You are currently viewing نشرة النهج العدد 144

نشرة النهج العدد 144

         ارتداد الظلم

من اعجب ما شاهدت  في حياتي وتابعته في مسيرتي، هو ان الظلم من أقبح الاشياء وأحطها في السلوك الانساني، فوجدت من آثاره أنه يرتد على فاعله بسرعه أو ببطء قبل رحيله من هذه الحياة، وكأن القصاص من مرتكبه مستبطن فيه، ولابد من ظهور ما هو مستبطن ولو بعد حين.

والثقافة السائدة بين المسلمين عموماً ان الظلم مؤجل حسابه الى يوم القيامة، وهو وإن كان صحيحاً الا ان العدل الإلهي لا بد من ان يطبق في الدنيا قبل الآخرة؛ مع فارق بين المسلم وغيره، وهو ان المسلم يسرع اليه العقاب قبل غيره ويقتص منه في الدنيا قبل الآخرة ويكمل قصاصه في الآخرة إذا كان قصاص الدنيا لا يفي بما ارتكبه من ظلم، وإما غير المسلم فتجري عليه سنة الاستدراج المشار إليها بقوله تعالى {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران/178، وقد تعرضت لبعض هذه الفوارق في كتابنا العبر والسير والنظر.

أذكر بعض النماذج لتصدق ما قلت عام 1990 أو 1991 قد حكم الطاغية صدام على جلال طلباني باعدام وأصدر عفواً استثناه منه، وقد دارت الايام وحكم جلال صدام بالاعدام، وصدام قد اعدم ابناء من لم يذهبوا الى جبهة القتال مع ايران في حرب الخليج الاولى، وطالب ذويهم بأموال الاطلاقات ، وقتلت القوات المحتلة ابناءه، وحمّلته خسائر قيام الحرب، وفر من بطش قوات الاحتلال كما فر ابناء الشعب من بطشه، وأمسك واعدم كما فعل بالاخرين بالتمام.

ويمكن تطبيق القاعدة على دول وحكومات قد ساهمت بالفوضى داخل العراق ابان الاحتلال، وقد طالتها الفوضى والقارئ يعرفها.

وأمريكا راعية الارهاب الدولي وهي السبب الرئيسي في حرمان العراق من الكهرباء والى هذه اللحظة وسيجري عليها ما حرمت العراق منه بل الاكثر من هذا انطلاقاً من ((كما تدين تدان)) ذلك لأن من يرتكب الظلم ويمشي عليه، تتقبل نفسه ولو بعد حين، وبلا شعور أو رادع من ضمير ان يقع عليه الظلم من الغير، ووقوعه عليه هو بالاصل عقاب على مظلمته، ولكي يقوم القسط بين الناس، كما هي دعوة الانبياء في ارسالهم، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد/25

وعلى المسلم ان يمنع نفسه من الظلم بأية صورة كان ولو بحرمان الفقير من حقه في الاموال العامة والخاصة  مما يتعلق بها من حقوق شرعية من الخمس والزكاة وغيرهما، لأن حرمان المحتاج من حقه ظلم واقع عليه يدان به الظالم، ومرتد عليه ولو بعد حين.

15 ذي الحجة 1439

     الاستثمار المميت

توصيف الاستثمار بأنه ميت يعني أنه لا جدوى فيه وأنه لا يقدم شيئاً لعمليات النمو الاقتصادي في البلد لأنه لا يعطي شيئاً للواقع الاقتصادي للبلد من قبيل تقديم خدمات عامة أو توفير سلع منتجة داخل البلد أو تهيئة فرص عمل لألاف العاطلين، أو جلب رؤوس أموال من خارج البلد فأن كل هذا لا يحدث في الاستثمار الذي طبلت له حكومات العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتعاقب أكثر من أربع حكومات لإدارة العراق.

وهذه العملية أما أن تستغل فيها موارد الدولة عبر قروض الى المستثمرين وأما أنها موارد من نفس المستثمر العراقي لم يتم جلبها من الخارج، ومصدرها لم يعلمه الا الله، فهي واردات عراقية لم تأت لتدخل العراق وتستثمر لتنمية الواقع الاقتصادي للبلد، فأن تمت فهي زيادة أموال لنفس المستثمرين ومن واقع الأموال الحكومية مع القروض أو الأهلية من دونها.

