%) أقل من الـ(5%) فالبيع أيضاً صحيح وإن كان سعر الصرف هو الثالث فالفارق بينهما أكثر من (5%) كما هو واضح فالبيع غير صحيح فأن قلت أن هذا لا يختلف عمّا لو حدد البائع الـ(5%) من أول الأمر قلت هذا غير صحيح..
أولاً: لما عرفت سابقاً من أن قصدها على المبنى المذكور غير صحيح لأدائه إلى الربا المحرم شرعاً المفسد للمعاملة.
ثانياً: أن النتيجة غير معقولة في كثير من الأحيان كما لو باعه بقطع النسبة ولمدة يومين وهكذا استمر إلى شهر أي أن الآجال في ضمن مجموع الشهر تساوي خمسة عشر حاصلة من قسمة أيام الشهر على اليومين وإذا كان له بكل أجل (5%) فله في تمام الشهر(5%في 15يساوي 75%)أي أن ورقة المائة مارك السابقة تصبح 175مارك عند نهاية الشهر بل قد تصبح كما يفعله الكثيرون250 لو جعل البائع الآجل يوماً واحداً وهو أمر غير معقول بالمرة حيث تتراكم رؤوس الأموال في جانب أصحابها من دون عمل يذكر لهم أو عمل لأموالهم وهذا لا يختلف لبا عن الربا التي شددت الشريعة في حرمته والتأكيد على نبذه حتى كانت سبعين زنية في ذات محرم أخف وأهون عند الشارع من درهم ربا كما يظهر من الروايات فأنظر كل النظر إلى مقاصد الشريعة بروحها وحقيقتها وبما يمكن أن يفهم من مرادها على نحو عام بعيدا عن النظر الضيق والأفق القصير. هذا توضيح للفكرة التي غابت عن أذهان الجميع فراح بعضهم يفسرها كما يريد فورط وتورط والله من وراء القصد.
قاسم الطائي
29/صفر/1423