أبطال الفتوى
الغامدي: لا نخال حارس الملة يعيد ” الباطنية ” الى ارض مصر برخصة أزهرية
استنكر الدكتور احمد بن سعد بن حمدان الحمدان الغامدي، أستاذ الدراسات العليا بقسم العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، على علماء الأزهر الشريف (( حصن العقيدة وحارس الملة)) الاعتراف بالمذهب (الأثني عشري) الشيعي “وجعله مذهباً فقهياً كبقية مذاهب الأمة، فيأذن له في أرضه، ويفتي بعض علمائه بشرعية فقهه”.
وفي رسالة ” نداء الى علماء الأزهر” قال الغامدي: ((الشيعة (الاثنا عشرية) قد استحدثوا (اثني عشر) مصدر بجوار القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، منها تؤخذ العقيدة، ومنها تؤخذ الشريعة، وهذا مناقض لدين الله عزوجل)).
{قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111.
وتساءل متعجباً: (( كيف جاز لعلماء الأزهر أن يقبلوا هذه المصادر لتكون بجوار كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! أليس ذلك تنقصاً لهما وقبول ما ينازعهما!)).
إذا تكلم بالتناقض فهو طرد كل منهما الآخر- كما يقول الفلاسفة- فهل ثقل القرآن ثقله، وهما لا يعرفان من يردا عليه الحوض.
واعتبر الغامدي أن ((الدين الذي أخرجه القائد صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- من الباب رجع الى مصر من النافذة، وافتتح له دار سميت “دار التقريب” مكراً وخداعاً)).
صلاح الدين رجل سياسة وملك، وأنى هو من الدين ليخرجه وترجعه “دار التقريب” وهل ادخل المذهب الوهابي إخراج للمذهب المبتلى.
وكان الغامدي يشير الى إحياء نشاط “دار التقريب بين المذاهب الإسلامية” في مصر بعد توقف دام أكثر من 50 عاماً، وذلك في اجتماع عقد بالقاهرة يوم 30 مارس 2007، شارك فيه محمد خاتمي الرئيس الإيراني الأسبق.
ومنذ 55 عاماً تقريباً قام كل من شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت والمرجع الشيعي تقي الدين القمي بتأسيس دار التقريب.
وهذا ما يريده القرآن {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}آل عمران103.
وقال الغامدي: ((إننا لا نخال الأزهر إلا انه سيستجيب لهذا المطلب أو يتسبب في إعادة هذه العقيدة الباطنية الى ارض الكنانة برخصة أزهرية يحمل وزرها الى قيام الساعة، إذ قبوله لهذا المذهب المناقض لدين الإسلام يروّج له بين الأمة)).
وستحمل وزراً أفتراك كذلك.. {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}النساء112.
واعتبر الغامدي أن “الحل لهذه المشكلة العظيمة في احد أمرين”
وأوضح أن الأمر الأول: (( أن يطلب الأزهر من أعلى مرجع شيعي في المذهب الشيعي أن يصدر بياناً يعترف فيه بأن المذهب الشيعي (الأثني عشري) مذهب كبقية المذاهب الإسلامية، لا يؤمن بمصدر للدين غير المصدرين (القرآن والسنة)، وأن أقوال الأئمة التي اعتمد عليها المذهب وسمّوها بإسم “مذهب آل البيت” ليست مثل أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا ترقى إليه، وأن الأقوال الصادرة منهم أقوال قابلة للخطأ والصواب كغيرهم من علماء الأمة المجتهدين)).
وأما الأمر الثاني فهو: ((أن يعلن الأزهر أن هذا المذهب الإمامي الأثني عشري لا تتوافر فيه شروط المذاهب الإسلامية المعتمدة التي تعتمد مصدرين أساسيين للتشريع، وأنه لا عصمة لأحد من الأمة غير النبي (صلى الله عليه وسلم) وأن الأقوال الصادرة من غير النبي (صلى الله عليه وسلم) قابلة للخطأ والصواب.
فقولك بتحملها فليكن خطأ هو ما تقول.
وسنقدم رسالته الى الأزهر وسنرى فيها ما يجعل بطل الفتوى التي أصبحت ميدان الجهلة.
المعايير الأخلاقية للمستشارين
قال الإمام علي (عليه السلام) بهذا الشأن في عهده لمالك الأشتر (رض): (( ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشر بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله)).
يستفيد عالمنا المعاصر اليوم من قضية الاستشارة ويحاول الانفتاح على تجارب الآخرين، ولاسيما في الأجهزة المرتبطة بالدولة التي توظف الأفراد من ذوي العلم والتجربة والاختصاص، غير أن الأمر الذي أغفلته اغلب الأوساط إنما يكمن في المعايير الأخلاقية التي ينبغي أن تتوفر في المستشارين.
وبعبارة أوضح فإن الحكومات غير الإسلامية لا ترى أية شروط ينبغي توفرها في المستشار سوى اتصافه بالعلم والتجربة وحسن الإدارة، بينما ترى المدرسة الإسلامية ضرورة توفر المعايير والأسس الى جانب العقل والدراية والتجربة.
وهناك شروط ايجابية ينبغي توفرها في المستشار وشروط سلبية ينبغي عدم توفرها في المستشار، فمن الشروط الايجابية يأتي بالدرجة الأولى الإسلام ثم العقل والحلم والنصح والتقوى والتجربة.
وبالالتفات الى هذه الشروط نفهم أن الإسلام يقرّ استشارة الفرد المسلم، العاقل، الحليم،.. الخ، بينما لا يؤمن باستشارة الفرد غير المسلم، الفاسق، الجاهل الطائش، وعديم التقوى والتجربة.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال (( شاور في أمورك مما يقتضي الدين من فيه خمس خصال: عقل وحلم وتجربة ونصح وتقوى)).