بالاخير فهي لا تؤدي الى شيء غير زيادة التنافس المحلي على بضائع مستوردة من الخارج مما يزيد في اعتماد البلد على البضائع الاجنبية لما يخلقه الواقع التنافسي للمستثمرين باعتبار ان معظم الاستثمارات هي اسواق استهلاكية – مولات – لا غير كما يخبرك بواقعها منظرها المنتشر في عموم كل محافظة من محافظات العراق، حتى أخذ يثير الاستغراب فأن حاجة المواطن العراقي كانت مغطاة من المحلات والاسواق القائمة آنذاك، وهي الآن كذلك مع انتشار  أكثر من الف مول على أقل التقادير في العراق، مما يعني ان وجودها كعدمها لا فائدة فيها، حتى وأن فرضنا ان حاجة المواطن العراقي ازدادت بنسبة 50% جدلاً فأن هذا العدد من المولات يبقى بلا جدوى وفائض عن الحد.

وإذا سحبنا الأمر الى الاراضي المستغلة فأننا نجد أنها وضعت على الساحات العامة التي هي في التخطيط العمراني للمدن، كمدارس أو حدائق أو مستشفيات  أو مناطق خضراء لتعديل الجو أو رياض اطفال أو بعض المعامل الصغيرة الخدمية، وإذا بها مولات بالمطلق، واسواق للاستهلاك، وهذا وإن لم يكن بالحسبان الآن لأنعدام التخطيط، فأنه سرعان ما يظهر في المستقبل على العديد من المشاكل، منها الاختناق العمراني، والتزاحم مع الشبكات الارضية للخدمات، والتلوث البيئي ، وعدم استيعاب المرافق الحكومية لخدمات المواطن، كعدم استيعاب المستشفيات لحاجة المواطن، وكذا المدارس حيث لم يترك الاستثمار المالي مجالاً لأرض تبنى عليها مدرسة أو مستشفى.

ثم إذا استقر وضع البلد وجاءت حكومة قوية وجادة في تنمية البلد وارادت استقدام شركات مالية للاستثمار، فأين تستثمر، وفي أي أرض تستثمر بعد استغلالها جميعاً للمولات المحلية، وقد تكون أجنبية باسماء عراقية كما هي حال المئات منها.

وبهذه العوامل كان التوصيف  بالميت في محله.

 

12 محرم 1440 هـ

     الحوزة في إطار التهديم أو النقد

انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة خطيرة جداً، وقد تركت تتحرك كما تشاء وتريد بدون رد أو رادع بل وقد هُيأت لها بعض القنوات الفضائية التي تدار من خارج الديار، وتوفرت لها سبل الدعاية والنشر، والحضور الاعلامي القوي، والذي يجعلها حاضرة في أذهان العامة والخاصة من الناس، وما دامت لم تجد رداً من جهات دينية يفترض في الحد الأدنى أن تأخذ طريق واجب الرد لإيقاف تأثيرات هذه الظاهرة وبيان الخلل فيها.

وأداءً لواجب المسؤولية الشرعية والاخلاقية، هذه ردود مبسطة لهذه الظاهرة.

ردود عامة:- وتنطلق من كون المقيِّم أعلى كعباً في هذا الاتجاه من المقيَّم، وهذا لم يتحقق وعليه فلا قيمة لهذه الاحاديث التي تبثها هذه الفضائيات، نقداً للمرجعية كعنوان عام، لا معنوناً لأشخاص، وإن كان النقد خاصاً فأنه يخفي ضرب العنوان العام وتوهينه في نفوس الناس، وهذه النتيجة لا ترضي غير اعداء الدين.

ثم أن التقييم لا ينبغي ان يكون عاماً جامعاً لكل من يشمله عنوان المرجعية، فأن فيه اجحافاً بحق بعض منهم بكل تأكيد، مع ما فيه من تقليل حرمة هذا العنوان في النفوس التي تجد انفسها غير ملزمة بمتابعته واطاعة أوامره فيما يختص بالدين وتكاليفه.

ثم ان التقييم قد ينشأ من تصورات المقيِّم لا من واقع الأمر فأن الحقيقة ينبغي ان تنبع من واقع الأمر لا من المتصورات والا وقع التقييم في الخطأ الفاضح الذي لا يجوز للمؤمن ان يرتكبه.

