…… ولادة العدل الإلهي
لا تستغرب من هذا العنوان فأن التخلق بأحد الصفات الإلهية موجب لأن يكون المتخلِق وكأنه عين الصفة وليس ذاتاً تتصف بهذه الصفة، فلك أن تقول فلاناً عدل وأنت محق وهو أبلغ من قولك فلان عادل، باعتبار ان الذات كلها على هذه الصفة فهي عدل وليست عادل.
وإذا فهمت ما أقول علمت بأن العنوان قد عنيت به بأن ولادة إمامنا الغائب عجل الله فرجه ليلة النصف من شعبان وهو سيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا، فهو عدل إذ لا مجال لعدم العدل في كل ما يحدثه من تغييرات وتصحيحات وعدله ليس من السهل ان يتحمله الاتباع فضلاً عن غيرهم لأن من العدل ما يضيق على الإنسان فضلاً عن الجور كما أطلقها أمير المؤمنين (عليه السلام) ((من ضاق عليه العدل فالجور أضيق)).
وعلى هذا فما لم يكيف المؤمن نفسه على قبول العدل المطلق وترويض نفسه من الآن لقبوله خوف أن يفشل في الامتحان الذي قد يقضي على تصوراته ورغباته بأنه من انصار الإمام (عليه السلام) وعلى استعداد لقبول عدله الذي سيقيمه على الأرض التي نحس الآن أنها ملئت ظلماً، وإن كان الرائي لأمتلاء الظلم هو النقي السريرة الأبيض القلب وغيره قد لا يرى الدنيا وقد ملئت ظلماً كما يحس به النقي المؤمن.
والمسألة لا تخضع للتمني والادعاء بقدر ما تخضع لممارسة النفس وقبولها العدل الذي سيأتي به الإمام (عليه السلام).
ولنمثل للأمر بأن قضية تخصك وآخر قد اختلفتم فيها من حيث من هو صاحب الحق فيها كما في كثير من قضايا الشركة بين المؤمنين حيث يترك الأمر سدى بدون كتابة وتوثيق يثبت مقدار حق كل واحد وما له وما عليه من الالتزامات، فإذا ما حُكم أحد الخيِّرين أو الوجيه أو المجتهد وقضى لغيرك فهل تقبل؟ أو ترفض وتبقى تهرج بأن هذا الحكم غير صحيح أو أني غير ملزم به وغيرها من تعابير الرفض لهذا الحكم الذي قبلت فيه قبل النطق به، وإلا لم ترض بالتحكيم فيه، فرضاك بالتحكيم معناه قبولك وإن كان في صالح الخصم.
وهنا على الرغم من وقوع العدل ظاهراً في هذه القضية لم تقبله أنت فكيف تقبل بعدل مطلق يقال لك أخرج جميع أموالك لأنها ليست ملكاً لك بل لغيرك، فهل تفعل؟ بالطبع لا تقبل لأنك لم تهيء نفسك لقبول مثل هذا العدل..
وعلى هذا فالدعاوى التي يطلقها البعض من قرب الظهور الميمون أو وصلت الأمور الى ضرورة خروجه وكأنه يقرر أمراً أختص به الله سبحانه لم يدرك حقيقة الأمر ولم يمّكن نفسه من قبول العدل وهو يطلب أو يرجو خروجه (عليه السلام) ولعله أول المرفوضين عند الإمام حينما يجده غير مستعد لقبول حكومته وعدله المطلق، فما لم يكن الانسان قد ربى نفسه ودرب ارادته وأحكم عزمه على تلقي قبول الاحكام الظاهرة في عدالتها فلا يطلب ظهوراً أو يتمنى خروجاً لأنه سيكون الخاسر فيه، وهذا ما لا يريده الشارع له ما لم يعن نفسه قبل ذلك كي لا يفاجئ بالأمر وهو غير مستعد له وإنما يتخيل في نفسه استعداده وهو ليس كذلك.