أما الشروط السلبية التي ينبغي عدم توفرها في المستشار فهي 1- الجبن. 2- البخل. 3- الحرص. 4- الوغادة. 5- التلوّن. 6- اللجاجة. 7- الجهل.
هل عادت حليمة؟
التحسن الطفيف الذي طرأ على خدمة الكهرباء استقبله العراقيون بتفاؤل كبير وإن مصير الكهرباء بعد سيل التصريحات النارية لبعضهم سيؤول الى خير وإلى إنهاء أزمتها وإلى الأبد، أسوةٌ ببقية دول الأرض، فقيرها وغنيها.
إلا أن هذا الوضع المتحسن سببه حماسة بعض المسؤولين التي أطلقوها بعد الخروج الجماهيري الرائع في تظاهرات أحرجت أهل الحماسة والإعمار في هذا التحسين الطفيف، وما أن ذهب الإحراج عادت الكهرباء الى وضعها السابق من زيادة عدد ساعات القطع، واستخفاف المسؤولين بالمواطن العراقي حينما تلسّن وزير الكهرباء بزيادة استهلاك الطاقة للمواطن، وإن كل بيت فيه أجهزة تبريد عدد كذا لم يكن موجوداً فيما سبق، وقد فاته بأن زيادة استهلاك المواطن في مقابل قلة الاستهلاك الحكومي للطاقة، حيث تستهلك ما يقارب نصفها أو أكثر لمنشآت التصنيع العسكري للنظام المقبور، فلتكن هذه بتلك.
ثم ما بال مسؤول آخر، وهو وزير جديد يتحدث بصغار على المواطن عندما أطلق صفارة إنذاره قائلاً ليكن أكثر من عائلة في غرفة مستخدمة مبردة هوائية، قد خرجت من الخدمة في معظم دول الأرض قبل خمسين عاماً بالتقريب، هل حرام على العراقيين استخدامهم لأجهزة التكييف، وحلال على وزيرنا الموقر ومسؤولي الدولة، {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى }النجم22.
أو أن العراقيين أقوام قد عفى عليهم الزمن وكانوا لزمن غير هذا الزمن وبسبق منهم إليه، فكان حقهم مبردة هوائية، ومن الإنصاف حق الوزير وآخرين إلا إذا قلنا انه استثناء من القاعدة المذكورة.
وأنه جاءنا من كوكب دري آخر غير كوكب العراق الذي عانى الأمرين من نظام سابق مرير ظالم مستبد، ومن نظام جديد فوضوي ولكنه ليس من جديد في مجال الأعمار والبناء. وبالتالي فمثلنا المتقدم من عودة حليمة الى عادتها القديمة حيث يجري عين ما كان جارياً في السابق اللهم إلا نسمة الحرية التي يتمتع بها العراقيون، إلا أن ثمنها باهض جداً، بما لا يعادله ثمن وهو الأمان المفقود.
كما قال سيد الموحدين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): نعمتان مفقودتان، الصحة والأمان.
ومن نعم هذا النظام الجديد انه قد حقق الامتياز في فقدان هاتين النعمتين، ولكنهم يعلقون فشلهم على الدوام برواسب النظام السابق وأخطائه، وقد فاتهم أن يقرأوا القرآن {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }البقرة134.
غرائب زماننا
الغريبة الأولى: فوجئنا بتعطيل دوائر الدولة يوم (14) تموز، ولم يكن بالحسبان باعتبار انه من أعياد الدول لما تمثله مناسبته من حدث سياسي مهم وهو تحرير العراق من الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، وإذا كنا نعطل على هذا الأساس فما بالنا ونحن محتلون الآن ولم نسع لتحرير بلدنا ليكون احتفالنا انطلاقة لنا نحو نفس الهدف الذي حققته ثورة تموز المحتفل بها تعطيلاً، وخصوصاً نحن محتلون من أكثر من دولة الآن وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وبعض دول الجوار.
الغريبة الثانية: وصدقني انه زمن الغرائب حينما نستورد (حب عين الشمس) من دول الجوار وطابوق الرصف، والطابوق البنياني، واللبن المشنون، وغيرها من قائمة تطول يضحك علينا منها من يضحك ويتشمت بنا من يتشمت، حينما تعمد الدولة الى محاصرة الفلاح وهو يزرع الأرض من جهة المياه، والكاز لتشغيل مضخات المياه، والبذور والسماد والتي ارتفعت أسعارها الى أرقام أصبحت (لا تأتي بهمها) ربما تكون فذلكة ومناورة سياسية لإرضاء بعض دول الجوار الذين زادت صادراتهم الى العراق حتى وصلت الى (8) مليارات لبعض، و(6) مليارات لآخر، و(4) مليارات لثالث.. والحبل على الجرار وقد تدخل في هذه لعبة الكهرباء وتدمير خطوط نقلها أو تعطيل محطاتها ليبقى الحال يملأ جيوب وخزائن الجيران.