نعم لو كان عنده قابلية للاطلاع على اسرار الناس أمكنه ذلك، ولكنه سيصطدم بالنهي الشرعي في كشف اسرار الغير والاطلاع عليها والسبيل للخلاص من ذلك ان تقيَّم فعالية فعالية وحركة حركة ضمن ضوابطها الشرعية المقررة والمعترف بها عند الكل، وان يكون المؤشر مقبولاً عند الجميع، وليس من الانصاف ان يوضع من قبل المقيِّم ويوزن عمل المرجعيات عليه مع اختلافها في تناول وتمشية الشأن المرجعي كما هو حال المراجع الآن وما سبق حيث يختلفون في طريقة الاداء.

ثم لِمَ لا يقيّم المرجعيات التي صنعت تاريخاً للحوزة وقدمت الدين في حياة الناس، وواجهت الطواغيت وعبدة السلطة والدولار وامثالهم معروفة لا حاجة الى ذكرها فهي مركوزة في النفوس، وكان الانصاف يقتضي بيان ادائهم كما اقتضى نقد اداء غيرهم.

على انه لا يعقل ان لا تكون سلبيات في الاداء كما لا يعقل ان لا تكون ايجابيات فيه، والانصاف ايضاً يقتضي ذكر الجانبين ليكون المقلِّد على بينة من الأمر.

يكفي من الايجابية منها: انها حافظت على ارتباط الناس بالدين، وكانت ضابطة لأدائهم التكاليف الشرعية، ولها الأثر الواضح في ربط الناس بالحوزة وأخذ تعاليم دينهم منها، وهذا المقدار يكفي في حده الادنى، ولا حاجة الى نقدها وتوهينها واضعافها  كي لا تنفر الناس منها، وبالتالي تضيع معالم دين الناس، ويكونون صيداً سهلاً لاعداء الدين، فضلاً عن اعداء المذهب، وهم كُثر مع عظيم الامكاتنيات المتوفرة عندهم.

يضاف الى ما سبق ان دوران الامر بين بقاء العنوان – المرجعية – قوياً وبين اضعافه بل وانهائه ليفك الارتباط بين الموالين والمراجع أو لا أقل اضعافه، ومثل هذه الحملات تؤدي الى الاضعاف على اقل التقادير وهذه خسارة لا يمكن توقع نتائجها على الدين والمذهب، فالاحرى تقوية هذا العنوان وان يكون نقده لتصحيح مساراته لا لتقويض مساحات عمله كما يراد لهذه الحملات القيام به وهي لا تشعر بخطورة نتائجه.

يكفي ان يتصور بأن الحوزة لا اثر لها ولا وجود فكيف سيكون حال دين الناس والتزاماتهم، بالتأكيد ستكون فوضى فتوائية عارمة لا يعرف صحتها من سقمها كل واحد يرسم لنفسه ما يراه مناسباً لحاله، فتبرز فتاوى ما انزل الله بها من سلطان كالذي برزت في جانب الفقه لأهل العامة والتي تخجل منها حتى الحيوانات، وذلك لعدم وجود ما يكون مرجعاً ومتكئاً ومعياراً لهذه الفتاوى وغيره أو لا أقل اسقاطها والحط منها كي لا تاخذ طريقها في حياة الناس، ومن هنا فبقاء الحوزة ضروري للحفاظ على دين الناس ولكن لا ينبغي المبالغة الى حد جعلها خارج النقد أقصد النقد البناء لا الهدام.

وأما الخاصة- فهي:

1- ان المقيِّم وضع نفسه محامياً عن الدين وجاعلاً نفسه ميزان لتقييم الآخرين، وهذا يستبطن تزكية لنفسه وأحقيته لها في ان يكون بهذا الموقع، والقرآن يقول ((فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) النجم32

2- مواقع معظم هذه الفظائيات لا يمكن حسن الظن بها، فالمملكة المتحدة وأمريكا وبعض دول الخليج، وانفاس هذه الدول وعداوتها للاسلام لا تخفى على أحد أو على المذهب كما هو معروف، مما يُضعف من مصداقية عملها ويشكك في نواياها وأهدافها. وهذا أمر ملموس عند الناس كان التنبيه عليه أولى.

