You are currently viewing نشرة النهج العدد 75

نشرة النهج العدد 75

وجهة نظرنا

بيان الى الشعب العراقي (حكومةً وشعباً)

إنكم أبناء ارض حباها الله بكنوز لا تعد، وكنز النفط الذي يشكل أكثر من (90%) من واردات العراق المالية وهو عصب حياتكم ومستقبل أجيالكم، وهو المادة الإستراتيجية الأولى التي لا تعادلها مادة أو سلعة أخرى ولا توازيها أهمية، وانتم أيها العراقيون لا تنظرون إليه كسلعة اقتصادية وحسب وإنما هو مستقبل ومصير وجاه وتاريخ طويل من نضالات مريرة مع الاحتكارات النفطية وشركاتها وامتيازاتها الجائرة، ولهذا فالمصلحة العليا للعراق تتطلب التعامل مع هذه الثروة بصيغة تحتضن المصالح العليا للشعب العراقي من خلال خطة شاملة ذات غايات وأهداف تاريخية على الأمد البعيد وضمن رؤية مستقبلية تلتقي مع آمال وأحلام أجياله وبخاصة الشباب المتطلعين لغد أفضل، كما وتتطلب التعامل مع الموضوع بأهمية بالغة تتجاوز المواقف العشوائية التي تؤدي الى نوع من العبثية والأضرار الفادحة، وانه لابد من إلغاء أي نص يتعارض مع الصيغة القانونية الوطنية الخاصة بالثروات النفطية منعاً للفوضى والمنازعات التي تشق الصف الوطني، وتضمن تكافؤ الفرص في توزيع الثروة بشكل عادل على كل أفراد الشعب العراقي، ومبدأ ذلك دستورياً هو (مركزية الثروة الوطنية) وهو مبدأ معروف ومعمول به عالمياً.

ولكل ما تقدم وللظروف الملحة التي وصل إليها الشارع العراقي من تدني مستوى المعيشة لمعظم العراقيين واعتباره من الدول التي تعيش دون مستوى الفقر حسب إحصائيات المنظمات الدولية، آن الأوان لرفع الحيف عن هذا الشعب عن طريق تخصيص حصة لكل مواطن من عائدات النفط وإعلان المساواة في العيش الرغيد خصوصاً والعراق يملك احتياطياً نفطياً كبيراً ويعد من الدول الغنية.

إن اعتزاز المواطن وانتمائه للعراق مرهون بما يقدمه العراق لكل فرد، وعليه فيجب أن يتمتع كل مواطن بعوائد مالية من النفط وهذا لا يتم إلا بضمان التوزيع العادل للمال العام منعاً لتركيز العوائد النفطية في جملة أشخاص معيّنين أو فئات خاصة، ويجب أن لا تكون موارد الدولة لجماعة معينة دون مشاركة الاخرين وقد تناولت المواد الدستورية (121,112,111,106) من الدستور العراقي ملكية الثروات النفطية والغازية وتوزيع العائدات الناتجة منها باعتبارها ملكاً للمواطن العراقي في كل أقاليمه ومحافظاته.

ويمكن تحقيق ذلك في إطار تشريع قانون يعتمد في أساسه التاريخي على قانون رقم (80) لسنة 1961 الذي أمم جميع الأراضي غير المستغلة من قبل الشركات النفطية الاحتكارية، وقد واجهت السلطات آنذاك المتمثلة برئيس الوزارة عبد الكريم قاسم أشرس هجمة قادتها تلك الاحتكارات مستغلة السفارة البريطانية وشروعها في الأعمال الانقلابية، وقد دعم الشعب هذا القانون بتظاهرات دموية قدموا فيها العديد من الشهداء في أمل إتمام هذا القانون، ومنع الالتفاف عليه وإلغاء مضامينه.

والمشروع المقترح هو إنشاء خزينة وطنية عليا تمول من واردات النفط الزائدة عن سعره الذي قررت الميزانية العامة على أساسه وتقوم هذه الخزينة بجمع هذه الزيادات من الواردات التي تحصل عليها من جراء فرق السعر للبرميل الواحد، ويضاف إليها تخصيصات من عائدات النفط والمخصصة للبطاقة التموينية وصندوق الرعاية الاجتماعية، والفائض من تعديل سلم الرواتب بدأً بالرئاسات الثلاث وكما هو معمول في دول الجوار ليكون منطقياً ولا نسمح بانتقاد الآخرين لنا بالاتهام باستغلال ثروات الشعب.

وتقوم هذه الخزينة بجمع الواردات المشار إليها ولمدة ستة أشهر لتتمكن من توفير خزين استراتيجي يمكنها من السيطرة على التوزيع في ظل ظروف نزول أسعار النفط العالمية لفترات معينة كي لا تتأثر بذلك.

إذ الميزانية العامة قد بنيت على سعر (75) دولار للبرميل الواحد في الوقت الذي يباع البرميل عالمياً بسعر فاق المائة دولار وهذا الفارق بالإمكان الاستعانة به وتسخيره لهذا المشروع العظيم الذي يعين المسؤول على أن يفي بما في ذمته من حقوق أبناء شعبه.