وبهذا العرض الموجز نستطيع ان نخرج بجملة من النتائج المهمة :
النتيجة الأولى: أن طلب الخروج والظهور للمولى (عجل الله فرجه) لا يتأثر بالآمال والأماني وتوهمات بعض الموالين والمحبين ظاهراً لأمامهم بقدر ما يخضع لحسابات إلهية واقعية تقتضي اتمام الامر وانجازه على ما ذكرته الآية (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ومن المعلوم بأن الاظهار يحتاج الى جملة عوامل معدة منها الطبقات المؤمنة المتهيئة واقعاً لقبول حكومته ومنها عدله المطلق.
النتيجة الثانية: وهي مرتبة على الأولى ان الافضل للفرد ان يكون ذا التزام ديني واخلاقي عالي يضعه في درجة من القبول الالهي ومن الطبيعي بأن القبول الالهي يعني القبول المهدوي ، فإذا ما كان مقبولاً عند المولى الخالق عز وجل كأن الأمر بالنسبة اليه على نحو واحد، فإذا ما ادت به المقادير ان يعيش الظهور الميمون فهو مقبول وإذا ما منعت منه ذلك كان قبوله عند المولى متحققاً وهو المطلوب.
النتيجة الثالثة: على المؤمن ان يدعو بقلب مخلص وصادق لخروج الإمام وظهوره وبالادعية المذكورة في مظانها، من أجل تعجيل الفرج ونيل شرف المساهمة والمشاركة في عملية التغيير والاصلاح العالمي، وإما ان يدعي أو يقرر بأن الظهور قريب أو الوقت الكذائي ونحوه فهذا مما لا ينبغي للمؤمن وليس من اختصاصه وتوكيل الأمر الى مسبب الاسباب هو الاولى والاحسن وان يكون ثابتاً على هذا الامر (لا يبالي من عرّفه الله هذا الأمر ان يكون على قُلّة حيل يأكل من نبات الارض حتى يأتيه الموت) كما ورد عن إمامنا الباقر (عليه السلام) حيث يجعل الله له من ايمانه انساً لا يستوحش الى أحد كما ورد عن الصادق (عليه السلام).
النتيجة الرابعة: لابد من مرور المؤمنين باختبار شديد يخلص فيه من يخلص ويسقط فيه من يسقط، لأن عظم المسؤولية وجلاله المهمة الكبرى للإمام (عليه السلام) تستوجب لمن يشارك في عملية التغيير من المؤمنين ومثل هذا الاستعداد لابد من أخذ الاهمية والتهيؤ النفسي والقلبي والروحي لتثبيته وقبول لوازمه ومنها شدة المحن والبلاءات التي ينبغي ان يمر بها المؤمن وكل واحد يستطيع ان يعرف ان نفسه وصلت لمهمة الاستعداد الموازي لعظم المهمة أو هو دونه فإذا كان دونه فعليه ان يتقبل بلاءات متعددة ومتنوعة وان يكون راضياً واقعاً لا لساناً بها.
والاعتبار بقضية الامام الحسين (عليه السلام) في جريانه لإختبار انصاره في طول طريق مجيئه الى كربلاء في رحلته من مكة وخروجه منها في يوم التروية الى حين وصوله الى كربلاء بل في ليلة العاشر منها وهو يُعرِّض اصحابه للاختبار ويفتح لهم طريق الترخيص في الذهاب عنه، ولما خلص الى صدق نواياهم وصحة ايمانهم وطهارة نفوسهم كانوا على استحقاق شرف الشهادة معه، ومن هنا قال لم اعرف اصحاب مثل أصحابي وقول الأمير لهم ((لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق)) في اشارة الى تفردهم بهذا الشرف وكذلك انصار الإمام لابد من خلوصهم من جهات انفسهم الامارة بالسوء وحلاوة الدنيا بحيث يكون مورداً ومحلاً لقبول الإمام كي ينال شرف المشاركة والمساهمة معه.