3- ان يضع المقيِّم أو الناقد في حساباته البديل عن ذلك، أو عن الهدف الذي يريد الوصول اليه، ويعرضه على ما يدعيه لنفسه من اطلاع على تراث أهل البيت، فهل يقبل بعد العرض أو يرفض والصحيح هو الثاني خصوصاً مع اعداء الدين أو المذهب، فلم يوجد عن الموروث ما كان محلاً لنقد المعصوم إلا إذا كان مخالفاً للشريعة أو موضوعاً عليها، وهذا لا ينطبق على واقع حالنا، فلو وجدت مخالفة فهي من باب القصور لا التقصير.

4- معظم اصحاب هذا المشرب كانوا رجالات الحوزة وخرجوا منها لأسباب ذاتية تخصهم أو اسباب حوزوية لم ترق لهم، وكانوا يتوقعون حالاً أفضل لهم وهم في اجواء الحوزة أو موقعاً مرموقاً كانوا يتوسلون الوصول اليه لم تسعفهم امكانياتهم أو تعينهم حوزتهم، مما شكل مخزوناً من الغضب والنفرة عن الحوزة واجوائها والانتقال الى الضد منها، مداراة لوضع انفسهم أو لحالتهم الدراسية مما لم تات الاسباب على وصولهم الى مواقع متميزة فيها كانت مطمحاً لهم.

5- ان المعظم بل الكل قد اخذتهم أناتهم الى مداراتها بدلاً من مداراة الحوزة المممثلة للدين مهما شاء الاخرون غير ذلك.

وهذا يعني أنهم يتبعون ذواتهم  بدلاً من اتباع دينهم الذي لا يتمثل في سيرهم الدراسي نجاحاً أو فشلاً فالدين غير مرتبط بتجربتهم الدراسية التي لم تحقق طموحهم فيها.

5- ان لهم تجاربهم التي قد تكون غنية بالاحداث والمواقف في اجواء الحوزة مكنتهم من الاطلاع على العديد من خباياها ودهاليزها ولكنها تبقى تجربة شخصية مهما سمت ناقصة لا يمكنها الامتداد الى كل تفاصيل ما يدور في الحوزة كلها بل الحوزة الضيقة أقصد – حوزة قم،  أو النجف، أو سوريا  – منها وهي لا تمثل جميع الحوزة فليس من الانصاف ما يدور في حوزة قم هو نفسه ما يدور في حوزة النجف أو العكس فلكل منطقة تاريخها وتجربتها الدراسية والادارية.

ولهذا فأن ما يطرح من نقد أو تقييم لأداء لا يمكن تعميمه وتسريته الى خارج منطقته، وعليه تبقى تقييماتهم ناقصة وغير مكتملة.

وكم من حدث لم يكن في دائرة هذه الحوزة خانتها الامكانيات في تقييمها بشكل منصف وموضوعي فهذا العبد في حوزة النجف لا يدري ما يدور في حوزة قم ولولا الاختصار لذكرت حدثاً هز الضمائر وحرك النيات وأظهر المرؤات والى الله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء.

 

2 ذي الحجة 1439

النجف الاشرف   

 

     الطائرات الورقية

سجلت الطائرات الورقية للفلسطينيين معادلة جديدة في سياق المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وبدلت حسابات هذا الكيان الذي دارت عليه دوائر المواجهة مع الفلسطينيين فيما كان يتصور تفوقه المطلق في مجال المواجهة، والردع العسكري وإذا به يفاجئ بآلة لم يكن يخطر في بال أحد من البشر أنها ستكون آلة للردع وتوازنه بعد ان كبدت الصهاينة آلاف الكيلو مترات من الاراضي الزراعية واتلفت مئات الاطنان من وارداتها الزراعية، فصارت معادلة الردع طائرات ورقية ذات مواد حارقة يضاف لها بالونات حارقة في ما نسميه نحن (نفاخة) التي نشتريها ليلعب بها اطفالنا، في مقابل الطائرات المقاتلة والمدفعية والطائرات المسيرة حتى اعادت حسابات اليهود وأذلت كبرياءهم لتتوسط بعض القوى الاقليمية لما يسمى بالتهدئة مع الفلسطينيين وفتح بعض المعابر.