سيحقق هذا المنجز الحل للكثير من المطالب الشعبية التي أخرجت الناس في مظاهرات عامة طالبة تحسينها وستخلق حالة من الرقابة العامة الجماهيرية لثروات العراق وبالتالي سيقطع طريق الفساد المالي وسيحقق كفالة للمواطن العراقي في المؤسسات المالية والبنوك.

وسيكون خير معين للحكومة على أداء مهماتها من البناء والتنمية حتى يشعر المواطن بأن له حصة في واردات بلده وعليه مراعاتها ومراقبة إنتاجها وتسويقها وسيرفع الكثير من الحيف عن أبناء شعبنا..

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة105



قراءة في الأحداث

نحن نعيش أحداث كبيرة في العالم فمن اليابان وأمواج تسونامي حيث وصل ارتفاع الأمواج الى (23متر) نتيجة الزلازل والهزات الأرضية مما احدث دماراً هائلاً وصل الى المنشئات النووية اليابانية والآن الخوف من الإشعاعات النووية اكبر مما حصل نتيجة الزلازل.

ومن جانب آخر أحداث ليبيا والتدخل الغربي ضد نظام القذافي وكذلك اليمن والبحرين وسوريا وما يجري فيها من اضطرابات وكذلك السودان وغيرها.

والقراءة لمستقبل العالم والنظام الإسلامي بصورة خاصة هو اعتقادنا أن العالم مقبل على أحداث عظيمة قد تُبدل نظرة الإنسان بشكل عام والأنظمة بشكل خاص، وقد صرح بعض المسؤولين اليابانيين بأنه لا يريد إحراج اليابانيين بالقول بأن الله يعاقبهم لغرورهم، الأمر الذي نكتشف منه مزيد الحاجة الى الارتباط بالله تعالى بعد أن تعمق وتمادى البشر في جانبهم المادي متناسين حق الفطرة في النزوع والارتباط بالله سبحانه.

ويمكن أن نستوحي من النص القرآني ما يفيد هذه القراءة {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم41.

فما هذه الابتلاءات إلا لإرجاع الإنسان الى دائرة الفطرة والتي مهما حاول البشر تغطيتها لم يقدر ذلك لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومهما كان الخروج عن طبيعتها فإنها ستعود وتجتث رواسب تغطيتها.

فالمجتمعات الغربية بحاجة الى رافد إيماني إن لم يكن أقوى فلا اقل يواري اندفاعهم المادي وتشبثهم بها.

وأما فيما يتعلق بالبلدان العربية وحملات الاحتجاج فقد قلنا سابقاً أن هذه الأنظمة وصلت لنهاية طريقها فلا هي مقبولة دولياً حيث أصبحت تشكل إحراجاً للأنظمة العالمية في تعاملها معها وهن ترفع شعارات حرية الإنسان وحقوقه المقبورة في هذه الأنظمة، ولا هي مقبولة عند شعوبها التي ما عادت تطبق وجودها واستمرارها، وعليها أن تستثمر التغيير المنجز من قبلها قبل أن تستثمره الدول الأخرى، فيكون تغييراً اعور تريده أنظمة الغرب على مقاساتها وتصوراتها وإلا كانت هذه الدولة كالتي باعت حظها بالأدنى.. وبتعبير القرآن (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) النحل92.



الصلاح في الإصلاح

كلنا يعلم أن أكثر من نصف الشعب العراقي يحيون ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام وهم يمشون، ومنهم من يستمر ماشياً إلا في فترات الأكل والنوم لأكثر من عشرين يوم، وهكذا تنقص هذه الفترة الى ما يقارب اليوم الأربعين لأهل المناطق القريبة من مدينة الطف.

وهم في كل ذلك يشعرون بأنهم يواسون النبي صلى الله عليه وآله وبنيه الطاهرين ويوالون الحسين عليه السلام بذلك، ولا يهمهم مخاطر الطريق للزائرين عفواً للسائرين، للفرق بين المفهومين على ما سيذكر، فإن الزائر غالباً بل دائماً يقصد بالزيارة تقدير المزور وتقديم مشاعر الحب والود له وتزداد هذه المشاعر حباً حتى يصل الى حد الولاء المتضمن للطاعة، واخذ الأسوة والعبرة من المزور، وفي ذلك نذكر النصوص القرآنية كالنص ((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) وفي آخر {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}، ويفهم أن النص الثاني مفسر للأول أو مبين للمودة، وهي اتخاذ السبيل الى ربه، وحيث يكون سبيل الحسين عليه السلام الى ربه معبداً بالتضحية ومنتهياً بالشهادة لأجل غاية سامية وهدف رفيع يدافع به عن قيم السماء ورسالاتها، وهو طلب الإصلاح في امة جده وأبيه عليهم السلام متخذاً في ذلك وسيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما لم يكن للزائرين هذا الهدف وتلك الوسيلة فهم سائرون وليس بزائرين، لأنهم يسيرون إليه عليه السلام لا لأجل هدفه وما أراده وما قدم له من تضحيات، وإنما يسيرون بغض النظر عن كل ذلك، فهم سائرون وليس بزائرين.

نعم له حق الأحياء دون مكسب الإرضاء المتمثل بإنشاد الإصلاح، فمن لم يصلح نفسه وذويه او نفسه ومجتمعه فهو يحيي لا غير ولكنه ليس بمصلح، وهو مشارك بدرجة السير دون الزيارة.