النتيجة الخامسة:- قد نفهم المقولة القائلة بأن انتظار الفرج افضل من الفرج لأنه بالانتظار لا يزال الاختبار قائماً والتربية النفسية والروحية وتأكيد العزيمة واشتداد الإرادة مستمراً بخلاف ما بعد الفرج فان الانسان إذا وصل الى هدفه استغنى عن معدات طريق الوصول إليه، أو ان التكامل بعد الفرج يكون ببركة الامام من البركة العامة.
وليس من جهاد نفس الإنسان المؤمن الذي هو مورد البركة الخاصة للإمام (عجل الله فرجه).
هذا ما خطر في ذهني القاصر راجياً ان لا أكون قد أخطأت المقصد.
15 شعبان 1439
الاحتياط بين الالزام والاهمال
الاحتياط من طرق امتثال الحكم الشرعي بعد عدم الأخذ بالطريقين الآخرين من الاجتهاد والتقليد، ويعني الاحتياط العمل بما يحتمل قوياً مطلوبيته ومطابقته للواقع ابراءً للذمة وافراغها مما اشتغلت به من التكليف، على تفصيل ليس هذا محل بيانها، فحينما يقول المكلف أنا محتاط أو أعمل بالاحتياط، كأن يأتي بمحتملات التكليف في مورد الاحتياط العقلي ليقطع ببراءة ذمته لأن أحدهما هو المطلوب واقعاً كمن يحتاط بالاتيان بالقصر والتمام في مورد لا يقطع بأن تكليفه فيه هو القصر أو هو التمام فيأتي بهما معاً بالنية الاجمالية حتى يقطع ببراءة ذمته لأن الواقع هو أما القصر أو التمام.
وهذا المعنى حسن وصحيح ولكن المؤسف أنه يؤدى في بعض موارد الفقه دون غيرها بما يتعلق بحقوق الآخرين التي لهم في ذمته، وصورها متعددة كأن يفسر الأمر بهواه بما يقطع بأن الغير لا حق له في ذلك، كما لو كان عملهم المشترك لم يبنى على مكاتبة واضحة تفسر وتفصل حقوق البعض على البعض الآخر.
أو يترك الاحتياط في ما يتعلق بذمته من حقوق شرعية قبل هداية الله له بالالتزام بها، كمن أخرج حقوق الله الشرعية من أمواله بعد البلوغ بمدة، وأما قبلها فلا يحتاط لها مع أنه من المؤكد ذمته مشغولة بها.
أو يدعي لنفسه حق قاطع للشركة مع غيره ووقائع الاحداث تؤكد أحقيقة الغير أو على الأقل مشاركتهم معه، وهنا احتمال الحق للآخر موجود ولكنه لا يحتاط مع ان الاحتياط حسن وطريق لأبراء ذمته على ان لا تكون محملة بحقوق الآخرين وهي ذاهبة الى ربها، وهناك لا تضيع الحقوق أمام محكمة العدل الإلهي ومجرد ظنه أنه خلي المسؤولية قد لا يطابق الواقع فتبقى ذمته مشغولة وهو لا يدري وهناك وسيكون الموقف صعباً وربما لا يمكن الوصول الى رضا صاحب الحق وهو موقف مخزي ومؤذ، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم ولو الى يوم القيامة، والاحتياط أسلم لموقف الانسان يوم الجزاء، فلا يتصور من يرى في نفسه أنه مماكس جيد لدفع حقوق الاخرين أو أنكارها أو التوهم بعدمها أنه بذلك سيسلم بل هو مطالب ومدان أن لم يخلص نفسه في الدنيا، فالاخرة هي دار القصاص وأخذ الحقوق وخصوصاً الآدمية.
ومن هنا فإن الاحتياط المُطَبق في تكاليف الفرد الشرعية هو أولى بالاتباع والتطبيق في علاقات الانسان الاجتماعية، وحقوق الاخرين المادية والمعنوية، فقد عشنا جملة من رجالات الدين وأهل الورع على تلك الشاكلة من الاحتياط في تكاليفهم الشرعية وتركه حقوق الاخرين المادية والمعنوية والاعتذار أمام الآخرين وإن كان لا يخلو من انكسار نفسي ومؤاخذه اجتماعية لكنه أولى من الانكسار أمام العدل المطلق ومحكمة العدل الإلهي وكأن المشهد وقد صوره الإمام الحسين (عليه السلام) بأن العار أولى من دخول النار، فأن المنقلب شديد الصعوبة ولا تضيع هناك الودائع ولا تترك الحقوق.