وإذا كتبت هذا الموضوع لا يهمني الجانب السياسي الذي تركته وراء ظهري منذ أكثر من سنتين ونصف بقدر ما يهمني الاشارة الى جملة نقاط لعلها ترشد الغافلين من البشر الى ثوابت إلهية وسنن كونية قاضية:

الثابت الأول: إن العقل البشري لا يقف عند حد في مجال الابداع فقد تكون مبدعاته بسيطة وهو لا يدرك مدى تأثيرها ولكن التجربة تضفي لمعلوماته ما هو جديد ومنتج وقد يضاهي ما ينتج بأحدث الامكانيات وأرقاها، وقد تفنن عقل الفلسطينيين الى الطائرات الورقية لتنتج من آثار الدمار ما تنتجه الطائرات الحربية من الدمار والخراب، مما ولد شعوراً بامكانية المواجهة واعادة بناء الثقة بالنفس والامكانيات الشخصية.

الثابت الثاني: على الانسان ان لا يقف عند حد ما وصلت إليه التقنية البشرية في مجال الابداع فقد يكون الرجوع الى الوراء وفتح بعض سجلاته مفيداً بل ومنتجاً للابداع والانسان لا يشعر به، ذلك لأن السنن الكونية ليست منحصرة فيما توصل الى معرفته الانسان بل فيما لا يتوصل اليه الشيء الكثير فعلى الانسان ان يفتش فيما خلفه لنا الاسلاف مما ابتكروه ولعل فيه ما يسد الحاجة الآنية، فالطائرات الورقية والنفاخات قد سدت حاجة جليلة لأهل غزة في مجال الردع لليهود.

الثابت الثالث: تأكد صدق المقالة القرآنية لتصوير بيوت الظالمين بأنها أوهن من بيت العنكبوت، والكيان الصهيوني من الظالمين فهو أوهن من بيت العنكبوت بالرغم من امكانياته الهائلة في مجال الألة العسكرية المدمرة.

الثابت الرابع: ان صدق التوجة الى الله والايمان بالقضية إذا كانت حقانية هو ما يمد الارادة بالقوة والاصرار على التحدي والبحث عن مجالات للمقاومة قد لا تكون مألوفة ولكنها مؤثرة.

الثابت الخامس: إن الظلم مهما دام واستمر فهو زاهق لأنه باطل ولو قدر له الاستمرار فهو لا يستمر الا بابداع مظالم جديدة توصل الحال الى رفضها حتى من الظالمين انفسهم، ذلك هو القانون الإلهي في وقوع القسط ونيل العقاب لأهل الظلم وإن اغتروا بما هم عليه من القوة، لأن في احكام سنن الله ما هو أقوى منها. 

 

ستبقى الشعائر رغم الصعاب

 في ظل احداث الساحة العراقية وبالبصرة تحديداً واضطراب الوضع الاجتماعي، وارباك حياة الناس، ومخاوف من انجرار البلد الى حرب اهلية خططت لها الدوائر العالمية منذ مدة، قد نبهنا عليها مراراً وتكراراً في ظل هكذا ظروف قد ترتفع اصوات فتاوى بالكف عن الشعائر الحسينية ونحن مقبلون على شهر محرم الحرام، والمبررات عديدة من أهل هذه الاصوات، فعلى الاخوة المؤمنين ان لا يكترثوا بهذه التصرفات ويتمسكو بثوابت دينهم وشعائر اسلامهم التي قُدِمت لها تضحيات خلال قرون متمادية لتصل الى هذه الحالة العالمية في اقامتها بمختلف دول العالم، والتفريط بها يكون تفريطاً بكل القيم التي ضحى من اجلها الإمام الحسين (عليه السلام) وتبديداً لكل جهود أئمتنا في تكريسها وتثبيتها، كما لا يعتنى بدعاوى فارغة قد يطلقها البعض ممن باع حظه بالادنى في نقد بعض منها، كالتطبير واطعام الطعام منادين بالتبرع بالدم عن الأولى، وهما لا يتضادان إذ يمكن للفرد ان يتبرع ويمارس شعيرة التطبير، والاخرى بأن توفير مثل هذه المبالغ التي يطعم بها الزائرين أولى وقد نسي هذا بأن الحسين يستاهل منا كل التضحيات، لأن وجودنا واعتبارنا  منه (عليه السلام) ولولاه والمعصومون لما كان لنا من شأن أو اعتبار وقيمة.