الغريبة الثالثة: إننا لم نجد من ينصح هذا الشعب بحرص المواطنة وحرقة البلد ومصيره المجهول الذي سيلويه السياسيون بصراعهم الفوضوي على مواقع ليست من استحقاق فيها لبعض منهم ولكنهم يسيرون طبق المثل (حشر مع الناس عيد) أو على ما يقوله آخر (على حس الطبل خفن يرجلية) وآخر ما وجدنا في نفوس البعض الأعم الأغلب منهم أن الوطنية هي مصائد المغفلين من الجماهير عندما تصيدهم شباك الساسة في جولتهم الانتخابية، وشعبنا يبلع الطعم ولا يدري ما يفعل به فاقرة
الغريبة الرابعة: إننا الى الآن لا نعرف أن بلدنا بيد من؟ ومن هو صاحب السمو، والسيادة في هذا البلد، وأين هو مركز القرار، ومن يحدده، وكيف تسيّر الأمور، ربما ببركة دعائهم، كما يقولون بعض أهل السبح واللحى، بفخر المتدين لباساً، نسألكم الدعاء. ومولانا صار. واعتبرها منتهية.. ولكن في دائرة القرار العام من هو القائل، ومن هو المقول له، أنها لعبة رمي الحجارة في الظلمة، علّها تصيب منصباً يتبوأه فلان أو علان، وقد تكون قفزة أمام بعض الفضائيات تصنع منه بطلاً ومجاهداً والباقون من أتباع النظام، ذلك لأن ذنبهم أنهم بقوا داخل العراق يحفرون بجبل النظام حتى إذا ما انهار جاءونا من وراء البحار محررين.
الغريبة الخامسة: ولنسميها (خان چخان) أو نسميها (من غاب القط)، ذلك لأنها تجد أن كل صاحب قرار أو موقع يمثل هو بنفسه السلطات الثلاث من التشريعية والتنفيذية والقضائية حينما يطلق لنفسه شرحها في فهم الدستور وشرح مفرداته، وهذا ما يجده واضحاً في مثال تهريب المشتقات النفطية من بعض المعابر الحدودية الشمالية، بدون وازع من حس وطني أو اعتداد إنساني في بناء دولة عصرية كما يدعون، ولم يعرف الى الآن كيف حسمت هذه المسألة، ومن يهرّب؟ أو يصدرّ؟ ولحساب من؟ وهل النفط ومشتقاته تركة (للخلفوهم) كي يتصرفوا كما يشاءون، وإذا غيبنا الدين كما هو غالب عند المعظم، فأين الرادع الوطني أو التاريخ النضالي أو التباكي على مصلحة الشعب. أنها فعلاً (خان چخان).
وكل ذلك وغيره يتحمله أمام الله والتاريخ والإنسانية من وضعوا وكتبوا الدستور مجملاً في معظم فقراته، واغرب الغرائب إن كتبة الدستور هم من اقتسموا الكعكعة العراقية كما يسمونها، ومن المؤكد أنهم سيكتبونه مقسماً بين نفوذهم ومصالحهم وما مصلحة العراق وشعبه، فعلى حد العرف الأردني (الله يعطيك).
الأفضل العراقيون أم الملائكة
ما يتعرض له الشعب العراقي من شدة وضيق بسبب الأوضاع المتردية والظروف القاسية التي خلفتها أكثر من علة من علل التردي والتقهقر، كالاحتلال، والأزمة السياسية الحالية، وكثرة المشاكل وتعقيدها، وفوضوية العمل، وارتجال المشاريع غير ذي الجدوى الاقتصادية والخدمية، وخاتمة عللها المحاصصة اللعينة التي يراد إلباسها ثوب ما يسميه البعض الذي أفلس من المقاعد البرلمانية الى حد بعيد بـ( الشراكة الوطنية)، المصطلح الذي طرحناه قبل خمسة سنوات بالتقريب، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وعلى هذا فما يواجهه العراقيون يعد خارج عن المألوف والمتعارف في أفقر دول الأرض قاطبة، كما يشاهد في وسائل الإعلام المرئية، ومن هذا وذاك يبدو السؤال المطروح في عنوانه غير مستغرب، لأن التحمل والصبر على قساوة من الأمور وتعقيد من الظروف ينقل العراقيون الى مصاف الملائكة بل أفضل، من جهة تضمّن المخلوق الإنساني شهوات ومثبطات تدفعه الى الضجر والاعتراض وتجعله يتصرف بمنطق الحيوانية والبهيمية عندما تستولي على عقله ووجدانه وتصرفاته هذه القوى، ولكنه بالعقل والصبر والإيمان بالله، وأنه مع الصابرين المحتسبين، يضاهي ملائكته إن لم يكن أفضل منها مرتبة ومقاماً عند رب العالمين، مع ملاحظة أن الملائكة عقل بلا شهوة، وقد قالوا في الفلسفة والعرفان أن بدءها وحشرها واحد أي أنها لا تتغير في سيرتها الوجودية بخلاف الإنسان فإن بدءه غير حشره وأنه يتكامل بحركة (جوهرية) الى مراتب وجودية عالية قد يتفوق بعض البشر فيها على مرتبة الملائكة.
ولكن هذا الجانب المتقدم من علاقة العراقي بربه ورضاه بقدره وقدرته، لا يعني بالمرة رضاه بما يقع عليه من ظلم واضطهاد، فإن ذلك جانب وهذا جانب ولا ينبغي الخلط بينهما فالرضا بما قضاه الله وقدره لا يلازم رضاه بالظلم والتجاوز على حقوقه وإنسانيته بل وعلى حقه في حياة كريمة يشعر فيها بإنسانيته ويشارك بها غيره من شعوب الأرض.
فإن النظر في علاقة العراقي مع الله غير النظر في علاقته مع القائمين على شأنه من أهل السلطة والسياسة، بل والوجاهة الدينية والاجتماعية، فإن الصبر على تردي الخدمات وانعدام الاستقرار، وضياع الحقوق المدنية وما كفله الدستور العراقي للمواطن يعتبر شعوراً بالرضا بالمقسوم مع ترديه وضحالته، وشيمة العراقيون تأبى ذلك، بل وترفضه إلا أن رفضها له يأخذ صور متعددة من الامتعاض تارة، والاعتراض أخرى، والخروج ثالثة كما حصل في ملحمة الكهرباء السابقة التي ألجأت المسؤولين على الإنصات لطلبات الجمهور وتحقيق شيئاً من تحسين الوضع الخدمي الكهربائي، والذي استقر لحين ثم اخذ الآن بالتقهقر والرجوع الى وضعه السابق، وكأن الدرس لم يهضم، والخروج لم يأت أُكله.