لهذا علينا الاحتياط في تعاملاتنا الاجتماعية وعلاقاتنا المادية مع الاخرين كما نحتاط بتكاليفنا الشرعية، وفي نظرنا القاصر ان الاحتياط الاخير هو الأولى والأجدر بالامتثال – أقصد في علاقاتنا الاجتماعية –
بل هو أولى في علاقاتنا مع الدول وفي سياساتنا الخارجية فلو كانت من ثمة معاهدة أو علاقة تؤدي بنا الى الخسران في الدنيا واضعاف البلد علينا الاحتياط بتركها والعكس صحيح فإذا كان من ثمة علاقة أو معاهدة تؤدي الى تقوية البلد علينا الاحتياط باقرارها وهكذا الاحتياط يسري في كل مناهج الحياة.
12 شعبان 1439
…..العدوان الثلاثي
{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ }التوبة: 118
في مشهد يشابه العدوان الثلاثي في منتصف القرن الماضي على مصر حينما رأت ضرورة تأميم قناة السويس، جن جنون الدول الاستعمارية آنذاك، وهي الثلاثة الحالية بتغيير الأب بالأبن (الكيان الصهيوني) كل ذلك لاستقلال الإرادة المصرية وسعيها في تحقيق انجاز تاريخي اقتصادي لشعبها، وهذا ما لا تريده الدول الاستعمارية، وهذه حقيقة تاريخية ثابتة في بقاء التبعية العربية والاسلامية للغرب، وحينما حقق الجيش السوري وحلفاؤه انجازاً بتطهير سوريا من الارهاب العالمي الذي تقوده المخابرات العالمية لدول العدوان وهي السابقة باستبدال الابن بالأب (أمريكا)، جن جنون دولهم بعد ان ثبت بأنه لا يمكن إزاحة الاسد، وهذا ما نبأنا عليه قبل ما يسمى بالربيع العربي، وقلنا بأن آخر مطاف هذه اللعبة سوريا ولن تسقط، وها هي سوريا شامخة بإرادة صلبة لا تلين وعزيمة قوية لا تضعف وهي تواجه إرهاباً عالمياً، مخطِطه برطانيا ومحرِكه أمريكا وتابعهم فرنسا بعد ان فتحوا آفاق الارض السورية لكل ارهابي العالم وفتحهم أكثر من اربعمائة جهة للدولة السورية، ولو كان لنصف هذا العدد في أحدى دول العدوان لتفككت منه ومع كل غطرستها وامكانيتها، وهذا ما لا يروق لمشايخ الخليج البقرة الحلوب للعدوان.
إننا نوجه نظر المجتمعات العربية والاسلامية بأن الفرصة تاريخية لتقولوا كلمتكم كلا للغطرسة الغربية والاستئثار بالسياسة العالمية ما دام طرف التصدي السوري الذي أثبت نجاحه موجوداً، وإن هؤلاء يستهدفون وجودكم ودينكم حيث لم يلتفت الى توقيت الضربة وأنها في ليلة المبعث النبوي الشريف، وليس صدفة هذا التوقيت، فهل تعلمتم من تجاربكم الماضية وسياستكم التابعة ((َإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ)) ((لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)) ((وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)).
ان مجرد قولكم لا ، وشيء من ارادتكم وتجميع عزمكم سينكصون على اعقابهم.
وقد نبهنا على مبدأ الارادة والاستقلال وشيء من الصبر والصمود سيهزم الجمع ويولون الدبر.
وها هي سوريا بإرادة صلبة وعزيمة قوية وشخصية مستقلة استطاعت ان تهزم ارهابهم الدولي، وهو مجموعة من أمهر قتلة الارض من افراد جيوشهم المتقاعدين ورجال مخابراتهم المقاتلين، وقد اثبتت وقائع الايام صدق ذلك.