ومرور البلد بظرف سياسي لا يشكل عائقاً عن اقامتها وديمومتها فأن اعداء المذهب والدين يتربصون بنا دوائر ايقافها لما تشكل من علامات قوة ومنعة لنا في مواجهة كل الوان العداء تجاه اسلامنا ومذهبنا.

فيا أخوتي لا تلتبس عليكم الأمور لتقعوا في فخ تعطيلها أو ايقافها، فأن بركات السماء إنما تنزل كرامة لهذه الممارسات وأقامة مجالس التعازي ونؤكذ على فرسان الميدان الحسيني خطبائنا الابطال ان لا تذهب بهم الظنون أو الخوف الى ترك احيائها فلتبقى مجالسهم معمورة بالذكر والوعظ والارشاد  تحصيناً للأمة من تفككها والاستعلاء عليها من قبل الاعداء اياً كانوا.

                                                                                                      مكتب المرجع الديني الفقيه

                                                                                                    الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

                                                                                                    28/ ذي الحجة 1439 هجـ

 

       كفرة لا يعلمون

عند بعض من الناس مبنى سلوكي خطير وهو لا يشعر به فهو يقول أنا مؤمن بالله ولكنه غير ملتزم بتكاليفه ويقول لا داعي للصلاة، وأنظر الى المصلين، وغيرها من العبائر الذي يبرر لنفسه عدم التزامه، مدعياً بكفاية إيمانه بالله، وقد نسي هذا المغفل عدة أمور:

الأمر الأول: ان الايمان بالله لا يرفع الى القبول الا بالعمل الصالح المتأتي من التزامه بالتكاليف الإلهية كما ارادها الله وبينها النبي (صلى الله عليه وآله) وأظهرها الفقهاء في رسائلهم العملية  انطلاقاً من قوله تعالى ((وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)).

الأمر الثاني: ان هذا الايمان يجعل الانسان متحلل من أية قيم واخلاقيات والتزامات فهو في النهاية يعبد نفسه وهواه ويتخذهما الهين من دون الله، فهو لم يلتزم بما يريده خالقه منه بل يلتزم بما يريده هواه منه، ومن الطبيعي ان الهوى لا يريد ما يريده الله سبحانه، فهو بهذا كافر بما انزله الله ومؤمن بما صوره له هواه.

الأمر الثالث: ان هذا السلوك ينطلق من مبدأ أموي بأن الايمان لا تضر معه كبيرة كما ان الكفر لا تنفع معه حسنة، وإن كان الاخير من المقالة خاطئ باعتبار انه لا تقع الحسنة الاصطلاحية مع الكفر كما هو واضح، نعم قد تقع الكبيرة مع الايمان ككثير من المسلمين المتعاملين مع الربا، بما يسمونه البيع بالآجل، أو يمارسون الزنا بعنوان الزواج المنقطع، وهكذا.

وهذا يعني ان هذا الشخص أموي المنهج من حيث لا يشعر فلينتظر ليحشره الله مع معاوية واتباعه.

الأمر الرابع: إذا تسلط أحد الملتزمين بهذا المنهج فأنه سيظلم لا محالة، وستقطر يداه من دماء الضعفاء والفقراء لأن المبرر موجود عنده فهو ما دام مؤمناً كما يدعي فلا تضره هذه المظالم، التي يوقعها بايمانه وهو ما يدعيه منجياً له يوم يعض الظالم على يديه، وينتج ايضاً ان تكريس هذا المبدأ يشل حركة المؤمنين الحقيقيين في سلوك الأمر بالمعروف والنهي عن منكرات هذا المتسلط لأن الايمان كاف لوحده ولو صدر منه ما يندى له الجبين، حيث يفهم من الانكار عليه والخروج ضده أنه خروج على مؤمن لا على فاسق.

الأمر الخامس: ان هذا الشخص هو كافر فضلاً عن كونه مشرك لأنه اصغى الى نفسه لا الى ربه كما في الخبر من اصغى الى ناطق فقد عبده فأن كان الناطق عن الله فهو يعبد الله  وأن كان الناطق عن شيطان فهو يعبد الشيطان، واتباع الهوى اتباع الشيطان فهو مشرك حيث جعل الها آخر مع الله، ولكن هو كافر لأنه كفر باحكام الله والتزم باطاعة نفسه، والكافر والمشرك على حد سواء ان لم يكن هو أسوء منه، وللحديث تتمة.