وفي النتيجة إن سيرهم وتعبهم مشكور ولكن نسبته قليلة لا تناسب تعبهم وسعيهم وسيرهم المرهق.

ولو هيأوا أنفسهم لطلب الإصلاح كما طلبه الإمام الحسين عليه السلام لنشر العدل ورفع الظلم ورفض الحيف، واتخاذ مال الأمة دولاً بين المنتفعين، لوجدوا ذواتهم تستصرخهم للخروج على كل ما يحصل في بلد الأنبياء والأئمة عليهم السلام، من هدر للمال العام لا يعرف الى أين وفي جيب من؟ وانتشار للفساد واضطراب في النظام الاجتماعي العام حتى وصل الى المستوى الأخلاقي تردياً حينما تظهر بوادر الزواج بالمثل حيث يكتفي الرجل بالرجل في زفة فرج وكأن السماء لم تنطبق على الأرض غضباً في بلد الأديان والالتزام، والعرف والغيرة والشرف ولا من مجيب ليدافع عن حرمات الشرف والغيرة وأحكام الله وتشريعاته.

بل قيم الآباء والأجداد التي ما فرط بها إلا خارج عن جادة الصواب، منبوذ من العوام قبل الخواص، كل هذا وغيره نبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهوائهم ورضوا بدنيا قد تبسمت لهم، لا يعرفون من حلال أتوها أم من حرام ركبوها، الى أن وصل حالهم وأمر أهوائهم تقاعسهم عن المطالبة بحقوقهم الشخصية وهم يأنون من الحيف والظلم بسبب تقصير المسؤولين والمتاجرة بأصواتهم الانتخابية، في تظاهرات قد هيئت الظروف الإقليمية أجوائها واكتملت مبرراتها وشرعت ممارستها، وجد لها من يغرر بهم إقدام مشاركتها، والاستمرار في إدامتها الى حين حصول المطلوب، وتحقق ما يشعرهم بانتمائهم واحترام مواطنتهم في بلد الخيرات العميمة والبركات الكثيرة.

وهنا تخلوا عن السير بعد أن تخلوا في زيارة الأربعين عن الزيارة وهنا لا إصلاح قصدوا ولا مشياً للتظاهر تكلفوا، وقد رجعوا الى الوراء حينما راح المعظم منهم ينتقد المتظاهرين ويرمي باللائمة عليهم ويصفهم بالخارجين عن القانون أو على النظام العام في إشارة الى قول الأمويين لأصحاب الحسين عليه السلام وهو: فقد قال طغاتهم له ولأهل بيته قد شققت عصا الجماعة وخرجت عن الطاعة، فساموه سوء القتال وتكالبوا عليه تكالب عسلان الفلوات يملئون منه اكراشا.

نقول وبضرس قاطع إننا لو سألنا الحسين عليه السلام جدلاً مشافهة عن أي الخروج هو أرضى لنا وأصلح لحالنا، هل خروجنا سائرين للنزهة والتسامر في اربعينيتك ونحن غير مصلحين ولا مستهدفين نصرة الدين ورسالة رب العالمين والدفاع عن المظلومين وردع الظالمين واسترجاع الحقوق، وبين خروجنا للتظاهر دفعاً للظلم ورفعاً للحيف وإصلاحاً للأمة، حاكمين ومحكومين، لقال إن الأخير أولى من الأول.

{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ}الفجر/5.



أين نحن؟

يسود شعور عند معظم العراقيين في الوقت الحاضر بأنهم لا يعرفون أنفسهم، ومع من هم، أو أنهم لأية جهة ينتمون، وعلى ماذا يتناوشون، وأية حكومة تسلمت مقادير بلادهم كانت تهمة توصيفهم بأردأ الأوصاف في حسابات السلطة جاهزة لديها، بحيث لا يستطيع المواطن المسكين أن يتخلص من شراك التوصيف إلا بشق الأنفس إن لم يكن بذهابها، ولا اقل بضياع مستقبلها، ناهيك عن تجنيد السلطة لكل وسائلها الإعلامية وأجهزتها الأمنية لنشر غسيل تهمها الباطلة على تاريخ الشخص وسلوكه العام، وقد تجاوز المعاصرون لعبة التسقيط الى السلوك الخاص، وقد فاتهم من الأمر ما هو معروف عند الجميع بأنهم مقلدون وعلى هدى السابقين سائرون، في مشهد يذكرنا ونحن نستحضر النص القرآني ((كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)) الاعراف38.

ومن صور هذا المشهد البائس والمؤلم لشعب يتعرض لأقسى ظلم في تاريخ الإنسانية مع ما يتعرض له من سرقة ونهب لخيرات عظيمة حباها الله لأرضه وبلاده، ولا من محاسب ولا رقيب، وإذا ما تفوه البعض وقال ما ينبغي أن يقال، فينتظره احد خيارين، الأقسى خيار الموت والتصفية ولا يعرف من يقف وراءها، وخيار التخويف أو التوصيف بما يوحي بإسقاطه اجتماعياً ورفضه شعبياً، وبعبارة- أيضاً هو موت ولكنه معنوي.. يذكرنا أيضاً بمقطع في الزيارة العاشورائية (( لعنت امة قتلتكم بالأيدي والألسن)).