وإن هؤلاء لا يتحملون ان نقول لهم ((لا)) وأنت على ثقة من نفسك وقد عقدت ارادتك على تحمل المواجهة، التي إذا استمرت اسقطت حساباتهم وأذهبت بغطرستهم وهذا ما تحقق في سوريا حيث سقطت كل رهانات الغرب.
المشكلة تكمن في الشعور العربي الرسمي وأنه منهزم قبل المواجهة في إطار ما وصلنا من تراث، وإن الأمير علي (عليه السلام) قال ما برز لي أحد إلا واعانني على نفسه، والدول العربية بل الاسلامية من هذا الذي وصفه الأمير (عليه السلام).
إننا نؤكد ونحن على إطمئنان تام ان الثقة بالله وبالنفس وشيء من الصبر هو من يكسر معادلة التفوق الغربي الذي نرى أفول نجمه في القريب العاجل لأن ظلمهم وصل حد لا يبقى ديارهم الا بلاقع وأنهم سائرون نحو تدمير بلدانهم وقتل حضارتهم المزعومة.
((َلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ))
المكتب الإعلامي
لسماحة المرجع الديني الفقيه
الشيخ قاسم الطائي ((دام ظله))
28 رجب 1439
15/4/2018
النجف الاشرف
الفقه الاجتماعي
– العلاقات الايمانية –
باب ادخال السرور على المؤمنين
1) السرور من السر وهو الضم والجمع لما تشتت من أمر المؤمن إذا مسته فاقة أو عرضته حاجة أو لحقته شدة، فإذا قضيت حاجته ودفعت شدته فقد جمعت عليه ما تشتت من أمره وضممت ما تفرق من سره ففرح بعد همه واستبشر بعد غمه ويسمى بذلك الفرح سروراً، فمن سرَّ مؤمناً فقد سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن سر رسول الله فقد سر الله سبحانه.
2) لا يفوِّت المؤمن خصلة إدخال السرور على أخيه المؤمن لأنه أفضل ما عبد الله بشيء أحب إليه، بل إدخال السرور يورث أجراً وإن لم يقع لوجه الله سبحانه للرواية التي يؤمر الله فيها النار ان تزعج المشرك الذي أدخل السرور على مؤمن، ولا تؤذيه ويأتيه رزقه طرفي النهار من حيث شاء الله ولو لم يكن مشركاً حيث تحرم عليه النار فلا مسكن له في الجنة ولكن تؤمر النار بازعاجه دون أذيته.
3) يفضل للمؤمن ان لا يترك إدخال السرور على غيره ولو بشق تمر أو اشباع مسلم أو قضاء دينه حتى يبيح الله له جنته يتبؤ منها حيث يشاء أو يبيحها له ويقدره فيها بتحكيمه حيث يجعل له الحكم في ان يشفع لمن يشاء ويدخله الجنة.
4) ما يقدمه المؤمن من الاحسان لأخوانه يجده على أفضل صورة ومثال يخرج معه من قبره يدفع عنه أهوال يوم القيامه وافزاعه وأحزانه ويبشره بالسرور والكرامة ولا يتركه حتى يدخله الجنة، ويجيب سؤال المؤمن من أنت فيقول أنا السرور الذي ادخلته على أخيك المؤمن في الدنيا. وهذة هي نظرية تجسّم الاعمال التي تشير لها بعض الايات ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ)) آل عمران /30 ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً)) النساء/ 30
5) يستحسن ان تكون رسالة التوصية الى من يتولى منصباً في الدولة ليقضي حاجة مؤمن متضمنة العبارة: بسم الله الرحمن الرحيم .. سرّ أخاك يسرّك الله))، ويستقبح عدم الاستجابة لقضاء الحاجة إذا كان الموصي من الوجهاء أو علماء الأمة.
6) كما يستحسن إدخال السرور على المؤمن لما تقدم من آثاره العظيمة، ويستقبح إدخال الكرب عليه للمقابلة بينهما، فمن أحزن مؤمناً فقد أحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أحزنه فقد أحزن الله سبحانه قضاءً لحق المقابلة بين السرور والحزن.