ومن هنا قد يبدأ العراقيون بالتفتيش عن مخرج يختلف كلياً عن ردود الفعل السابقة المتقدم ذكرها، وحينها قد تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن العراق.
1- طرحتم فكرة توليكم لمنصب رئاسة الوزراء هل ترون قبولا في الوسط السياسي لهذا الطرح وما هو تقييمكم للعملية السياسية والحوارات الدائرة الآن؟
لابد أن نشير الى إن طرح المشروع لتولي رئاسة الوزراء ليس هو داخل في دائرة منافسة السياسيين في مجال عملهم بقدر ما هو بيان قدرتنا على تولي هذا المنصب ومعالجة الأزمة التي لم ير لها نهاية في الأفق القريب مما ينذر بتردي الأوضاع أكثر فأكثر، والمتحمل الوحيد هو الشعب المسكين، ومن واجبنا الشرعي أولاً والوطني ثانياً أن نساهم بما نستطيعه من حل الأزمة. فيما لو عجز السياسيون من حلها وتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها زمام الأمور.
وما دامت الوسيلة المجعولة دستورياً لم تأت على علاج الأزمة، فلابد من التفتيش عن سبل أخرى لحلها، وما طرحناه من تولي رئاسة الوزراء غير مختص بنا، بل بإمكان كل مخلص شريف حريص على بلده، يمتلك مؤهلات علمية واجتماعية وخبروية تعينه على ذلك؛ مع إننا نسمع من السياسيين أنفسهم انه بالإمكان المصير الى مرشح تسوية ولو من خارج الكتل السياسية.
إذن هناك مبررات واقعية وسياقية تدفعنا الى هذا الطرح، لإصلاح ما يمكن إصلاحه. مدعومة بخبرتنا العملية في دوائر الدولة ومؤسساتها من وزارات كالدفاع والإسكان، وبعض الشركات الأجنبية خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ولامتلاكنا خبرات إدارية تؤهلنا لهذا المنصب، فلم يكن طرحنا له من فراغ أو للاستهلاك الإعلامي، بل كان طرحاً جدياً يفرضه واقع الأحداث، وحرص الخيّرين على البلد.
ونحن نقف على مسافة واحدة من كل العراقيين على مختلف أعراقهم وطوائفهم وأديانهم، وهذه نقطة قوة لم يمتلكها السياسيون مع التنبيه إنا لا نبغي تحصيل مكاسب سياسية أو إعلامية أو مالية، لأننا نشترط الأمور التالية:
1) قبول شعبي واسع يضم معظم أبناء الشعب ويشكل رأياً عاماً يؤيد طرحنا لنقوم بالأمر متكلين على الله وعلى دعم شعبنا، وليس من الصحيح أن نقفز على الأحداث من دون دعم شعبي واسع، والمتوقع وجود هذا الدعم.
2) قبول تخلينا عن أية اعتبارات مالية من الراتب وغيره، وأن لا نكلف الدولة ما تتكلفه مالية للرئاسات الثلاث.
3) إطلاق صلاحيات رئاسة الوزراء فيما يتعلق بتعيين وإقالة بعض الوزراء دون الرجوع الى تقييد هذه الصلاحية من خلال مرورها بالبرلمان.
المتوقع عدم تفاعل السياسيين أو قبولهم لفكرة تولينا منصب رئاسة الوزراء لاعتبارات لا موجب للخوض فيها في الوقت الحاضر، وقد يكون طرحنا معجلاً لهم على الإسراع في تشكيل الحكومة التي يريدونها غير خارجة عن دائرة كياناتهم السياسية، وإن لم تأت أُكلها على صعيد استعادة العراق مكانته وعافيته المحلية والإقليمية.
والغريب أن السيد المالكي وفي مناسبات عديدة قد صرح بشكل لا يقبل التأويل والتفسير بأن رئاسة الوزراء لا يمكن أن تقوم على أساس محاصصي، وإلا كانت مشلولة وغير فاعلة في عملية البناء والانجاز للبلد، فما دامت المحاصصة قائمة في العملية السياسية فإن الأمور ستستمر على ما هي عليه إن لم ترجع القهقرى.
والمتوقع أن طرحنا هذا سيحرك العملية السياسية الى الأمام لأنه سيشكل استفزازاً واضحاً للقائمين عليها، وإن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يمكن قبوله شعبياً ولا فائدة ترجى من ورائه بما يؤدي الى تداعيات غير مأمونة على البلد ومستقبله، خصوصاً بعد تجربة الكهرباء وخروج الملايين من أبناء الشعب الى الشوارع مطالبين بحقوقهم في تحسين الخدمات.
فعلى السياسيين الاعتبار بهذا الحدث وأخذه بعين الاعتبار والجدية، قبل فوات الأوان وخروج المواطنين الى الشوارع فإن العراقي بطبعه قد يسكت لكن لا الى نهاية، وتجربة الانتفاضة الشعبانية ليست عن أذهاننا ببعيدة، فعلينا جميعاً توخي الحذر وعدم التمادي في هذا الفراغ.