وحال هذا الشعب لا يقع في دائرة التردد في توصيف المتهمين له بل هو فاقد هويته ومصادر في اعتباره وإنسانيته وإلا فإن تهمة مما سنذكر كفيلة بتصفيته إما رسمياً او مافيوياً. ولسان حاله يقول (( الك الله يلما عندك معين)).

فبعد أن وصف المعارضون للنظام السابق بتهمة جاهزة أكلت خيرة أبنائهم وايتمت أطفالهم ورمّلت نساءهم جاءت تهمة ما كان ليتوقع أن يتهموا بها، لأنها عين صفة من كان يتهمهم، فبعد تهمة (الدعوجية) من أزلام النظام المقبور جاءت وحلت محلها تهمة البعثية، وكأن أهل السلطة يترامون التهم على شعبهم المسكين وكانت تهم السلطة صفحة للغدر والخيانة، وأقوام ((معدان)) جاؤوا من أواسط آسيا من شعوبها الى صفوية مقيتة، وفي كلا التوصيفين لسلطة الفريقين هم خارج نطاق شعبهم وهم خوارج بلغة من خرجوا على إمام زمانهم.

وتترامى التهم، فلا يقدر المواطن المسكين وهو ابن الجنوب أن يقول أو يتفوه بالوطنية إلا وهو بعثي أو صدامي وله الويل إن تعاطف معه بعض العراقيين من خارج ما يعبرون بسرب السلطويين، فإن الإدانة جاهزة، والبينة حاضرة وهي هذا التعاطف أو الاهتمام، وإن قبع في جو مذهبيته، وصفه الآخرون بالخيانة الصفوية والعمالة لخارج بلده.. وهلم جرا.

والأمر الأدهى والأمرّ فقد صار معظم المواطنين ممن تسرب له المرض فأصبحوا على آلامه يتكلمون، ومن مرارته يصرخون، الى الحد الذي لا يعرف ماذا يريدون وإلى أي هدف يستهدفون، فإن سكت على شاكلة الساكتين كنت وإياهم من الملومين إذا سارت الرياح بما لا تشتهي سفن الواصفين، وإن تكلمت وتمردت عن سرب الصامتين والساكتين خذلوك في منتصف الطريق، وسلّوا عليك سيفاً استصرخوك به لدفع مظلمتهم والانتصار لحقوقهم فكنت متعدياً الميادين ومتعرضاً للسكاكين وأية سكاكين، ومن جهات ثلاث متوجهين، وأنت في ميدان الاستصراخ متروك كاليتيم، لا يأتي معك حتى من تكلف إمرار يده على رأسك الحنين.

إنها أعجوبة شعب قد أضاع أمره بين أشواك المتصدين، فراح يهرول على ساحة من المتربصين، ولمشاعره ملتفين، ولمستقبله متلاعبين.

فلا أنت مرضي عندهم في سكوتك مع الساكتين، ولا أنت منصور منهم وقد استصرخوك في ساحة الميادين، في مشهد يجر ذاكرتنا الى واقعة الطف الأليمة بينما يستصرخ القوم الحسين عليه السلام حتى إذا ما أجابهم مرجفاً سلّوا عليه سيف البغي متخاذلين، وفي ميدان المعركة له منازلين، وقد تمادوا في غيهم، فراحوا يتراكضون للمشاركة في بغي الظالمين وحزب المتسلطين، ثم انقلبوا نادمين بعد سرورهم في قتله وأهل بيته أجمعين.

إنها لعبة شعب لا يعرف ماذا يريد، وإلى أين يهتدي ويسير، لعبة شعب في كل أزمنته يؤدي بعوائده الى الجيران، ويلطم لطم النسوان يجول دائماً في البلدان، يبحث عن أنين جديد، وألم شديد، يكسر به انهزامه المديد في طول تاريخ عتيد، لم تجده إلا متمرداً على الدعاة ومراعياً سياق البغاة يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقصد، ويوالي من لا يهتم به ويخذل من يتحرق عليه، ويترك أهله تقليداً لجيرانه ويسرق قوته ليوفره لغيره، وينفعل أكثر مما يفعل، ويتشتت لأقل خلاف، ويتبعثر لأتفه سبب، ويحتال على الدين لأجل الدنيا ويلبس لباس الدين حباً لدنياه، ويحبه قولاً ويعاديه فعلاً، ويكرم الغريب ويُبخل القريب، ويزيف الحقيقة لتهجين الدين.

هل رأيت بربك شعباً أعجب من هذا، فأصبح الجميع يسأل نفسه أين نحن من مسيرة الشعوب، وهل فقدنا رشدنا واتبعنا أهواءنا، وضيعنا لبننا، عندنا التحدي احتيال، والصدق هو الشطارة والكذب، والأمانة الخيانة.

هل كنا ندعو كذباً فسكنا في… {مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} إبراهيم45.