باب قضاء حاجة المؤمن
7) يفضل للمؤمن ان يكون ممن انتجبهم الله لقضاء حوائج فقراء المسلمين ويرغب في قضاء حوائجهم وله من الثواب العظيم من ان الله يقضي له ألف حاجة من حوائج الآخرة بل مائة الف حاجة أولها الجنة، ويدخل فيها من يشاء من اقربائه ومعارفه وأخوانه شريطة ان لا يكون نَصّاباً، ومن ثوابها، أنها خير من عتق رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله، ومن ثوابها أنها أحب الى الإمام من عشرين حجة ينفق فيها صاحبها مائة الف ومن ثوابها أنها أفضل من عشرة طوافات لكل طواف ستة آلاف حسنة ومحو ستة آلاف سيئة ورفع مثلها درجة، وقضاء مثلها حاجة دنيوية إن عليّ ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة، وإن الله أكثر سروراً ورسوله من سرور المحتاج.
8) يستقبح رد الرحمة عن نفس المؤمن حينما يأتيه أخوه المؤمن بحاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه فإن قضى حاجته كان ذلك قبول الرحمة وإن رده عن حاجته مع قدرته على قضائها فإنما رد الرحمة عن نفسه، وذخر الله تلك الرحمة الى يوم القيامة يحِّكم فيها المردود وهو بالخيار في صرفها الى نفسه والى غيره والمتيقن أنه لا يردها عن نفسه وهو بأمس الحاجة اليها ذلك اليوم، والراد يسلط الله عليه شجاعاً – ذكر الحية كثير السم – فينهش ابهامه في قبره الى يوم القيامة وإن كان الراد مغفوراً له فضلاً عن كونه معذباً وإن عذره الطالب كان أسوء حالاً .
9) يستحسن بالمؤمن أن يرغب بفعل الخير ولا يتركه فيمشي في حاجة أخيه المؤمن بنية كتب لها بها حجة مبرورة وإن لم تقض بل يحكمه الله في الجنة، وهذا ما عبرنا عنه بمسؤولية الانسان في دائرة عمله لا في نتائج فعله، والمهم ان يسعى في قضاء حوائج المؤمن ويتوسط فيها فإن قضيت كان له من الاجر ما سمعت وإن لم تقض كتب له من الاجر دونه.
10) اصطناع المعروف ميدان تنافس المؤمنين وليكن المؤمن من أهله لأن في الجنة باباً يقال لها المعروف لا يدخله الا من اصطنع المعروف في حياته الدنيوية، ويوكل الله عز وجل له ملكين واحداً عن يمينه وآخر عن شماله يستغفران له ويدعوان بقضاء حاجته إذا سعى ومشى في حاجة أخيه ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أسر بقضاء حاجة المؤمن من صاحبها.
…. وأنهم لكاذبون
من أقبح السجايا الخلقية عند البشر بحيث لا يختلف اثنان على قبحه وسماجته وابتذال فاعله وانحطاط مكانته اجتماعياً الا وهو الكذب مفتاح القبائح كلها حتى كان أقبح من الزنا، والقتل، وغيرها، من الكبائر في توصيفةً يقرها الإمام (عليه السلام) في ان المؤمن يزني ويسرق ولكنه لا يكذب لأن الأخير لا يكون مع الايمان.
وقد أنحدر الجو الاجتماعي العام في عموم المعمورة الى اتخاذ الكذب وسيلة لما يسمونه بتمشية الأمور وتسليكها فأنه طريق غير مكلف ولا يتطلب فناً اخلاقياً ولا سياسياً بقدر ما يتطلب ان يتجاوز الانسان على ثوابت انسانيته حينما يكذب ويسقط قطرة الحياة من وجهه، وهو قد يمرر كذبته حيناً ولكن سرعان ما ينكشف عند الآخرين ويعرى عن صورته الحسنة التي كانت مرسومة له في مخيلة الآخرين، ولذا قيل في المثل الشعبي (حبل الكذب قصير).