2- سمعنا انك تطرحون أنفسكم لان تكونوا مرجعا دينيا للشيعة هل ترون في أنفسكم الأعلمية لتولي مثل هذا المكان وهل ستتقبل المرجعيات هذا الطرح؟
المرجعية لم تكن ولن تكون حكراً على أشخاص معنيين، وهي موقع استحقاقي يحصل عليه المؤهل من خلال علمه وعمله بما علمه، وهي مبدأ سيال لم يقف عند شخص معين أو أشخاص معينين إذ لم يأت إعطاءً من احد بل ساحته العلمية الحوزوية مفتوحة لكل من يجد في نفسه المؤهلية لهذا المنصب، يشعر به ويجده العامة متلبساً به فيما لو عرفوا منه ذلك ومالت إليهم نفوسهم. وعلقوا أعمالهم على ما يستبطنه ويتوصل إليه من أحكام الشريعة ضمن أدلتها المقررة عند العلماء وبالتالي فهي من حق كل احد.
فانا لم اطرح نفسي بقدر ما للناس في هذا التصدي من تأثير وتفعيل، وبقدر ما يكون العامة من الناس، واقصد المقلدين على قناعة من هذا الشخص أو ذاك، كان له أن يتحمل مسؤولية تقليدهم وإرشادهم الى معالم دينهم ودنياهم، وهذا المقدار بحمد الله موجود، والمجتمع يميل الى ما يميل إليه ممن يجد فيهم الكفاءة العلمية والقدرة التحقيقية، والأمانة والعدالة، والحرص على مصالحهم وصيانة معتقداتهم الدينية ومتابعة مشاكلهم ومحاولة حلها بما يتيسر للمجتهد أو المرجع، وتعتبر شجاعة المرجعية علامة مؤثرة في دعمه وتأييده جماهيرياً.
واعتقد أن رصيدنا من الذين يميلون ألينا بمقدار معتد به يسمح لنا للوقوف على مسؤولية المرجعية الدينية التي نمثلها، وبغض النظر عن رضا الآخرين وعدمه فإن ذلك لا يهمنا لا من قريب ولا من بعيد، بقدر ما هو المهم عندنا إننا نؤدي واجبنا من دون تقصير، بما يمليه الوازع الديني والوطني.
ثم ليعرف الجميع أن التصدي للمرجعية لم يكن في يوم من الأيام محل رضا جميع المراجع ولن يكون في يوم ما، وهذا الأمر وجداني يعرفه من يعيش أجواء الحوزة العلمية، لوجود تنافس شريف على المؤهلين اليه.
نعم، بقدر ما يكون للمرجع أعداد غفيرة من المقلدين، وأتباع ومناصرين يكون تأثيره في الساحة الاجتماعية، والأخذ برأيه في أمهات الأمور، اكبر من غيره.
وهذا مبتني بعد عدم تخصيص القيادة الإسلامية المتمثلة بالإمام المعصوم عليه السلام في زمن الغيبة، عندنا نيابة شخص بعينه أو أشخاص معنيين، بقدر ما كان خاضعاً لعنوان عام كل من يصدق عليه فللأمة مراجعته.
والعنوان العام، هو كونه من الفقهاء، الصائن لنفسه الحافظ لدينه، والمخالف لهواه المطيع لأمر مولاه، فالنتيجة التي رتبها عليه السلام هي فللعوام أن يقلدوه.
وبالتالي لا توجد مشكلة في دائرة مذهب أهل البيت للتصدي للمرجعية الدينية، واعتقد أن كثرة المراجع فيه منافع كثيرة للأمة، منها إنها تلتجئ الى من تجده حاضناً وآخذاً بمصالحها وهدايتها أكثر من غيره، وفي تاريخ المرجعية المعاصرة شواهد على ذلك عاشها الشعب العراقي.
3- ما هي علاقتكم بالتيار الصدري وتحديدا مع زعيمه مقتدى الصدر وهل ما حققه التيار في الانتخابات الأخيرة كان بمستوى الطموح وما الذي يمكن للتيار أن يحدثه من تغييرات في الواقع العراقي؟
لابد من معرفة إننا من أهم ركائز ومؤسسي التيار الصدري، كتيار فاعل ومؤثر في الوسطين الحوزوي والاجتماعي بعد شهادة السيد الأستاذ (محمد الصدر) (قدس سره). ولكن ظروف وملابسات حالت دون استمرار ذلك، ومع ذلك فإن علاقتنا جيدة ولكنها غير فاعلة للتأثير في الوسط الاجتماعي، وإن كنا طرحنا بعض المشاريع لتوحيد التيار الصدري، وما يمكن أن يتخذه من مسار في الفترة الحالية، وبيّنا وجهة نظرنا في مشاركته السياسية، وجاءت الأحداث متوافقة مع ما توقعنا.
والتيار الصدري تيار كبير وواسع وينطلق من الطبقات الشعبية الفقيرة التي غالباً ما تكون مادة للتغيير والبناء، لو أحسن التعامل معها ضمن برامج عمل واضحة، ومناهج مقررة للعمل السياسي والاجتماعي.
4- ما هي رؤيتكم بما يخص المحيط العربي، وهل ترى أن تكون هناك ضرورة بتطبيع العلاقات مع المحيط العربي؟
المحيط العربي هو العمق الجغرافي والسكاني والتاريخي لكل بلد عربي لا يمكنه التقليل من أهميته أو تجاوز مكانته عند الشعب لما يربطه مع محيطه العربي من روابط دينية وتاريخية واجتماعية وسياسية، لو أحسن القائمون على البلدان التعامل معها إنصافاً لشعوبهم وتعزيزاً لقوتهم ووحدتهم.
وإن الوطن العربي يمثل كتلة بشرية وجغرافية وسياسية تملك كل مبررات التأثير في الساحة السياسية العالمية، وعنصراً مهماً من عناصر القرار العالمي لو اصطفت أقطارها تحت مبادئ الوحدة العربية.