خارطة التظاهرات في الوطن العربي

يشهد العالم العربي اليوم تظاهرات سخط واسعة بسبب سياسة القمع والاستبداد التي تمارسها سلطات تلك البلاد، واستمرارها بالحكم شاءت جماهير البلد أم أبت، فإنه حق مملوك (للخلفوهم) كما هو التعبير الدارج في العراق، وهي تطالب بإسقاط هذه الأنظمة التي اكتسبت شرعيتها بالقوة والسلطة واصبحت تكرس مبدأ التوارث لابنائها وهو مبدأ معمول به حتى على مستوى الحوزة العلمية بفتح المجال لهم لممارسة السياسة في ظل حماية الآباء والمرور عبر عدة قنوات سياسية، واجتماعية بل ورياضية ليصبح شخصاً مقبولاً قد هيأت النفوس واستعدت لقبول تسلمه السلطة حال رحيل الأب القائد، وقد ذكرنا في مقالات سابقة بأن مثل هذه الأنظمة المعبر عنها بالشمولية، والاستبدادية تواجه أمرين، الأول عدم مقبوليتها وفق معطيات السياسة الدولية الجديدة، وانتشار شعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير وهلم جرا، والثاني أنها وصلت الى نقطة نهايتها وفق منطق حركة الأشياء الذي بثه الله في عالم الإمكان وفق سنن معينة لا تتبدل ولا تبدل، وما التظاهرات إلا حالة التعبير عن الأمر الأول، وستأتي أكلها لا محالة بعد أن تعرف بأن الأمر الثاني متوفر الآن كما هو واضح لكل قارئ جيد لمفردات السياسة وشؤونها.

وعلى ما تقدم فإن الوقوف أمام هذه التظاهرات ضرباً من الانتحار تقترفه الأنظمة والسلطات، وبالتالي فهي تجازف بكل تاريخها وارثها بل وأكاذيبها التي جندت لها وسائل إعلام احتكرتها لأنفسها طيلة بقائها في السلطة، ذلك لأن السنة قاضية ولا مجال للوقوف أمامها، نعم هناك ترويض للتظاهرات وفق منطق الحفاظ على ماء الوجه وعدم سحب الأمور لتداعيات تحرق الأخضر- إن كان موجوداً عند هذه الأنظمة- واليابس وهو كل ما قدمته لشعوبها خلال تاريخها الطويل في السلطة، وبالتالي فهي ثورة بكل معاني الثورة وستخلق إفرازات جديدة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، هذا الترويض يتحقق حينما يصغي الحكام لصوت شعوبهم ويتحركوا بسرعة لانجاز مطاليبهم، والقبول بأي عرض تقدمه الجماهير ولو كان بالتنحي عن السلطة، فإن قبول إرادة الجماهير بشكل ودي وهادئ سيشكل حاجزاً نفسياً وأخلاقياً يمنع من اندفاعها في الإساءة للنظام أو تدميره بالكامل، وهذا ما يقرأ في التظاهرات الحالية.

وهناك تعامل مشين لبعض الحكام مع هذه التظاهرات وفق منطق كسر العظم لأنظمة عربية أخرى ذات علاقة سيئة فيما بينهم، حينما تتحرك دول الخليج من خلال جيوشها لإخراس أصوات المتظاهرين في البحرين، يكون ثمن سكوت الإدارات الغربية الموافقة على الحملة العسكرية ضد ليبيا القذافي، أضحوكة العصور بتكاليف مدفوعة مسبقاً لها من خلال الأمراء الخليجيين، كسراً للقذافي الذي يعلم الكل كم هي سيئة علاقته مع آل سعود، فيما يتحرك النفس الوهابي لتحريك تظاهرات احتجاجية في سوريا وإرباك النظام هناك، ومحاولة العزف على وتر الطائفية المقيتة من خلال الدعم الواضح للمتظاهرين للحراك الواضح بين النظامين السياسيين السوري- السعودي في مناطق الصراع وتأكيد النفوذ في ترتيب أوراق العملية السياسية في لبنان، ودعم المقاومة فيه، والمظاهرات هنا وفق هذا المشهد تعبير ووسيلة ضغط وتسقيط أو إسقاط للأنظمة العربية بعضها البعض، وهنا مكمن خطورة بعض التظاهرات حينما تتحول الى سلاح بيد من هم خارجين عن أنفاس الشعب المتظاهر ولا يهمهم إلا إسقاط نظامه، والتهام مكاسب تظاهرات شعِبة وإدخالها في خانة لعبة سياسية قذرة قد تذهب بكل التضحيات التي قدمها المتظاهرون، وبكل المكاسب التي جنوها منها، الأمر الذي يعني بوابة دخول النفوذ الأجنبي الى دائرة ترتيب الأوراق السياسية لهذه البلدان، وبالتالي مصادرة جهود أبنائها والتحكم في تسيير عجلة حركتها السياسية وفق مخططات أخرى لا تضع في حساباتها مصلحة المتظاهرين وأهدافهم.

ومن هنا تدخل الفتنة الغربية في تأزيم الأمور وتعقيد المشهد على أكثر من صعيد، وهذا ما نشاهده في العراق وإن لم يسقط نظامه بالتظاهرات بل سقط بالاحتلال بدعوى التغيير ونشر الديمقراطية، التي لا يتجاوز افقها جغرافية البلدان الغربية المصدرة لها.



تصريحات الطالباني

هذه التصريحات ما كانت لتخرج من فم الرجل الذي موقعه رئيس الجمهورية لو كانت العملية السياسية غير مستبطنة للمحاصصة البغيضة والنظام الانتخابي المسبب لبقاء جملة من السياسيين بما فيهم الرئيس جلال في دائرة السلطة، وهم يلتفون حول النظام لأجل الغاية المذكورة، فمن قائمة مغلقة الى مفتوحة مغلقة والله العالم كيف ستكون مستقبلاً.