 

24 ذي الحجة 1439

 

        ما لم تسمعه

منذ مدة مديدة وأنا بعد قرأتي لرواية عنوان البصري الذي يقول الإمام (عليه السلام) العلم ليس بالتعلم، وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء، ثم يسترسل الإمام في بيان بقية التفاصيل المتعلقة بكيفية حيازة هذا العلم ووصول القلب الى ان يصير محلاً لأن يقذف الله به النور، وأعتبر هذا تحديداً لمعيار علم صعب التحصيل خصوصاً إذا كانت دائرة تأثيره تعبر من النفس التي هي أعدى أعداء الانسان كما ورد في الخبر واخضاعها لمران صعب وشديد ليس من السهل ولذا المعظم لا يعير لهذا الطريق أهمية بل لا يريد ان يسمع به فضلاً عن ان يسير عليه، إن لم يكن يراه ضرباً من الخيال.

وهو يعتقد ان العلم يحاز بالتكسب والتحصيل والتعليم وهذا صحيح، ولكنه طريق أيضاً محفوف بالمخاطر من جهة أن الاستنتاج والوصول الى علوم جديدة أو تكريس علوم جارية لا تتعدى تصورات ذهنية قد تخطأ وتصيب احياناً أخرى، وهي تحتاج الى تراكمات خبروية عبر سنين متمادية لا تستوعبها حياة الانسان وقد لا يستطيع الاطلاع على منجزات السابقين في هذا المجال فضلاً عن استيعابها وفهمها.

إذن هنا طريقان لحيازة العلوم، طريق يمكن تسميته هبة من الله لأهل القلوب النظيفة، وطريق كسبي لكل البشر نظيفهم وقذرهم – القذارة المعنوية من الكفر والشرك وغيرهما – .

والأول نتائجه مضمونه ولو لصاحبه فيما الثاني ليست بمضمونه، فقد تكون وقد لا تكون، وأنظر الى بعض التجارب التي مرت في حياتنا الحاضرة ولنأخذ نموذج من علماء الدين، فقد يخطر في بال المسلم في العراق خصوصاً، لماذا نجح في التغيير الايماني والالتزام بالاسلام السيد الصدر الثاني وتغيرت الكثير من سلوكيات الناس في زمانه، ولم يحصل مثل ذلك في زمن الشهيد الصدر الأول، مع عبقريته في العلوم من القسم الثاني حيث لم يعرف مسعاه في القسم الأول بخلاف سيدنا الشهيد الصدر الثاني لما عرف بمسعاه في الطريق الثاني فضلاً عن الأول.

وهذا يعطي ان مسار الأول كان مكشوفاً بدرجة اطمئنانية له فسار مرتاحاً وارتحل شهيداً مسروراً ، ولم يصب الأول (رضوان الله عليه)  من التغيير  ما اصابه الثاني، ومثل الشهيد الصدر الثاني، السيد الخميني (قده) حيث لا يخفى ما صنعه من التغييرفي ايران.

وبعيداً عن تفاصيل قد نأتي عليها بمقالات أُخر ان شاء الله تعالى، يمكن طرح السؤال الثاني ايهما أولى بالاتباع من الطريقين، الطريق الأول من الموهبي أو الثاني من الكسبي، سواءً الأمر على المستوى الفردي أو المجتمعي عامة ومن الواضح ان الثاني أولى لسرعه نتائجه ومضمونيتها وعدم حاجتها الى طريق طويل من التجارب، وحصولها بالفرد فضلاً عنه بالمجتمع.

ويترتب على ذلك نتيجة مهمة على صعيد العراق خاصة، وأنه لماذا لا يتقدم الى الأمام ويراوح ويتراجع وتتكالب عليه الأمم.

والجواب هو انه ضمن التخطيط الإلهي أريد له ان ينهج الطريق الأول، ولكنه انخدع بالتالي، ولا أقصد عدم مطلوبية الثاني، ولكنه مطلوب بالعرض لا بالذات .

ويترتب عليه أننا لا نحتاج الى مشاريع تنموية وتقدم تكنلوجي لأنهما يكونان أمامنا والاخرون يخدموننا منهما فلا نحتاج الى بذل جهد بازائهما بقدر ما نحتاج الى تهذيب انفسنا وفي ذلك وجدت بعض الروايات .. وللحديث تتمة.