والمؤسف أننا وجدنا في ايامنا الحاضرة انتشار ظاهرة الكذب وسريانها في اوساطنا الاجتماعية، وقبول نفوس مريضة لاستغلالها في تمرير بعض ما يريدونه من الغير، حتى قال لي من ابطال مشهد الكذب يوماً وبالعبارة نفسها – شيخنا بلا جذب ما تمشي- فاضطرني الى طرده ومخاطبته بقبحك الله.
ولم يقف الأمر على الصعيد الفردي والاجتماعي حتى بات سجية دول تسمي انفسها بكبرى أو عظمى وهي لا تخجل تباشر الكذب وتصدقه وتعمل على الزام الآخرين بتصديقه، بل وأخذت وهي تعلم أنها كاذبة ترتب آثاراً سياسياً مدمرة عليه وتهيء أجواء عدوانية على دول مستقلة ومعترف بها لها من الحقوق الدولية والسياسية ما لغيرها وفق ميثاق ما صنعوه لأنفسهم ومصالحهم – الأمم المتحدة – وهي ترفع شعارات حقوق الانسان وهم يدمرون الانسان، وحرية الرأي وهي تستفرد برأيها إذا ما وجد معارضة وكانت أهدافها السياسية تتوقف عليه ضاربة عرض الحائط آراء الآخرين ومجلس أمنها وهيئة أممها، وهي بذلك جعلت هذه المؤسسات الدولية إداة لتنفيذ مخططاتها فإذا ما وافقتها كانت خير معين لها وإذا ما خالفتها ضربتها وخلفتها وراء ظهرها في مشهد يجعلنا نكرر مطالبتنا بضرورة خروج الدول الاسلامية من هذه المؤسسات إلا إذا كان لها مقعد دائم في مجلس الأمن لصد مغامرات الدول وتلاعبها في السلم والأمن العالمي، مع ان الاخرين من الدول العظمى المخالفة لها في سياساتها قادرة على التلويح بالقوة لردعها الا ان النتيجة كارثية على الصعيد الانساني، وحينما تسكت فذلك لرعاية السلم العالمي.
وأكبر الكذابين من الدول هي أمريكا ومن لف لفها من بريطانيا وفرنسا واتضحت كذبتها في الكيمياوي في روما وهو الذريعة لتدمير الشعوب كما حصل بكذبة كولن بأول عام 2003 في مجلس الأمن، ومسرحية سكريبال الروسي من برطانيا وكنت على علم بالكذب واعرف تفاصيلها الا انه لا يوجد من يستحق ان يخبر بها ليتجنب العالم الفوضى والدمار.
عالمنا اليوم عالم الاشقياء وليس العقلاء وعالم الكذابين لا الصادقين وعالم الابتزاز والاستغلال والتخويف والترويع لا عالم التعاون والاحترام المتبادل أنه عالم الكذابين وسيدهم أمريكا وتابعهم بريطانيا ومتملقهم فرنسا .
ولا يفوتني ان اذكر ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ)) الحج40/ لولا وجود روسيا والصين لما كان من يقف امام اندفاع الكذابين وقد قال بعض قادتهم اذا ماتت روسيا مات السلام.
11 شعبان 1439
…. سؤال مشروع
قد يسأل العراقيون غيرهم وأنفسهم لماذا هذا البلاء على بلدنا ولم تلوح بوادر في الافق القريب أو البعيد عن الانفراج وكأن الصفة الغالبة على شعبنا هو البلاء والدمار فنظرة بسيطة الى تاريخ البلد القريب يخبرك بوقوعه تحت حروب متوالية لاحقها أقسى من سابقها، فمثلاً سبعينات القرن الماضي والمواجهة مع الاكراد في مواجهة لا يمكن وصفها الا لرعونة الطرفين وذهاب العديد من شبابنا من الكرد والعرب فيها بلا فائز أو منتصر بل كلاهما خاسر والعراق هو الخاسر الاكبر، أتت بعدها الحرب العراقية الايرانية في مشهد تدميري للبلدين لم تقف الا بعد ما أتت على الاخضر واليابس في بلدينا ثم تلتها حرب الخليج الأولى فأكملت تدمير بنى البلد التحتية على بكرة أبيها، وما تلاها من حصار ظالم، وتفاجئنا الحرب الاحتلالية بعد كذبة بأول الملعون في دنياه قبل أخراه، وها هي داعش في مشهد تدميري لمحافظات ومناطق وآلاف الضحايا وخراب ودمار للبلد وثرواته، مع ثلة من السياسيين لا يعرفون الله وليس لهم خيط مع الله سبحانه همهم مصالحهم وليحترق البلد.