وهذه المحاصصة تقتل الدافع الوطني وتجعل المسؤول متشرنق بحالته القومية أو الطائفية أو الحزبية يتحرك وفق إيحائها، وما الاطار الوطني المدعى إلا شماعة للتغرير بالجمهور وتلبيس الأمر عليهم.

والأعجب صمت الجميع وعدم إبداء أية معارضة أو استنكار لمثل هذا التصريح الذي ألقى الرئيس بثوبه الوطني ولبس ثوب القومية الكردية وكأنه رئيس للكرد من خلال عنوان رئاسة جمهورية العراق.

كفى ضحكاً على الذقون وإن استمرار الحال محال وفق طبيعة الأشياء وسيرها الطبيعي.

ومن الحق أن نسأل البرلمان والسيد المالكي، أين دوركما من هذا التصريح؟ ولماذا هذا الصمت؟ وأن نقده واجب عليكما وليس نـقد التظاهرات هو الواجب! ونقول بأن كردستان هي قدس العراق ولا يمكن التفريط بها.



قد حصلت القيامة

القيامة: يوم يقوم الناس لرب العالمين وقد حشروا من قبورهم يتبعون صيحة الداعي لمن الملك اليوم، لله رب العالمين، وهو أعدل العادلين، وأصدق القائلين، وهذه مجموعة من العقائد التي يتفق عليها كل المسلمين بل معظم البشر إلا شرذمة قليلون.

والقيام يعني فيما نفهم الانتفاض عن كل الأوهام التي تلبسنا بها وتحركنا في طريقها ظناً منا بأننا مصيبون، وعلى الصراط سائرون، مع أننا نعلم علم اليقين، بأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً، والانتفاض عن كل الوسائل والسبل التي لا توصل الى الحقيقة والإنسان لا يقبل أن يواجه بها، ولكنه سيرضخ إليها شاء أم أبى، يوم تبلى السرائر، وتنكشف الضمائر وتكشف الأغطية، فالأبصار حديد، والحكم لله العزيز إن تصطف كل المفاهيم والأفكار والمعتقدات في إطار واضح يحدد هويتها الواقعية وصبغتها الحقيقية، والى أي طريق تميل والى أي منهما تحسب، أطار وضعه الخالق لخلقه، أين نضع كل أفكارنا ومفاهيمنا وسلوكنا في صف الباطل أو الحق، وهناك في عرصة القيامة، يخلى الإنسان وطبعه وفكره، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }سبأ46، حيث لا رأي عام تصنعه آلة الإعلام أو السلطة الواقعية وهي لا تنشد الحقيقة، بل تنشد مصلحة من يمولها ويوجهها، و لا الزامات اجتماعية أو ارتباطات حزبية أو منالات مصلحية أو ولاءات تقليدية أو وشائج عشائرية أو توافقات سياسية أو تحالفات عسكرية أو استمالات صداقية أو اعتبارات عرفية أو استحقاقات جيرانية أو تحاللات سلوكية أو خزعبلات عرفية أو كيانات وهمية أو سلطنات هوائية أو تنجيمات اسطورية أو استفزازات تخوينية أو استعمالات تطميعية أو مجاملات هوائية أو توددات استنزافية هناك الحقيقة وحسب، ينطق بها الجميع ولا يتجاوزها أحد مهما كان.

هنالك يحكم الفرد على نفسه ويضع كل ما في جعبته في خانة الباطل، ويحسبه أنه يحسن صنعاً في هذه الدنيا، التي تنكرت لأهلها وأدبرت ملء رغبتها، حتى صار فيها الكذب سجية وشطارة ومطية، وغدا الصدق عبوة قد تنفجر في أي لحظة لتمزق حاملها ومن يتجرأ على التحدث بها، وأمست الخيانة وطنية، والوطنية عمالة ورجعية، والشجاعة صارت سمة المتمردين ولبس الأشقياء المساكين، ومذمة الخلق أجمعين فيما صار الجبن منقبة ووساماً يعلق على صدور النسوان ومخنثي الزمان.

والاحتيال مغنماً والأمانة منكسة، والمداراة لأهل الباطل سجية، والتخويف من أهل الحق والتنفير منهم ومحاولة تسقيطهم بمختلف الأساليب القذرة والافتراءات المفتعلة اتجاهاً والسرقة وسام الرجال فيما العفة قميص القدماء والمتكاسلين، والقائمة لا حد لها من انقلاب بل قيام المفاهيم على عكس مضامينها، وكانت الدنيا قد تنكرت لأهلها وأدبرت عن موضع بدايتها فلا هي تستقيم الحال ولا ترضى عن محتال حاول بيعها بأرخص الأثمان فباعته جيفة يعتبر به الإخوان، فالمغرور من غرته والشقي من أمنته وأسعدته سعادة مشوبة بالآهات ومخلوطة بالعداوات، المزروعة بالأشواك، ومن حقارتها أنه لا يعصى لله إلا فيها دون بقية عوالم هذا الكون الفسيح وإذا بدأت مخلوطة بمنكر قليل وغير عميم، فانتكس أمرها فصار شرها عميم وخيرها ضنين يوصف فاعله بالمغفل أو (القديم)، إنها فعلاً انقلبت وقامت قيامتها حيث ينتهي أمدها عندما يتسيد الشر هذا العالم، وتقوم الدنيا على خراب أهلها، وحينئذٍ لا مفر من يوم الحساب، حين يقوم الناس لرب العالمين، يقول واحدهم فاراً من أخيه وأمه وأبيه..