ومن هنا فالضرورة قاضية بتطبيع العلاقات مع الوطن العربي وإنه لا تستقيم سياسة البلد إلا بالانفتاح على محيطه العربي، وإن التفريط بهذه العلاقة يعتبر سفهاً بالعمل السياسي الناجح
5- طالب قبل مدة عدد من طلبة الحوزة رصد رواتب لهم من الوقوفات الشيعية، ودعم مكتبكم هذا المطلب، لكن باقي المراجع عارضوا هذا الأمر مما يعني أن عندكم ملاحظات على السياسة المالية للحوزة العلمية، وعلاقتها بالدولة، هل يمكن تفصيل هذا الأمر وتوضيحه؟
مطالبنا بالوقوفات الشيعية الموقوفة حصراً على طلبة الحوزة العلمية والتي يتلاعب بها رئيس ديوان الوقف الشيعي، مدعياً استثماره لها، ولم يعرف من خوله لذلك مع أن المسألة واضحة من الناحيتين الدينية والرسمية بضرورة صرفها على طلبة الحوزة، والمؤسف جداً أن هذه المؤسسات الدينية- الرسمية محتكرة لبعض الجهات الدينية والحزبية كما يشهد بذلك واقعها، وهي من ثمار المحاصصة اللعينة التي لم تجلب لبلدنا إلا الويل والخراب.
ومن الواضح أن هذا الإجراء شكل تحدياً واضحاً لبعض الجهات الدينية كما تعتقد هي مع انه لم يمثل ذلك وليس في الحسبان ذلك بقدر ما يمثل مطالبة إنسانية بحقوق هذه الشريحة من المجتمع التي طالما تقف على أبواب العلماء لتتقاضى رواتب لا تسمن ولا تغن من جوع
وكان أيضاً من حقوقها على المرجعيات الدينية أن تطالب هي بحقوقها وتتبنى ذلك بشكل معلن، من حيث أن الطلبة يمثلون عصب المرجعية الدينية، وأداة عملها وتأثيرها في الوسط الاجتماعي والسياسي.
ولو ثنيت لنا الأمور لأرغمنا رئيس الديوان ومن هو على شاكلته ممن يستغلون مناصبهم لمصالح ضيقة فردية وحزبية، على رعاية هذه الشريحة بالأساس لما لها من دور كبير ومنظم في ضبط حركة المجتمع وتوجيه أبنائه وحماية معتقداته وأخلاقه وأعرافه التي يعتز بها ويدافع من اجلها، إلا أن الأمور وللأسف الشديد ما كانت إلا مغانم وزعت على غير استحقاق، وأصبحت مرسّمة ومعلّمة بعلامة لا يمكن تخطيها إلا بمشاكل أو الصبر عليها إلا بصعوبة.
((هذا الموضوع كان عنوانه في النشرة: مرجع شيعي مستعد لتسلم منصب رئاسة الوزراء.. اجرت جريدة الشرق الاوسط حوار مع سماحة الشيخ الطائي، وجاء في الحوار…….))
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله الوارف)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
هناك ظاهرة أوربية دخيلة على مجتمعنا الإسلامي ومبادئه وقيمه وأخلاقه ألا وهي ظاهرة استخدام الكلاب البوليسية لأغراض أمنية والكل يعلم بنجاسة الكلب العينية.. مما يؤدي إلى تداعيات ومضاعفات غير مقبولة فيما يتعلق بنفس المفتش، وخصوصاً في المناطق والتي تمثل الهرم والصرح الشامخ لمذهبنا الذي ارخص له الغالي والنفيس مع العلم أن التاريخ الإسلامي منذ خلافة بني أمية وانتهاء بهدام العراق لم يشهد مثل ذلك التعدي السافر والانتهاك اللا ديني في مثل هذه المناطق التي تعد خطوط حمراء للتشيع الإمامي.. فما هو رأيكم سماحة الشيخ الأجل وقد عرفتم بمواقفكم الشجاعة ولا تأخذكم في الله لومة لائم.
احمد اللامي
15 – ج2 -1431
بسمه تعالى:
المحافظة على الأعراف الإسلامية والثوابت الأخلاقية من مسؤولية السلطة القائمة من سلطة محلية وحكومة مركزية لوقوع ذلك ضمن الدستور العراقي الجديد وبنص واضح لا يقبل التأويل والإجمال.
وعليه فإن هذه الظاهرة غير مقبولة بالنسبة لأعراف وتقاليد البلد وإن كانت الحاجة الأمنية وما يمر به البلد من ظروف صعبة قد ولّدت الحاجة إليها.
17 – جمادي الثاني – 1431
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يمر المجتمع الإسلامي عموماً وموالوا أهل البيت عليهم السلام بأنواع البلاء والتمحيص ووردت في ذلك أحاديث كثيرة وعلى صعيد الفرد حيث أن المؤمن كلما زاد إيمانه اشتد بلائه وإذا أحب الله امرئ ابتلاه.. وفي نفس الوقت إن الله (عز ذكره) لا يبتلي المؤمن إلا وله القابلية والاستعداد على مواجهة البلاء مما يؤهله إلى النجاح في الامتحان وإذا كانت نتيجة الامتحان هي الفشل فلا يعرضه الله لذلك. هذا كلام ضمني لأستاذكم السيد الشهيد اصدر (رض) الموسوعة/ الغيبة الكبرى.