خمسة عقود من حروب مدمرة متتالية أخذت من كل عائلة عراقية أبناً والكل يدفع ضريبتها ولا يفوتني أن أُذكّر بالانتفاضة وقد احرقت الاخضر واليابس وأزهقت فيها آلاف النفوس، مع مئات الاعدامات والدمار.
وقبل الاجابة على هذا التساؤل العراقي نذكر مقدمة تنفع في تبيان الجواب:
أولاً: ان التعامل الالهي ما بين المسلم وغيره متفاوت حيث ان المسلم إذا أذنب ذنباً كان اسرع للعقوبة من غير المسلم لما ورد من ان الذنب أسرع الى المسلم من غيره فإن ذنب غير المسلم قد تؤجل عقوبته الى الدار الأخرى والمسلم قد يعجل له دفعا لعقوبته يوم القيامة والله أكرم من أن يعذب المسلم مرتين، وقد تتمظهر العقوبة في الدنيا بالحروب.
ثانياً: ان المسلم وما يواجه من بلاء يكون على قدر ايمانه وقربه من الله.
فهو كلما ازداد ايماناً إزداد بلاءً ويؤشر لذلك ما ورد الأكثر بلاءً الانبياء ثم الاولياء ثم المؤمنين (بالمضمون) وكثرة بلاءات العراقيين لشدة ايمانهم وهذا ما نشاهده مقارنة بايمان غيرهم من الشعوب المسلمة.
وهذا يختلف عن سابقه حيث البلاء هنا لمزيد الاختبار والامتحان وليس للعقاب كما في سابقه، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} العنكبوت/2
ثالثاً: من اهتمام الله بعباده ان يبتلي المذنب ليعود الى ذكره والابتعاد عن غفلته والبلاء هنا للإيقاظ والتنبيه، وهو أقرب الى المؤمن والمسلم من غيره من غير البلاد الإسلامية حيث توجد سنة الاستدراج، {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} آل عمران/178 وصورة هذه السنة في أوربا وغيرها من الدول التي تطلق الحال لحرية الانسان وتمتعه بأقصى حد ممكن حتى لمستويات لا تفعلها الحيوانات كاللواط والسحاق والزواج المثلي.
وحرية الزوجة في ان يكون لها صديق يمارس معها الجنس وليس للزوج حق الاعتراض وغيرها من صور الحيونة والشذوذ، وهي ذنوب تستحق العقاب ولكن يستدرجوا من حيث لا يحتسبوا.
رابعاً: من الذنوب ما يكون سبباً للموت دون الأجل، فقد ورد عن أهل العصمة بأن الموتى بالذنوب أكثر من الموتى بالآجال، بمعنى ان من الذنوب ما يعجل موت الانسان وهو في نفس الوقت رحمة للميت للوقوف على حد معين من الذنوب بدلاً من الاستزاده منها، ويتبعها مزيد من عقوبة يوم القيامة.
فإذا ضممنا اليها بأن الذنب اسرع للمسلم من غيره كان ذلك موجباً لمزيد البلاء والتي منها الحروب والبلايا والمصائب العامة.
ويزداد الأمر وضوحاً إذا ضممنا الأمر الثاني وهو قوة وشدة ايمان العراقيين مع الالتفات بأن الايمان لا ينافي وقوع السيئات والذنوب من المؤمنين.
11 شعبان 1439