{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً }الفرقان28



سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

بما إننا نعيش تظاهرات تغييرية وإصلاحية في العالم العربي عموماً وفي العراق خصوصاً فنرى من الجهة الإعلامية تسليط الإعلام على بعض دون الآخر وخصوصاً في العراق وبدا تقهقر واضح في مظاهرات العراق، فما هو رأي سماحتكم بالوضع الحالي للتظاهرات؟ وهل هناك ثمار من الاستمرار في التظاهر؟

راجين تنويرنا بتوجيهاتكم.. وفقكم الله.

السيد حسين المرياني

بسم ال.. الر.. الر..:

نجمل الأسباب الموجبة الى هذا التقهقر المتراثي بــ :

أولاً: أسباب من المتظاهرين أنفسهم، فإنه مضافاً الى تشتتهم واضطراب أهدافهم ما بين ضيقة وشخصية لا تناسب قيمة التظاهر وأدواته، فإن البعض منهم له أهداف تبعية إما الى بعض الجهات السياسية المشاركة في الحكم أو الى أخرى تريد الاصطفاف في صف ما يسمونه المعارضة وهي اسم بلا مسمى، والى ثالثة تشارك لاستنزاف الوقت وقضاء ساعات لقتله بعد أن لم تجد ما تقتل وقتها به وضياعها، وهؤلاء قلة ومحدودون جداً وكانت التحضيرات لها غير مستكملة، وقد حملت فوق طاقتها وهي بحاجة الى تكامل وعي المتظاهرين لتنطلق بقوة وسرعة لهدفها، وأن الاستحضارات الشعبية كانت دون المستوى المطلوب وأسبابها ما سنذكره في الآتي.

ومع كل هذه الأسباب فهي تمثل انطلاقة جيدة وخطوة صحيحة ليشعر الشعب انه مساهم في العملية وهو أُسها وكما له ان ينصب بصوته من يشاء فإن له أن ينحي من يشاء لو اتحدت كلمة المتظاهرين وانطوت تحت عنوان معروف ومؤثر وله من الوزن الاجتماعي ما لا يمكن غض النظر عنه، مع مؤهلات أخرى ومواقف مشهودة، والاستمرار بها على نحو معقول ومتوازن وذات خطاب واقعي وممكن، ستؤدي في نهاية المطاف الى المرجو منها.

ومن نافلة القول: إن بعض المتظاهرين، ومن يقف من ورائهم يتظاهرون فوق المعقول من خلال مطالبتهم بالتغيير لا بالإصلاح، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن البلد غير محكوم لأهل السلطة ولا للمطالبين بالتغيير، حيث الاحتلال وإدارته القاهرة والتغيير في ظله لا يؤدي الى شيء، وأما الإصلاح في الجهاز الحاكم فهو أمر ممكن وفق الإمكانيات والمطالبات المرفوعة والاحتلال الذي هو مانع عن التغيير لا يخرج بالتظاهر كما يفهمه الجميع، وبعض المتظاهرين يرفع شعار كلا كلا احتلال، ولكن نبهنا لأكثر من مناسبة إننا نعيش الشعار لأجل الشعار لا لأجل ما يؤدي إليه الشعار، من تحفيز دائرة الوعي ورفع العزيمة، وتقوية الإرادة في السعي وإخراج الاحتلال، وإلا الشعارات لا تخرجه ولو بقت ترفع الى ما شاء الله، فالشعار مثل الدعاء لا يستجاب الا بالعمل، والشعار لا يعطي ثماره إلا بالمثابرة والسعي والعمل لانجاز ما يؤديه الشعار.. وحاله المثل القرآني {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} النور39.

ثانياً: من خارج المتظاهرين، ويمكن تقسيمها الى داخلية وخارجية.

أما الداخلية فتقسم أيضاً الى قسمين.. مؤسسة دينية، ومؤسسة سياسية.

الأولى: تباينت مواقفها من التظاهرات وتأرجحت ما بين اليمين واليسار، من فتوى التحريم بدعوى الحفاظ على النظام العام، والمفروض أن المتظاهرين قد التزموا الحفاظ عليه، الى التشجيع والحث عليها من دون موجب لإلزام المتظاهر بها أو بعدها لإبقاء حالة الاختيار الواعي عنده وإبعاده عن التحريك من خلال الإلزام الشرعي، كما قلناه في الانتخابات مراراً وتكراراً.

ونحن نعرف الثقل الذي تمثله المؤسسة الدينية في شعب العراق حيث الارتباط بعلمائه وعدم الخروج عن دائرة فتاواهم وأوامرهم أو نصائحهم في الشؤون الاجتماعية أو السياسية.

هذا مضافاً الى ممارسات من البعض لتطويق التظاهر في ساحة التحرير من خلال تظاهرات تأييدية لبعض الدول العربية  صاحبها تحشيد إعلامي واسع لها من خلال القنوات الحكومية وغيرها، وعندما تتضخم الآلة الإعلامية فإن رأياً عاماً سيصاغ باتجاه ما وفي ذلك معرقل كبير وهائل عظيم للخروج في ما يتعلق بالاستحقاقات الشعبية، والحقوق المكفولة للشعب دستورياً.