ولنا أن نتساءل:
1- إن الامتحان نتيجته إما الفشل أو النجاح، وإذا كان احتمال الفشل بعيد أن لم نقل بالعدم تبعاً لقابلية الفرد فإذا انتفت القابلية انتفى الامتحان وهذا مم يرجح جانب النجاح فحينئذٍ يكون مضموناً، فما غرض الامتحان؟
2- كثير ما يفشل الفرد المؤمن في الامتحان وعدم الصمود أمامه بكل أشكاله فهل مؤهلات هذا الفرد كانت متوفرة لديه أم لا وعلى تقدير العدم فلم يعرضه الله لذلك؟ وإذا كانت متوفرة لديه ودرجة النجاح كبيرة جداً فما هو واعز الفشل؟
3- من خلال المقدمة المطروحة من لا بدية توفر القدرات التي تؤهل الإنسان إلى النجاح وعلى قدرها يمتحن بينما نجد في كثير من الأدعية منها (لا تحملنا ما لا طاقة لنا) وغيرها الكثير بنفس المضمون فما الداعي من الدعاء فإذا لم يكن ذلك الاستعداد متوفر فلا يوجد امتحان أي سالبة بانتفاء الموضوع؟
احد مقلديكم
من مدينة الناصرية
بسمه تعالى:
1) إن الامتحان وتعريض الفرد له فرع قابلية الفرد، طبقاً لقوله تعالى ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)) البقرة286، ولكن هذه القابلية متفرعة على إرادة الفرد فإذا اعمل إرادته نجح في الامتحان واستحق بهذا النجاح درجة وتهيأ لأخرى أشد، وهكذا يتصاعد الإنسان في مراتب الكمال كلما ازداد تحملاً، وإذا لم يعمل إرادته وضعفت همته فشل في الامتحان وانكشفت قلة شأنه. وما ذكره من عبارة السيد الشهيد (قده) ليست هي واقع ما يريده (قده).. فراجع الموسوعة.
2) ظهر جوابه في سابقه.
3) ليست معنى الآية هو ما فهمته لأنه يصبح من السالبة بانتفاء الموضوع، بل المعنى لا تعرضنا ما لم نستطع تحمله مع وجود المقتضي لتحمله لاحتمال فشلنا فيه.
18/ جمادي الأولى/1431 هـ
من النجف الى سامراء
هكذا يؤكد المرجع الفقيه قاسم الطائي في منهجه المرجعي الذي يختلف كلياً عن منهج مراجعنا السابقين والحاضرين، وهو قريب المشرب من منهج أستاذه الشهيد في ميدانية حركته وتواصله الدؤوب مع المجتمع العراقي، بكل طوائفه ومكوناته، وقد أخذ على عاتقه وأصبح هاجسه الرئيسي هو لحمة الشعب العراقي، وسد الفجوات النفسية والطائفية التي صنعتها المرحلة الحالية، وفي وقت يعيش العراق صراعاً سياسياً حاداً في تشكيل حكومته التي تأخرت كثيراً، والشعب ينتظر بزوغها، والناس خائفة من مستقبل مجهول قد يرجعها الى أيام السنوات القليلة الماضية التي وقى الله العراقيين شرها وأضرارها.
فقد أخذ على عاتقه مسؤولية إعادة بناء النسيج العراقي وتنقية النفوس مما علق بها من أحداث الطغاة وأوهام أهل الضلال والحرام، وهو دائم الحركة والتنقل بعيداً عن أضواء الإعلام وتكليف الدولة مسؤولية حمايته وتوفير وسائل النقل لحركته، متسلحاً بإيمانه بالله أولاً وبقضية بلاده ثانياً وأنه يعتبرها أول الأولويات التي يتعين على المرجع توليتها اهتمامه، وهكذا أستغل فرصة الزيارة لمناسبة شهادة الإمام الهادي (عليه السلام) ليزور مرقده في سامراء وفي مخيلته أعمال من الضروري القيام بها، وتوجيه أنظار الأمة إليها.
وقد تستغرب حينما تعرف أنه ذهب بسيارته الصغيرة مع سائقه واثنين من حمايته، وبلا سلاح إلا سلاح الإيمان بمنهجه ورهانه على نجاحه في تحقيق ما يرجوه لشعبه وبلده بل ولدينه وحوزته، وسيارة مستأجره فيها عدد من طلبته الأعزاء ، وكانت الجولة قد انطلقت يوم الثلاثاء الموافق (2) رجب 1431 من مدينة الكرار، الساعة الخامسة صباحاً.
ووصلت محطتها الأولى بغداد، حيث قصد بيت والده في حي العامل /بغداد وزيارة والدته وتفقد حالتها الصحية مع بعض أخوته، وأخواته.
ثم قصد محطته الأخرى بعد مكث لم يتجاوز الساعتين في بغداد قاصداً مدينة الجهاد والتضحية “الدجيل العزيزة” وأهلها يرتبطون به بعلاقة حميمة منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث تربطه وقائمقامها علاقة جهاد وصداقة ضد الطاغية،ورابطة عمل في سوق الشورجة مطلع التسعينات، وآخرين من أهلها، وقد استقبل في ضيافة القائمقام .. وأستقر به الحال في حسينية الزهراء في مدينة الدجيل حيث أدى صلاة الظهر والعصر إماماً للمصلين، وتناول الغداء مع أهلها، وتناول الأحاديث مع ناسها ومن التقاهم منها.
وكان يقصد تعزيز الثقة ما بين أهلها ونصحهم الاهتمام بشؤونها والمحافظة على ما تحقق لها من مكاسب، وأنفتح لها من حربه، وحث القائمقام على الإسراع في مشاريع العمران والتأكيد على مشاريع مهمة واستيراتيجية كالكهرباء والخدمات، والزراعة.
ثم قصد موكب الكادر التدريسي من أهل الدجيل على الشارع العام، وكانوا على اشتياق كبير لمقابلة الشيخ بعد لقائه بهم في داره –النجف الأشرف- وإعجابهم الشديد بشخصيته وعلمه وثقافته وطرحه، وحججه، وأقواله في حواراته.
ولكن من المؤسف أنه لم يجد منهم إلا قلة لاشتغال المعظم في الرقابة الامتحانية للمدارس.
ثم توجه موكب الشيخ، بعد أن التحق به بعض المحبين والمقلدين من بغداد بعدد من السيارات كان مجموعها 8 سيارات.
