هل يتكرر النموذج اللبناني
أفرزت الانتخابات البرلمانية العراقية وضعاً عراقياً شبيهاً الى حد ما بالوضع اللبناني من حيث التوزيع البرلماني على أسس يمكن تسميتها إقليمية دولية، وقد كان تقارب المقاعد والنسب المئوية من حيث التمثيل البرلماني، قريباً جداً الى ما حصل بالانتخابات اللبنانية، والتي أولدت حكومة بعد مخاض عسير من الحراك السياسي الصعب، تتجاذبه تدخلات إقليمية وعربية معروفة، حتى حسمت الأمور بعد توافق جميع الفرقاء الداخليين والإقليميين، وما يلحظه المواطن العراقي هو قريب الصورة من الوضع السياسي اللبناني، مما يثير في النفس سؤالاً قد طٌرح فيما سبق، وأكدت أحداث الساحة وحركة السياسة العراقية جهة الإجابة السابقة عليه وكان السؤال هل يراد لبننة العراق؟. وهاهي الطبخة السياسية تؤيد ذلك وتدعم صحة القراءة السابقة، مما يضع المشاركون في العملية السياسية أمام خيارات صعبة جداً، أصعبها وطنية العراق وأحقية الهوية العراقية وتقدمها على الهويات الطائفية المشدودة من قبل بعض دول الجوار بل جميعها في الواقع بلا استثناء، وكذلك تقدمها على الهوية القومية لتعود هوية العراق عربية خالصة في تمثيلها بأعلى سلطة أو بوجهها الخارجي، وهو ما يثير مخاوف أطراف داخلية من جهة الابتعاد عن هذا الاستحقاق الذي تدعيه لنفسها، وصعوبة الحل تكمن في انعدام المشتركات ما بين النقيضين، فأما أن يرتفعا ولا محال لارتفاعهما وأما أن يجتمعا وهو كذلك في عدم المجال ولا ثالث لهما، والقبول بأحدهما مربك لوضع العراق داخلياً وخارجياً والسعي لإرضاء الجميع غير ممكن.
أن الحكومة المقبلة مطالبة أن تعي بعمق حجم التجربة اللبنانية وسعة مشكلتها لتكون على دراية تامة في أية خطوة يمكنها أن تخطيها باتجاه العراق وهويته الوطنية، وهي تحتاج لشجاعة في اتخاذ مواقف رئيسية تبتعد فيها عن المجاملات السياسية، وتركز على بناء البيت الداخلي قبل التحرك لترميم العلاقات العربية والإقليمية مع العراق على أساس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
أن أهم عنصر للتخلص من تعميم النموذج اللبناني للعراق هو رص الصف الداخلي على رعاية مصالح العراق والتي تكون مصالح المكونات العراقية في ضمنها محفوظة للجميع بحيث ينتقل من المصلحة الوطنية الى المصالح الضمنية، والسياسي الناجح هو من يرصد المصلحة الوطنية ليحقق مصلحة مكونه، وأما إذا تغنى بمصلحة مكونه فان مصلحة الوطن في نهب الريح ومصلحة ما يتغنى به لن تتحقق أبداً بالحد المطلوب. هذه هي لغة السياسي الناجح في عملية العراق السياسية بل في جميع العمليات السياسية لبلدان الأرض فأن الضرب بالبصر اقصى القوم هو ما يشجع الناظر الى المضي قدماً للوصول الى هدفه وغايته والانكفاء في محطات داخلية استرضاءً لبعض الجمهور واستغلالاً لوعيه البسيط لن يكون مفيداً لجمهوره فضلاً من كونه مفيداً لوطنه.
أن عبور الإطار الطائفي والقومي بات مطلباً وطنياً أكدته الجماهير العراقية الزاحفة الى الانتخابات بهمة عالية وشعارها المرفوع لا موقع لطائفية مقيتة ولا لقومية ضعيفة.
وعلى الجميع أن ينطلق متحرراً من ثوبه الطائفي أو القومي ليكسب رضا العراقيين وطيبة نواياهم.