والتظاهر للحقوق أولى من التظاهر للتأييد ومبدأ الأولوية مبدأ معمول به حتى في علم الأصول عند الفقهاء، وهذا ما يذكرنا بالمثل الذي نضربه دائماً لمن يعمل ليكون أنتجاه لغيره، كالأعور الذي سلمت عيناه بعد العملية الجراحية فطار فرحاً بسلامتها ولكن نَسي انه خلال مدة العور كان يوصل ما يتسوقه لأهله الى الجيران.

وقد تؤثر الدائرة الدينية بتوصيف التظاهر عند الجمهور بصورة طائفية فعلماء هذا الفريق يسحبونه الى جهة وعلماء الفريق الآخر الى جهة أخرى حتى باتت الأنفاس الطائفية تعيش في أجواء التظاهر.

فمن فريق يرى بعض المعممين وهم مشاركون في التظاهر حتى يتفجر غضباً رافعاً شعار (إيران برة برة) فيما يوصف الآخرون من قبل البعض بأنهم وهابيون وبعثيون في إشارة واضحة الى الطائفة الأخرى، حتى أصبحت ساحة التحرير ساحة سجال ما بين مؤيدين لإيران- كما يصفه البعض- وما بين معارضين لها.

وفي جو كهذا لا يهتدي المواطن الى اتخاذ قرار صحيح في المشاركة للحيف الذي وقع عليه ومن خلال انعدام الخدمات وضعف الأمن والأمان وغيرها، وبين ما يصوره هذا المشهد من دعم لأعداء الشعب وإذناب النظام السابق.

والثانية: وقد استعانت بالمؤسسة الدينية، فقد استعدت بكافة إمكانياتها وكانت على أهبة منازلة كبرى مستخدمة قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وتعبئة عامة توحي بمظهر حربي أوقع الخوف في قلوب الناس فكأن لسان حالها يقول (الباب الذي تأتيك منه الريح سده واستريح)، فقد كانت استحضارات السلطة تفوق تصور المتظاهرين العزل حيث لا يتعدى عددهم بضعة آلاف متظاهر اعزل في مقابل أكثر من ربع مليون في العسكر، وبعضهم مجهول الارتباط، جيشاً أو شرطة- على ما وصفه بعض المتابعين-.

وأما الخارجية: فهي تتحرك بوحي من مصالحها، وفي حساب الكسر والانكسار- التعبير المستخدم عند علماء الفقه والأصول- وجدت أن الحيلولة دون خروج المظاهرات المنادية بالإصلاح لا بالتغيير هو الأوفق بمصالحها فجندت كل ما لديها من طاقات ونفوذ، وحاول إعلامها تغييب متعمد للتظاهرات في العراق وتركيز واضح على ما يجري في بلدان عربية أخرى.

هذا كله، ناهيك عن دور الأحزاب والكيانات السياسية في البلد وتقصير واضح في الدور الرقابي والدعم التشريعي لهذه التظاهرات من مجلس النواب المنتخب الذي انتخبه الشعب ليقف معه في مطالبه، فوقف معه في اطار اقوال خجولة لم تستطع المؤسسة التشريعية أن تترجمها الى ممارسة ميدانية في ساحة التحرير صيانة ومشاركة للمتظاهرين، وفي ذلك تقوية لمؤسساتها في تفعيل دورها الرقابي على الحكومة الذي أقبر بمشاركة كل الكتل في الحكومة.

وفي مثل وضع كهذا كان يقين المتظاهر المسكين في مهب الريح، وهو يرى تراثه منهوباً وأمله مقتولاً وسعيه مأثوماً.

هذه قراءتنا.. وقد اتضحت الثمار في استنهاض الوعي السياسي للمواطن، وقدرته على تحريك الحكومة ومؤسساتها لتقوم بواجباتها تجاهه، ومسؤولياتها الدستورية، وبدأ الحراك واضحاً، ومع الاستمرار والحضور الجماهيري ستزداد حركة الحكومة لتحقيق اكبر انجاز ممكن وعدت به أو التزمت به دستورياً.

والخوف من توقفها فأنها لو توقفت لما أمكن استنهاض النفوس مرة أخرى للممارسة الحضارية بالتظاهر، وسيقول الناس {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} الفرقان28.

ونعتقد بأن هذا التواجد وإن وصف بالبسيط هو اكبر انجاز سياسي يحققه المواطن العراقي في علاقته مع حقيقة الديمقراطية ومضمونها إذ لا معنى للديمقراطية دون تعبير عن الرأي بصراحة وشجاعة، ومن دون تظاهر لإبراز هذا الرأي وتحفيز الحكومة على العمل الجاد والسعي الحثيث للوفاء بالتزاماتها في البناء الديمقراطي وانجاز مبادئه من الحرية والعدل والمساواة

ولا معنى للاستيحاش بالنسبة للمشاركين من قلة عددهم فإن النجاح طريقه على الدوام محفوف بالمجازفة، وعندما تمر العاصفة سيعرف ثقل كل واحد ووعيه وفكره وعمله وإخلاصه..

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} العنكبوت2

قاسم الطائي         

15 ربيع الثاني 1432هـ