توجه الموكب الى بلد لزيارة السيد محمد أبن الإمام علي الهادي (عليه السلام)وقد استقبله بعض مسؤولي الحضرة، ودار حديث شيق مع مسؤولها المهندس (أمين عام الحضرة) وقد عبر الشيخ عن سروره للقاء الأخوة وحثهم على مواصلة الخدمات لزوار المرقد وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه، وشجع على الاستمرار في الاعمار، واستثمار مبالغ المرقد لمشاريع إنمائية وخدمية يرصد ريعها للمرقد، وقدم في نهاية الحديث مع المسؤول الأول –الأمين العام- للحضرة، خدماته الهندسية والعلمية وهي تحت خدمة الأخوة المسؤولين، فزادهم ذلك سروراً وانشراحاً.
((الى هنا نشر في هذا العدد .. والبقية في العدد القادم))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد أداء مراسيم زيارة المرقد-توجه الركب الى سامراء المقدسة لزيارة الإمامين العسكريين، وكان في استقبال الوفد بعض مسؤولي القوات الأمنية المسؤولة عن المنطقة حيث أوصل الشيخ وموكبه الى قرب الصحن الشريف، وأدى الزيارة والصلاة جماعة في المرقد داخل الرواق-المغرب والعشاء- وبعدها توجه الى أحد مواكب المؤمنين من أهالي النجف الأشرف وكان قد أخبرهم بأنه سيزورهم-إن شاء الله- وقد فعل، وفي الموكب التقى بعض مشايخ سامراء، ودار حديث أخوي موسع تناول ضرورة إعادة لحمة أبناء العراق بعيداً عن التوصيف الطائفي، وإن الضرورة قاضية ولمصلحة الجميع أن يرجع الود الى ما كان عليه، ودعا بعضهم الشيخ لتناول الشاي في داره القريبة من الموكب بمسافة 100م فلبى الشيخ الدعوة وذهب راجلاً مع أصحابه في مشهد استغرب بعض العسكريين منه متسائلين، الى أين؟
وقد رحب أصحاب الدار، وهم من الحسينيين السادة على ما أدعوا، وكانت جلسة للحديث والشعر البدوي أتحفنا به صاحب الدار، وأبنائه وكانوا في غاية السرور من لقائنا، والترحيب بنا.
وعرض الشيخ خدماته لهم فيما يستطيع وبحدود ما هو متمكن منه، وألحوا عليه المبيت عندهم، ولكنه آثر الخروج والرجوع الى الموكب، بعد أن شيعه أهل الدار الى مسافة راجلين.
وبعد الوصول الى موكب-طريق الحق- لأهالي النجف النجباء، وقد استنزف الطريق والحديث والتوقفات الكثير من قوة الشيخ البدنية، وكانت الحاجة الى الراحة، وأخذ قسطاً من النوم.
فتوجه الى أحد الدور القريبة من الموكب، والمرقد، وقد رحبوا به كثيراً أهل الدار وأحد أبناء عمومتهم ممن كان متواجداً هناك، وهم من السادة العباسيين على ما أدعوا، وأخذ الحديث الطيب يدور ما بين الشيخ والمشايخ وقد نبههم على ضرورة إعادة الوضع الأمني الى سابقه، ورجوع التواصل والزيارة الى المرقد باستمرار، لما فيه من خير المدينة أولاً وتنشيط جانبها الاقتصادي، وإعادة موقعها المتميز ثانياً وخلق فرص عمل لأبناءها واستعادة استقبالها لأبناء العراق، وإن مسألة إعادة الأمور بأيديكم يا أهل سامراء، عليكم ضمان الأمن للناس وحماية أرواحهم، وطرد الدخلاء عنكم، وعدم السماح للمغرضين بالدخول معكم.
وتواعد الطرفان على تبادل الزيارات، وبعض الفكاهات من قبل ما قاله أبن عم أهل الدار الشيخ المضيف، أمان يا شيخ-لا تخاف- فأجابه الشيخ الطائي ومن قال لك أننا نخاف، لا نخاف حتى لو ذبحتمونا فضحك الجميع، وقال:( إذا جيناكم لعاد تذبحونا أيضاً) فودع الشيخ ابن عم أهل الدار الشيخ متمنيناً له طيب الإقامة، وقد قام بحراسة الشيخ، أحد الأخوة من أهل الدار فجزاهم الله خيراً.
وعند الصباح من يوم 3/رجب 1431هـ خرج الشيخ قبل الآذان بقليل الى الحضرة المشرفة لأداء فريضة الصبح والزيارة داخل المرقد، بعد أن ودع المضيف وشكره على حسن ضيافته واستقباله وطلب نقل سلامه الى أهالي سامراء.
وبعد أداء الزيارة خرج الشيخ، ولم يكن الوقت ليسمح بالالتقاء بالعاملين هناك والمشرفين على إعادة أعمار المرقد الشريف.
توجه الموكب الى بغداد قاصداً زيارة الكاظمين عليهما السلام، وبعدها توجه الى النجف الأشرف، واصلاً بسلامة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً.
فكانت جولة ممتعة ومثمرة استغرقت 30 ساعة متواصلة تخللها نوم لأربعة ساعات فقط في أثناء المبيت في سامراء.
والحمد لله على وصوله بسلامة وأدائه الرائع في منهج مرجعي، لم يسبق له سابق وربما لا يلحقه لاحق.
وها هو الشيخ يؤكد دائماً أن المرجع هو من يتعين عليه التواصل مع الناس، لا أن ينتظر تواصلهم إليه، وكأنه صاحب حق له عليهم، بل الحق للطرفين على الطرفين، والسابق بأداء حق الآخر هو الأكرم.
{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86